الكلمة التأسيسية لسماحة آية الله الدكتور السيد فاضل الحسيني الميلاني
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » الكلمة التأسيسية لسماحة آية الله الدكتور السيد فاضل الحسيني الميلاني

 البحث  الرقم: 2584  التاريخ: 22 محرّم الحرام 1433 هـ  المشاهدات: 8413
قائمة المحتويات

الكلمة الإفتتاحية لسماحة آية الله الدكتور، السيد فاضل الحسيني الميلاني دام ظله (1)


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
تفتخر الأمم بعظمائها وتعتزّبعطائهم وتعتبر ذلك مقدّمة ووسيلة لنيل المكارم وللتّبجيل بالجهود التي بذلها هذا الإنسان العالِم أوالمحقّق أوالمخترع وما كان له من دور في تقديم البشريّة إلى الكمال المطلوب.
نحن مع قضيّة أساسيّة هنا، وهي تاريخ عَلم من أعلام الفكر الإمامي، بذل جهداً لايقلّ عن سبعين سنة في تلقّي علوم أهل البيت عليهم السلام وفي نشر عقائد هذه المدرسة الحقّة، إلى أن أصبح فقيهاً بارزاً مرجعاً يشار إليه بالبنان ويعتبر من مراجع التقليد، ذلك هوآية الله العظمى السيّد محمّد هادي الحسيني الميلاني رضوان الله عليه.
هذا الرجل الذي كرّس جهده لخدمة الدين والمذهب وكان من أساطين الحوزات العلميّة وامتاز بفكر ثاقب ولقد قدّم عطاءً طويلاً في النجف الأشرف ثمّ في كربلاء ثمّ مشهد الإمام الرضا صلوات الله وسلامه عليه. وفي كلّ هذه المدن المقدّسة الثلاث كان عَلماً بارزاً ويقصده طلاّب العلم والفضيلة وينشدون منه الإرشادات.
إلى جانب ذلك نجد شيئاّ مهمّاً في هذه الشخصيّة التي ركّزت على التزكية وتهذيب النفس، فليس العلم وحده ملاكاً لتقدّم الإنسان ورقيّه وإنّما لابدّ أن يقترن العلم بالإيمان والتزكية والتهذيب. كما يحتاج الطائر إلى جناحين يحلّق بهما معا في الأبراج والسماوات العالية، كذلك الإنسان يحتاج إلى هاتين الملكتين.
ولقد عرف رضوان الله عليه بالتزامه الدقيق وتقواه وتدرّب على يد أعاظم علماء الأخلاق في النجف الأشرف إضافة إلى مكانته الذاتيّة.
فهومن هذه الشجرة الطيّبة التي تنتمي إلى أبي عبد الله الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه، فهوحسينيٌ وهومن هذه الدوحة المباركة ولذلك كان له تأثير عظيم وبالغ في عدد كبير وعدد غفير من الناس.
كان إذا نصح أو وعظ شخصاً نفذت الموعظة والنصيحة إلى قلب السامع. لأنّ الكلام كما نعرف «إذا خرج من القلب دخل القلب وإذا خرج من اللسان لم يتجاوز الآذان».
كان رضوان الله عليه مثلاً أعلى للعالِم المتواضع، العالم الذي يكون كالشّمعة، تذوب لتضيئ الدرب لغيرها.
وبلغ من نكران الذات ما قلّ نظيره في أقرانه، فكان لايرضى بأن يصرف الطلبة أوقاتهم في الترويج له أوالإهتمام بالدّعاية التي أحياناً تنبعث من الإخلاص وأحيانا تزلّف وأيّ عامل آخر يدعو إلى ذلك. كان شديد الحذر من هذه الأمور لأنه كان يعتبر هذه الأمورعقباتٍ تمنع الإنسان من الوصول إلى الحبّ الإلهي ومن الفناء في ذات الله تبارك وتعالى.
والخلاصة لمّا جاء إلى مشهد المقدّسة قام بعطاء وفير في تنظيم الحوزة وفي التركيز على العطاء العلمي وربّى تلامذة وقام بخدمات إجتماعيّة عظيمة وكثيرة وخاض غمار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتشديد على الظالم وانتقاد تصرّفاته. وكان أباً ينصح كلّ الحكّام وكلّ المسؤولين ويحذّرهم من عواقب الأمور، فكان له الموقف الريادي في هذه الجهة أيضاً.
تخليداً لهذه الذكرى ولهذا الإنسان العظيم ولهذا الرجل الذي عاش ثلاثة وثمانين عاماً من عمره الشريف، قضى سبعين منها في خدمة الدين والمذهب إذا استثنينا الأعوام الثلاثة عشر الأولى من حياته، ولم يسترح ولم يغمض عينه ولا لحظة واحدة، قام بهذا كلّه مثالاً للعالِم البارّ التقي المهذَّب والمهذِّب والذي يعتني بقضايا الساحة وقضايا المجتمع. وحيث فاضت روحه الشريفة إلى بارئها في آخر يوم من رجب سنة ألف وثلاثمائة وخمس وتسعين هجريّة، يتذكّره الكثيرون ويرون الفراغ الذي أحدثه والذي لم يملأ بالشّكل الكامل إلّا بدرجات معيّنة.
لهذا اهتمّ بعض أحفاد المرجع العظيم وأعتـزّ بأن أقول بأنّ أخي المفضال العلاّمة الحجّة لسان الحقّ الصادع السيّد علي الحسيني الميلاني حفظه الله كان له دورٌ بارز في دعم المسيرة العلميّة واستمراريّة العطاء في مشهد بعد أن خرجت من هذه المدينة لآفاق أخرى، ولكن بالتّعاون مع عمّنا المبجّل حجّة الإسلام والمسلمين السيّد محمّد علي الحسيني الميلاني وبأنجاله الكرام تمّ تأسيس مركز باسم "مؤسسة آية الله العظمى الميلاني لإحياء الفكر الشيعي " ولبيان هذا العطاء. والكلّ يتعاونون ويبذلون قصارى جهدهم، أعني أحفاد السيّد الميلاني وأولاد أحفاده اجتمعوا وتعاونوا على تأسيس هذا المركز ليكون نقطة انطلاق وعطاء لاستمراريّة هذا الفكر الثاقب.
وليس الهدف من ذلك إلّا أن تبقى هذه الشمعة مضيئةً، ففي الحديث الشريف)) إذا مات العالِم وترك ورقة أو ورقة علم ينتفع بها كانت له بكلّ سطر من تلك الورقة مدينة أوسع من الدنيا في الجنّة وكانت ستراً بينه وبين النار».
لذلك نعتـزّ جميعاً مع أخوتي وأولاد أخوتي أحفاد السيّد في أن نقوم بهذا المركز وأن نكون ممّن ساعدوا في تخليد ذكرى آية الله العظمى السيّد الميلاني رضوان الله عليه ولنستفـد جميعاً، فإنّ هذه الفائدة تشملنا وبواسطتها ننشر هذا العلم. ووفّقنا الله تبارك وتعالى لطبع بعض هذه الأجزاء من فقه وعقائد وتفسير وأصول وأسئلة مختلفة في مختلف الميادين. ونسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع الأمّة بها فتكون زاداً يبلّغهم الكمال والفضيلة ونستعين بالله تبارك وتعالى في أن يوفّـقنا في مسيرتنا هذه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-------------------------------------------------------
(1) كلمة تصويرية مسجلة، ألقاها سماحة آية الله الدكتور السيد فاضل الحسيني الميلاني وسماحة العلامة الخطيب السيد علي الحسيني الميلاني، افتتاحاً لنشاطات المؤسسة رسمياً ـ داخلياً ـ.


الفهرسة