الخطبة ١١٥: في الاستسقاء
المسار الصفحة الرئيسة » نهج البلاغة » الخطب » الخطبة ١١٥: في الاستسقاء

 البحث  الرقم: 116  المشاهدات: 5839
قائمة المحتويات ومن خطبة له عليه السلام في الاستسقاء
اللَّهُمَّ قَدِ انْصَاحَتْ (1) جِبَالُنَا، وَاغْبَرَّتْ أَرْضُنَا، وَهَامَتْ (2) دَوَابُّنَا، وَتَحَيَّرَتْ في مَرَابِضِهَا (3)، وَعَجَّتْ عَجِيجَ الثَّكَالَى (4) عَلَى أَوْلاَدِهَا، وَمَلَّتِ التَّرَدُّدَ في مَرَاتِعِهَا، وَالحَنِينَ إِلَى مَوَارِدِهَا.
اللَّهُمَّ فَارْحَمْ أَنِينَ الْآنَّةِ (5)، وَحَنِينَ الْحَانَّةِ (6)!
اللَّهُمَّ فَارْحَمْ حَيْرَتَهَا فِي مَذَاهِبِهَا، وَأَنِينَهَا في مَوَالِجِهَا (7)!
اللَّهُمَّ خَرَجْنَا إِلَيْكَ حِينَ اعْتَكَرَتْ عَلَيْنَا حَدَابِيرُ السِّنِينَ، وَأَخْلَفَتْنَا مَخَايِلُ الْجُودِ (8)؛ فَكُنْتَ الرَّجَاءَ لِلْمُبْتَئِسِ، وَالْبَلاَغَ لِلْمُلْتَمِسِ (9).
نَدْعُوكَ حِينَ قَنَطَ الْأَنَامُ، وَمُنِعَ الْغَمَامُ، وَهَلَكَ الْسَّوَامُ (10)، أَلاَّ تُؤَاخِذَنَا بَأَعْمَالِنَا، وَلاَ تَأْخُذَنَا بِذُنُوبِنَا، وَانْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَكَ بِالسَّحَابِ الْمُنْبَعِقِ (11)، وَالرَّبِيعِ الْمُغْدِقِ (12)، وَالنَّبَاتِ الْمُونِقِ (13)، سَحّاً وَابِلاً (14) تُحْيِي بِهِ مَا قَدْ مَاتَ، وَتَرُدُّ بِهِ مَا قَدْ فَاتَ. اللَّهُمَّ سُقْيَا مِنْكَ مُحْيِيَةً مُرْوِيَةً، تَامَّةً عَامَّةً، طَيِّبَةً مُبَارَكَةً، هَنِيئَةً مَرِيعَةً (15)، زَاكِياً (16) نَبْتُهَا، ثَامِراً (17) فَرْعُهَا، نَاضِراً وَرَقُهَا، تُنْعِشُ بِهَا الضَّعِيفَ مِنْ عِبَادِكَ، وَتُحْيِي بِهَا الْمَيِّتَ مِنْ بِلاَدِكَ!
اللَّهُمَّ سُقْيَا مِنْكَ تُعْشِبُ بِهَا نِجَادُنَا (18)، وَتَجْرِي بِهَا وِهَادُنَا (19)، وَيُخْصِبُ بِهَا جَنَابُنَا (20) وَتُقْبِلُ بِهَا ثِمَارُنَا، وَتَعِيشُ بِهَا مَوَاشِينَا، وَتَنْدَى بِهَا أَقَاصِينَا (21)، وَتَسْتَعِينُ بِهَا ضَوَاحِينَا (22)، مِنْ بَرَكَاتِكَ الْوَاسِعَةِ، وَعَطَايَاكَ الْجَزِيلَةِ، عَلَى بَرِيَّتِكَ الْمُرْمِلَةِ (23)، وَوَحْشِكَ الْمُهْمَلَةِ.
وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا سَمَاءً مُخْضِلَةً (24)، مِدْرَاراً هَاطِلَةً، يُدَافِعُ الْوَدْقُ (25) مِنْهَا الْوَدْقَ، وَيَحْفِزُ (26) الْقَطْرُ مِنْهَا الْقَطْرَ، غَيْرَ خُلَّبٍ بَرْقُهَا (27)، وَلاَ جَهَامٍ عَارِضُهَا (28)، وَلاَ قَزَعٍ رَبَابُهَا (29)، وَلاَ شَفَّانٍ ذِهَابُهَا (30)، حَتَّى يُخْصِبَ لِإِمْرَاعِهَا الْمُجْدِبُونَ، وَيَحْيَا بِبَرَكَتِهَا المُسْنِتُونَ (31)، فَإِنَّكَ (تُنْزِلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا، وَتَنْشُرُ رَحْمَتَكَ، وَأَنْتَ الْوَلِيُّ الْحَميدُ).

تفسير ما في هذه الخطبة من الغريب


قال السيد الشريف، رضي اللّه عنه، قوله عليه السلام: (انْصَاحَتْ جِبَالُنَا) أي: تَشَقّقَتْ مِنَ المُحُولِ، يُقَالُ: انْصَاحَ الثّوْبُ: إذَا انْشَقّ، وَيُقَالُ أيْضاً: انْصَاحَ النّبْتُ وَصَاح وَصَوّح: إذَا جَفّ وَيَبِسَ.
وَقَوْلُهُ: (وَهَامَتْ دَوَابّنَا) أيْ: عَطِشَتْ، وَالْهُيَامُ: الْعَطَشُ.
وَقَوْلُهُ: (حَدَابِيرُ السّنِينَ) جمع حِدبار، وهي: الناقَة التي أنضاها السّيْرُ، فشبّه بها السنة التي فشا فِيهَا الجَدْبُ، قَالَ ذو الرّمّةِ:
عَلَى الْخَسْفِ أوْ نَرْمِي بِهَا بَلَداً قَفْرَا حَدَابِيرُ مَا تَنْفَكُّ إلاّ مُنَاخَةً
وَقَولُهُ: (وَلاَ قَزَع رَبَابُهَا)، الْقَزَعُ: الْقِطَعُ الصّغَارُ الْمُتَفَرّقَهُ مِنَ السَّحَابِ.
وَقَوْلُهُ: (وَلاَ شَفّان ذِهَابُهَا) فَإنّ تَقْديرَهُ: وَلاَ ذَاتَ شَفّان ذِهَابُهَا. وَالشّفّانُ: الرّيحُ البَارِدَةُ. وَالذِّهَابُ: الْأمْطَارُ اللّيّنَةُ، فَحَذَفَ (ذَاتَ) لِعِلْمِ السّامِعِ بِهِ.

الهوامش

1- انصاحَتْ: جَفّتْ أعالي بُقُولها وَيَبست من الجَدْب. وهذا أنسبُ من تفسير الرضيّ في آخر الدعاء.
2- 2. هامَت: نَدّت وذهبَتْ على وجوهها من شدة المَحْل. وهذا أنسب من تفسير الهيام بالعطش كما يقول الرضي في آخر الدعاء.
3- 3. مَرَابِض: جمع مَرْبِض، بكسر الباء، وهو مَبْرَك الغنم.
4- 4. عَجّتْ عَجِيجَ الثّكَالى: صاحت بأعلى صوتها.
5- 5. الآنّة: الشاة.
6- 6. الحانّة: الناقة.
7- 7. مَوَالجها: مداخلها في المرابض.
8- 8. مَخَايل: جمع مُخِيلة ـ كمُصِيبة ـ هي السحابة تظهر كأنّها ماطرة ثم لاتمطر. والجَوْد ـ بفتح الجيم ـ: المطر.
9- 9. المُبْتَئِس: الذي مسّتْهُ البأساءُ والضرّاع، والبلاغ: الكفاية.
10- 10. السّوامّ: جمع سائمة، وهي البهيمة الراعية من الإبل ونحوها.
11- 11. انْبَعَقَ المُزْن: انفرج عن المطر كأنما هو حيّ، انشقت بطنه فنزل ما فيها.
12- 12. أغْدَقَ المطرُ: كثر ماؤه.
13- 13. المُونِقُ: من "آنَقَني" إذا أعجبني، أومن "آنَقَهُ" إذا سرّه وأفرَحَه.
14- 14. سَحّاً: صَبّاً. والوابل: الشديد من المطر الضخم القِطْر.
15- 15. المَرِيعَة ـ بفتح الميم ـ: الخصيبة.
16- 16. زاكياً: نامياً.
17- 17. ثامِراً: مُثْمِراً، آتياً بالثمر.
18- 18. النّجاد ـ جمع النجد ـ: ما ارتفع من الأرض.
19- 19. الوِهاد ـ جمع الوَهْدة ـ: ما انخفض من الأرض.
20- 20. الجَناب: الناحية.
21- 21. القاصية: البعيدة عنا من أطراف بلادنا في مقابلة جنابنا.
22- 22. ضاحية الماء: التي تشرب ضُحىً، والضّوَاحي: جمعها.
23- 23. المُرْمِلة ـ بصيغة الفاعل ـ: الفقيرة.
24- 24. مُخْضِلة: من "أخْضَلَهُ" إذا بلّهُ.
25- 25. الوَدْق: المطر.
26- 26. يَحْفِز: يدفع.
27- 27. البرق الخُلّب: ما يُطْمِعُك في المطر ولا مطرَ معه.
28- 28. الجَهَام ـ بفتح الجيم ـ: السّحاب الذي لا مطرَ فيه. والعارض: ما يعْرِض في الأفُق من السحاب.
29- 29. الرّباب: السحاب الأبيض. والقَزَع من الرّباب فسّره الرّضي بالقطع الصغيرة المتفرقة من السحاب.
30- 30. الذِّهاب ـ بكسر الذال ـ: جمع ذِهبَة ـ بكسر الذال أيضاً ـ: الأمطار القليلة أوالليّنة، كما قال الشريف في تفسيرها.
31- 31. المُسْنِتُون: المُقْحِطُون.



الفهرسة