أحاديث أهل البيت (عليهم السّلام) في المؤلفات الحديثيّة الإمامية.. أضواء من بعيد
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » أحاديث أهل البيت (عليهم السّلام) في المؤلفات الحديثيّة الإمامية.. أضواء من بعيد

 البحث  الرقم: 518  التاريخ: 29 ذو القعدة 1429 هـ  المشاهدات: 7984
قائمة المحتويات

المقدمة

في البدء، لابد من التذكير ـ أيّها الأصدقاء ـ بأنّ اصطلاح (الحديث) يدلّ لدى مدرسة أهل البيت (عليهم السّلام) على معنىً أوسع ممّا عَرَفته الاتجاهات السنّية، ذلك أن قسماً مهماً من الأحاديث المتداولة في البيئات الإمامية هو من أحاديث الأئمّة من أهل البيت (عليهم السّلام)، إضافةً إلى الأحاديث المرويّة عن أبيهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، التي هي البداية ونقطة الانطلاق لهذه الثروة الحديثية العظيمة [لاحظ مقالة: «السنّة» للسيد محمد تقي الحكيم في دائرة المعارف الإسلامية الشيعية].
وقد شاع في الاتجاهات الأخرى من غير نهج أتباع خط أهل البيت (عليهم السّلام) آنذاك كلام كثير عن بداية تدوين الحديث وعن قصّة التشدّد في المنع عن كتابته، غيرَ أنّ هذا كلّه لم تَعرفه مدرسة أهل البيت (عليهم السّلام) ولم يكن له فيها من وجود نظري ولا عملي، ذلك أن تدوين الحديث قد ابتدأ فيها منذ العقود الأولى للقرن الأول الهجريّ، مِن قِبل أصحاب الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام)، ولم يتوقّف.

حركة التأليف

من أقدم النماذج في التدوين الحديثي الذي تَبلوَر بصورة مؤلفات مستقلّة: كتاب «سُنَن أبي رافع» أحد أصحاب الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، وهو كتاب لم يصل إلينا، وذكره النجاشي في كتابه الرجال ص 4 ـ 7، ومن تلكم المؤلّفات العريقة الباقية إلى اليوم: «كتاب سُلَيم بن قيس الهلالي».
قد استمرّ جمع الأحاديث وتدوينها في عصر الإمامين الباقر والصادق (عليهما السّلام)، ممّا كان ثمرته إنتاج ذخائر قيّمة من الأحاديث، اشتهرت بين الإمامية باسم «الأصول الأربعمائة» [لاحظ مقالة: «الأصول الأربعمائة» للسيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة) ـ المقدمة]، فكانت أربعمائة مدوَّنة تشتمل على أحاديث للنبي واهل بيته (عليهم السّلام)، في مختلف مناحي المعارف الإسلاميّة.
وفي القرن الثالث الهجري.. اتّسع نطاق التصنيف الموضوعي للأحاديث لدى الاتجاهات السنّية، وكان لمحدِّثي البيئة الإماميّة في هذا القرن عناية عمليّة جادّة بهذا اللون من التصنيف، فظهرت مؤلّفات مُبوَّبة في الحديث، نظير كتاب «المحاسن» للبرقي (وهو كتاب مطبوع).
وكانت هذه بداية لانطلاقة تيار قوي في هذا السياق، أبدع في القرنين الرابع والخامس مجاميعَ حديثية مهمة في خط الإمامية، وهذه المجاميع هي: «الكافي» للكُلَيني، و «من لا يَحضُره الفقيه» لابن بابوَيه الصدوق، و «تهذيب الأحكام» للشيخ الطوسي، و «الاستبصار» له أيضاً. وعُرفت هذه الكتب في العصور اللاحقة باسم (الكتب الأربعة)، واعتُمدت أساساً في المباحث الروائية.
ولابدّ من الإشارة ـ فيما يتّصل بجمع الأحاديث ـ إلى أنّ المدوَّنات الحديثية الشيعية الأولى كانت تتضمن أحاديث متعددة الموضوعات متنوّعة الآفاق، فكان منها: الاعتقادي، والأخلاقي، والفقهي، والتاريخي، ومنها غير ذلك كثير. وقد آلَ هذا النهج التجميعي المتداخل ـ في العصور التالية ـ إلى صعوبة العثور على أحاديث معيّنة في غير الكتب الأربعة، غير أنّ ازدهار تيّار الأخباريين والمحدّثين في العصر الصفوي (907 ـ 1135 هـ) واشتداد الحاجة إلى العثور على الأحاديث في موضوع محدَّد، قد حدا بالمحدّثين إلى السعي المجدَّد إلى تدوين مجاميع حديثية جديدة ذات منهج موضوعي، يَسهُل من خلالها الوصول إلى الأحاديث المثبَّتة في المصادر الروائية القديمة، إضافة إلى الكتب الأربعة.
ونَتجَ عن هذه الحركة الجديدة مجاميع روائية ضخمة وواسعة، مِن مثل: «وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة» للشيخ محمد بن الحسن الحُرّ العاملي (ت 1104 هـ)، ومن مثل: «بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار» للشيخ محمّد باقر المجلسي (ت 1110 هـ أو 1111 هـ).

نقد الحديث

في ميدان (نقد الحديث).. يمكن البدء بالتحدّث عن تعامل عدد من علماء الإمامية مع الأحاديث المتداولة في المصادر السنّية، ومن الجَلي أن بعض الإماميّة ـ منذ القرن الأول الهجري ـ كان ينظر إلى تلك الأحاديث بعين الشكّ، من حيث الأمانة ودقّة النقل (لاحظ مثلاً: كتاب سُليم بن قيس، ص 103 وما بعدها).
بَيْد أنّ هذا التعامل قد رافقه أيضاً ـ وخاصة في تيّار متكلّمي الإمامية إبّان القرن الثالث الهجري ـ نقد لمضمون هذه الأحاديث السنّية، وممّن كتب في هذا الشأن: الفضل بن شاذان الأزدي (ت 260 هـ) في كتابه «الإيضاح» ص 26 وما بعدها، وثُبَيت بن محمد تلميذ أبي عيسى الورّاق في كتاب «توليدات بني أُمية في الحديث»، وذكر الأحاديث الموضوعة (لاحظ رجال النجاشي 117).
وثَمّة كتب متقدّمة أخرى تناولت دراسة أحاديث الإماميّة، نظير كتاب «علل الحديث» ليونس بن عبدالرحمن (رجال النجاشي 447، الفهرست لابن النديم 276)، ونظير كتابَي «علل الحديث» و «معاني الحديث والتحريف» للبرقي (النجاشي 76، الفهرست لابن النديم 277). غير أنّه لا يتسنّى تقديم وصف لمضامين هذه الكتب، لأنّها لم تصل إلينا.
ومن خلال دراسة بعض الآثار القديمة، يبدو أن نهج المتقدمين من أصحاب الحديث في التعامل مع نقد السند إنّما يقوم على تقييم (الأصل) الذي أُخذ منه الحديث، ذلك أن من الأصول ما يتدنّى اعتباره، ومنها ما يَحظى بوصفه من المصادر المعتبرة (لاحظ مثلاً: مَن لا يحضره الفقيه لابن بابويه 3: 1 ـ 5، الفهرست للشيخ الطوسي 71).
وبعدما شهدته مدرسة الحلّة بالعراق من إعادة للنظر، طرأ تحوّل على طرائق تقييم الأخبار، فقدّم العلاّمةُ الحلّي (ت 726 هـ) في هذه الحِقبة تقسيماً للحديث إلى: صحيح، وحَسَن، وموثَّق، وضعيف، وغدا هذا التقسيم مألوفاً لدى (الأصوليّين) من الإماميّة في القرون اللاحقة.
إنّ هذا التقسيم الذي كان من ثمراته كتاب «الدرّ والمرجان» للعلاّمة الحلّي، حيث اختار فيه من الكتب الأربعة الأحاديث الصحيحة والحَسَنة وفق المعيار الذي اختاره، فقد كان له أثره في توسيع مباحث علم الحديث في البيئة الإماميّة، وهذا النهج الذي عُرف باسم (الدِّراية) قد بَسَط القولَ فيه بعدئذ الشهيد الثاني عبر كتابٍ له يحمل الاسم نفسه (وقد طبع كتاب الدراية للشهيد الثاني عدّة مرّات). ومنذ ذلك الوقت تزايدت المؤلفات الإماميّة في هذا الموضوع (لاحظ مثلاً: أمل الآمل للحرّ العاملي 134: 1، 155). غير أنّ التيّار الأخباري قد عارض هذا التيّار الجديد، وعدّ هذا التقسيم ابتعاداً عن سُنّة السلف من العلماء، وواجهه بالنقد الشديد (لاحظ: الفوائد المدنية لأمين الأسترآبادي 55 وما بعدها).

معاني الحديث

فيما يتّصل بمعاني الحديث.. يشار ـ في هذا الصدد ـ إلى كتاب قديم يحمل عنوان (تفسير الحديث)، ذكرته فهارس الكتب في عداد مؤلفات أحمد بن محمد البرقي (لاحظ: فهرست ابن النديم، ورجال النجاشي لدى الكلام حول البرقي).
وممّا لا ريب فيه أنّ كتاب «معاني الأخبار» لابن بابوَيه الصدوق هو نموذج شاخص لأسلوب تفسير الحديث بالحديث في القرن الرابع الهجري، ويُعدّ كتاب «المَجازات النبوية» للشريف الرضي كتاباً في التفسير الدرائي للأحاديث وبحثاً في الخصائص الأدبية وبيان معضلاتها (طبع الكتاب مرات عديدة، انظر مثلاً طبعة القاهرة سنة 1391 هـ).
وفي خلال القرن السادس الهجري وما بعده، ظهرت دراسات وشروح مِن قبل علماء الإمامية لنصوص متقدمة مثل «نهج البلاغة» و «شهاب الأخبار» للقاضي القُضاعي، وغير هذا وذاك.. ظهرت مجدّداً آثار قليلة في مدرسة الحلّة بهذا الشأن، من بينها: كتاب «استقصاء الاعتبار» للعلاّمة الحِلّي، في موضوع معاني الأخبار.
أمّا تدوين شروح للكتب الأربعة فلم يبتدئ إلاّ منذ القرن الحادي عشر الهجري، وهذا التيّار من التأليف كانت انطلاقته من شروح أمين الأسترآبادي على الكافي والتهذيب والاستبصار (لاحظ: أمل الآمل 246: 2). وقد واصلَ هذا النهجَ من الشروح علماءُ آخرون من اتجاهات متفاوتة، فكان من حصيلة ذلك: إبداع آثار مثل «روضة المتّقين» للشيخ محمد تقي المجلسي في شرح من لا يحضره الفقيه، و «الوافي» للفيض الكاشاني (ت 1091 هـ) الذي علّق فيه على الأحاديث ببيانات نافعة، حتّى أنّ أحدهم استخلص منه ما يرتبط بأصول الكافي وجعله كتاباً مستقلاً يُعدّ شرحاً لهذه الأصول (لاحظ: الذريعة إلى مصنّفات الشيعة 84: 3)، ومنها كذلك «مرآة العقول» للشيخ محمد باقر المجلسي في شرح الكافي.

التأليف في رجال الحديث

وفي مجال التأليف في (الرجال).. أبدعَ الإمامية آثاراً منذ القرن الأول، ومن أبرز الآثار المتقدمة في هذا المجال: «معرفة الرجال» أو «رجال الكشّي» لمحمد بن عمر الكشّي، الذي عمل الشيخ الطوسي على الاختيار منه وأفرغه في الكتاب المتداول اليوم باسم «اختيار معرفة الرجال»، ومنها كتابا الشيخ الطوسي نفسه «كتاب الرجال» و «الفهرست»، وكتاب «الرجال» لأحمد بن علي النجاشي. وتُعتبر هذه الكتب نصوصاً أساسية في نقد رجال الإماميّة الأوائل، وعُرفت هذه الكتب بعنوان «الكتب الرجالية الأربعة».
ثمّ شهدت العصور التالية إبداعَ مؤلفات رجالية أخرى، نذكر منها: «معالم العلماء» لابن شهرآشوب (ت 588 هـ)، و «الرجال» لابن داود الحلّي (ت بعد سنة 707 هـ)، و «الرجال» للعلاّمة الحلّي (ت 726 هـ). وقد أودعها مؤلّفوها قضايا جديدة أو إضافات إلى ما كتبه السابقون.
وفي القرون الأخيرة.. وُلدت في البيئات الإماميّة مجموعة أخرى من كتب (الرجال)، تضاف إلى ما سبق من آثار هذا التراث الرجالي العلمي.

الروابط
مواقع الإنترنيت: شبكة الإمام الرضا عليه السلام
المواضيع: دراية الحديث،
تاريخ تدوين الحديث
أقسام الموقع: الحديث

الفهرسة