الإمام علي بن الحسين (ع).. والجرح الذي لم يندمل
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » الإمام علي بن الحسين (ع).. والجرح الذي لم يندمل

 البحث  الرقم: 22  التاريخ: 1 ذو الحجّة 1429 هـ  المشاهدات: 8927
قائمة المحتويات

الإمام علي بن الحسين (ع).. والجرح الذي لم يندمل

ان القلم ليخشع أمام هذا الطود العظيم من اطواد اهل البيت (ع)، وان الوصف ليتقاصر عن هذه السيرة الكريمة لهذا الامام الطاهر الذي غمرت الدنيا حياته بالاحزان والمآسي والمصائب فغمرها بالصبر والعطاء والبذل والخير وجابهته بظلمها وظلامها فشع عليها بعلمه ونوره النبوي وواجهته بزعازعها فوجدته جبلا شامخا راسخا لاتزعزعه الأعاصير ولاتثنه الاهوال.
(ولادة النور)
ولد الامام علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب بن عبد المطلب بن هاشم الملقب بـ (زين العابدين) في المدينة المنورة سنة 38، ونشأ في ذلك البيت الذي شع منه نور الاسلام، وهو الامام الرابع في سلسلة الانوار الآلهية الاثني عشر (ع) من بني هاشم الذين اكد النبي (ص) الاصطفاء السماوي لهم (ع) في احاديث كثيرة، فهم اوتاد الارض وامناء الاسلام وحفظة الوحي ومعدن الرسالة وامان الامة وباب حطة ونجوم الهداية وسفينة نوح، وهم الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
ولو اردنا الاسترسال في فضلهم (ع) لأعيانا ذلك ويكفي امامنا علي بن الحسين (ع) ان يكون حفيدا لأمير المؤمنين (ع) الذي ارسى دعائم الاسلام وكان اعظم شخصية عرفها التاريخ بعد رسول الله (ص) وإبناً لأبي الاحرار ورمز الثوار وسيد الشهداء وعلم الاباء ومنار الفخر.
أما أم سيدنا الامام علي بن الحسين فهي السيدة الطاهرة بنت يزدجرد بن شاهنشاه آخر ملوك الفرس وقد وردت الى المدينة مع سبي الفرس، نصت على ذلك الكثير من كتب التاريخ المعتبرة وقد اختلف المؤرخون في اسمها فقد وردت لهذه السيدة الجليلة عدة اسماء في كتب المؤرخين منها شاه زنان _ سلافة _ غزالة _ جهانشاه _ برة _ سلامة _ خولة _ مريم، وقد ورد اسمها ونسبها في ارجوزة الحر العاملي:
وامه ذات العلى والمجد شاه زنان بنت يزدجرد
وقد اختلف المؤرخون في تاريخ وصولها الى المدينة المنورة على ثلاثة اقوال، القول الاول في خلافة عمر بن الخطاب والثاني في خلافة عثمان بن عفان والثالث في خلافة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) وقد ورد ان لهذه السيدة الجليلة اخت تزوجها محمد بن ابي بكر فولدت له القاسم _ جد الامام الصادق (ع) لأمه، وعلى هذا فإن القاسم والامام علي بن الحسين (ع) ابنا خالة.
وروى القطب الراوندي في الخرائج والجرائح ج 1 ص 196 انه لما زوج الامام امير المؤمنين (ع) ولده الامام الحسين (ع) من هذه السيدة قال له (يابني احتفظ بها واحسن اليها فانها ستلد لك خير اهل الارض في زمانه بعدك وهي ام الاوصياء الذرية الطيبة) ولما اشرق نور الامام علي بن الحسين على هذه الدنيا وزفت هذه البشرى الى الامام امير المؤمنين (ع) سجد لله شكرا وأسماه عليا، يقول الفرزدق فيه (ع):
ينشق نور الدجى عن نور غرته* كالشمس تنجاب عن اشراقها الظلم
الله فضله قدما وشرفه* جرى بذاك له في لوحه القلم
ويقول فيه مهيار الديلمي:
قد قبست المجد من خير أب* وقبست الدين من خير نبي
وضممت الفخر من اطرافه* سؤدد الفرس ودين العرب
وذكر المجلسي ان هذه السيدة الطاهرة توفيت في نفاسها بالامام زين العابدين (ع) بعد ان ولدته وروي ايضا انه لما توفيت تزوج الامام الحسين (ع) من اختها بعد ان قتل زوجها محمد بن ابي بكر في مصر فقامت بتربيته (ع) ويكفي ام الامام السجاد شرفا ان النور انحصر بها عن طريق وليدها السجاد ذلك النور الذي جرى في الاصلاب الشامخة والارحام المطهرة.
(اهم الاحداث في إمامته)
تسلم الامام علي بن الحسين (ع) مواريث الإمامة من ابيه الامام الحسين (ع) بعد احداث كربلاء الدامية حيث دخل عليه ابوه (ع) قبل استشهاده وأوصاه، وكانت آخر وصية اوصاه بها (يابني اوصيك بما اوصى به جدك رسول الله (ص) عليا (ع) حين وفاته وبما اوصى به جدك علي عمك الحسن (ع) وبما اوصاني به عمك.. اياك وظلم من لايجد عليك ناصرا الا الله) ز
ثم ودعه ومضى الى المعركة التي استشهد فيها فشاهد (ع) مصرع ابيه وعمومته واخوته وبني عمومته وسبي عماته واخواته من كربلاء الى الكوفة ومنها الى الشام وهو مقيد بالحديد ورؤوس الاهل والاصحاب على الرماح يتقدمهم رأس ابيه (ع).
كما شاهد عبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية وهما ينكثان بالقضيب ثنايا ابيه تشفيا وانتقاما.. وقد تعرض (ع) للقتل اكثر من مرة على يديهما ولكن ارادة الله حالت دون ما يريدان، ولم يمنعه اسره وهو مثقل بالحديد من ان يقف في الكوفة ومجلس ابن زياد ومجلس يزيد ويصدع بالحق ويفضح الظالمين بتلك الخطب المدوية التي زلزلت عروش الطغاة وقد بقيت اصداء هذه الحوادث في ذاكرته حتى وفاته (ع).
واضافة الى هذه المآسي التي شاهدها الامام (ع) في كربلاء والكوفة والشام فقد شاهد الكثير من الاحداث المأساوية التي جرت بعدها على يد السلطة الاموية الطاغية فعاش (ع) ظروفا صعبة للغاية وهو يرى امام عينيه الجور والظلم والانحراف والفساد وهو يستشري ويطغى فحمل هموم الامة والرسالة باكملها وراح يصدع بتعاليم الدين الحنيف مدافعا عنه بكل ما اوتي من قوة ويبث بين الناس من روحه الكبيرة ما حملته من اخلاق وعلم وصفات نبوية.
ومن الحوادث المأساوية التي شاهدها (ع) هي واقعة الحرة وماجرى على مدينة جده (ص) من قتل ونهب وسلب وانتهاك للحرمات من قبل الجيش الاموي فعندما رأى اهل المدينة استهتار يزيد بالدين والاخلاق وجميع القيم والمقدسات اضافة الى ظلمه وجوره وفجوره وعبثه وشربه الخمر جهرا، والأدهى من ذلك قتله ريحانة رسول الله وسيد شباب اهل الجنة اعلنوا نقضهم لبيعته وولوا عليهم عبد الله بن حنظلة وعبد الله بن مطيع العدوي وطردوا عامل يزيد على المدينة عثمان بن محمد بن ابي سفيان وحصروا بني امية في دار مروان فارسل اليهم يزيد المجرم مسلم بن عقبة المري فجرت معركة ضارية كانت الغلبة فيها لجيش الشام وقتل عبد الله بن حنظلة ومعه اولاده الثمانية ثم دخل مسلم بن عقبة بجيشه الى المدينة المنورة فارتكبوا فيها من الجرائم مايندى له جبين الانسانية.
وقد قضت هذه الواقعة على البقية القليلة من آل ابي طالب وبني هاشم في المدينة فنكأت جراح امامنا (ع) من جديد وهي لم تندمل وتجددت احزانه والجدير بالذكر ان هذه الواقعة جرت سنة 62 أي بعد سنة واحدة من واقعة الطف يقول المسعودي في مروج الذهب (قتل في تلك المعركة خلق كثير من الناس من بني هاشم وقريش والانصار وغيرهم من سائر الناس فممن قتل من آل ابي طالب عبد الله بن جعفر بن ابي طالب وجعفر بن محمد بن علي بن ابي طالب ومن بني هاشم من غير آل ابي طالب نوفل بن الحرث بن عبد المطلب والعباس بن عتبة بن ابي لهب واكثر من تسعين رجلا من قريش ومثلهم من الانصار واربعة الآف من سائر الناس ممن ادركهم الاحصاء دون من لم يعرف).
وقال ابن قتيبة (ان عدد من قتل من ابناء المهاجرين والانصار والوجوه بلغ الفا وسبعمائة ومن سائر الناس عشرة الآف سوى النساء والاطفال) ثم ينقل ابن قتيبة احدى الصور عن تلك الجرائم الوحشية التي قام بها الجيش الاموي في مدينة رسول الله (ص) فيقول (دخل رجل من جند مسلم بن عقبة على امرأة نفساء من الانصار ومعها صبي لها فقال هل من مال؟ فقالت لا والله ماتركوا لنا شيئا فقال والله لتخرجن الي شيئا او لاقتلنك وصبيك هذا فقالت له ويحك انه ولد ابن ابي كبشة الانصاري صاحب رسول الله (ص) فاخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها وضرب به الحائط فانتثر دماغه على الارض) وقد اباح (مجرم) بن عقبة المدينة ثلاثة ايام ولم يبق بعد هذه الواقعة بدري، ثم امروا بالبيعة ليزيد على انهم عبيد له ان شاء استرق وان شاء اعتق فبايعوه على ذلك واموالهم مسلوبة ورحالهم منهوبة ودماؤهم مسفوكة ونساؤهم مهتوكة وبعث (مجرم بن عقبة) برؤوس اهل المدينة الى يزيد وقد ذكر جميع المؤرخين هذه الواقعة.
(موقف الإمام من الواقعة)
كل هذه الاحداث الفضيعة شاهدها الامام زين العابدين (ع) كانت تزيد من جراحه وكان يتلقاها بقلب كسير وروح متألمة تلك الروح الكبيرة والرحيمة حتى بمن نصب له ولابيه ولجده العداء فعندما خرج مروان بن الحكم وبني امية الى الشام تركوا عيالهم في المدينة فكلم مروان عبد الله بن عمر بأن يترك عياله وحرمه عنده فأبى عليه، فكلم الامام علي بن الحسين (ع) فوافق على ذلك فأي روح اعظم من هذه الروح واي قلب اكبر من هذا القلب هذه هي اخلاق الانبياء التي ورثها الامام زين العابدين (ع) لقد كفل عوائل بني امية الذين سبوا عماته واخواته ونساءه من كربلاء الى الكوفة ومنها الى الشام وبقيت عائلة مروان في رعايته الى ان انتهت المعركة وسلم علي بن الحسين (ع) واهل بيته من شر مسلم بن عقبة وسلم كل من التجأ الى بيته من اهل المدينة.
وقد اشتهر بين الرواة والمؤرخين ان الذين انضموا الى علي بن الحسين يزيدون على اربعمائة عائلة وجاء في ربيع الابرار للزمخشري انه لما ارسل يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لقتال اهل المدينة واستباحها كفل الامام زين العابدين اربعمائة امرأة مع اولادهن وحشمهن وضمهن الى عياله وقام بنفقتهن واطعامهن الى ان خرج جيش ابن عقبة من المدينة.
قال الطبري (ان يزيد اوصى مسلم بن عقبة بعلي بن الحسين) لم يكن يزيد بذلك البعيد عن دماء اهل البيت (ع) او مراعيا لهم حرمة النبي حتى يوصي بالامام زين العابدين بل لانه احس بوطأة جريمته النكراء التي ارتكبها في كربلاء بحق الامام الحسين (ع) واهل بيته واصحابه وادرك ان الاخطار قد اصبحت تهدد عرشه من جميع الجهات والاصوات التي تنادي يالثارات الحسين تتعالى في جميع الارجاء وتجد ترحيبا وتجاوبا من الجميع وفيما كان يزيد بن معاوية يتعقب الثائرين في المدينة كان التوابون في الكوفة منذ ان قتل الحسين يعدون العدة للثورة على السلطة الاموية وقد بدأوا يحسون بمرارة تلك الفاجعة حينما وقف الامام زين العابدين وخطب في جموعهم تلك الخطب البليغة.
وكان مما قاله (ع) (ايها الناس انشدكم الله هل تعلمون انكم كتبتم الى ابي وخدعتموه واعطيتموه من انفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه فتبا لما قدمتم لانفسكم وسوءة لرأيكم بأية عين تنظرون الى رسول الله اذ يقول لكم قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من امتي) وفي سنة خمس وستين خرج التوابون من الكوفة فارسل اليهم مروان بن الحكم الذي استولى على السلطة جيشا من الشام بقيادة عبيد الله بن زياد فالتقى الجيشان في (عين الوردة) وبقي الثوار يقاتلون اياما حتى ابيدوا عن آخرهم لتفوق الجيش الاموي في العدة والعدد وبعد سنة من تلك الحادثة قام المختار بن عبيدة الثقفي في الكوفة ودعا الناس للطلب بثأر الحسين وتتبع قتلة الحسين حتى قضى على عبيد الله بن زياد في معركة الخازر وارسل اليه قائد جيشه ابراهيم بن مالك الاشتر رأس ابن زياد فارسل به مع رأس عمر بن سعد الى الامام زين العابدين (ع) وروى الكشي في كتابه اخبار الرجال (لما ارسل المختار رأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد الى علي بن الحسين خرّ ساجدا وقال.. الحمد لله الذي ادرك لي ثاري من اعدائي وجزى الله المختار خيرا.
كما جرت احداث اخرى في حياته (ع) تجرع فيها الكثير من الغصص من حكام بني امية وظلمهم ولكن تبقى واقعة كربلاء الجرح الذي لم يندمل عند امامنا ولم يزل باكيا حتى قال له بعض مواليه.. اني اخاف عليك ان تكون من الهالكين فقال (ع) انما اشكو بثي وحزني الى الله واعلم من الله مالاتعلمون.. ان يعقوب كان نبيا فغيب الله عنه واحدا من اولاده وعنده اثنا عشر ولدا وهو يعلم انه حي فبكى عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن واني نظرت الى ابي واخوتي وعمومتي وصحبي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني؟.. واني لا اذكر مصرع بني فاطمة الا خنقتني العبرة واذا نظرت الى عماتي واخواتي ذكرت فرارهن من خيمة الى خيمة وبقيت ذكرى هذه الحادثة معه حتى توفي مسموما بأمر الوليد بن عبد الملك سنة 95.
(آثاره الخالدة)
عاش الامام علي بن الحسين في عصر طغى فيه الظلم والفساد من قبل السلطة الاموية الطاغية وقد انعكست هذه السيرة على الكثير من الناس فأبتعدوا عن مفاهيم الاسلام وآدابه واخلاقه وتشريعاته فقام الامام بدوره الاصلاحي وهذا هو دأب الائمة الطاهرين في كل زمان ومكان وراح ينشر رسالة الاسلام ويدعو الناس الى الرجوع الى دينهم وكتابهم وسيرة نبيهم واحقاق الحق واقامة العدل وانصاف المحرومين والمعذبين ويلفت الانظار الى ما يجب ان يتوفر في الحكام ومالهم وما عليهم من حقوق وواجبات وبما يضمن للدولة حقها وللناس كرامتهم وحقهم في الحياة وذلك بأسلوب الحوار مع الله ومناجاته وتمجيده في ستين دعاء جمعت في كتاب يسمى الصحيفة السجادية وهي قمة في التضرع الى الله واستعطافه، وهي من افضل ما يناجي بها الانسان ربه ويدعوه، وقد احتوت على علوم كثيرة في شتى المجالات فوضعت لها شروح كثيرة.
واضافة الى هذا الاثر الخالد لمولانا الامام زين العابدين فقد وضع رسالة لاصحابه وشيعته تتضمن ما يجب عليهم وما يجب لهم وهي التي تسمى رسالة الحقوق وهي اسس وقوانين تضمن للانسان حقوقه وحريته وكرامته.
المصدر: شبكة النبأ المعلوماتية

الروابط
مفاتيح البحث: ولادة الإمام السجاد (عليه السلام)،
الصحيفة السجادية،
عمر بن سعد،
يزيد بن معاوية،
الإمام علي بن الحسين
الواحات: الواحة الحسينية

الفهرسة