سلسلة ابحاث الغيبة/الحلقة الحادية عشر: الغيبة الصغرى
الغيبة الصغرى وتشتمل على ثلاث مباحث المبحث الاَوّل: تمهيد الاَئمة لغيبة الاِمام المهدي عجل الله فرجه لا شكّ أنّ الأئمة: قاموا بجهود كبيرة في تمهيدهم لغيبة القائم عجل الله فرجه فكلّهم أخبروا عن المهدي عجل الله فرجه وعن غيبته وبيان فلسفتها وباقي لوازم إمامته عجل الله فرجه، وكان من جهادهم العلمي أن قاموا بإبطال آراء بعض الفرق الإسلامية بالأدلة العقليّة والتقلية، فقد قام الإمامان الباقر والصادق {ع} بالردّ على ادّعاء الكيسانيّة بأنّ محمّد بن الحنفية هو المهدي وأنّه لم يمت بل غاب عن الأنظار وسيظهر، وكذلك الردّ على ادّعاء الزيديّة بأنّ زيد بن علي {ع} هو المهدي، وهكذا، وهكذا فعل باقي الاَئمة: في الردّ على الفرق المنحرفة كالناووسيّة والواقفة حيث ادّعت الاَولى أنّ الاِمام الصادق {ع} هو المهدي، وادّعت الاَخيرة أنّ الاِمام الكاظم {ع} هو المهدي ووقفت على إمامته ولم تعترف بالاَئمة بعده. ولكنّ ما يميّز الاِماين الهادي {ع}والعسكري {ع} هو قيامهما بالتمهيد النظري والعلمي معاً لغيبة الاِمام المهدي عجل الله فرجه ولتوضيح ذلك لابدّ من الاِشارة إلى كلا النشاطين: النظري والعملي للتمهيد ويقع ذلك ضمن نقطتين: النقطة الاَُولى: النشاط النظري في التمهيد لغيبة المهدي عجل الله فرجه ونعني به تعاليم الاِمامين العسكريّين {ع} وبياناتهما عن المهدي عجل الله فرجه، كحلقة من تبليغات آبائهما وأجدادهما الطاهرين: مع زيادة تخصّ الاِمام الحسن العسكري {ع} بصفته الوالد المباشر للمهدي والمخطّط الاَخير لغيبته عجل الله فرجه، ولهذا النشاط النظري أشكال متعدّدة نقتصر على اثنين منها رعاية للاِختصار. الشكل الاَوّل: إثبات وجود الاِمام المهدي عجل الله فرجه وإخبار الشيعة بغيبته وفلسفتها وتوجيههم باتّباعه من بعده وتحذيرهم من التفرقه، فمن ذلك ما قرأناه في (ذكر بعض من شاهدواالاِمام عجل الله فرجه في حياة أبيه {ع}). الشكل الثاني: توجيه القواعد الشعبيّة وإعطائهم نهج السلوك الصحيح تجاه ما سيعانونه من غيبة إمامهم وانقطاعهم عن القيادة المعصومة ردحاً من الدهر، فمن ذلك الرسالة الّتي كتبها الاِمام العسكري {ع} إلى العالم الجليل أبي الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمّي وقد ورد فيها بهذا الشأن ما نصّه «عليك بالصبر وانتظار الفرج قال النبي {ص} أفضل أعمال أُمتي انتظار الفرج، ولا يزال شيعتنا في حزن حتّى يظهر ولدي الحجّة الّذي بشّر به النبي {ص} يملاَ الاَرض قسطاًوعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فاصبر ياشيخي يا أبا الحسن علي، وأْمر جميع شيعتي بالصبر، فإنّ الاَرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين». النقطة الثانية: النشاط العملي في التمهيد لغيبة المهدي عجل الله فرجه فقد قام الاِمامان العسكريّان: باتّخاذ ثلاثة أساليب عملية للتمهيد لغيبة الاِمام المهدي {ع}. الاَُسلوب الاَوّل: أسلوب الاِحتجاب عن الناس إلاّ عن خاصّة أصحابه، ولم يكن هذا الاَسلوب بإرادة الاِمامين العسكريّين: بل إنّ الخلفاء العباسيّين المعاصرين لهما كانوا يأمرون بجلب الاِمام {ع} إلى مركز الخلافة وتقريبه من البلاط بل وإسكانه في العسكر لاَغراض كثيرة أهمّها قطع الناس عن الاِتصال بإمامهم {ع} وحجبه عنهم، وكذلك السيطرة على نشاطات الاِمام {ع} والاِطّلاع على حاله ليكونوا بمأمن منه، فكان الاِمام الهادي والعسكري {ع} مأمورين بالذهاب إلى البلاط (قصر الخلافة) في الاَسبوع مرّتين: الاِثنين والخميس بدون تخلف. الاَُسلوب الثاني: أسلوب المكاتبات في إيصال الاَحكام والتوجيهات إلى أصحابهما وشيعتهما: وقد تعرّضنا قبل قليل إلى هذا الاَُسلوب في بيان الشكل الثاني من النقطعة الاَولى حيث اتّخذ الاِمام العسكري {ع} أسلوب المكاتبة في توجيهه لقواعده الشعبيّة عندما أرسل رساله إلى والد الشيخ الصدوق؛ وذكر فيها بعض توجيهاته للشيعة عند غيبة إمامهم عجل الله فرجه، وسنذكر في المبحث الثاني من هذا الفصل أحد أصحاب الاِمام العسكري {ع} وهو أبو الاَديان حيث كما يروي عنه الصدوق؛ أنّه كان يحمل كتب الاِمام العسكري {ع} إلى الاَمصار ويوصل الاَجوبة إلى من أوصاه من الشيعة. الاَسلوب الثالث: إتّخاذ نظام الوكلاء، وهذا الاَسلوب اعتاد عليه الناس في زمانهما8 فإنّه لم يكن من الممكن الاِتصال بالبلاد البعيدة ذات القواعد الشعبيّة الموالية إلاّ من عن هذا الطريق (أعني تعيين الوكلاء) فكانت توجيهات الاِمامين: تصل الى القواعد الشعبيّة المنتشرة في البلاد الاِسلامية بواسطة الوكلاء، وأوّل وكلاء الاِمامين هو: الشيخ عثمان بن سعيد العمري ويلقّب بالسمان لاَنّه كان يتّجر بالسمن تغطية على نشاطه ووكالته عن الاِمام الهادي وبعده العسكري {ع} وكان الشيعة إذا حملواإلى الاِمام العسكري {ع} ما يجب عليهم من المال سلّموه إلى الشيخ عثمان بن سعيد العمري، فيجعله في زقاق السمن ويحمله إلى الاِمام {ع}، وقد نصبه الاِمام الهادي {ع} وكيلاً له من قبل، ثمّ أبقاه الاِمام العسكري {ع} على نفس المنصب، ثمّ صار السفير الاَوّل للاِمام المهدي عجل الله فرجه بعد وفاة الاِمام العسكري {ع}... وهكذا يكون الاَئمة: قد مهّدوا لغيبة الاِمام المهدي عجل الله فرجه حتّى لا يستغرب الناس منها عند حدوثها بل يستسيغون فكرة قيادة الاِمام {ع} للاَُمة من وراء حجاب.