محرم وصفر من كل عام هجري هما شهرا الامام الحسين عليه السلام، والحسين بن علي بن أبي طالب هو رجل سلم وسلام، والذي يحب السلام لكل الناس ويدعو إلى التغيير والاصلاح والخير. لذا فهو يقول: «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله «ص». فكيف يمكن أن ننطلق من الامام الحسين (ع) لنحقق السلم العالمي؟ وهل يمكن أن يتحقق السلام بدون ثمن؟ ثم كيف يمكن للسلام وسبيل اللاعنف أن يفرض نفسه على من لا يؤمن بالسلام، ويستعمل كل القوى التي توجب السيطرة والدمار؟ أما الاول: وهو كيف ننطلق من الحسين لنحقق السلم العالمي؟ فان علينا أن نفهم معنى السلم الذي تبناه الحسين عليه السلام وأصحابه وآليات تحقيقه. فهناك من الناس من يحب السلام، ولكنه سلام الذات والاستسلام والعزلة، ولا يفكر باحداث تغييرات في البنى والقوى والعناصر الفاسد في البيئة والمجتمع. ومواقفه من الاحداث الاجتماعية والسياسية الكبرى تكاد تكون مواقفا سلبية لا تتعدى الدفاع عن الذات من أخطار الانحراف. وهناك من يدعي أنه يحب السلام ويريد تحقيقه في مجتمعه والمجتمع العالمي، ولكنه يرى أن السلام لا يتحقق في المجتمعات المحلية والدولية إلا من خلال تصنيع وامتلاك الأسلحة وخاصة المدمرة والفتاكة كالقنابل الذرية والهيدروجينية والجرثومية وغيرها، ويعتبر السلاح المتطور كمّاً وكيفاً هو الضمان لتطبيق السلام العالمي. ليس هذا فحسب، بل نرى من يسفك الدماء ويقتل الأبرياء ويبيد الشعوب وهو يرفع شعارات السلم والسلام!!. والامام الحسين (ع) هو المنهج الثالث الداعي للسلام، ولكنه ليس سلام الذل والخنوع والخضوع وقبول الباطل فـهيهات منا الذلة وليس سلام القوة والسلاح والقتل والإبادة الجماعية كما تفعل الدول الكبرى-اليوم- بدعوى محاربة الارهاب. وذلك لأن مدرسة الحسين مدرسة تقف من العنف والعدوان والتعسف والإرهاب موقف المضاد، فكرة وسلوكاً، فقد كان الرسول (ص) يدعو الناس إلى الإيمان بالإسلام بأسلوب المسالمة واللاعنف، يقول سبحانه وتعالى: (وَلَوْ شَآءَ رَبّكَ لاَمَنَ مَن فِي الأرْضِ كُلّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّىَ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ) سورة يونس: 99. وقال تعالى: فَذَكّرْ إِنّمَآ أَنتَ مُذَكّرٌ لّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ سورة الغاشية: 21-22. وأما الثاني: وهو هل يمكن أن يتحقق السلام بدون ثمن؟ إن الذين يعتقدون أن السلام هو العزلة والانغلاق والتقوقع فهم –ربما- لا يدفعون الثمن مباشرة، ولكن أبنائهم ومجتمعاتهم وأوطانهم سوف يدفعون أثمانا باهضة؛ لأن مظاهر الفساد والإفساد تبلغ أوجها، وتذهب القيم والمبادئ والأصول أدراج الرياح، ويضيع العدل والحق ولا يسلم أحد من الانحراف والانجراء، إلا الذين ينذرون أنفسهم من أجل إصلاح المسيرة وتقويمها. وأما الذين يقولون إن السلام يتحقق بالبندقية، فإنهم مستعدون لدفع الثمن الباهض من أموال وأنفس أنصارهم، ومن دماء وأرواح أعدائهم. ولا يهمهم إلا أنفسهم وذواتهم ومشاريعهم الموسومة بالسلام!! وأما منهج الامام الحسين عليه السلام في السلام والإصلاح فهو أيضا لا يكون بلا ثمن، ولكن هذا الثمن الذي يدفعه الحسين لا يكون على حساب الآخرين بالقتل والترهيب، بل هو ثمن يدفعه ويؤديه دعاة السلام أنفسهم، والذين يؤيدونهم ويناصرونهم، ولو كان ذلك الثمن أموالهم وأرواحهم وابنائهم. ومنهج الحسين أشد حرصا على منع سفك الدماء ليس في صفوف الانصار والموالين، وإنما في صفوف الاعداء والمبغضين، فالحسين (ع) كان يدعو جيش السلطة وقادته أن يعدلوا عن قتلهوقتل عياله وأنصاره ليس خوفا أو طمعا في شفاعتهم، ولكن خوفا عليهم من العار ودخول النار. إنه عليه السلام كان يعلم أن القوم لو قتلوه سوف لا يعيشون كثيرا من بعده، وأن الله سوف يعاقبهم بسبب قتلهم لسبط النبي وأنصاره. هذا هو سلام الحسين هو يريد الإصلاح ويطلبه ولا يَحيد عنه، ولكنه يحرص أن يكون هذا الإصلاح ثورة بيضاء، وإذا كان لابد من التضحية فليكن هو وعياله وأنصاره أول المضحين!!. وأما الثالث: وهو كيف يمكن للسلام وسبيل اللاعنف أن يفرض نفسه على من لا يؤمن بالسلام، ويستعمل كل القوى التي توجب السيطرة والدمار؟ هناك اتجاهان يتصارعان من أجل التغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي وهما مستمران مدى الحياة، اتجاه يؤمن بأن التغيير لا يكون تغييرا حقيقيا إلا بالقوة أيـّا كانت، وهو لا يتوانى عن استخدام سلاح العسكر في وجه من يقف في وجه، وهذا الإتجاه يبرر كل ما يقوم به من أعمال وحشية كالقتل والتهجير والسجن والتعذيب ومصادرة الحريات ويزعم بان هدفه تحقيق الاستقرار والأمن وسيادة القانون... وهذا الاتجاه عادة يحقق أهدافه بشكل سريع لأن سلطة الخوف تقهر البشر وتذلهم وتحبس أنفاسهم... ولكنه في الوقت ذاته هو قابل للنزول والزوال بالسرعة التي صعد بها ووجوده مرهون بالمحافظة على أدوات القوة والقهر التي تظل بيده ولكن ما إن فقدها فإنه سيفقد كل شيء. فسلطة بني أمية كانت قوية وقت قتلالإمام الحسين (ع) لأنها كانت تملك السلطة والمال والقوة والسجن... ولكن ما إن فقدتها بُعيد قتل الحسين حتى أخذت تضمحل شيئا فشيئا وزالت باستحواذ بني عباس على السلطة. وأما الإتجاه الثاني فانه يؤمن بأن التغيير والإصلاح مطلوب ومستمر.. ولكن لا تغيير ولا إصلاح بالقوة والسيف، لأن مثل هذا الإصلاح هو إصلاح سطحي وقشري وليس إصلاحا حقيقيا وجوهريا. الإصلاح المفروض بالقوة هو أصلاح لا يعيش كثيرا، أما الإصلاح بالحوار والجدال بالتي هي أحسن والإقناع والإيمان هو الإصلاح الذي يعيش كثيرا ويستمر لأنه يتعلق بالنفوس والقلوب لا بالأجساد والأبدان. فثورة الحسين ثورة القلوب والعقول، وبالتالي، فرغم مضي أكثر من ألف سنة عليها إلا أن أتباعها وأنصارها يتكاثرون يوما بعد يوم، وهي تنتشر وتعم العباد والبلاد ابتداء من العراق حتى الهند، واليابان والصين، وأوربا وأمريكا. وهذا يعني أن علينا أن نرفض كل أشكال العنف السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأسري وحتى في الحرب، وذلك اعتماداً على أن المسالمة نظرية متكاملة، ومنهج سلوك متواصل، وخيار حضاري. والطريق إلى السلم والسلام القائم على الحق والعدل والإنسانية هو امتلاك القوة في مقابل الضعف، لا القوة بمعنى العنف، لان العنف والعنف المضاد حلقات متسلسلة لا تنتهي، قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (من عامل بالعنف ندم). بقلم: جميل عوده المصدر: مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث