منذ ان اشرق نور الاسلام عليه تغلغل في قلبه.. ومنذ ان صدح الرسول الكريم (ع) بالدين الحق غرس حب اهل البيت (ع) في جوارحه فحمل سيفه مجاهدا في سبيل الله مع المجاهدين وهم ينشرون ذلك النور الآلهي في الارض ولم يكد يغمد سيفه حتى سلّه مرة اخرى في نصرة الحق المتمثل بأهل البيت (ع) وبقي مجاهدا حتى تشرف بالشهادة بين يدي سيده الحسين (ع):
الشجاع العابد
(الشجاع العابد) كان مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن اسد بن خزيمة الاسدي من اعيان الشيعة في الكوفة وكان صحابيا جليلا، فقد ذكر ابن سعد في طبقاته (ان مسلما كان صحابيا ممن رأى رسول الله (ص)). وروى عنه الشعبي، وكان مسلم من فرسان الفتوح وابطال الجهاد وله ذكر في كتب المغازي ويذكر شبث بن ربعي الذي كان مع جيش ابن سعد موقفا من مواقف مسلم بن عوسجةالكريمة وجهاده في سبيل الله وذلك يوم عاشوراء عندما استشهد مسلم فقال مخاطبا اصحابه حينما فرحوا بقتلهم لمسلم (ثكلتكم امهاتكم أيُقتل مثل مسلم وتفرحون؟ لرب موقف له كريم في المسلمين رأيته يوم (آذربيجان) وقد قتل ستة من المشركين قبل التئام خيول المسلمين). وكان مسلم اضافة الى شجاعته في ساحات الجهاد في سبيل الله موصوفا بالنُسك والعرفان وقراءة القرآن ومن المتهجدين بالأسحار ومن عبّاد اهل الكوفة.
مع مسلم بن عقيل
(مع مسلم بن عقيل) كان مسلم ممن كتب الى الحسين (ع) يستحثه على القدوم وعند مجئ مسلم بن عقيل (ع) الى الكوفة مبعوثا من الحسين (ع) كان مسلم بن عوسجة يدعو له ويأخذ البيعة من الناس للامام للحسين (ع). ولما دخل عبيد الله بن زيادالكوفة والياً عليها من قبل يزيد خرج مسلم بن عقيل لمحاربته وعقد للمخلصين من اصحابه ألوية على قبائلهم فعقد لمسلم بن عوسجة على ربع مذحج وأسد ولأبي ثمامة على ربع تميم وهمدان ولعبيد الله بن عمر بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة وللعباس بن جعدة الجدلي على اهل المدينة فحاصروا ابن زياد في قصره حتى فرق ابن زياد الناس بالترغيب والترهيب فتخاذلوا عن مسلم بن عقيل. كان مسلم بن عوسجة من رجال الثورة الحسينية الموثقين وهو باب اسرار مسلم بن عقيل في الكوفة فعندما بث ابن زياد الجواسيس للكشف عن مقر مسلم بن عقيل ومكان اختبائه كان من ضمنهم مَعقِل الذي سأل عن رجل شيعي ثقة حتى يعطيه اموالا زعم انها من شيعة الشام فدلوه على مسلم بن عوسجة الذي اخذ عليه الأيمان المغلظة ليكتمن مايرى فلما اعطاه معقل ذلك واختلف اليه اياما ادخله على مسلم بن عقيل فنقل الاخبار الى ابن زياد. يقول العلامة الشيخ عبد الواحد المظفر عندما يذكر هذه الحادثة فيصف موقف مسلم بن عوسجةوهاني بن عروة وبقية الشيعة المخلصين عندما وثقوا بمعقل ولم يرتابوا في امره (كان ذلك لسلامة نياتهم ونظافة قلوبهم وطهارة انفسهم من الغش والخديعة). اجل ان تلك القلوب المؤمنة التي لاتعرف الغش والخداع والتي طبعت على حب اهل البيت (ع) تمد يد العون لكل من جاء يستعينها وبعد ان استشهدمسلم بن عقيلوهاني بن عروة وتم تصفية كبار الشيعة على يد ابن زياد حَبَسَت مسلمَ بن عوسجة عشيرتُه ومنعته من الخروج ولما سمع بأن الحسين (ع) وصل الى كربلاء مع اهل بيته واصحابه خرج مسلم مع ابن عمه حبيب بن مظاهر من الكوفة يسيران بالليل ويكمنان بالنهار حتى وصلا الى الحسين (ع) في كربلاء.
في كربلاء
(في كربلاء) وصل مسلم بن عوسجة الى كربلاء ليكون من ضمن الأصحاب الذين عناهم الإمام الحسين (ع) بقوله (اني لم اجد اصحابا خير من اصحابي)، نعم لم ولن يشهد التاريخ وفاءً مثل وفاء اصحاب الحسين (ع) ولاتضحية مثل تضحيتهم حينما فدوه بنفوسهم _ والجود بالنفس أقصى غاية الجود _. وعندما قال لهم الحسين (ع) (ان القوم يطلبوني ولو أصابوني للهو عن طلب غيري وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ثم لياخذ كل رجل منكم بيد رجل من اهل بيتي) قاموا اليه باجمعهم وقالوا بانهم لن يتركوه حتى يتفانوا دونه وصمموا على ذلك. وكان ممن قام بطلنا مسلم بن عوسجة الذي قال (أنحن نخلي عنك ولم نعذر الى الله في أداء حقك اما والله لا أبرح حتى اكسر في صدورهم رمحي واضربهم بسيفي ماثبت قائما بيدي ولا أفارقك ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى اموت معك)، وكان عند عهده وصدق قوله جهاده وشهدت له شجاعته وتخلدت في ثرى الطف مواقفه وترددت في ذاكرة التأريخ ارجوزته: إن تسألوا عني فاني ذو لبد* وان بيتي في ذرى بني أسد فمن بغاني حائد عن الرشد* وكافر بدين جبار صمــد نظر اليه الحسين (ع) وقد سقط بعد ان قاتل باستماتة فمشى (ع) اليه مع حبيب بن مظاهر.. كانت فيه بقية من روح وقد اصطبغ وجهه بالدم فضعف صوته فدنا منه الحسين (ع) وقال رحمك الله يا مسلم، ثم تلا قوله تعالى، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. ثم دنا منه حبيب ابن عمه ورفيقه وهمس في أذنه عزّ عليّ مصرعُك يامسلم أبشر بالجنة فقال له مسلم بصوت ضعيف بشرك الله بخير، لقد تعاهدا على تحقيق هذه البشرى الا وهي الشهادة في سبيل الله بين يدي سيدهما الحسين (ع) ثم قال حبيب لو لم اعلم اني في الاثر لاحببت ان توصي اليّ بما اهمك فقال مسلم اوصيك بهذا _ واشار الى الحسين ثم تابع _ ان تموت دونه كان الحسين هو كل ما يهم مسلم في تلك اللحظة وقد نسي جراحه واهله وحتى نفسه فطمأن حبيب تلك الروح الطاهرة قبل ان تعرج الى بارئها بقوله.. أفعل ورب الكعبة وفاضت روح مسلم بين يدي سيده الحسين (ع). بقلم: محمد طاهر محمد المصدر: شبكة النبأ المعلوماتية