لم يكن بين ولادة الإمام الحسن وولادة الإمام الحسين (عليهما السلام) إلا ستة أشهر، هذا ما أكده المؤرخون وان اختلف البعض، وقد وُلد الإمام الحسين (عليه السلام) لستة أشهر، فقال محمد بن طلحة الشافعي: وفيه أنزل الله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) [سورة الأحقاف: 46]، [مطالب السؤول: 18]. أجل، اذا كان الفصال سنتين مدة الرضاعة، كما في قوله تعالى: (وفصاله في عامين) [سورة لقمان: 14]، فيبقى اقل مدة الحمل وهي ستة أشهر. وهنا قال محب الدين الطبري: قال ابن الدارع في كتاب (مواليد أهل البيت عليهم السلام): لم يولد مولود قط لستة أشهر فعاش إلا الحسين وعيسى (عليهما السلام) [ذخائر العقبى: 118].
إستقبال الهدى
وُلد (سلام الله عليه)، فكان رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) قد استقبله والسرور يغمره، وقد عمّت البشرى سماواتُ الله تعالى وأرضيه، وذلك في عشية الخميس ليلة الجمعة الثالث من شعبان الخير والبركة، في السنة الرابعة من الهجرة النبوية الشريفة. قال الحمويني بإسناده عن ابن عباس: لما وُلد الحسين بن علي (عليهما السلام) أوحى اللهُ عز وجل إلى مالك خازن النار أن اخمد النيران على أهلها، لكرامة مولودٍ وُلد لمحمد في دار الدنيا [فرائد السمطين: 2/152]. أخذه جده المصطفى الأكرم (صلى الله عليه وآله) وضمه الى صدره وقبّله، وأذن في أذنه اليمنى ثم أقام في اليسرى، وسماه بأمر الله تعالى حسيناً، وعق عنه كبشا، وقال لامه فاطمة (صلوات الله عليها): احلقي رأسه وتصدقي بوزنه فضة [الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: 170]، وحنكه (صلى الله عليه وآله) بريقه الشريف، وقيل: عق عنه بشاة، وتصدق بزنة شعره المبارك، وكان وزنه درهما.
خطاب الحق
ويهبط الوحي.. فتنزل الآيات المباركة تشمل الإمام الحسين (عليه السلام) فيما خص الله تبارك وتعالى به أهل البيت (عليهم السلام)، فكان قوله تعالى: (وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسبا وصهرا) [سورة الفرقان: 54]. اخرج أبو نعيم الحافظوابن المغازلي بسنديهما عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في الخمسة من أهل العباء، ثم قال: المراد من الماء نور النبي (صلى الله عليه وآله) الذي كان قبل خلق الخلق، ثم أودعه في صلبآدم (عليه السلام)، ثم نقله من صلب إلى صلب إلى أن وصل صلب عبد المطلب، فصار جزئين، جزءٌ إلى صلب عبد الله فولد النبي (صلى الله عليه وآله)، وجزء إلى صلب أبي طالب فولد عليا (عليه السلام)، ثم ألف النكاح فزُوّج علي بفاطمة، فولدا حسنا وحسينا (عليهم السلام). وأخرج الثعلبيوالخوارزمي عن ابن عباس أيضا، وابن مسعود وجابر الأنصاري والبراء وأنس وأم سلمة قالوا: نزلت في الخمسة من أهل العباء [ينابيع المودة للشيخ سليمان القندوزي الحنفي: 118]، وفي ظل قول الله جل وعلا: (وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون) [سورة الزخرف: 28]، بسند منتهٍ إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: فينا نزل قولُ الله عزّ وجل الآية، أي جعل الإمامة في عقب الحسين (عليه السلام) إلى يوم القيامة [ينابيع المودة: 117]. وعن أنس بن مالك قال في ظل الآية المباركة: (مرج البحرين يلتقيان) [سورة الرحمن: 19]: علي وفاطمة، (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) [سورة الرحمن: 22] الحسن والحسين. وعن ابن عباس قال: علي وفاطمة بينهما برزخ ـ النبي (صلى الله عليه وآله) ـ، يخرج منهما الحسن والحسين (صلوات الله عليهما) [تذكرة خواص الأمة لسبط ابن الجوزي: 245، وكشف الغمة للأربلي: 95]. وتتابع الآيات الشريفة تخصّ الإمام الحسين (عليه السلام) مع أهل بيته الأطهار (عليهم أفضل الصلاة والسلام) كآية التطهير، قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) [سورة الأحزاب: 33]، وآية القربى أو المودة، قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) [سورة الشورى: 23]، وآية المباهلة، قوله تعالى: (فمن حاجك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) [سورة آل عمران: 61].. وقد أجمع المفسرون إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي المعنية بالنساء، وإن علياً (صلوات الله عليه) هو المعني بالأنفس، فهو نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأما الأبناء في المباهلة فلم يكونوا إلا الحسن والحسين (صلوات ربنا عليهما).
الحجة البالغة
أقر بذلك المسلمون واعترفوا أن الفضل لهذا البيت الشريف فحسب، ثم لمن والاهم، وأما من جحدهم وهو يعلم فذلك الظالم المنافق، وكيف لا وقد سمع رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) يقول على مسامع المسلمين ومشاهدهم مرات: حسين مني وأنا من حسين، من سره أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسين، حسين سبط من الأسباط، من أحبني فليحب حسينا، وخاطبه قائلا: إنك سيد ابن سيد أبو سادة، إنك إمام ابن إمام أبو أئمة، إنك حجة ابن حجة أبو حجج تسعة من صلبك، تاسعهم قائمهم. هذا إلى آلاف الروايات روتها العامة والخاصة، ثم رووا ان عمر بن الخطاب قال للحسين (عليه السلام): فإنما انبت ما ترى في رؤوسنا الله، ثم أنتم [الإصابة في تمييز الصحابة لابن حر: 1/333]. فما كان دين ولا علم إلا أنبته الله تعالى، ثم أهل البيت، النبي وآله (صلوات الله عليهم)، ومنهم سيد الشهداء (سلام الله عليه).