الإمام الحسين (عليه السلام) مبادئ متجددة ونظام لفعل الخير الحديث عن الامام الحسين (عليه السلام) ليس مجرد سرد تاريخي لقضية احتلت مرتبة الصدارة في صحف التاريخ البيضاء، بل هو حديث عن أروع الأمثلة المقدمة للبشرية في الدفاع عن الحقوق المغتصبة وأهمها وفي مقدمتها (سرقة قيادة الأمة من أصحابها الشرعيين). ولعل البعض يتهمنا بأننا نضرب على وتر الطائفية أو إثارة ما اختلف عليه الفريقان، ولكن هذا لا يهم فلابد من إيضاح الحقائق ونقل ما هو حادث بكل دقة رغم (تشكيك المرجفين). الامام الحسين بن علي (عليه السلام) لم يكن في يوم من الأيام حكرا على فئة من البشر أو لطائفة معينة دون أخرى فهو (عليه السلام) مثل جده الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وهو رسول الإنسانية اجمع، ولم يكن أيضا حكرا لجهة دون أخرى فهو الامتداد الطبيعي وبشهادة الموافق والمخالف لرسول الله (صلى الله علية وآله وسلم)، وهذا ما صدحت به حنجرة الرسول الأكرم في عدة أمكنة وأزمنة حيث يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): (حسينٌ مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً) وبالرجوع إلى إن رسول الله لا ينطق عن الهوى فهو يبين تعاليم السماء على بسيطة الأرض ولك بعد ذلك أن تقرأ ما تشاء من هذا وغيره من الأحاديث. فحركة الامام الحسين عليه السلام منذ انطلاقتها من المدينة وما بدا منه في بيان الحجة للتحرك إلى العراقوالحكم الشرعي الذي ظل ملازما له طوال حركته ولم يغب عنه لحظة، عين كانت تقع في نظام تجسيد إقناع الأمة بضرورة العودة إلى حكم الله في خلقه ووضع الأشياء موضعها الطبيعي والترفع عن مغريات الدنيا وترك غصب الحقوق وظلم الإنسان لأخيه الإنسان. وبعيدا عن كل ما جرى من الإحداث العسكرية التي سبقت خروج الإمام إلى كربلاء وحتى استشهاده، فان في ثورة الحسين عبَرٌ كثيرة ما أحوجنا اليوم لتطبيق ما جعلناه خلف ظهورنا والتزمنا بالنزر اليسير من غيره. فهل ينكر أحد بان ثورة الإمام كانت نظاما اجتماعيا متكاملا؟ وهل يرفض أحد بأن الحسين كانت نهضته نهضة الأحرار؟ لقد تحرك حسين (الإنسانية) بطريقة التذكير لكل إنسان على وجهة الخليقة من أجل احقاق الحقوق ومواجهة محاولات تغيير معالم الكتب السماوية، فما كان منه إلا أن يلقي الحجة على كل من سمعه أو شاهده (بأن الحق لا يعمل به وأن المنكر لا يتناهى عنه)، ولم يكن في ذلك مجبرا لأحد بل استخدم نظام التثقيف العلمي وترك حرية الاختيار لصاحب العقل الرشيد، ولم يسلك مسالك الترغيب والترهيب لأحد بقدر ما نصح ووعظ وبين الضلالة من الهدى (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيي على بينة). وبعد ذاك وقبيل ليلة العاشر من محرم عاد من جديد ليطرق أسماع من تبعه بأن ثورته ليست ثورة الجبابرة التي تحرق الأبرياء من أجل عروش زائفة أو منافع زائلة بل هو تكليف شرعي يرى فيه إقامة الحق ونصب منبرا لكل مظلوم سيبقى يرتقيه المطالبون بحقوقهم مرور الليالي والأيام، ورغم معرفته بمن تبعه فقد ذكّر أصحابه بحق الاختيار وخيرهم بين البقاء وبين تركه يقود ثورته في ساحة الوغى لوحده حيث يقول سلام الله عليه مخاطبا أصحابه (... ألا وإن هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا فإن القوم يطلبوني فان ظفروا شغلوا عن غيري..)، وهذا يصور قمة حرية الاختيار بلا تزيف أو تلبيس الحقائق بثياب غير ثيابها رغم كون تلك النهضة هي نهضة الحق كله ضد الباطل كله. هذا بجميعه كان قبيل تلك الصبيحة العاشورائية العظيمة أما ما حدث فيها من إعطاء الأدوار لكل فئة من فئات المجتمع تقصر أي حركة من حركات التحرر او النظم الوضعية عن الوصول إلى جزء منه. فلم يترك إبن بنت رسول الله طائفة أو شريحة إلا وأعطاها حقها في سجل ذلك اليوم العظيم وتلك النهضة الحسينية فبدأ من الطفل الرضيع إلى الشيخ الكبير مرورا بالرجال والشباب وما أخذت النساء من دور في المعركة أو بعدها كان يضاهي ما قدمته الرجال، وفي حديث الطوائف فلا نعتقد إن التاريخ غفل موقف أبي الأحرار في قبال الغلام التركي أو الرجل الإفريقي المرافق لهم والذي كان الإمام يرعاهم كرعاية احد أبناءه وفقده لهم كان بمثابة فقده لأحد أبناءه أيضا. هكذا نجد المصداق الحقيقي في قيادة الأمة فالقائد أباً لجميع من يقعون تحت وصايته لا يفرق بينهم إلا باستحقاقهم الواقعي وبقدر ما يقدمون لا بصلة رحم ولا بجنس ولا بطائفة، وهو تطبيق واقعي لكل القوانين التي شرعت من أجل إعطاء الأدوار في بناء الحياة التي قد تنهض ببناء وإعمار أو بنهضة تثقيف أو وقفة حق ضد باطل. ولنسأل أنفسنا كم استلهمنا من تلك المدرسة الكبيرة في حياتنا اليومية؟. وما هو الدور الذي أعطيناه لكل واحد منا في بناء نفسه وعقيدته وبلده، ألسنا اليوم بحاجة ماسه لتلك المفاهيم؟ ولاسيما في وضع كوضع العراق متى نكون منصفين مع الجميع وان لا تربطنا ببعضنا البعض الا روابط الفعل الصحيح ونكران الذات في مقابل مصلحة المجتمع، وما أحوجنا اليوم إلى أن نقف وقفة تصحيحية لجميع مساراتنا متخذين من العقل نبياً يرشدنا لفعل الخير ومن مشاعرنا جسرا لبناء كيان التفاهم والتوادد قبل أي كيان سياسي. هكذا كان الحسين وثورته نظام لفعل الخير وإرشاد الناس لما ينفعه وما يضرهم ولكن بطرق الإنسانية الصحيحة وبعيدا عن كل مؤثرات الدنيا وزخرفها وهذا هو جادة الصواب في قيادة الأمة نحو صلاحها ونجاحها في الدين والدنيا. بقلم: عدنان الصالحي المصدر: مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث