محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعن علي بن محمد القاساني، عن القاسم بن محمد الاصبهاني، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): يا حفص ان من صبرصبر قليلا، وان من جزع جزع قليلا، ثم قال: عليك بالصبر في جميع امورك، فإنّ الله عزّ وجلّ بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) فأمره بالصبر والرفق، فقال: (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا * وذرني والمكذبين أولي النعمة) (1) وقال: (ادفع بالتي هي احسن ـ السيئة ـ فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقها إلا الذين صبروا وما يلقها إلا ذو حظ عظيم) (2) فصبر حتى نالوه بالعظائم، ورموه بها فضاق صدره فانزل الله عليه: (ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين) (3) ثم كذبوه ورموه فحزن لذلك فأنزل الله (قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون * ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا) (4) فألزم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه الصبر فتعدوا فذكروا الله تبارك وتعالى فكذبوه فقال: قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر الهي فأنزل الله عزّ وجلّ: (فاصبر على ما يقولون) (5) فصبر في جميع أحواله، ثم بشر في عترته بالائمة (عليهم السلام) ووصفوا بالصبر فقال جل ثناؤه: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) السجدة 32: 24.">(6) فعند ذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): الصبر من الايمان كالرأس من الجسد، فشكر الله ذلك له فأنزل الله (وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون (7)) (8) فقال: انه بشرى وانتقام، فأباح الله له قتال المشركين فأنزل الله (اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) (9) (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) (10) فقتلهم الله على يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأحبائه وجعل له ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة، فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتى يقر الله له عيناه في أعدائه مع ما يدخر له في الآخرة.
المصادر
الكافي 2: 71 | 3.
الهوامش
1- المزمل 73: 10، 11.
2- فصلت 41: 34، 35.
3- الحجر 15: 97، 98.
4- الانعام 6: 33، 34.
5- طه 20: 130.
6- السجدة 32: 24.
7- العرش: بناء من خشب، والعريش ما يستظل به، انظر (الصحاح ـ عرش ـ 3: 1010).