- الروح والروح في الأصل واحد، وجعل الروح اسما للنفس، قال الشاعر في صفة النار: - 202 - فقلت له ارفعها إليك وأحيها *** بروحك واجعلها لها قيتة قدرا (البيت لذي الرمة من قصيدة له مطلعها: لقد جشأت نفسي عشية مشرف *** ويوم لوى حزوى فقلت لها صبرا وتسمى هذه القصيدة أحجيه العرب؛ والبيت في ديوانه ص 246؛ والبصائر 3/103؛ واللسان (حيا)) وذلك لكون النفس بعض الروح كتسمية النوع باسم الجنس، نحو تسمية الإنسان بالحيوان، وجعل اسما للجزء الذي به تحصل الحياة والتحرك، واستجلاب المنافع واستدفاع المضار، وهو المذكور في قوله:﴿ ويسئلونك عن الروحقلالروح من أمر ربي ﴾[الإسراء/85]،﴿ ونفخت فيه من روحي ﴾[الحجر/29]، وإضافته إلى نفسه إضافة ملك، وتخصيصه بالإضافة تشريفا له وتعظيما، كقوله:﴿ وطهر بيتي ﴾[الحج/26]،﴿ ويا عبادي ﴾[الزمر/53]، وسمي أشراف الملائكة أرواحا، نحو:﴿ يوميقومالروحوالملائكة صفا ﴾[النبأ/38]،﴿ تعرج الملائكة والروح ﴾[المعارج/4]،﴿ نزل به الروح الأمين ﴾[الشعراء/193]، سمي به جبريل، وسماه بروح القدس في قوله:﴿ قل نزله روح القدس ﴾[النحل/102]،﴿ وأيدناه بروح القدس ﴾[البقرة/253]، وسمي عيسى عليه السلام روحا في قوله:﴿ وروح منه ﴾[النساء/171]، وذلك لما كان له من إحياء الأموات، وسمي القرآن روحا في قوله:﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ﴾[الشورى/52]، وذلك لكون القرآن سببا للحياة الأخروية الموصوفة في قوله:﴿ وإن الدارالآخرة لهي الحيوان ﴾[العنكبوت/ 64]، والروح التنفس، وقد أراح الإنسان إذا تنفس. وقوله:﴿ فروح وريحان ﴾[الواقعة/89]، فالريحان: ما له رائحة، وقيل: رزق، ثم يقال للحب المأكول ريحان في قوله:﴿ والحب ذو العصف والريحان ﴾[الرحمن/12]، وقيل لأعرابي: إلى أين؟ فقال: أطلب من ريحان الله، أي: من رزقه، والأصل ما ذكرنا. وروي: (الولد من ريحان الله) (الحديث عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الولد من ريحان الجنة). أخرجه ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال 4/1467؛ وأخرجه الحكيم الترمذي من طريق آخر عن خولة بنت حكيم؛ وانظر: الفتح الكبير 3/308) وذلك كنحو ما قال الشاعر: - 203 - يا حبذا ريح الولد *** ريح الخزامى في البلد (البيت لأعرابية ترقص ولدها، وبعده: أهكذا كل ولد *** أم لم تلد قبلي أحد وهو في ربيع الأبرار 3/521؛ وشرح نهج البلاغة 3/22) أو لأن الولد من رزق الله تعالى. والريح معروف، وهي فيما قيل الهواء المتحرك. وعامة المواضع التي ذكر الله تعالى فيها إرسال الريح بلفظ الواحد فعبارة عن العذاب، وكل موضع ذكر فيه بلفظ الجمع فعبارة عن الرحمة، فمن الريح:﴿ إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا ﴾[القمر/19]،﴿ فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا ﴾[الأحزاب/9]،﴿ كمثل ريح فيها صر ﴾[آل عمران/117]،﴿ اشتدت به الريح ﴾[إبراهيم/18]. وقال في الجمع:﴿ وأرسلنا الرياح لواقح ﴾[الحجر/22]،﴿ أن يرسل الرياح مبشرات ﴾[الروم/46]،﴿ يرسل الرياح بشرا ﴾[الأعراف/57]. وأما قوله:﴿ يرسل الريح فتثير سحابا ﴾(سورة الروم: آية 48، وهذه قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف) فالأظهر فيه الرحمة، وقرئ بلفظ الجمع (وبها قرأ نافع وأبو جعفر المدنيان، وأبو عمرو البصري وابن عامر الشامي وعاصم الكوفي، ويعقوب البصري. راجع: الإتحاف 348)، وهو أصح. وقد يستعار الريح للغلبة في قوله:﴿ وتذهب ريحكم ﴾[الأنفال/46]، وقيل: أروح الماء: تغيرت ريحه، واختص ذلك بالنتن. وريح الغدير يراح: أصابته الريح، وأراحوا: دخلوا في الرواح، ودهن مروح: مطيب الريح. وروي: (لم يرح رائحة الجنة) (الحديث عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما). أخرجه البخاري في كتاب الجزية 6/269؛ وأحمد في المسند 5/36؛ وأبو داود في الجهاد برقم (2760)؛ وانظر: شرح السنة 10/152) أي: لم يجد ريحها، والمروحة: مهب الريح، والمروحة: الآلة التي بها تستجلب الريح، والرائحة: تروح هواء. وراح فلان إلى أهله إما أنه أتاهم في السرعة كالريح، أو أنه استفاد برجوعه إليهم روحا من المسرة. والراحة من الروح، ويقال: افعل ذلك في سراح ورواح، أي: سهولة. والمراوحة في العمل: أن يعمل هذا مرة وذلك مرة، واستعير الرواح للوقت الذي يراح الإنسان فيه من نصف النهار، ومنه قيل: أرحنا إبلنا، وأرحت إليه حقه مستعار من: أرحت الإبل، والمراح: حيث تراح الإبل، وتروح الشجر وراح يراح: تفطر. وتصور من الورح السعة، فقيل: قصعة روحاء، وقوله:﴿ لا تيأسوا من روحالله ﴾[يوسف/87]، أي: من فرجه ورحمته، وذلك بعض الروح.