القلة والكثرة يستعملان في الأعداد، كما أن العظم والصغر يستعملان في الأجسام، ثم يستعار كل واحد من الكثرة والعظم، ومن القلة والصغر للآخر. وقوله تعالى:﴿ ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ﴾[الأحزاب/60] أي: وقتا، وكذا قوله:﴿ قم الليل إلا قليلا ﴾[المزمل/2]،﴿ وإذا لا تمتعون إلا قليلا ﴾[الأحزاب/16]، وقوله:﴿ نمتعهم قليلا ﴾[لقمان/24] وقوله:﴿ ما قاتلوا إلا قليلا ﴾[الأحزاب/20] أي: قتالا قليلا وقوله:﴿ ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا ﴾[المائدة/13] أي: جماعة قليلة، وكذلك قوله:﴿ إذ يريكهم الله من منامك قليلا ﴾[الأنفال/43]،﴿ ويقللكم في أعينهم ﴾[الأنفال/44] ويكنى بالقلة عن الذلة اعتبارا بما قال الشاعر: - 370 - ولست بالأكثر منهم حصا * وإنما العزة للكاثر (البيت للأعشى يفضل فيه عامر بن الطفيل على علقمة بن علاثة في المنافرة التي جرت بينهما، ومطلع القصيدة: شاقتك من قتلة أطلالها * بالشط فالوتر إلى حاجر وهو في ديوانه ص 94؛ واللسان (حصا)) وعلى ذلك قوله:﴿ واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم ﴾[الأعراف/86] ويكنى بها تارة عن العزة اعتبارا بقوله:﴿ وقليل من عبادي الشكور ﴾[سبأ/13]،﴿ وقليل ما هم ﴾[ص/24] وذاك أن كل ما يعز يقل وجوده. وقوله:﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾[الإسراء/85] يجوز أن يكون استثناء من قوله:﴿ وما أوتيتم ﴾أي: ما أوتيتم العلم إلا قليلا منك، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف. أي: علما قليلا، وقوله:﴿ ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ﴾[البقرة/41] يعني بالقليل ههنا أعراض الدنيا كائنا ما كان، وجعلها قليلا في جنب ما أعد الله للمتقين في القيامة، وعلى ذلك قوله:﴿ قل متاع الدنياقليل ﴾[النساء/77]. وقليل يعبر به عن النفي، نحو: قلما يفعل فلان كذا، ولهذا يصح أن يستثنى منه على حد ما يستثنى من النفي، فيقال: قلما يفعل كذا إلا قاعدا أو قائما وما يجري مجراه، وعلى ذلك حمل قوله:﴿ قليلا ما تؤمنون ﴾[الحاقة/41] وقيل: معناه تؤمنون إيمانا قليلا، والإيمان القليل هو الإقرار والمعرفة العامية المشار إليها بقوله:﴿ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ﴾[يوسف/106]. وأقللت كذا: وجدته قليل المحمل، أي: خفيفا؛ إما في الحكم؛ أو بالإضافة إلى قوته، فالأول نحو: أقللت ما أعطيتني. والثاني قوله:﴿ أقلت سحابا ثقالا ﴾[الأعراف/57] أي: احتلمته فوجدته قليلا باعتبار قوتها، واستقللته: رأيته قليلا. نحو: استخففته: رأيته خفيفا، والقلة (انظر المجمل 3/726): ما أقله الإنسان من جرة وحب (الحب: الجرة الضخمة)، وقلة الجبل: شعفه اعتبارا بقلته إلى ما عداه من أجزائه، فأما تقلقل الشيء: إذا اضطرب، وتقلقل المسمار فمشتق من القلقلة، وهي حكاية صوت الحركة.