الخطبة ٢١١: في عجيب صنعة الكون
المسار الصفحة الرئيسة » نهج البلاغة » الخطب » الخطبة ٢١١: في عجيب صنعة الكون

 البحث  الرقم: 212  المشاهدات: 4586
قائمة المحتويات ومن خطبة له عليه السلام في

عجيب صنعة الكون


وَكَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَروتِهِ، وَبَدِيعِ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ، أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ كمنع ـ زُخوراً، وَتَزَخّرَ: طمَى وامتلأ.">(1) الْمُتَرَاكِمِ الْمُتَقَاصِفِ (2)، يَبَساً جَامِداً (3)، ثُمَّ فَطَرَ فَطَرَ
: خلق.">(4) مِنْهُ أَطْبَاقاً (5)، فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا (6)، فَاسْتَمْسَكَتْ بِأَمْرِهِ (7)، وَقَامَتْ عَلَى حَدِّهِ (8).
وَأَرْسَى أَرْضاً يَحْمِلُهَا الْأَخْضَرُ (9) المُثْعَنْجِرُ (10)، وَالْقَمْقَامُ (11) الْمُسَخَّرُ، قَدْ ذَلَّ لِأَمْرِهِ، وَأَذْعَنَ لِهَيْبَتِهِ، وَوَقَفَ الْجَارِي مِنْهُ لِخَشْيَتِهِ، وَجَبَلَ (12) جَلاَمِيدَهَا (13)، وَنُشُوزَ (14) مُتُونِهَا صلب منها وارتفع.">(15) وَأَطْوَادِهَا (16)، فَأَرْسَاهَا في مَرَاسِيهَا (17)، وَأَلْزَمَهَا قَرَارَاتِهَا (18)، فَمَضَتْ رُؤُسُهَا فِي الْهَوَاءِ، وَرَسَتْ أُصُولُهَا فِي الْمَاءِ، فَأَنْهَدَ جِبَالَهَا (19) عَنْ سُهُولِهَا، وَأَسَاخَ (20) قَوَاعِدَهَا فِي متُونِ أَقْطَارِهَا، وَمَوَاضِعِ أَنْصَابِهَا (21)، فَأشْهَقَ قِلاَلَهَا (22)، وَأَطَالَ أَنْشَازَهَا (23)، وَجَعَلَهَا لِلْأَرْضِ عِمَاداً، وَأَرَّزَهَا (24) فِيهَا أَوْتَاداً، فَسَكَنَتْ عَلَى حَرَكَتِهَا مِنْ أَنْ تَمِيدَ (25) بِأَهْلِهَا، أَوْ تَسِيخَ (26) بِحِمْلِهَا، أَوْ تَزُولَ عَنْ مَواضِعِهَا.
فَسُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مَوَجَانِ مِيَاهِهَا، وَأَجْمَدَهَا بَعْدَ رُطُوبَةِ أَكْنَافِهَا، فَجَعَلَهَا لِخَلْقِهِ مِهَاداً، وَبَسَطَهَا لَهُمْ فِرَاشاً! فَوْقَ بَحْرٍ لُجِّيٍّ رَاكِدٍ لاَ يَجْرِي (27)، وَقَائِمٍ لاَ يَسْرِي، تُكَرْكِرُهُ (28) الرِّيَاحُ الْعَوَاصِفُ، وَتَمْخُصُهُ الْغَمَامُ الذَّوَارِفُ؟ (29)، ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾.

الهوامش

1- زَخَرَ البحر ـ كمنع ـ زُخوراً، وَتَزَخّرَ: طمَى وامتلأ.
2- المتقاصف: المتزاحم كأن أمواجه في تزاحمها يقصف بعضها بعضاً، أي يكسر.
3- اليَبَس ـ بالتحريك ـ: اليابس.
4- فَطَرَ: خلق.
5- الأطباق: طبقات مختلفة في تركيبها.
6- كانت الأطباق رتقاً يتصل بعضها ببعض، ففتقها سبعاً وهي السموات وقف كل منها حيث مكنه الله على حسب ما أودع فيه من السر الحافظ له.
7- استمسكت بأمره: أي بأمرالله التكويني.
8- قامت على حدّه: أي حد الأمر الإلهي.
9- المراد من الأخضر: الحامل للأرض وهو البحر.
10- المثْعَنْجِر ـ بكسر الجيم ـ معظم البحر وأكثر مواضعه ماء.
11- القمقام ـ بفتح القاف وتضّم ـ: البحر أيضاً.
12- جبل: خلق.
13- الجلاميد: الصخور الصُلْبة.
14- النُشُوز ـ جمع نَشْز بسكون الشين وفتحها وفتح النون ـ: ما ارتفع من الأرض.
15- المُتون ـ جمع مَتْن ـ: ما صلب منها وارتفع.
16- الأطواد: عطف على المتون وهي عظام الناتئات.
17- مراسيها: ما «رست» أي رسخت فيه.
18- قرارتها: ما استقرت فيه.
19- قوله: «أنْهَدَ جبالها...» الخ كأن النشوز والمتون والأطواد كانت في بداية أمرها على ضخامتها غير ظاهرة الإمتياز ولا شامخة الإرتفاع عن السهول، حتى إذا ارتجت الأرض بما أحدثت يد القدرة الإلهية في بطونها نهدت الجبال عن السهول فانفصلت كل الإنفصال.
20- أساخ قواعدها: أي جعلها غائصة.
21- مواضع الأنصاب ـ جمع نُصُب ـ: وهو ما جعل عَلَماً يُشهَد فيُقصَد.
22- قُلّة الجبل: أعلاه. وأشهقها: جعلها شاهقة أي بعيدة الارتفاع.
23- أطال أنشازها: أي متونها المرتفعة في جوانب الأرض.
24- أرّزها ـ بالتشديد ـ: ثبّتها.
25- تَمِيد: أي تضطرب وتتزلزل.
26- تَسِيخ ـ كتَسُوخ ـ أي: تغوص في الهواء فتنخسف.
27- لا يجري: المراد هنا أنه لايسيل في الهواء.
28- تُكَرْكِرُه: تذهب به وتعود.
29- الذَوَارِف ـ جمع ذَارِفة ـ: من ذرف الدمع إذا سال.



الفهرسة