وهو تجريد القصد عن الشوائب كلها، وصفاء الاعمال من شوائب الرياء، وجعلها خالصةً لله تعالى، وهو ضد الرياء، فمن عمل طاعةً رياءً فهو مُراءٍ مطلق، ومن عملها وانضمَّ إلى قصد القربى غرض دينوي انضماماً غير مستقل فعمله مشوب غير خالص، كقصد الانتفاع بالحمية من الصوم، وقصد التخلص من مؤونة العبد أو سوء خلُقِه من عتقه، فمتى كان باعث الطاعة هو التقرب ولكن انضافت إليه خطرة من خطرات الدنيا، خرج عملُه من الاخلاص. فالاخلاص: تخليص العمل عن هذه الشوائب كلها، كثيرها وقليلها، والمخلص من يكون عمله لمحض التقرب إلى الله تعالى، من دون قصد شيءٍ آخر أصلاً.
مدح الإخلاص
الاخلاصُ منزل من منازل الدين، ومقام من مقامات الموقنين، وهو الكبريت الأحمر، وتوفيق الوصول إليه من الله الأكبر، ولذا ورد في فضيلته الكثير من الآيات والاخبار. قال الله تعالى: «وما أُمرُوا إلاّ ليعبُدُوا اللهَ مُخْلصينَ لَهُ الدينَ» [سورة البيّنة: 5]. وفي الخبر القدسي: «الإخلاص سرٌّ من أسراري، استودعتُه قلبَ مَنْ احببتُ من عبادي» [جامع السعادات: 2/156]. وقال الرسولُ المصطفى (صلّى الله عليه وآله): «ما من عبد يخلص العمل لله تعالى أربعين يوماً إلاّ ظهرت ينابيعُ الحكمة من قلبه على لسانه» [جامع السعادات: 2/156]. وهناك الكثير من الآيات والأخبار التي تمدح الاخلاص وتشجّع عليه، ومن تأمل هذه الأخبار وفي غيرها مما لم يذكر، يعلم أنّ الاخلاص رأس الفضائل ورئيسها، وهو المناط في قبول الأعمال وصحّتها، ولا عبرة بعملٍ لا إخلاص معه، ولا خلاص من الشيطان إلاّ بالإخلاص.
فضيلة الإخلاص
الاخلاص قوامُ الفضائل، وملاك الطاعة، وجوهر العبادة، ومناط صحة الاعمال وقبولها لدى المولى عزّوجلّ، وقد نوّهت الشريعة الإسلامية عن فضله وشجّعت عليه، وباركت جهود المتحلّين به طائفةٌ كبيرة جداً من الآيات والأخبار. أمّا قيم الأعمال فإنّها تتفاوت بتفاوت غاياتها والبواعث المحفزة عليها، وكلما سمت الغاية وطهرت البواعث من شوائب الغش والنفاق، كان ذلك ازكى لها وادعى إلى قبولها لدى الباري تعالى، وليس الباعث في عرف الشريعة الإسلامية إلاّ النيّة المحفّزة على الأعمال، فمتى استهدفت الاخلاص لله تعالى وصَفَتْ من كدر الرياء، شرفت برضوان الله وقبوله، ومتى ما شابها الرياء باءت بسخط منه، لذلك فالاخلاص حجرٌ اساسيّ في العقائد والشرائع، إذْ هو نظام عقدها، ورائدها نحو الطاعة لله تعالى.
عوائق الإخلاص
وبما أنّ الاخلاص هو المنار الذي ينير للناس مناهج الطاعة الحقة، فإن للشيطان ولعاً على إغوائهم وتضليلهم بصنوف الأماني والآمال الخادعة، كحبّ السمعة والجاه، وكسب المحامد والأمجاد، وتحري الأطماع المادية التي تمحق الأعمال. وقد يكون ايحاء الشيطان بالرياء هامساً خفيّاً ماكراً، فيمارس الانسانُ الطاعةَ والعبادة بدافع الاخلاص، ولو أمعن فيها وجدها مشوبة بالرياء، وهذا من اخطر المزالق واشدّها خفاءاً وخداعاً، ولا يتجنبها إلاّ الأولياء.
بواعث الإخلاص
بواعث الاخلاص ومحفزاته عديدة، نلخّصها بالنقاط التالية: (1) استجلاء فضائل الاخلاص وعظيم آثاره في دنيا العقيدة والإيمان. (2) ان أهم بواعث الرياء وأهدافه استثارة إعجاب الناس وكسب رضاهم، ومن البديهيّ أنَّ رضا الناس غاية لا تدرك، وأنّهم عاجزون عن إسعاد أنفسهم فضلاً عن غيرهم، وأنّ المسعد الحقّ هو الله تعالى الذي بيده كل شيء، فحريٌّ بالعاقل أن يتجه إليه ويخلص الطاعة له. (3) إنّ الرياء والخداع سرعان ما ينكشفان للناس، ويسفران عن واقع الإنسان، مما يفضح المرائي ويعرّضه للمقت والازدراء. فعلى المرء أنْ يتّسم بصدق الاخلاص وجمال الطويّة، ليكون مثلاً رفيعاً للإستقامة والصلاح.