الكلمة الإفتتاحية لسماحة العلامة الخطيب، السيد علي الحسيني الميلاني دام ظله (1)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على نبي الرحمة وشفيع الأمّة القائد للخير سيّدنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأصفياء المعصومين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أعتذر من سماحة أخي الأكبر آية الله الفقيه الدكتور السيّد الفاضل الميلاني دام ظلّه ان أتكلّم بين يديه، ولكن امتثالاً لأمره واستجابة لطلب أعـزّائي أبنائي وأنجال أخوتي الكرام، سأتناول باختصار وتعقيباً على كلمة السيّد الأخ الدكتور سيرة سيّدنا الجدّ المقدّس آية الله العظمى السيّد الميلاني قدّس سرّه بذكر نماذج من أساليبه التربويّة والأخلاقيّة حيث يتجلّى فيها نكران الذات والتواضع والعمل الخالص المنبعث عن خلوص النيّة. ولا نزال نحتفظ برسائله التوجيهية الينا ونحن في النجف الأشرف حيث يؤكد علينا أن نقرن العلم بالعمل وكانت هذه رسالته التي يدعو اليها دائماً فنراه يركّز في حديث مقتضب له مع العلامة الفقيد شيخ الأزهر الأسبق الدكتور محمد محمد الفحّام في لقاء خاص به في داره، على الإهتمام بالتزكية والأخلاق قبل التعلم والتعليم فيقول له: «شيخنا، لماذا لا تجعلون الإهتمام بتزكية النفس ضمن برامج الأزهر الشريف؟ هذا القرآن الكريم حين يتناول المهمه العظيمة التي قام بها نبينا محمد صلى الله عليه وآله في هداية الناس، يقول: ?يزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة? فقدّم الله تعالى تزكية الروح على التعلم». وهنا وبعد هذه المقدمة، أذكر بعض النماذج من أساليبه التربوية واحترامه للأفراد الذين يعظهم وينصحهم فلا يُهينهم ولا يترفّع عليهم، بل يتعامل معهم بكل لطف وشفقة. النموذج الأول: - كنت في صحبته وإنا إبن ثلاث عشرة سنة وقد حضرنا مأدبة إفطار وأحضروا نوعاً من الحلوى تعجبني كثيراً لكنها لم تكن في متناول يدي فانحنيتُ ومددت يدى لأتناول منها ـ والسيد الجد قدس سره يرمقنى ويراني ـ، ولما رجعنا الى المنزل دعاني الى غرفته الخاصة وأغلق الباب كي لا يدخل علينا أحد وقال: «يا بني، أنت منتمي الى الحوزة العلمية لكي تستفيد وتفيد غيرك ويجب عليك أولاً وقبل كل شيء رعاية الآداب الشرعية الواردة في الإسلام فمثلاً ورد في آداب الجلوس على المائدة عن النبي صلى الله عليه وآله قوله: «كل ممّا يليك» ـ أي ـ لا تمدّ يَدَك الى شيء بعيد عنك في المائدة حتى لو نازعتك نفسك واشتهت أكله معينةّ وهي بعيدة عنك فخالفها. ولتكُن هذه أول خطوة نحو الكمال وتزكية الروح، فتغلّب على الرغبات البسيطة لنفسك حتى تروّضها وتكون تاركاً ومخالفاً للمحرّمات حيت تتعرض في حياتك لها». النموذج الثاني: - كان سيدنا الجدّ قدس سره يوجّه المبلغين من أفراد الحوزة في شهر محرم وصفر وشهر رمضان وسائر الأيام التي تعطّل الحوزة فيها فيوصيهم بأمور مهمة منها: (أ) أن يكونوا دعاةً للإسلام بأعمالهم قبل ألسنتهم كما قال الأئمة المعصومون عليهم السلام «كونواً دعاة لنا بغير ألسنتكم». (ب) عدم ذكر اسمه، بل كان يؤكد على المبلّغين في خطاب خاص بهم ويقول: «لا أرضى أن تذكروا أسمي وتدعو الناس الى تقليدي بل كونواً دعاة للإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام. واذكروا المسائل المتّفق عليها ولاتتناولوا في حديثكم فتواي وآرائي الفقهية ولاتقولوا للناس أن السيد الميلاني كلّفنا بالتبليغ». و كان قدس سره يقوم بكافّة مصارفهم ويتبنّى شؤونهم المالية كي يقوم المبلغون بدورهم الصحيح في خدمة الإسلام والمسلمين وبكل صراحة وبدون مجاملة لأحد، وقد آتت تلك اللّجان الإرشادية ثمارها فاستبصر الكثيرون من الإسماعيلية والزيدية والبهائية والسنّة وارتفع المستوى الثقافي عندهم إلى أعلى المراتب حيث تم تشييد المساجد والحسينيات والمراكز العلمية والتربوية ومدارس تعليم القرآن الكريم والعقائد الإسلامية الصحيحة على ضوء مدرسة أهل البيت عليهم السلام، إضافة الى تأسيس المراكز الصحية، ونحتفظ بتسجيل صوتيّ له في (كاسيت) ننشره في هذا السايت. النموذج الثالث: - المزايا الأخلاقية التي كان يتحلّى بها ـ بل يتفرد ببعضها ـ مقتدياً بسيرة أجداده الأئمة الطاهرين عليهم السلام في العفو عمن يسيء اليه وعدم إظهار الغيظ بل لايَكِنُّ الحقد على أحد مهما كان حجم الإساءة، إلّا في موارد الغضب لله والرضا لله تعالى. ولقد صدرت مواقف عدائية من البعض تجاهَه قولاً وعملاً إلا أنه قدس سره كان يفيض عليهم بعطفه ويستمر في تفقدهم وصرف رواتبهم الى عائلاتهم وهم معتَقلون في سجون النظام السابق، فكان يرفدهم بالعطاء المالي بدون أن يعرفوا حقيقة الأمر حيث يؤكد على من يقوم بإيصال المساعدات الى العوائل أن لا يخبرهم بالجهة التي تدعمهم وتمدّهم بالمال. هذا الى جانب سعيه وبذله الجهود لإطلاق سراح السجناء وهذا ما ذكره أحد تلاميذه وهو الشيخ الرجائي الخراساني الذي كان مكلفاً بتفقد أكثر من خمسمائة عائلة من السادة وغيرهم. نعم، هذا غيث من فيض، وقليل من كثير من حياة سماحة سيدنا آية الله العظمى السيد محمد هادي الحسيني الميلاني، تلك الحياة المعطاءة المترامية الأطراف. وفي ختام كلمتى، أسأل الله تعالى أن يرفع في الجنان درجاته ويوفقنا والجميع للسير على خطاه التي هي خطى جده النبي المصطفى صلى الله عليه وآله والأئمة الطاهرين عليهم السلام، وأن نواصلَ المسيرةَ في نشر تراثه العلمي والأخلاقي والثقافي، وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أٌنيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ---------------------------------------- (1) كلمة تصويرية مسجلة، ألقاها سماحة آية الله الدكتور السيد فاضل الحسيني الميلاني وسماحة العلامة الخطيب السيد علي الحسيني الميلاني، افتتاحاً لنشاطات المؤسسة رسمياً ـ داخلياً ـ.