في رحاب عاشوراء.. وقفة مع زينب
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » في رحاب عاشوراء.. وقفة مع زينب

 البحث  الرقم: 35  التاريخ: 1 ذو الحجّة 1429 هـ  المشاهدات: 9103
قائمة المحتويات

في رحاب عاشوراء.. وقفة مع زينب

أن تفاجئك المصيبة شيء وان تسير نحوها شيء اخر. ان تزف حبيبك نحوالموت وانت تبقى بعده حياً يتطلب الكثير الكثير من الصبر والارادة والشجاعة والقوة ونحن نشاهد زينب وهي مع الحسين في حركته نحو الاستشهاد، انها تزف موكب الحسين نحو الموت فهي تنظر الى الحسين وتعلم انه ذاهب وتجالس الحسين وتعلم انه ذاهب وتكلم الحسين وتعلم انه ذاهب وفي كل ذلك هي الصبورة المحتسبة المتوازنة التي انطلقت من ايمانها العميق بكل ما يدعو اليه ابوعبدالله.
انها تجسد الايمان لله سبحانه وتعالى بأروع صوره وأسمى حالاته.
زينب صاحبة قضية وموقف. قضيتها قضية الحسين، قضية الاسلام المحمدي الاصيل وانطلاقها مع الحسين لم يكن عاطفياً فاذا كانت نساء موكب الحسين في الموكب لانهن قد تبعن الازواج، فحالة زينب كانت مختلفة. فزينب قد تركت زوجها عبدالله بن جعفر بن ابي طالب في مكة ليكون وجودها في موكب الحسين وجوداً حركياً رسالياً ولو لم تخرج زينب مع الحسين وبقيت في مكة لما اصابتها لومة لائم.
تحركت مع الحسين ولو اكتفت بحركتها مع الحسين مواساةً له ولاهل بيته لكانت تلك فضيلة
ولوكانت قد صبرت على قتل الاحبة امام عينها وهي تضحي بالولد والاخ وابن الاخ وهي امرأة وما ادراك ما عاطفة المرأة وهي صبورة محتسبة متماسكة لكان في صبرها فضيلة.
ولكن كل ما قامت به من اعمال عظيمة قبل الطف شيء وحركتها الاعلامية بعد ذلك شيء اخر.
لم تكن الانسانه المكسورة التي فقدت الاحبة قريباً وانما كانت الصوت الاعلى في الكوفة والشام. زينب لم تكن ضعيفة، لم تنهار، لم تتزلزل.
التماسك عند المصائب ميزة وعنصر من عناصر قوة الشخصية وقليلاً ما تجد هذه الحالة لدى الرجل ولكن زينب المرأة، تجاوزت مرحلة التماسك والصبر والجلد لتنتقل بعدها الى مرحلة التحدي والمواجهة واعلان الصيحة والصرخة بوجه الطغاة والتي سمع ويسمع التاريخ صداها على مر القرون.
زينب تعلم بحكمها امرأة، بانها سوف لا تستطيع القتال ولو كان كذلك لهان عليها تحمل المأساة والصبر على الفواجع منتظرة الشهادة والخلاص لتستريح من همها وغمها ولكن زينب العظيمة تتحمل المأساة وهي تعلم بانها سوف تبقى على قيد الحياة وان دورها الحقيقي هو ما بعد حادثة الطف فهي حتى لا تستطيع ان تتألم وتحزن كما يحزن الناس على مصائبهم لأنها مكلفة لتكون سفيرة الحسين وكربلاء الى الكوفة والشام وعليها ان تتصدى لنشر رسالة الحسين مباشرة.
من خلال الحوارات التي تدور بين زينب والحسين عليه السلام، الحسين يخاطب زينب لا كأخت وامرأة ليمسح على مشاعرها ويراعي عاطفتها فقط ولكن حواراته معها، حوارات مع زينب الواعية الرسالية التي عليها ان تحمل راية الحسين بعد مقتله وتقوم باكمال الرسالة الحسينية واستمرارية المشروع لكي لا يموت بكربلاء ويدفن هناك.
انها تراقب احداث الطف مراقبة ميدانية من دون اغماض عين ولا ادراة وجه كما تفعل النساء وهي تشهد مقتل ولدها واهل بيتها واصحاب الحسين وتشهد قتل الحسين ورض جسده بحوافر الخيل وتشهد قطع رأس الحسين واهل بيته واصحابه. انها واقفة بقرب ساحة المعركة تقدم كل ما تستطيع تقديمه انذاك وهي تصرخ بوجه اولئك الوحوش لعلهم يرتدعون.
تنادى عمراً مرة: ويلك أي عمر أيـُقتل أبوعبد الله وأنت تنظر اليه وتصرخ بوجه الزمرة الباغية مرة: ويحكم أما فيكم مسلم وتصيح مرة أخرى: يامحمداه، صلى الله عليك مليك السماء، هذا الحسين بالعراء مرمل بالدماء، مقطع الاعضاء وبناتك سبايا وذريتك مقتله تسفي عليها الصبا . في كل هذه المواقف انها تنظر ولكنها صامدة وهي وفية لوعدها لدى الحسين:
اني اقسمت عليك فأبري قسمي، لا تشقي علي جيباً ولا تخمشي علي وجهاً ولا تدعي علي بالويل والثبور ان انا هلكت
غالباً ما يكون الرجل القدوة، قدوة للرجال والمرأة القدوة، قدوة للنساء ولكن زينب قدوة للرجال والنساء معاً. زينب جمعت مجموعة من الفضائل في شخصيتها تكاد تكون الواحدة منها كفيلة بتخليد صاحبها وجعله رمزاً على صعيد التاريخ الانساني كله. سوف لا نجد انساناً على وجه الارض يمر بكل ما مرت به زينب فقد نجد من يفقد الابناء اوالاخوان او ابناء الاخوان وقد نجد من يفقد الابناء والاخوان وابناء الاخوان معاً ولكن هل سوف نجد حجماً من المصائب تقع على انسان كما وقعت على زينب مرة واحدة وهل هناك عذر لدى الانسان المؤمن ان يكون صبوراً واسوأ ما يقع عليه سوف لا يكون شيئاً مقارنة بما مرت به زينب التي بقت صامدة.
أخيراً...
علينا ان ندعوا الناس الى الاسلام باسم زينب، فهي تلك المرأة التي جسدت قِيم الاسلام في شخصيتها لا على مستوى النظرية وانما على مستوى التطبيق. في كل عام زينب تولد في محرم وتموت بعد ذلك سريعاً وكأنها مجرد بطلة من أبطال قصة كربلاء ولكننا ننسى زينب بعد الطف وما احوجنا اليها قدوة وأسوة ورمزاً للتضحية والاخلاص والوفاء.
في مدرسة زينب، التزام المرأة لا يدعوها الى الابتعاد عن ساحة الحياة والمجتمع مكتفيه بالبيت والزوج والولد. في مدرسة زينب، المرأة الملتزمة المتشرعة المتدينة ليست مهمشة ولامنزوية ولامتخلفة عن الرجل ولاتقوم بدور ثانوي بل انها في طليعة الحركة التغييرية.
المرأة المسلمة الملتزمة اليوم بحاجة الى زينب قدوة وشهادة بوجه كل من يريد لها الانكفاء والانزواء وفقدان الدور اومن يتهمها بالتخلف والتناقض بين الالتزام والفاعلية في المجتمع.
هل يجوز ان نسمح لأحد باتهام المرأة الملتزمة بالتخلف والتغييب وعندنا زينب؟
وعندنا من حملت رسالة الطف بين يديها لتكمل مشوار الحسين وحركة الحسين التي لوكانت قد فقدت العامل الاعلامي فيها لمحي اثرها وفي افضل الحالات لتحولت الى رواية تاريخية مثيرة.
بقلم: ياسر جعفر
yjafer@connect. carleton. ca
المصدر: شبكة النبأ المعلوماتية

الروابط
المقالات: دور السيدة زينب في كربلاء *
مفاتيح البحث: وقفة مع السيده زينب،
مواقف السيده زينب،
الامام الحسين وزينب،
السيده زينب قدوه،
في رحاب عاشوراء،
ما بعد كربلاء،
...
الواحات: الواحة الحسينية

الفهرسة