في زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وسائر القبور
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » في زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله) وسائر القبور

 البحث  الرقم: 626  التاريخ: 18 ذو الحجّة 1429 هـ  المشاهدات: 12082
قائمة المحتويات روى الدارقطني في السنن وغيرها، والبيهقي، وغيرهما من طريق موسى بن هلال العبدي، عن عبد الله العمري، عن نافع، عن إبن عمر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من زار قبري وجبت له شفاعتي.
وعن نافع، عن سالم، عن ابن عمر مرفوعاً، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: من جاءني زائراً ليس له حاجة إلاّ زيارتي، كان حقاً عليّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة.
وعن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر مرفوعاً عن النبي (صلى الله عليه وآله): من حجّ وزار قبري بعد وفاتي، كان كمن زارني في حياتي.
وروي عن عائشة أيضا، وعن نافع، عن إبن عمر، عن النبي، قال: من زارني كنت له شهيداً أو شفيعاً.
وعن نافع، عن ابن عمر، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: من حجّ فلم يزرني، فقد جفاني (1).
وعن أبي هريرة مرفوعاً، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: من زارني بعد موتي، فكأنما زارني حياً (2).
وعن أنس مرفوعاً، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال من زارني في المدينة، كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة (3).
وعن أنس مرفوعاً عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من زارني ميّتاً كمن زارني حياً، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة.
وعن إبن عباس، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من زارني في مماتي، كان كمن زارني في حياتي، ومن لم يزرني فقد جفاني.
وعن علي (عليه السلام) مرفوعاً، عن النبي (صلى الله عليه وآله): من زار قبري بعد مماتي، فكأنما زارني في حياتي، ومن لم يزرني فقد جفاني.
وعن إبن عباس، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: من حج ّ وقصدني في مسجدي، كانت له حجتان مبرورتان.
وروى إبن عساكر، عن علي (عليه السلام)، قال من زار قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في جوار رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وعن بكر بن عبد الله مرفوعاً، عن النبي (صلى الله عليه وآله)، قال: من أتى المدينة زائراً لي، وجبت له الجنة.
وعن كعب الأحبار أنّ عمر لمّا فتح بيت المقدس، قال لي: هل لك أن تسير معي الى المدينة نزور قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فذهبت معه، فلمّا دخل بدأ بالمسجد، وسلّم على النبي (صلى الله عليه وآله).
وفي الموطأ عن إبن عمر كان يقف عند قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، فيسلّم عليه، وعلى أبي بكر، وعمر.
وسئل نافع هل كان ابن عمر يسلّم على قبر النبي (صلى الله عليه وآله)؟! فقال: رأيته مائة مرّة أو أكثر يسلّم على النبي (صلى الله عليه وآله)، وعلى أبي بكر، وعمر.
وعن إبن عمر: أنّ سنّة السلام من قبل القبلة.
ونقل الدارقطني، عن علي (عليه السلام) أنه دخل المسجد فسلم على القبر. وروي عن آل الخطاب، وعن بعض الحفّاظ زيارة النبي (صلى الله عليه وآله).
وكيف كان، فالروايات في استحباب زيارته وشفاعته لزوّاره، داخلة في قسم المتواتر، وعمل الصحابة، والتابعين، وأهل البيت أجمعين على ذلك.
قال عياض: زيارة قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) سنّة، أجمع عليها المسلمون. وروى غيره إجماع المسلمين قولاً وفعلاً على استحباب زيارته، وصريح بعضها (4) أن شدّ الرحال إليها لا مانع منه.
وفيما دل على استحباب التعظيم، وانّ حرمة الأموات كحرمة الأحياء، كفاية.

في زيارة باقي القبور

قد مرّ في الأخبار الماضية زيارة الصحابة قبري الشيخين.
وروى بريدة عن النبي (صلى الله عليه وآله): إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها (5).
ولعل السر ـ والله أعلم ـ أنه في مبدأ الإسلام كانت زيارة القبور وتذكار الموتى والقتلى، باعثاً على الجبن عن الجهاد، حتى إذا قوي الإسلام أمرهم بها. ونحو ذلك في خبر آخر.
وعن أبي هريرة، أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) زار قبر أمّه، ولم يستغفر لها، قال: أمرت بالزيارة، ونهيت عن الاستغفار، فزوروا القبور، فأنّها تذكر الموت (6).
وعن بريدة أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) كان إذا خرج إلى المقابر، قال: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين))، رواه مسلم (7).
وعن عائشة أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يخرج إلى البقيع آخر الليل، فيقول: السلام عليكم… (الخبر)، رواه مسلم (8).
وكيف كان فالأخبار متظافرة على زيارة القبور، ولا حاجة لنقل جميعها، وفيما ورد من أنّ حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً دلالة على ذلك، وزيارة النبي (صلى الله عليه وآله)، والصحابة لقبور الشهداء أوضح من الشمس في رابعة النهار.

في التبرك بالقبور ونحوها

أختلف العلماء من أهل السنة والجماعة في جواز التبرك بالقبور، فمنهم: من أجازه على كراهة.
قال النووي: لا يجوز أن يطاف بقبر النبي (صلى الله عليه وآله)، ويكره إلصاق البطن والظهر به. قال: ويكره مسّه باليد وتقبيله، بل الأدب أن يبعد عنه، كما لو حضر في حياته.
وكلامه ظاهر في أنّ المس أبعد من التعظيم، وشبهة العبودية.
وذكر ابن عساكر في (تحفه)، عن ابن عمر أنه كان يكره مس قبر النبي (صلى الله عليه وآله).
ويظهر من بعضهم ندبه واستحبابه.
نقل عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب العلل والسؤالات، قال: سألت أبي عن الرجل يمس منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، يتبرك بمسه وتقبيله، ويفعل بالقبر ذلك رجاء ثواب الله تعالى، فقال: لا بأس به.
وعن إسماعيل أن ابن المنكدر (9) يصيبه الصمّات، فكان يقوم ويضع خدّه على قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، فعوتب في ذلك، فقال: يستشفى بقبر النبي (صلى الله عليه وآله). والاستشفاء أعظم من التبرك.
ونقل عن ابن أبي الضيف، والمحب الطبري، جواز تقبيل قبور الصالحين، وظاهره الندب.
وفي رواية عن ابن حنبل أني لا أعرف التمسح بالقبر، أما المنبر فنعم، لما روي أن ابن عمر كان يفعله.
ونقل عن مالك التبرك بالمنبر.
وروي عن يحيى بن سعيد شيخ مالك أنه حينما أراد الخروج إلى العراق، جاء إلى المنبر، وتمسّح به.
وقال السبكي: منع التمسح بالقبر ليس مما قام الإجماع عليه. وأستدل بما رواه يحيى بن الحسن، عن عمر بن خالد، عن أبي نباته، عن كثير بن يزيد، عن المطلب بن عبد الله، قال: أقبل مروان بن الحكم، فإذا رجل ملتزم القبر، فأخذ مروان برقبته وقال: ما تصنع؟! فقال: إني لم آت الحجر ولا اللبن، إنما جئت رسول الله (صلى الله عليه وآله). وذكر رواية أحمد، قال: وكان الرجل أبا أيوب الأنصاري.
ونقل هذه الرواية أحمد، وزاد فيها: أنه قال: سمعت رسول الله يقول: لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله.
وعن أبي الدرداء أن بلالاً رأى النبي (صلى الله عليه وآله) في المنام، فقال له: ما هذه الجفوة يا بلال، أما لك أن تزورني؟! فانتبه حزينا خائفاً، فركب راحلته، وقصد المدينة، فأتى قبر النبي (صلى الله عليه وآله) فجعل يبكي عنده، ويمرّغ وجهه عليه، إلى أن ذكر حضور الحسنين وبكاء أهل المدينة، وأذان بلال، قال: فما رئي أكثر باكياً ولا باكية بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ذلك اليوم.
وذكر ابن حملة أن (بلالاً) وضع خديه على القبر، وأن ابن عمر كان يضع يده اليمنى عليه.
ونقل عن مالك، والزعفراني تحريمه، وهو الظاهر من كلام أنس بن مالك، حيث قال: ما كنا نعرفه.
وكيف كان كيف يدّعى المسّ والتبرك عبادة مع أنه أبعد من التعظيم، وقضية الذم على عبادة يعوق ويغوث ونسر، ليس من جهة التبرك، كما نصّ عليه المفسرون (10)، حيث قالوا: تبركت الآباء فانتهى الأمر إلى عبادة الأبناء، فوقع الذم على الأبناء.
وتحقيق الحال: أنّ التقبيل على أنحاء:
منها: تقبيل المحبة، لأنّ من أحبّ شخصاً أحبّ مكانه، وثيابه، وداره، ومزاره، فلا يكون تقبيل الأعتاب، والجدران، والأبواب إلاّ كتقبيل بعض ثياب الأحباب، فهو من قبيل قوله:
أمرّ على الديار ديار (ليلى) * أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حبّ الديار شغفن قلبي * ولكن حبّ من سكن الديارا
وسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن تقبيل اليد، فنهى عن ذلك، إلاّ في تقبيل يد الزوجة للشهوة، ويد الولد للمحبة.
وعن علي (عليه السلام) انه، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد فتح خيبر: لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت اليوم فيك مقالاً، لا تمر على ملأ من المسلمين إلا أخذوا من تراب رجليك، وفضل طهورك يستشفون به، ولكن حسبك أنّك مني وأنا منك (11).
وروي عن علي (عليه السلام) أنه قال: قدم علينا أعرابي بعد دفن النبي (صلى الله عليه وآله) بثلاثة أيام، فرمى بنفسه على القبر، وحثا من ترابه على رأسه.
وعلى كل حال فالذي يظهر بعد تحقيق النظر أنّ التقبيل للمحبة من قبيل تقبيل الوالد لولده (12)، والأرحام بعضهم لبعض فلو قبّل بعضهم جدران بعض، أو ثياب بعض، أو مكان بعض، حباً وإرادة، لا تعظيماً ولا عبادة، فليس فيه بأس.
وأما قصد التعظيم والإكرام، فليس فيه خروج عن ملة الإسلام، قصارى ما هناك أنه عدّه بعض العلماء من الآثام، فليس على الفاعل عن دليل في الرد عليه من سبيل. وأما من فعل مشرعاً فهو عاصٍ لربه، حتى يتوب عن ذنبه.
ولقد نقل عن بعض أمراء دار السلام بغداد أنه وشى بعض الوشاة على جماعة أنهم يقبّلون أعتاب الأولياء، فقال: سبحان الله في كل يومٍ تقبلون جلد الميتة (يعني الفروة التي هو لا بسها)، ولا تقبّلون أعتاب أبواب الأولياء.
وعلى أي تقدير، فالغرض إنما هو نفي (التكفير). ونسبة فعل هؤلاء إلى فعل عبدة الأصنام خروج عن الأنصاف في هذا المقام، لأنّ الذاهبين إلى الجواز منا إنما أخذوا عن الدليل، لا لمجرد الاختراع والابتداع، فأن اشتبهوا عذروا وأجروا.
فمن قبّل الحجر الأسود، والركن اليمانيّ، أو باقي الأركان، أو مسها، أو لزم المستجار، فقد تبرك بتلك الأحجار، لأنها بأمرٍ من العزيز الجبار، ولو أخطأ الأمر، كان مثاباً.
ومن طاف بين (المروتين)، عملاً بالكتاب وسنة سيد الثقلين، لم يكن عليه مؤاخذة في البين.
وطوائف المسلمين بأجمعهم لا يتبرك منهم أحد بقبر أو غيره، إلاّ أنه بزعم أنه مأمور من الله، ومن تبرّك قاصداً للعبادة، فهو خارج عن ربقة المسلمين.
ومن البين المعلوم أنه لو أمر (المولى) عبده بالتبرك بثياب عبده المقرب، أو مكانه، أو قبره، فأمتثل، كان مطيعاً لمولاه، لا للعبد الذي قرّبه وأدناه.
وليس لنا مع الأنبياء والأولياء قرابة نسب، ولا لهم علينا ما نخاف منه الطلب، وإنما عظّمناهم لأمر الله، وأخذنا بأقوالهم عملاً بقول رسول الله، وما أبرّء نفسي إنّ النفس لأمارة بالسوء إلاّ ما رحم ربي.
وكشف الحال على وجه يدفع ما قيل أو يقال: إنّ التواضع والتبرك والإكرام والاحترام لما هو معظّم عند الملك العلام من تعظيم الله، كما أن قرآنه وبيته، ومساجده لا نتسابها إليه، احترام له تبارك وتعالى. فمن عظّم عيسى ومريم وعزير لعبوديتهم، وقرب منزلتهم، فهو معظّم لله.
كما أن من عظم بيت السلطان وعبيده وغلمانه وأتباعه من حيث التبعية، يكون معظماً للسلطان. وأما من (وجدها) قابلة للتعظيم، وأهلاً له من حيث ذاتها لا لأجل العبودية والتابعية، وإن كان غرضه التقريب زلفى، إنما يكون معظّما لها، لا للسلطان.
وإني منذ ثلاثين حجة أنظر في حال طوائف المسلمين، محقيهم ومبطليهم، فلم أجد أحداً يعظم كتاباً، أو نبيّاً، أو مكاناً، أو عبداً صالحاً من غير قصد قربة من الله، أو انتسابه إليه، فقد ظهر أن هذا كله من باب طاعة الله وتعظيمه.
وأمّا عبدة الأصنام والعباد الصالحين، فأنما أرادوا عبادتهم حق العبادة، كأن يصلّوا لهم، ويصوموا ويكون ذلك لاستحقاقهم بربوبيتهم في أنفسهم، أو للتقريب زلفى، فهي عبادة حقيقية على الوجهين.
وعلى كل من الاحتمالين على أني ذكرت مكرراً أنهم عاندوا الرسل، وكذبوهم، واستهزؤوا بهم، وقالوا أيضا: لا طاقة لنا بعبادة الله، وإنما نعبد الأصنام لأنّ عبادتهم مقدورة لنا، وهم يقربونا إلى الله زلفى، ولقد نقلت روايةً مشتملةً على ذلك المعنى في مقام آخر. فالفرق بين الأمرين أوضح مما يرى رأي العين.

في بناء قبور الأنبياء والأولياء وتعميرها وتعلية بنائها وتشييد أركانها

لا يخفى على من أمعن النظر، وتتبّع الآثار والسير، أنّ الأزمنة مختلفة الأحوال بالنسبة إلى جميع الأقوال والأفعال، فربّ شيءٍ كان في قديم الزمان في أعلى مراتب الاستحسان، فانعكس وصار أدنى ما يكون أو كان.
وحيث أنّ الشارع حكيم، وبالعباد رحيم، يراعي أحوالهم، ففي مبدأ الإسلام لما كان المعاش ضيّقاً، والأسعار متصاعدة في المآكل والملابس، حافظ النبي (صلى الله عليه وآله)، والصحابة في أيامهم على المآكل الجشبة، والملابس الخشنة أو الخلقة، لئلا تنكسر قلوب الفقراء، ولتطيب نفوسهم، فأنهم إذا رأوا سيد الجميع لابساً رثّ اللباس، وآكلاً أدنى المأكول، استقرت نفوسهم، وأطمئنت قلوبهم، وارتفعت كدورتهم.
ثم لمّا توسعت أحوال الناس، وقوي الإسلام، ورخصت الأسعار، استعمل الأكثر من الخلفاء أحسن الملبوس، وأكلوا أطيب المأكول، وهذا التعليل مستفاد من الأخبار أيضاً.
ولذلك نقول في أمر بناء (المساجد) و (الحضرات)، فأنهم كانوا لا يرفعون البناء، ولا يزينون الدور، لما بهم من القصور، فإذا كانت بيوت الله، وبيوت أنبيائه لم يرفع بناؤها طابت نفوس الفقراء، واطمئنّت قلوبهم.
وأما في مثل هذه الأيام ونحوها، حيث ارتفع بناء الدور، فلا وجه لجعل بيوت الله أخفض منها، ومن يرضى بتعلية بيوت الخلق على بيوت الخالق مع أنّ في تعليتها تعظيماً لشعائر الله، وهي البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.
و (القباب) منها، لأنّها جعلت للعبادة، وليس في بناء القباب تجديد قبر، لأنّ القبر باق على حاله لم يجدد، وإنّما وضع أساس القبة بعيداً عنه، ليكون فيها علامة على (المزار) الذي ندب إلى زيارته العزيز الجبار، ولتكون ظلالاً للزائرين، فلا تدخل في باب التجديد أصلاً، وكذا صندوق الخشب، فأنه أجنبي عن القبر لا دخل له به.
وعن كلّ حال فأصل وضع البناء لهذه المقاصد الجليلة ليس فيه بأس أصلاً، ولو تركت العلامات ما أمكن التوصل إلى زيارة أكثر الأموات لاندراس آثارهم، فوضع هذا للتمكن من إدراك فضيلة زيارة القبور، وكلما كان الشاهد أحكم، كانت دلالته على المشعر أدوم.
وأما قضية (الزينة) فقد روي عن علي (عليه السلام) أنّ بعض الصحابة أشاروا على عمر أن يأخذ زينة الكعبة ليقوي بها جيوش المسلمين، فقال له علي (عليه السلام): إنّ الأموال قسّمها النبي (صلى الله عليه وآله) على الفقراء، وكانت في ذلك اليوم الحليّ موجودة ولم يقسّمها، فلا تخالف وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال عمر: (لولاك إفتضحنا)، وأبقى الحليّ على حالها.
والأصل في بناء (القباب) وتعميرها، ما رواه البناني (واعظ أهل الحجاز) عن جعفر ابن محمد، عن أبيه، عن جده الحسين، عن أبيه علي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال له: والله لتقتلن في أرض العراق، وتدفن بها. فقلت: يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمّرها وتعاهدها. فقال لي: يا أبا الحسن إن الله جعل قبرك وقبر ولديك بقاعاً من بقاع الجنة، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه، وصفوة من عباده تحن إليكم، ويعمرون قبوركم، ويكثرون زيارتها، تقرباً إلى الله تعالى، ومودةً منهم لرسوله. يا علي من عمّر قبوركم وتعاهدها، فكأنما أعان سليمان بن داود على بناء بيت المقدس، ومن زار قبوركم عدل ذلك ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
ونقل نحو ذلك أيضاً في حديثين معتبرين: نقل أحدهما الوزير السعيد بسند، وثانيهما بسندٍ آخر غير ذلك السند، ورواه أيضاً محمد بن علي بن الفضل.
فبعد دلالة هذه الأخبار على تعمير (القباب)، واستمرار طريقة الأصحاب، مع أنها داخلة في المواضع المعدّة للطاعات، كالمساجد، والمدارس، والرباطات، مع أنّ فيها تعظيماً لشعائر الإسلام، وإرغاماً لمنكري دين النبي عليه الصلاة والسلام.
وبعد أن بيّنا أنّ الحكم والمصالح تختلف باختلاف الأوقات، وذكرنا اعتضاد ذلك بالروايات، لم يبق بحث من جميع الجهات.
وعلى تقدير ثبوت الخطأ في هذا الباب، لا يلزم على المخطئ تكفير ولا عصيان، بل ربما يثاب، لأن الخالي من التقصير وإن اتصف بالقصور معذور كل العذر، بل هو مأجور.
فيا أخي لا تعارض المسلمين فيما هم عليه إن لم تركن إلى ما ركنوا إليه، وأحملهم على المحامل الحسان، فأنّا هكذا أمرنا بحمل الأخوان، وفقنا الله وإياكم، وهدانا وهداكم، والله ولي التوفيق.

الهوامش

1- تراجع هذه الأحاديث في سنن البيهقي: 5 (كتاب الحج)، باب زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله).
2- كنز العمال (باب زيارة قبر النبي)، المجلد الخامس، حديث 12382.
3- كنز العمال (باب زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله)) المجلد 15، حديث 42584.
4- في النسخة المطبوعة: وصرّح بعضهم.
5- صحيح مسلم (كتاب الجنائز)، المجلد الثاني، باب 36، حديث106؛ وسنن ابن ماجه (باب ما جاء في زيارة القبور)، باب 47، حديث 1571.
6- صحيح مسلم (كتاب الجنائز)، باب استئذان النبي (صلى الله عليه وآله) ربّه في زيارة قبر أمّه، حديث 108.
7- صحيح مسلم (كتاب الجنائز)، باب ما يقال عند دخول القبور، حديث 104.
8- صحيح مسلم (كتاب الجنائز)، باب ما يقال عند دخول القبور، حديث 102.
9- محمد بن المنكدر القرشي التيمي أحد الأئمة التابعين، توفي سنة 130هـ / 748م.
10- في تفسير الآية (23) من سورة نوح.
11- نهج البلاغة: 2/449.
12- في النسخة المطبوعة: ((الوالدة لولدها)).

الروابط
المقالات: نقل الجنائز إلى المشاهد
مواقع الإنترنيت: موقع 14 معصوم عليهم السلام
مفاتيح البحث: هدم القبور،
زيارة القبور،
القبور،
زيارة القبور،
زوار القبور،
البناء على القبور،
...

الفهرسة