- أصل الجبر: إصلاح الشيء بضرب من القهر، يقال: جبرته فانجبر واجتبر، وقد قيل: جبرته فجبر (انظر: الأفعال للسرقسطي 2/260)، كقول الشاعر: - 88 - قد جبر الدين اإله فجبر *** (الشطر للعجاج وبعده: وعور الرحمن من ولى العور وهو في ديوانه ص 4؛ وتهذيب اللغة 11/60؛ والأفعال 2/260؛ واللسان (جبر)؛ والبصائر 1/360) هذا قول أكثر أهل اللغة، وقال بعضهم: ليس قوله (فجبر) مذكورا على سبيل الانفعال، بل ذلك على سبيل الفعل، وكرره، ونبه بالأول على الابتداء بإصلاحه، وبالثاني على تتميمه، فكأنه قال: قصد جبر الدين وابتدأ به فتمم جبره، وذلك أن (فعل) تارة يقال لمن ابتدأ بفعل، وتارة لمن فرغ منه. وتجبر بعد الأكل يقال إما لتصور معنى الاجتهاد والمبالغة، أو لمعنى التكلف، كقول الشاعر: - 89 - تجبر بعد الأكل لهو نميص *** (هذا عجز بيت لامرئ القيس، وشطره: ويأكلن من قو لعاعا وربة وهو في ديوانه ص 93؛ واللسان (جبر)) وقد يقال الجبر تارة في الإصلاح المجرد، نحو قول علي رضي الله عنه: (يا جابر كل كسير، ويا مسهل كل عسير) ومنه قولهم للخبز: جابر بن حبة (انظر: اللسان (جبر)، والبصائر 1/361)، وتارة في القهر المجرد نحو قوله عليه السلام: (لاجبر ولا تفويض) (ليس هذا بحديث بل من قول المتكلمين في مذهب أهل السنة؛ وهو قول جعفر الصادق. انظر نثر الدر 1/363) والجبر في الحساب: إلحاق شيء به إصلاحا لما يريد إصلاحه، وسمي السلطان جبرا كقول الشاعر: - 90 - وانعم صباحا أيها الجبر *** (هذا عجز بيت، وشطره: واسلم براووق حبيت به وهو لابن أحمر في ديوانه ص 94؛ والبصائر 1/361؛ واللسان (جبر)) لقهره الناس على ما يريده، أو لإصلاح أمورهم. والإجبار في الأصل: حمل الغير على أن يجبر الآخر لكن تعورف في الإكراه المجرد، فقيل: أجبرته على كذا، كقولك: أكرهته. وسمي الذين يدعون أن الله تعالى يكره العباد على المعاصي في تعارف المتكلمين مجبرة، وفي قول المتقدمين جبرية وجبرية. والجبار في صفة الإنسان يقال لمن يجبر نقيصته بادعاء منزلة من التعالي لا يستحقها، وهذا لا يقال إلا على طريق الذم، كقوله عز وجل:﴿ وخاب كل جبار عنيد ﴾[إبراهيم/15]، وقوله تعالى:﴿ ولم يجعلني جبارا شقيا ﴾[مريم/32]، وقوله عز وجل:﴿ إن فيها قوما جبارين ﴾[المائدة/22]، وقوله عز وجل:﴿ كذلك يطبع الله على قلب متكبر جبار ﴾[غافر/35]، أي: متعال عن قبول الحق: والإيمان له. يقال للقاهر غيره: جبار، نحو:﴿ وما أنت عليهم بجبار ﴾[ق/45]، ولتصور القهر بالعلو على الأقران قيل: نخلة جبارة وناقة جبار (غريب الحديث لابن قتيبة 1/615). وما روي في الخبر: (ضرس الكافر في النار مثل أحد، وكثافة جلده أربعون ذراعا بذراع الجبار) (قوله عليه السلام: (ضرس الكافر في النار مثل أحد) هذا الشطر صحيح متفق على صحته. وأخرجه البخاري في صحيحه. انظر: فتح الباري 11/415؛ وأخرجه أحمد 2/328؛ وابن حبان (انظر: الإحسان 9/284)؛ ومسلم (2851)؛ وعارضة الأحوذي 10/47. وقوله: (وكثافة جلده...) قال ابن حجر: وأخرجه البزار عن أبي هريرة بسند صحيح بلفظ: (غلظ جلد الكافر وكثافة جلده اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار) وأخرجه البيهقي، وعند ابن المبارك في الزهد بسند صحيح: (وكثافة جلده سبعون ذراعا). انظر: فتح الباري 11/423؛ والزهد لابن المبارك ص 87؛ وشرح السنة 15/250) فقد قال ابن قتيبة: هو الذراع المنسوب إلى الملك الذي يقال له: ذراع الشاة (قال ابن حجر: وجزم ابن حبان لما أخرجه في صحيحه بأن الجبار ملك كان باليمن. انظر: فتح الباري 15/423). فأما في وصفه تعالى نحو:﴿ العزيز الجبار المتكبر ﴾[الحشر/23]، فقد قيل: سمى بذلك من قولهم: جبرت الفقير؛ لأنه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه، وقيل: لأنه يجبر الناسن أي: يقهرهم على ما يريده (انظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص 48). ودفع بعض أهل اللغة (وهو ابن قتيبة في غريب الحديث 2/145) ذلك من حيث اللفظ، فقال: لا يقال من (أفعلت) فعال، فجبار لا يبنى من: أجبرت، فأجيب عنه بأن ذلك من لفظ الجبر المروي في قوله: (لا جبر ولا تفويض) لا من لفظ الإجبار (قال ابن الأثير: يكون من اللغة الأخرى، يقال: جبرت وأجبرت بمعنى قهرت. وانظر: النهاية 1/236؛ ومعاني الفراء 3/81؛ والغريبين 1/312)، وأنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا: يتعالى الله عن ذلك، وليس ذلك بمنكر فإن الله تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية، لا على ما تتوهمه الغواة والجهلة، وذلك كإكراههم على المرض والموت والبعث وسخر كلا منهم لصناعة يتعاطاها، وطريقة من الأخلاق والأعمال يتحراها، وجعله مجبرا في صورة مخير، فإما راض بصنعته لا يريد عنها حولا؛ وإما كاره لها يكابدها مع كراهيته لها، كأنه لا يجد عنها بدلا ولذلك قال تعالى:﴿ فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ﴾[المؤمنون/53]، وقال عز وجل:﴿ نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياةالدنيا ﴾[الزخرف/32]، وعلى هذا الحد وصف بالقاهر، وهو لا يقهر إلا على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه، وقد روي عن أمير المؤمنين رضي الله عنه: (يا بارئ المسموكات وجبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها). وقل ابن قتيبة (غريب الحديث 2/145): هو من: جبرت العظم، فإنه جبر القلوب على فطرتها من المعرفة، فذكر لبعض ما دخل في عموم ما تقدم. وجبروت: فعلوت من التجبر، واستجبرت حالة: تعاهدت أن أجبرها، وأصابته مصيبة لا يجتبرها أي: لا يتحرى لجبرها من عظمها، واشتق من لفظ جبر العظم الجبيرة: للخرقة التي تشد على المجبور، والجبارة للخشبة التي تشد عليه، وجمعها جبائر، وسمي الدملوج (هو الحجر الأملس) جبارة تشبيها بها في الهيئة، والجبار: لما يسقط من الأرش. *** جبل - الجبل جمعه: أجبال وجبال، وقال عز وجل:﴿ ألم نجعل الأرض مهادا *** والجبال أوتادا ﴾[النبأ/6 - 7]، وقال تعالى:﴿ والجبال أرساها ﴾[النازعات/32]، وقال تعالى:﴿ وينزل من السماء فيها من برد ﴾[النور/43]، وقال تعالى:﴿ ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها ﴾[فاطر/27]،﴿ ويسألونك عن الجبال فقل: ينسفها ربي نسفا ﴾[طه/105]،﴿ وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ﴾[الشعراء/149]، واعتبر معانيه، فاستعير منه واشتق منه بحسبه، فقيل: فلان جبل لا يتزحزح تصورا لمعنى الثبات فيه. وجبله الله على كذا، إشارة إلى ما ركب فيه من الطبع الذي يأبى على الناقل نقله، وفلان ذو جبلة، أي: غليظ الجسم، وثوب جيد الجبلة، وتصور منه معنى العظم، فقيل للجماعة العظيمة: جبل. قال الله تعالى:﴿ ولقد أضل منكم جبلا كثيرا ﴾[يس/62]، أي: جماعة تشبيها بالجبل في العظم وقرئ:﴿ جبلا ﴾(وهي قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي ورويس وخلف، بضمتين وتخفيف اللام) مثقلا. قال التوزي (اسمه عبد الله بن محمد، توفي 230 ه. راجع أخباره في إنباه الرواة 2/126): جبلا (وبها قرأ أبو عمرو وابن عامر) وجبلا وجبلا (وبها قرأ روح عن يعقوب) وجبلا. وقال غيره: جبلا جمع جبلة، ومنه قوله عز وجل:﴿ واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ﴾[الشعراء/184]، أي: المجبولين على أحوالهم التي بنوا عليها، وسلبهم التي قيضوا لسلوكها المشار إليها بقوله تعالى:﴿ قل كل يعمل على شاكلته ﴾[الإسراء/84]، وجبل: صار كالجبل في الغلظ.