ترجمة: المستبصر العلامة الأكبر الشيخ سليم البشري
المسار الصفحة الرئيسة » المقالات » ترجمة: المستبصر العلامة الأكبر الشيخ سليم البشري

 البحث  الرقم: 627  التاريخ: 19 ذو الحجّة 1429 هـ  المشاهدات: 6229
قائمة المحتويات ولد (سنة 1248) ه الموافق (1832) م في محلة (بشر) بمحافظة (البحيرة) في مصر توفي سنة 1353) ه الموافق (سنة 916م).
إنه الشيخ سليم البشري المالكي درس بالأزهر في مصر، وتولى مشيخته مرتين:
الأولى من عام (13535ه/1900) م إلى (سنة 1320ه/1904) م، والمرة الثانية: من (سنة 1320ه/1909) م إلى (سنة 1535ه/1916) م وفي عهده طبق نظام امتحان الراغبين في التدريس بالأزهر، واجتاز هذا الامتحان كثيرون من العلماء، وكان رحمة الله حازماً في إدارته للأزهر، ولم تمنعه مسؤوليات المشيخة من إلقاء دروسه على طلابه. وفي (سنة 1329) ه وصل العلامة المجاهد المغفورله السيد عبد الحسين شرف الدين إلى مصر، واجتمع الشيخ به، وعقدت بينه وبين السيد اجتماعات متوالية، ونتيجة تلك الاجتماعات رغب الشيخ في المباحثة معه في أمهات المسائل الكلامية والأصولية، بغية معرفة الحق كما جاء في المراجعة له رقم1 من كتاب المراجعات (1)، فقال رحمة الله:
وإني لواقف على ساحل بحرك اللجي، أستأذنك في خوض عبابة، والغوص على درره، فإن أذنت غصنا على دقائق وغوامض، تحوك في صدري منذ أمد
بعيد، وإلا فالأمر إليك، وما أنا فيما أرفعه بباحث عن عثرة، أو متتبع عورة، ولا بمفند أو مندد، وإنما أنا نشاد ضالة، وبحاث عن حقيقة، فإن تبين الحق، فإن الحق أحق أن يتبع، وإلا فأن كما قال القائل:
نحن بما عندنا، وأنت بما عنـــــــــــــ ــــــــــــدك راض، والراي مختلف
وسأقتصر (إن أذنت) في مراجعتي إياك على مبحثين:
أحدهما في إمامة المذهب، أصولاً وفرعاً، وثانيها: في الإمامة العامة، وسيكون توقيعي في أسفل مراجعاتي كلها (س)، فليكن توقيعك (ش) وأسلفك برجاء العفو عن كل هفوة، والسلام
س (سليم البشري)
إنه رحمة الله عليه كان متواضعاً وبعيداً عن الحقد والعناد تجاه الشيعة هذا ما نستفيده من كلامه: وإني لواقف على ساحل بحرك اللجي أستأذنك في خوض عبابه، والغوص على درره ويستفاد أيضاً أنه كان طالباً لدرر الحقيقة ولؤلؤ الحق، من بحر العلم المتموج، العلامة السيد عبد الحسين شرف الدين رحمة الله تعالى.
ولعل هذه الرغبة كانت نتيجة اجتماعه بالسيد رحمة الله من خلال مطالعاته لكتب الأصول والفروع من الفرقين، فحصل عنده اضطراب في مذهبه، كما قال: فإن أذنت غصنا على دقائق وغوامض تحوك في صدري منذ أمد بعيد، وإلا فالأمر إليك فتنطبق عليه رحمة الله الآية الكريمة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) (2) كأن الله سبحانه وتعالى بعث السيد على مصر حتى اجتمع
الشيخ معه وفتح الحوار. فعلى كل منصف وعادل أن يسلك هذا الطريق في مجال العلم والثقافة لمعرفة الحق والحقيقة. أما الدليل على رغبته في اكتشاف الحقيقة، ومعرفة الحق، فيستفاد:
أولاً من قوله: وإني لواقف على ساحل بحرك اللجي أستأذنك في خوض عبابه-إلى قوله –وإلا فالأمر إليك
وثانيا: من قوله: فإن تبين الحق أحق أن يتبع وهذا صريح على رغبته في اعتناقه الحق بعد التبين، فإنه رحمة الله، عندما فتح الحوار مع السيد، كان على استعداد تام لتغير المذهب حين انكشاف الحقيقة عليه، وهذا ما حصل بالواقع، كما تبين لنا في مراجعته الأخيرة رقم (111) بقوله: فلما يسر الله اجتماعنا أويت منك إلى علم هدى، ومصباح دجى وانصرفت عنك مفلحاً منجحاً... الخ وستأتي هذا لمراجعة بكاملها في آخر الحديث. وعندما نتتبع مراجعاته الأخرى، تبين لنا بالقطع أن مباحثاته وحواره مع السيد، كانت لاستيضاح الأمور، ومعرفة الحق، لا من أجل الرياء والجدال والعبارات الحسنة، بل للاعتراف والقبول بعد حصول الرؤية الواضحة وفق الأصول والفروع. وهذا ما نلاحظه في مراجعته رقم (17) التي اعترف فيها بآيات واردة في حق أهل البيت عليهم السلام وغيرها من الاعترافات، فإليك المراجعة: 1
1-أما وعينك ما رأت عيناي أرشح منك فؤاداً، ولا أسرع تناولاً، ولا سمعت أذناي بأرهف منك ذهناً، ولا بصيرة، ولا قرع سمع السامعين ألين منك لهجة، ولا ألحن منك بحجة، تدفقت في كل مراجعاتك تدفق اليعبوب، وملكت في كل محاوراتك الأفواه والأسماع والأبصار والقلوب، ولله كتابك الأخير
(ذلك الكتاب لا ريب فيه) يلوي أعناق الرجال، ويقرع بالحق رأس الضلال.
2- لم يبق للسنى مانعاً من الاحتجاج بأخيه الشيعي إذا كان ثبتاً، فرأيك في هذا هو الحق المبين، ورأي المعترضين تعنت ومماحكة، أقوالهم بعدم صحة الاحتجاج بالشيعة تعارض أفعالهم، وأفعالهم في مقام الاحتجاج تناقض أقوالهم، فقولهم وفعلهم لا يتجاريان في حلبة، ولا يتسايران إلى غاية، يصدم كل منهما الآخر فيدفعه في صدره، وبهذا كانت حجتهم جذماء، وحجتك العصماء، أوردت في هذه العجالة ما يجب أن تفرده برسالة سميتها لك- إسناد الشيعة في إسناد السنة- وستكون الغاية في هذا الموضوع، ليس وراءها مذهب لطالب، ولا مضرب لراغب، وأرجو أن تحدث في العالم الإسلامي إصلاحاً باهراً إن شاء الله تعالى.
3-آمنا بآيات الله كلها- وآيات الله في سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وسائر أهل البيت رضي الله عنهم، أكثر مما أوردتموه.
4- فما ندري لماذا عدل أهل القبلة عن أئمة أهل البيت، فلم يتعبدوا بمذاهبهم في شيء من الأصول والفروع، ولا وقفوا في المسائل الخلافية عند قولهم، ولا كان علماء الأمة يبحثون عن رأيهم، بل كانوا يعارضونهم في المسائل النظرية، ولا يبالون بمخالفتهم، وما برح عوام الأمة خلفاً عن سلف، يرجعون في الدين إلى غير أهل البيت بلانكير...

الدليل على تشيعه: تقدم كلامه في المراجعة

(1): فإن تبين الحق، فإن الحق أحق أن يتبع. وبالواقع بعد الغربلة والتمحيص في الأدلة، والحوار الطويل اعترف بالحقيقة، وهذا ما نلاحظه في مراجعته الأخيرة (111) الواقعة في (جمادى الأولى سنة 1330)، وإليك نصها:
أشهد أنكم في الفروع والأصول، على ما كان عليه الأئمة من آل الرسول، وقد أوضحت هذا الأمر، فجعلته جلياً، وأظهرت من مكنونه ما كان خفياً، فالشك فيه خبال، والتشكيك تضليل، وقد استشففته فرا قني إلى الغاية، وتمخرت ريحه الطيبة فأنعشني قدسي مهبها بشذاه الفياح، وكنت قبل أن اتصل بسببك على لبس فيكم، لما كنت أسمعه من إرجاف المرجفين، وإجحاف المجحفين، فلما يسر الله اجتماعنا، أويت منك إلى علم هدى، ومصباح دجى، وانصرفت عنك مفلحاً منجحاً، فما أعظم نعمة الله بك علي، وما أحسن عائدتك علي، والحمد الله رب العالمين.
هذه المراجعة الأخيرة أرسلها الشيخ رحمه الله إلى السيد، وأنهى حواره الطويل البناء، فانظر أيها القارئ المنصف إلى قوله رحمة الله: (أشهد أنكم في الفروع والأصول) - إلى قوله- من آل الرسول لقد شهد رحمه الله بكون السيد شرف الدين ملتزماً بما التزم به الأئمة المعصومون من الفروع والأصول، فاصبح السيد موضع ثقة الشيخ في المذهب الشيعي.
ثم قال: وقد أوضحت هذا الأمر فجعلته جلياً، وأظهرت من مكنونه ما كان خفياً... الخ أي الأمر الذي كان غامضاً عندي حول المذهب الجعفري أصبح واضحاً، فالذي يشك فيه مجنون والذي يشكك الآخرين فهذا تضليلهم عن الصراط المستقيم، وانظر إلى قوله جيداً: وكنت قبل أتصل بسببك على لبس... الخ فإنه رحمه الله كان سنياً شاكاً في المذهب الشيعي، فعندما اجتمع وفتح الحوار البناء مع السيد، زال التباسه عن المذهب الجعفري، وحصل عنده علم يقيني بما كان يشك فيه، ليس في المخفيات الشيعية بل في السنية أيضاً، فإن الله سبحانه وتعالى أنار له الطريق فاهتدى إلى الصراط المستقيم باختياره للمذهب الجعفري. ويدل على ذلك قوله: وانصرفت عنك مفلحاً منجحاً، فما أعظم نعمة الله بك علي، وما أحسن عائدتك علي.
فإنه رحمه الله اعتبر تشيعه من النعم الكبيرة، وهو يشكر الله ويحمده عليه، وهكذا برز الشيخ سليم البشري رجلاً معتدلاً استعمل علمه في معرفة الحق والتحقيق، وهو خير استعمال للعلم. وللشيخ جملة مؤلفات، معظمها من الحواشي والتقارير على كتب السلف، ومن آثاره:
1 ـ حاشية تحفة الطلاب لشرح رسالة الأدب... في الأدب.
2 ـ حاشية على رسالة الشيخ علي في التوحيد.
3 ـ شرح نهج البردة... في الأدب.
4 ـ الاستئناس في بيان الأعلام وأسماء الأجناس: وهو بحث في النحو عول عليه كثيراً في التدريس بالأزهر.

هامش

1- كتاب معروف للسيد شرف الدين جمع فيه الرسائل المتبادلة بينه وبين الشيخ سليم البشري خلال الحوار
2- سورة العنكبوت: الاية: 69.

الروابط
مواقع الإنترنيت: الموقع العالمي للدراسات الشيعية،
موقع 14 معصوم عليهم السلام
مفاتيح البحث: الشيخ سليم البشري،
المستبصرون،
المستبصر الشيخ سليم البشري،
ترجمة حياة

الفهرسة