رؤيا أم الفضل: رأت أم الفضل بنت الحارث في منامها رؤيا غريبة لم تهتدِ إلى تأويلها، فهرعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلة له: إني رأيت حلماً مُنكراً، كأنَّ قطعة من جَسدِك قُطعت وَوُضعت في حِجري؟!! فأزاح النبي (صلى الله عليه وآله) مخاوفها، وبشَّرها بخير قائلاً: (خيراً رأيتِ، تَلد فاطمةُ إن شاء الله غلاماً فيكون في حِجرك). الوليد المبارك: وضعت سيدة نساء العالمين (عليها السلام) وليدها العظيم الذي لم تَضع مثله سيدة من بنات حوَّاء – لا في عصر النبوة ولا فيما بعده – أعظمُ بركة ولا أكثر عائدة على الإنسانية منه، فلم يكن أطيب ولا أزكى ولا أنور منه. وتردَّد في آفاق المدينة المنورة صدى هذا النبأ المفرح، فهرعت أمَّهات المؤمنين وسائر السيدات من نساء المسلمين إلى دار سيدة النساء فاطمة (عليها السلام) وَهُنَّ يُهَنِّئْنَها بمولودِها الجديد. وُجوم النبي (صلى الله عليه وآله) وبكاؤه: ولمَّا بُشِّر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بسبطه المبارك، خف مسرعاً إلى بيت بضعته فاطمة (عليها السلام) وهو ثقيل الخطوات، وقد ساد عليه الوجوم والحزن، فنادى بصوت خافت حزين النبرات: (يَا أسماء، هَلُمِّي ابنِي). فَناولَتْهُ أسماء، فاحتضنه النبي (صلى الله عليه وآله) وجعل يُوسعه تَقبيلاً وقد انفجر بالبكاء. فَذُهِلت أسماء وانبرت تقول: فِداك أبي وأمي، ممّ بكاؤك؟! فأجابها النبي (صلى الله عليه وآله) وقد غامت عيناه بالدموع: (مِن ابنِي هَذا). وملكت الحيرة إهابها، فلم تدرك معنى هذه الظاهرة ومغزاها، فقالت: إنه وُلد الساعة!!. فأجابها الرسول (صلى الله عليه وآله) بصوت متقطع النبرات حزناً وأسىً قائلاً: (تَقتُلُه الفِئةُ البَاغية من بعدي، لا أنَالَهُمُ اللهُ شفاعَتي). ثم نهض وهو مُثـقل بِالهَم، وأَسَرَّ إلى أسماء قائلاً: (لا تُخبري فاطمة، فإنها حديثة عهد بولادته). وكانت ولادته (عليه السلام) في الثالث من شهر شعبان من السنة الثالثة أو الرابعة للهجرة النبوية الشريفة. مراسيم ولادته: وأجرى النبي (صلى الله عليه وآله) بنفسه أكثر المراسيم الشرعية لوليده المبارك، فقام (صلى الله عليه وآله) بما يلي: 1 - الأذان والإقامة: فأذّن (صلى الله عليه وآله) في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى. وجاء في الخبر: أن ذلكَ عِصمةٌ للمولود من الشيطان الرجيم. 2 - التسمية: فَسمَّاه النبي (صلى الله عليه وآله) (حُسَيْناً) كما سَمَّى أخاه (حَسَناً). ويقول المؤرخون لم تكن العرب في جاهليتها تعرف هذين الاسمين حتى تُسَمِّي أبناءهم بهما، وإنما سَمَّاها النبي (صلى الله عليه وآله) بهما بوحي من السماء. 3 - العَقيقة: وبعدما انطوت سبعة أيام من ولادة الحسين (عليه السلام) أمر النبي (صلى الله عليه وآله) أن يُعَقَّ عنه بِكَبْش، ويُوزَّع لحمه على الفقراء. كما أمر (صلى الله عليه وآله) أن تُعطى القابلة فخذاً منها، وكان ذلك من جملة ما شرعه الإسلام في ميادين البِرِّ والإحسان إلى الفقراء. 4 - حَلْق رأسه: وأمر النبي (صلى الله عليه وآله) أن يُحلَقَ رأس وليده، ويُتَصَدَّق بِزِنَتِهِ فضة على الفقراء – وكان وزنه كما في الحديث درهماً ونصفاً –، وطلى رأسه بِالخَلُوق، ونهى عمّا كان يفعله أهل الجاهلية من طلاء رأس الوليد بالدم. 5 - الخِتَان: وأَوْعزَ النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أهل بيته بإجراء الخِتَان على وليده في اليوم السابع من ولادته، وقد حثّ النبي (صلى الله عليه وآله) على خِتَان الطفل في هذا الوقت المبكر لأنه أطيبُ له وأطهر.