بيان
تشير السورة إلى قصة إجلاء بني النضير من اليهود لما نقضوا العهد بينهم و بين المسلمين، و إلى وعد المنافقين لهم بالنصر و الملازمة ثم غدرهم و ما يلحق بذلك من حكم فيئهم.
و من غرر الآيات فيها الآيات السبع في آخرها يأمر الله سبحانه عباده فيها بالاستعداد للقائه من طريق المراقبة و المحاسبة، و يذكر عظمة قوله و جلالة قدره بوصف عظمة قائله عز من قائل بما له من الأسماء الحسنى و الصفات العليا.
و السورة مدنية بشهادة سياق آياتها.
قوله تعالى: «سبح لله ما في السماوات و ما في الأرض و هو العزيز الحكيم» افتتاح مطابق لما في مختتم السورة من قوله: «يسبح له ما في السماوات و الأرض و هو العزيز الحكيم».
و إنما افتتح بالتنزيه لما وقع في السورة من الإشارة إلى خيانة اليهود و نقضهم العهد ثم وعد المنافقين لهم بالنصر غدرا كمثل الذين كانوا من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم، و بالنظر إلى ما أذاقهم الله من وبال كيدهم، و كون ذلك على ما يقتضيه الحكمة و المصلحة ذيل الآية بقوله: «و هو العزيز الحكيم».
قوله تعالى: «هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر» تأييد لما ذكر في الآية السابقة من تنزهه تعالى و عزته و حكمته، و المراد بإخراج الذين كفروا من أهل الكتاب إجلاء بني النضير حي من أحياء اليهود كانوا يسكنون خارج المدينة و كان بينهم و بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد أن لا يكونوا له و لا عليه ثم نقضوا العهد فأجلاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و ستأتي قصتهم في البحث الروائي التالي إن شاء الله.
و الحشر إخراج الجماعة بإزعاج، و «لأول الحشر» من إضافة الصفة إلى الموصوف، و اللام بمعنى في كقوله: «أقم الصلاة لدلوك الشمس»: إسراء: 78.
و المعنى: الله الذي أخرج بني النضير من اليهود من ديارهم في أول إخراجهم من جزيرة العرب.
ثم أشار تعالى إلى أهمية إخراجهم بقوله: «ما ظننتم أن يخرجوا» لما كنتم تشاهدون فيهم من القوة و الشدة و المنعة «و ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله» فلن يغلبهم الله و هم متحصنون فيها و عد حصونهم بحسب ظنهم مانعة من الله لا من المسلمين لما أن إخراجهم منها منسوب في الآية السابقة إليه تعالى و كذا إلقاء الرعب في قلوبهم في ذيل الآية، و في الكلام دلالة على أنه كانت لهم حصون متعددة.
ثم ذكر فساد ظنهم و خبطهم في مزعمتهم بقوله: «فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا» و المراد به نفوذ إرادته تعالى فيهم لا من طريق احتسبوه و هو طريق الحصون و الأبواب بل من طريق باطنهم و هو طريق القلوب «و قذف في قلوبهم الرعب» و الرعب الخوف الذي يملأ القلب «يخربون بيوتهم بأيديهم» لئلا تقع في أيدي المؤمنين بعد خروجهم و هذه من قوة سلطانه تعالى عليهم حيث أجرى ما أراده بأيدي أنفسهم «و أيدي المؤمنين» حيث أمرهم بذلك و وفقهم لامتثال أمره و إنفاذ إرادته «فاعتبروا» و خذوا بالعظة «يا أولي الأبصار» بما تشاهدون من صنع الله العزيز الحكيم بهم قبال مشاقتهم له و لرسوله.
و قيل: كانوا يخربون البيوت ليهربوا و يخربها المؤمنون ليصلوا.
و قيل: المراد بتخريب البيوت اختلال نظام حياتهم فقد خربوا بيوتهم بأيديهم حيث نقضوا الموادعة، و بأيدي المؤمنين حيث بعثوهم على قتالهم.
و فيه أن ظاهر قوله: «يخربون بيوتهم» إلخ أنه بيان لقوله: «فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا» إلخ، من حيث أثره فهو متأخر عن نقض الموادعة.
قوله تعالى: «و لو لا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب النار» الجلاء ترك الوطن و كتابة الجلاء عليهم قضاؤه في حقهم، و المراد بعذابهم في الدنيا عذاب الاستئصال أو القتل و السبي.
و المعنى: و لو لا أن قضى الله عليهم الخروج من ديارهم و ترك وطنهم لعذبهم في الدنيا بعذاب الاستئصال أو القتل و السبي كما فعل ببني قريظة و لهم في الآخرة عذاب النار.
قوله تعالى: «ذلك بأنهم شاقوا الله و رسوله و من يشاق الله فإن الله شديد العقاب» المشاقة المخالفة بالعناد، و الإشارة بذلك إلى ما ذكر من إخراجهم و استحقاقهم العذاب لو لم يكتب عليهم الجلاء، و في تخصيص مشاقتهم بالله في قوله: «و من يشاق الله» بعد تعميمه لله و رسوله في قوله: «شاقوا الله و رسوله» تلويح إلى أن مشاقة الرسول مشاقة الله و الباقي ظاهر.
قوله تعالى: «ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله و ليخزي الفاسقين» ذكر الراغب أن اللينة النخلة الناعمة من دون اختصاص منه بنوع منها دون نوع، رووا: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بقطع نخيلهم فلما قطع بعضها نادوه: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض فما بال النخيل تقطع فنزلت الآية فأجيب عن قولهم بأن ما قطعوا من نخلة أو تركوها قائمة على أصولها فبإذن الله و لله في حكمه هذا غايات حقة و حكم بالغة منها إخزاء الفاسقين و هم بنو النضير.
فقوله: «و ليخزي الفاسقين» اللام فيه للتعليل و هو معطوف على محذوف و التقدير: القطع و الترك بإذن الله ليفعل كذا و كذا و ليخزي الفاسقين فهو كقوله: «و كذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات و الأرض و ليكون من الموقنين»: الأنعام: 75.
قوله تعالى: «و ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل و لا ركاب و لكن الله يسلط رسله على من يشاء» إلخ، الإفاءة الإرجاع من الفيء بمعنى الرجوع، و ضمير «منهم» لبني النضير و المراد من أموالهم.
و إيجاف الدابة تسييرها بإزعاج و إسراع و الخيل الفرس، و الركاب الإبل و «من خيل و لا ركاب» مفعول «فما أوجفتم» و من زائدة للاستغراق.
و المعنى: و الذي أرجعه الله إلى رسوله من أموال بني النضير - خصه به و ملكه وحده إياه - فلم تسيروا عليه فرسا و لا إبلا بالركوب حتى يكون لكم فيه حق بل مشيتم إلى حصونهم مشاة لقربها من المدينة، و لكن الله يسلط رسله على من يشاء و الله على كل شيء قدير و قد سلط النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على بني النضير فله فيئهم يفعل فيه ما يشاء.
قوله تعالى: «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله و للرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل» إلخ، ظاهره أنه بيان لموارد مصرف الفيء المذكور في الآية السابقة مع تعميم الفيء لفيء أهل القرى أعم من بني النضير و غيرهم.
و قوله: «فلله و للرسول» أي منه ما يختص بالله و المراد به صرفه و إنفاقه في سبيل الله على ما يراه الرسول و منه ما يأخذه الرسول لنفسه و لا يصغى إلى قول من قال: إن ذكره تعالى مع أصحاب السهام لمجرد التبرك.
و قوله: «و لذي القربى» إلخ، المراد بذي القربى قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و لا معنى لحمله على قرابة عامة المؤمنين و هو ظاهر، و المراد باليتامى الفقراء منهم كما يشعر به السياق و إنما أفرد و قدم على «المساكين» مع شموله له اعتناء بأمر اليتامى.
و قد ورد عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن المراد بذي القربى أهل البيت و اليتامى و المساكين و ابن السبيل منهم.
و قوله: «كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم» أي إنما حكمنا في الفيء بما حكمنا كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم و الدولة ما يتداول بين الناس و يدور يدا بيد.
و قوله: «و ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا» أي ما أعطاكم الرسول من الفيء فخذوه كما أعطى منه المهاجرين و نفرا من الأنصار، و ما نهاكم عنه و منعكم فانتهوا و لا تطلبوا، و فيه إشعار بأنهم سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقسم الفيء بينهم جميعا فأرجعه إلى نبيه و جعل موارد مصرفه ما ذكره في الآية و جعل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن ينفقه فيها على ما يرى.
و الآية مع الغض عن السياق عامة تشمل كل ما آتاه النبي من حكم فأمر به أو نهى عنه.
و قوله: «و اتقوا الله إن الله شديد العقاب» تحذير لهم عن مخالفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تأكيدا لقوله: «و ما آتاكم الرسول» إلخ.
قوله تعالى: «للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلا من الله و رضوانا» إلخ، قيل: إن قوله: «للفقراء» بدل من قوله: «ذي القربى» و ما بعده و ذكر الله لمجرد التبرك فيكون الفيء مختصا بالرسول و الفقراء من المهاجرين، و قد وردت الرواية أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قسم فيء بني النضير بين المهاجرين و لم يعط منه الأنصار شيئا إلا رجلين من فقرائهم أو ثلاثة.
و قيل: إنه بدل من اليتامى و المساكين و ابن السبيل فيكون ذوو السهام هم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و ذا القربى غنيهم و فقيرهم و الفقراء من المهاجرين يتاماهم و مساكينهم و أبناء السبيل منهم، و لعل هذا مراد من قال: إن قوله: «للفقراء المهاجرين» بيان المساكين في الآية السابقة.
و الأنسب لما تقدم نقله عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أن يكون قوله: «للفقراء المهاجرين» إلخ، بيان مصداق لصرف سبيل الله الذي أشير إليه بقوله: «فلله» لا بأن يكون الفقراء المهاجرون أحد السهماء في الفيء بل بأن يكون صرفه فيهم و إعطاؤهم إياه صرفا له في سبيل الله.
و محصل المعنى على هذا: أن الله سبحانه أفاء الفيء و أرجعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فله أن يتصرف فيه كيف يشاء ثم دله على موارد صرفه و هي سبيل الله و الرسول و ذو القربى و يتاماهم و مساكينهم و ابن السبيل منهم ثم أشار إلى مصداق الصرف في السبيل أو بعض مصاديقه و هم الفقراء المهاجرون إلخ، ينفق منه الرسول لهم على ما يرى.
و على هذا ينبغي أن يحمل ما ورد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قسم فيء بني النضير بين المهاجرين و لم يعط الأنصار شيئا إلا ثلاثة من فقرائهم: أبا دجانة سماك بن خرشة و سهل بن حنيف و الحارث بن الصمة فقد صرف فيهم بما أنه صرف في سبيل الله لا بما أنهم سهماء في الفيء.
و كيف كان فقوله: «للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم» المراد بهم من هاجر من المسلمين من مكة إلى المدينة قبل الفتح و هم الذين أخرجهم كفار مكة بالاضطرار إلى الخروج فتركوا ديارهم و أموالهم و هاجروا إلى مدينة الرسول.
و قوله: «يبتغون فضلا من الله و رضوانا» الفضل الرزق أي يطلبون من الله رزقا في الدنيا و رضوانا في الآخرة.
و قوله: «و ينصرون الله و رسوله» أي ينصرونه و رسوله بأموالهم و أنفسهم، و قوله: «أولئك هم الصادقون» تصديق لصدقهم في أمرهم و هم على هذه الصفات.
قوله تعالى: «و الذين تبوؤا الدار و الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم» إلخ، قيل: إنه استئناف مسوق لمدح الأنصار لتطيب بذلك قلوبهم إذ لم يشركوا في الفيء، «و الذين تبوؤا» - و المراد بهم الأنصار - مبتدأ خبره «يحبون» إلخ، و المراد بتبوي الدار و هو تعميرها بناء مجتمع ديني يأوي إليه المؤمنون على طريق الكناية، و الإيمان معطوف على «الدار» و تبوي الإيمان و تعميره رفع نواقصه من حيث العمل بحيث يستطاع العمل بما يدعو إليه من الطاعات و القربات من غير حجر و منع كما كان بمكة.
و احتمل أن يعطف «الإيمان» على تبوؤا و قد حذف الفعل العامل فيه، و التقدير: و آثروا الإيمان.
و قيل: إن قوله: «و الذين تبوؤا» إلخ، معطوف على قوله: «المهاجرين» و على هذا يشارك الأنصار المهاجرين في الفيء، و الإشكال عليه بأن المروي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قسمه بين المهاجرين و لم يعط الأنصار منه شيئا إلا ثلاثة من فقرائهم مدفوع بأن الرواية من شواهد العطف دون الاستئناف إذ لو لم يجز إعطاؤه للأنصار لم يجز لا - للثلاثة و لا للواحد فإعطاء بعضهم منه دليل على مشاركتهم لهم غير أن الأمر لما كان راجعا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان له أن يصرفه كيف يشاء فرجح أن يقسمه بينهم على تلك الوتيرة.
و الأنسب لما تقدم من كون «للفقراء» إلخ، بيانا لمصاديق سهم السبيل هو عطف «و الذين تبوؤا» إلخ، و كذا قوله الآتي: «و الذين جاءوا من بعدهم» على قوله: «المهاجرين» إلخ، دون الاستئناف.
بل ما ورد من إعطائه (صلى الله عليه وآله وسلم) للثلاثة يؤيد هذا الوجه بعينه إذ لو كان السهيم فيه الفقراء المهاجرين فحسب لم يعط الأنصار و لا لثلاثة منهم، و لو كان للفقراء من الأنصار كالمهاجرين فيه سهم - و ظاهر الآية أن جمعا منهم كانوا فقراء بهم خصاصة و التاريخ يؤيده - لأعطى غير الثلاثة من فقراء الأنصار كما أعطى فقراء المهاجرين و استوعبهم.
فقوله: «و الذين تبوؤا الدار و الإيمان من قبلهم» ضمير «من قبلهم» للمهاجرين و المراد من قبل مجيئهم و هجرتهم إلى المدينة.
و قوله: «يحبون من هاجر إليهم» أي يحبون من هاجر إليهم لأجل هجرتهم من دار الكفر إلى دار الإيمان و مجتمع المسلمين.
و قوله: «و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا» ضميرا «يجدون» و «صدورهم» للأنصار، و ضمير «أوتوا» للمهاجرين، و المراد بالحاجة ما يحتاج إليه و من تبعيضية و قيل: بيانية و المعنى: لا يخطر ببالهم شيء مما أعطيه المهاجرون فلا يضيق نفوسهم من تقسيم الفيء بين المهاجرين دونهم و لا يحسدون.
و قيل: المراد بالحاجة ما يؤدي إليه الحاجة و هو الغيظ.
و قوله: «و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة» إيثار الشيء اختياره و تقديمه على غيره، و الخصاصة الفقر و الحاجة، قال الراغب: خصاص البيت فرجه و عبر عن الفقر الذي لم يسد بالخصاصة كما عبر عنه بالخلة انتهى.
و المعنى: و يقدمون المهاجرين على أنفسهم و لو كان بهم فقر و حاجة، و هذه الخصيصة أغزر و أبلغ في مدحهم من الخصيصة السابقة فالكلام في معنى الإضراب كأنه قيل: إنهم لا يطمحون النظر فيما بأيدي المهاجرين بل يقدمونهم على أنفسهم فيما بأيديهم أنفسهم في عين الفقر و الحاجة.
و قوله: «و من يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون» قال الراغب: الشح بخل مع حرص فيما كان عادة انتهى.
و «يوق» فعل مضارع مجهول من الوقاية بمعنى الحفظ، و المعنى: و من يحفظ - أي يحفظه الله - من ضيق نفسه من بذل ما بيده من المال أو من وقوع مال في يد غيره فأولئك هم المفلحون.
قوله تعالى: «و الذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان» استئناف أو عطف نظير ما تقدم في قوله: «و الذين تبوؤا الدار و الإيمان يحبون» و على الاستئناف فالموصول مبتدأ خبره قوله: «يقولون ربنا» إلخ.
و المراد بمجيئهم بعد المهاجرين و الأنصار إيمانهم بعد انقطاع الهجرة بالفتح و قيل: المراد أنهم خلفوهم.
و قولهم: «ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان» دعاء لأنفسهم و السابقين من المؤمنين بالمغفرة، و في تعبيرهم عنهم بإخواننا إشارة إلى أنهم يعدونهم من أنفسهم كما قال الله تعالى: «بعضكم من بعض»: النساء: 25، فهم يحبونهم كما يحبون أنفسهم و يحبون لهم ما يحبون لأنفسهم.
و لذلك عقبوه بقولهم: «و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم» فسألوا أن لا يجعل الله في قلوبهم غلا للذين آمنوا و الغل العداوة.
و في قوله: «للذين آمنوا» تعميم لعامة المؤمنين منهم و ممن سبقهم و تلويح إلى أنه لا بغية لهم إلا الإيمان.
بحث روائي
في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب - من ديارهم» الآية، قال: سبب ذلك أنه كان بالمدينة ثلاثة أبطن من اليهود: بني النضير و قريظة و قينقاع، و كان بينهم و بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد و مدة فنقضوا عهدهم. و كان سبب ذلك بني النضير في نقض عهدهم أنه أتاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يستسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة، يعني يستقرض، و كان بينهم كعب بن الأشرف فلما دخل على كعب قال: مرحبا يا أبا القاسم و أهلا و قام كأنه يصنع له الطعام و حدث نفسه أن يقتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و يتبع أصحابه، فنزل جبرئيل فأخبره بذلك. فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة و قال لمحمد بن مسلمة الأنصاري: اذهب إلى بني النضير فأخبرهم إن الله عز و جل قد أخبرني بما هممتم به من الغدر فإما أن تخرجوا من بلدنا و إما أن تأذنوا بحرب، فقالوا: نخرج من بلادك. فبعث إليهم عبد الله بن أبي: لا تخرجوا و تقيموا و تنابذوا محمدا الحرب فإني أنصركم أنا و قومي و حلفائي فإن خرجتم خرجت معكم و إن قاتلتم قاتلت معكم، فأقاموا و أصلحوا بينهم حصونهم و تهيئوا للقتال و بعثوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا لا نخرج فاصنع ما أنت صانع. فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كبر و كبر أصحابه و قال لأمير المؤمنين: تقدم على بني النضير فأخذ أمير المؤمنين الراية و تقدم، و جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أحاط بحصنهم و غدر بهم عبد الله بن أبي. و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا ظهر بمقدم بيوتهم حصنوا ما يليهم و خربوا ما يليه، و كان الرجل منهم ممن كان له بيت حسن خربه، و قد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بقطع نخلهم فجزعوا من ذلك و قالوا: يا محمد إن الله يأمرك بالفساد؟ إن كان لك هذا فخذه و إن كان لنا فلا تقطعه. فلما كان بعد ذلك قالوا: يا محمد نخرج من بلادك فأعطنا مالنا، فقال: لا و لكن تخرجون و لكم ما حملت الإبل، فلم يقبلوا ذلك فبقوا أياما ثم قالوا: نخرج و لنا ما حملت الإبل، فقال: لا و لكن تخرجون و لا يحمل أحد منكم شيئا، فمن وجدنا معه شيئا من ذلك قتلناه. فخرجوا على ذلك و وقع منهم قوم إلى فدك و وادي القرى و خرج قوم منهم إلى الشام. فأنزل الله فيهم «هو الذي أخرج الذين كفروا إلى قوله فإن الله شديد العقاب» و أنزل الله عليه فيما عابوه من قطع النخل «ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها - فبإذن الله إلى قوله ربنا إنك رءوف رحيم». و أنزل الله عليه في عبد الله بن أبي و أصحابه «أ لم تر إلى الذين نافقوا إلى قوله ثم لا ينصرون».
و في المجمع، عن ابن عباس: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ فأعطوه ما أراد منهم فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم و أن يخرجهم من أرضهم و أوطانهم و أن يسيرهم إلى أذرعات بالشام و جعل لكل ثلاثة منهم بعيرا و سقاء. فخرجوا إلى أذرعات بالشام و أريحا إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق و آل حيي بن أخطب فإنهم لحقوا بخيبر و لحقت طائفة منهم بالحيرة.
و فيه، عن محمد بن مسلمة: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعثه إلى بني النضير و أمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال.
و فيه، عن محمد بن إسحاق: كان إجلاء بني النضير مرجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحد، و كان فتح قريظة مرجعه من الأحزاب، و كان الزهري يذهب إلى أن إجلاء بني النضير كان قبل أحد على رأس ستة أشهر من وقعة بدر.
و فيه، عن ابن عباس: نزل قوله تعالى: «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى» الآية في أموال كفار أهل القرى و هم قريظة و بنو النضير و هما بالمدينة، و فدك و هي من المدينة على ثلاثة أميال، و خيبر و قرى عرينة و ينبع جعلها الله لرسوله يحكم فيها ما أراد و أخبر أنها كلها له فقال أناس: فهلا قسمها فنزلت الآية.
و فيه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم بني النضير للأنصار: إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم و دياركم و تشاركونهم في هذه الغنيمة، و إن شئتم كانت لكم دياركم و أموالكم و لم يقسم لكم شيء من الغنيمة فقال الأنصار: بل نقسم لهم من ديارنا و أموالنا و نؤثرهم بالغنيمة و لا نشاركهم فيها فنزلت: «و يؤثرون على أنفسهم» الآية.
أقول: و روي في إيثارهم و نزول الآية فيه قصص أخرى، و الظاهر أن ذلك من قبيل تطبيق الآية على القصة، و قد روي المعاني السابقة في الدر المنثور بطرق كثيرة مختلفة.
و في التوحيد، عن علي (عليه السلام): و قد سئل عما اشتبه على السائل من الآيات قال في قوله تعالى: «فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا» يعني أرسل عليهم عذابا.
و في التهذيب، بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه» الآية قال الفيء ما كان من أموال لم يكن فيها هراقة دم أو قتل و الأنفال مثل ذلك و هو بمنزلته.
و في المجمع، روى المنهال بن عمر عن علي بن الحسين (عليهما السلام): قلت: قوله: «و لذي القربى و اليتامى - و المساكين و ابن السبيل» قال: هم قربانا و مساكيننا و أبناء سبيلنا.
أقول: و روي هذا المعنى في التهذيب، عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، و قال في المجمع، بعد نقل الرواية السابقة: و قال جميع الفقهاء: هم يتامى الناس عامة و كذلك المساكين و أبناء السبيل و قد روي ذلك أيضا عنهم (عليهم السلام).
و في الكافي، بإسناده عن زرارة أنه سمع أبا جعفر و أبا عبد الله (عليه السلام) يقولان: إن الله عز و جل فوض إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر خلقه لينظر كيف طاعتهم ثم تلا 1 هذه الآية «ما آتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا».
أقول: و الروايات عنهم (عليهم السلام) في هذا المعنى كثيرة و المراد بتفويضه أمر خلقه كما يظهر من الروايات إمضاؤه تعالى ما شرعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهم و افتراض طاعته في ذلك، و ولايته أمر الناس و أما التفويض بمعنى سلبه تعالى ذلك عن نفسه و تقليده (صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك فمستحيل.
و فيه، بإسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: الإيمان بعضه من بعض و هو دار و كذلك الإسلام دار و الكفر دار.
و في المحاسن، بإسناده عن أبي عبيدة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال: يا زياد ويحك و هل الدين إلا الحب. أ لا ترى إلى قول الله: «إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله - و يغفر لكم ذنوبكم» أ و لا ترون إلى قول الله لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم): «حبب إليكم الإيمان و زينة في قلوبكم» و قال: «يحبون من هاجر إليهم» و قال: الدين هو الحب و الحب هو الدين.
و في المجمع، و في الحديث: لا يجتمع الشح و الإيمان في قلب رجل مسلم، و لا يجتمع غبار في سبيل الله و دخان جهنم في جوف رجل مسلم.
و في الفقيه، روى الفضل بن أبي قرة السمندي قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أ تدري من الشحيح؟ قلت: هو البخيل. قال: الشح أشد من البخل إن البخيل يبخل بما في يده و الشحيح يشح بما في أيدي الناس و على ما في يده حتى لا يرى في أيدي الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له بالحل و الحرام، و لا يقنع بما رزقه الله عز و جل.
|