الخطبة ٢٢٢: قاله عند تلاوته: (رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ)
المسار الصفحة الرئيسة » نهج البلاغة » الخطب » الخطبة ٢٢٢: قاله عند تلاوته: (رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ)

 البحث  الرقم: 223  المشاهدات: 6399
قائمة المحتويات ومن كلام له عليه السلام قاله عند تلاوته: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَ الْآصَالِ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ﴾،
إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الذِّكْرَ (1) جِلاَءً (2) لِلْقُلُوبِ، تَسْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْوَقْرَةِ (3)، وَتُبْصِرُ بِهِ بَعْدَ الْعَشْوَةِ (4)، وَتَنْقَادُ بِهِ بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ، وَمَا بَرِحَ لِلَّه ـ عَزَّتْ آلاَؤهُ فِي الْبُرْهَةِ بَعْدَ الْبُرْهَةِ، وَفِي أَزْمَانِ الْفَتَرَاتِ (5)، عِبَادٌ نَاجَاهُمْ (6) فِى فِكْرِهِمْ، وَكَلَّمَهُمْ فِي ذَاتِ عُقُولِهِمْ، فَاسْتَصْبَحُوا (7) بِنُورِ يَقَظَة فِي الْأَبْصَارِ وَالْأَسْمَاعِ وَالْأَفْئِدَةِ، يُذَكِّرُونَ بِأَيَّامِ اللهِ، وَيُخَوِّفُونَ مَقَامَهُ، بِمَنْزِلَةِ الْأَدِلَّةِ (8) فِي الْفَلَوَاتِ (9)،
مَنْ أَخَذَ الْقَصْدَ (10) حَمِدُوا إِلَيْهِ طَرِيقَهُ، وَبَشَّرُوهُ بِالنَّجَاةِ،
وَمَنْ أَخَذَ يَمِيناً وَشِمَالاً ذَمُّوا إِلَيْهِ الطَّرِيقَ، وَحَذَّرُوهُ مِنَ الْهَلَكَةِ، وَكَانَوا كَذلِكَ مَصَابِيحَ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ، وَأَدِلَّةَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ.
وَإِنَّ لِلذِّكْرِ لِأَهْلاً أَخَذُوهُ مِنَ الدُّنْيَا بَدَلاً، فَلَمْ تَشْغَلْهُمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْهُ، يَقْطَعُونَ بِهِ أَيَّامَ الْحَيَاةِ، وَيَهْتِفُونَ (11) بِالزَّوَاجِرِ عَنْ مَحَارِمِ اللهِ، في أَسْمَاعِ الْغَافِلِينَ، وَيَأْمُرُونَ بِالقِسْطِ (12) وَيَأْتَمِرُونَ بِهِ (13)، وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَيَتَنَاهَوْنَ عَنْهُ، فَكَأَنَّمَا قَطَعُوا الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ وَهُمْ فِيهَا، فَشَاهَدُوا مَاوَرَاءَ ذَلِكَ، فَكَأَنَّمَا اطَّلَعُوا غُيُوبَ أَهْلِ الْبَرْزَخِ فِي طولِ الْإِقَامَةِ فِيهِ، وَحَقَّقَتِ الْقِيَامَةُ عَلَيْهِمْ عِدَاتِهَا (14)، فَكَشَفُوا غِطَاءَ ذلِكَ لِأَهْلِ الدُّنْيَا، حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ مَا لاَ يَرَى النَّاسُ، وَيَسمَعُونَ مَا لاَ يَسْمَعُونَ. فَلَوْ مَثَّلْتَهُمْ لِعَقْلِكَ فِي مَقَاوِمِهِمُ (15) الْمَحْمُودَةِ، وَمَجَالِسِهِمُ الْمَشْهُودَةِ، وَقَدْ نَشَرُوا دَوَاوِينَ (16) أَعْمَالِهِمْ، وَفَرَغُوا لِمُحَاسَبَةِ أَنْفُسِهِمْ، وَعَلَى كُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ أُمِرُوا بِهَا فَقَصَّرُوا عَنْهَا، أَوْ نُهوُا عَنْهَا فَفَرَّطُوا فِيهَا، وَحَمَّلُوا ثِقَلَ أَوْزَارِهِمْ (17) ظُهُورَهُمْ، فَضَعُفُوا عَنِ الْإِسْتِقلاَلِ بِهَا، فَنَشَجُوا يضرب
ـ نشيجاً: غصّ بالبكاء في حلقه.">(18) نَشِيجاً، وَتَجَاوَبُوا نَحِيباً البكاء
. وتجاوبوا به: أجاب بعضهم بعضاً يتناحبون.">(19)، يَعِجُّونَ (20).
إِلَى رَبِّهِمْ مِنْ مَقَامِ نَدَم وَاعْتِرَافٍ، لَرَأَيْتَ أَعْلاَمَ هُدىً، وَمَصَابِيحَ دُجىً، قَدْ حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلاَئِكَةُ، وَتَنَزَّلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ، وَفُتِحَتْ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّماءِ، وَأَعِدَّتْ لَهُمْ مَقَاعِدُ الْكَرَامَاتِ، فِي مَقْعَدٍ اطَّلَعَ اللهُ عَلَيْهِمْ فِيهِ، فَرَضِيَ سَعْيَهُمْ، وَحَمِدَ مَقَامَهُمْ، يَتَنَسَّمُونَ (21) بدُعَائِهِ رَوْحَ التَّجَاوُزِ، رَهَائِنُ فَاقَة إِلَى فَضْلِهِ، وَأُسَارَى ذِلَّةٍ لِعَظَمَتِهِ، جَرَحَ طُولُ الْأَسَى الحزن.">(22) قُلُوبَهُمْ، وَطُولُ الْبُكَاءِ عُيُونَهُمْ.
لِكُلِّ بَابِ رَغْبَةٍ إِلَى اللهِ مِنْهُمْ يَدٌ قَارِعةٌ، يَسْأَلُونَ مَنْ لاَ تَضِيقُ لَدَيْهِ الْمَنَادِحُ المتسع من الأرض.">(23)، وَلاَ يَخِيبُ عَلَيْهِ الرَّاغِبُونَ. فَحَاسِبْ نَفْسَكَ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّ غَيْرَهَا مِنَ الأَنْفُسِ لَهَا حَسِيبٌ غَيْرُكَ.

الهوامش

1- الذَكر: استحضار الصفات الإلهية.
2- جِلاء ـ بالكسر ـ: من جلا السيف يجلوه إذا صقله وأزال منه صدأه.
3- الوَقْرَة: ثِقَل في السمع.
4- العَشْوة: ضعف البصر.
5- الفَتْرة بين العملين: زمان بينهما يخلو منهما، والمراد: أزمنة الخلوّ من الانبياء مطلقاً.
6- ناجاهم: أي خاطبهم بالإلهام
7- استصبَحَ: أضاء مصباحه.
8- الأدلة: الذين يدلون المسافرين على الطريق.
9- الفَلَوات: المَفَازَات والقِفار.
10- أخذ القصد: ركب الاعتدال في سلوكه.
11- هَتَفَ به ـ كضرب ـ: صاح ودعا، وهتفت الحمامة: صاتت.
12- القِسْط: العدل.
13- يأتمرون به: يمتثلون الأمر.
14- العِدَّات ـ جمع عِدَة بكسر ففتح مخفف ـ: الوعود.
15- مَقاوِم ـ جمع مَقام ـ: مقاماتهم في خطاب الوعظ.
16- الدواوين: جمع ديوان وهو مجتمع الصحف. والدفتر: ما يكتب فيه أسماء الجيش وأهل الأعطيات.
17- الأوزار ـ جمع وِزْر ـ: الحِمْل، ويراد بها هنا الذنوب.
18- نَشَجَ الباكي يَنْشِج ـ كضرب يضرب ـ نشيجاً: غصّ بالبكاء في حلقه.
19- النَحِيب: أشد البكاء. وتجاوبوا به: أجاب بعضهم بعضاً يتناحبون.
20- عجّ: يَعِجّ ـ كضرب ومل ـ: صاح ورفع صوته، فهم يصيحون في مواقف الندم والاعتراف بالخطا.
21- تنسّمَ النسيمَ: تشمّمه. والرَوْح ـ بالفتح ـ: النسيم، أي يتوقعون التجاوز بدعائهم له.
22- الأسى: الحزن.
23- المَنَادح ـ جمع منْدوحة ـ: وهي كالنُدْحة ـ بالضم والفتح ـ. والمُنتَدَح ـ بفتح الدال ـ: المتسع من الأرض.



الفهرسة