|
الخطبة ١١٤: وفيها مواعظ للناس |
جستجو
شماره: 115
بازديدها: 1354
فهرست
ومن خطبة له عليه السلام وفيها مواعظ للناس الْحَمْدُ للهِ الْوَاصِلِ الْحَمْدَ بِالنِّعَمِ وَالنِّعَمَ بِالشُّكْرِ، نَحْمَدُهُ عَلَى آلاَئِهِ كَمَا نَحْمَدُهُ عَلَى بَلاَئِهِ، وَنَسْتَعِينُهُ عَلَى هذِهِ النُّفُوسِ الْبِطَاءِ (1) عَمَّا أُمِرَتْ بِهِ، السِّرَاعِ (2) إِلَى مَا نُهِيَتْ عَنْهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ مِمَّا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ، وَأَحْصَاهُ كِتَابُهُ: عِلْمٌ غَيْرُ قَاصِرٍ، وَكِتَابٌ غَيْرُ مُغَادِرٍ (3)، وَنُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَنْ عَايَنَ الْغُيُوبَ، وَوَقَفَ عَلَى الْمَوْعُودِ، إِيمَاناً نَفَى إِخْلاَصُهُ الشِّرْكَ، وَيَقِينُهُ الشَّكَ. وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، شَهَادَتَيْنِ تُصْعِدَانِ الْقَوْلَ، وَتَرْفَعَانِ الْعَمَلَ، لاَيَخِفُّ مِيزَانٌ تُوضَعَانِ فِيهِ، وَلاَ يَثْقُلُ مِيزَانٌ تُرْفَعَانِ عَنْهُ. أُوصِيكُمْ، عِبَادَ اللهِ، بَتَقْوَى اللهِ الَّتي هِيَ الزَّادُ وَبِهَا الْمَعَاذُ: زَادٌ مُبْلِغٌ وَمَعَاذٌ مُنْجِحٌ، دَعَا إِلَيْهَا أَسْمَعُ دَاعٍ، وَوَعَاهَا (4) خَيْرُ وَاعٍ، فَأَسْمَعَ دَاعِيهَا، وَفَازَ وَاعِيهَا. عِبَادَ اللهِ، إِنَّ تَقْوَى اللهِ حَمَتْ (5) أوْلِيَاءَ اللهِ مَحَارِمَهُ، وَأَلْزَمَتْ قُلُوبَهُمْ مَخَافَتَهُ، حَتَّى أَسهَرَتْ لَيَالِيَهُمْ، وَأَظْمَأَتْ هَوَاجِرَهُمْ (6)؛ فَأَخَذُوا الرَّاحَةَ بِالنَّصَبِ (7)، وَالرِّيَّ بِالظَّمَإِ، وَاسْتَقْرَبُوا الْأَجَلَ فَبَادَرُوا الْعَمَلَ، وَكَذَّبُوا الْأَمَلَ فَلاَحَظُوا الْأَجَلَ. ثُمَّ إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ فَنَاءٍ، وَعَنَاءٍ، وَغِيَرٍ، وَعِبَرٍ: فَمِنَ الْفَنَاءِ أَنَّ الدَّهْرَ مُوتِرٌ قَوْسَهُ (8)، لاَ تُخْطِىءُ سِهَامُهُ، وَلاَ تُؤْسَى (9) جِرَاحُهُ، يَرْمِي الْحَيَّ بِالْمَوْتِ، وَالصَّحِيحَ بِالسَّقَمِ، وَالنَّاجِيَ بِالْعَطَبِ، آكِلٌ لاَ يَشْبَعُ، وَشَارِبٌ لاَ يَنْقَعُ (10). وَمِنَ الْعَنَاءِ أَنَّ الْمَرْءَ يَجْمَعُ مَا لاَ يَأْكُلُ، وَيَبْني مَا لاَ يَسْكُنُ، ثُمَّ يَخْرُج إِلَى اللهِ، لاَ مَالاً حَمَلَ، وَلاَ بِنَاءً نَقَلَ! وَمِنْ غِيَرِهَا (11) أَنَّكَ تَرَى الْمَرْحُومَ مَغْبُوطاً، والْمَغْبُوطَ مَرْحُوماً، لَيْسَ ذلِكَ إِلاَّ نَعِيماً زَلَّ (12)، وَبُؤْساً نَزَلَ. وَمِنْ عِبَرِهَا أَنَّ المَرْءَ يُشْرِفُ عَلَى أَمَلِهِ فَيَقْتَطِعُهُ حُضُورُ أَجَلِهِ، فَلاَ أَمَلٌ يُدْرَكُ، وَلاَ مُؤَمَّلٌ يُتْرَكُ. فَسُبْحَانَ اللهِ، مَا أَعَزَّ سُرُورَهَا! وَأَظْمَأَ رِيَّهَا! وَأَضْحَى فَيْئَهَا (13)! لاَ جَاءٍ يُرَدُّ الموتَ.">(14)، وَلاَ مَاضٍ يَرْتَدُّ. فَسُبْحَانَ اللهِ، مَا أَقْرَبَ الْحَيَّ مِنَ المَيِّتِ لِلَحَاقِهِ بِهِ، وَأَبْعَدَ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ لاِنْقِطَاعِهِ عَنْهُ! إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بِشَرٍّ مِنَ الشَّرِّ إِلاَّ عِقَابُهُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ بِخَيْرٍ مِنَ الْخَيْرِ إِلاَّ ثَوَابُهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الدُّنْيَا سَمَاعُهُ أَعْظَمُ مِنْ عِيَانِهِ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْآخِرَةِ عِيَانُهُ أَعْظَمُ مِنْ سَمَاعِهِ، فَلْيَكْفِكُمْ مِنَ الْعِيَانِ السَّمَاعُ، وَمِنَ الْغَيْبِ الْخَبَرُ. وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الدُّنْيَا وَزَادَ في الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِمَّا نَقَصَ مِنَ الْآخِرَةِ وَزَادَ فِي الدُّنْيَا: فَكَمْ مِنْ مَنْقُوصٍ رَابحٍ وَمَزِيدٍ خَاسِرٍ! إنَّ الَّذي أُمِرْتُمْ بِهِ أَوْسَعُ مِنَ الَّذِي نُهِيتُمْ عَنْهُ، وَمَا أُحِلَّ لَكُمْ أَكْثَرُ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ، فَذَرُوا مَا قَلَّ لِمَا كَثُرَ، وَمَا ضَاقَ لِمَا اتَّسَعَ. قَدْ تُكُفِّلَ لِكُمْ بِالرِّزْقِ، وَأُمِرْتُمْ بَالْعَمَلِ، فَلاَ يَكُونَنَّ الْمَضْمُونُ لَكُمْ طَلَبُهُ أَوْلَى بِكُمْ مِنَ الْمَفْرُوضِ عَلَيْكُمْ عَمَلُهُ، مَعَ أَنَّهُ واللهِ لَقَدِ اعْتَرَضَ الشَّكُّ، وَدَخِلَ (15) الْيَقِينُ، حَتَّى كَأَنَّ الَّذِي ضُمِنَ لَكُمْ قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ، وَكَأَنَّ الَّذِي قَدْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ قَدْ وُضِعِ عَنْكُمْ. فَبَادِرُوا الْعَمَلَ، وَخَافُوا بَغْتَةَ الْأَجَلِ، فَإِنَّهُ لاَ يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الْعُمُرِ مَا يُرْجَى مِنْ رَجْعَةِ الرِّزْقِ، مَا فَاتَ الْيَوْمَ مِنَ الرِّزْقِ رُجِيَ غَداً زِيَادَتُهُ، وَمَا فَاتَ أَمْسِ مِنَ الْعُمُرِ لَمْ يُرْجَ الْيَوُمَ رَجْعَتُهُ. الرَّجَاءُ مَعَ الْجَائِي، وَالْيَأْسُ مَعَ الْمَاضِي، فـَ ﴿اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
پاورقي ها
1- البِطاء ـ بكسر الباء ـ: جمع بطيئة.
3- غير مُغَادِر: غير تارك شيئاً إلاّ أحاط به.
4- وَعَاها: حَفِطها وفهمها.
5- حَمَى الشيء: منعه، أي منعتهم ارتكاب محرّماته.
6- الهَوَاجر: جمع هاجرة، شدة حرّ النهار، وقد أُظْمِئَتْ هذه الهواجرُ بالصيام.
8- «الدّهْر مُوتِرٌ قوْسَهُ»: شَبّهه بمن أوْتَرَ قوسَهُ ليرمي بها أبناءه.
9- تُؤسى: تُداوى، من «أسَوْتُ الجراح» داويته.
10- لا يَنْقَع: لا يَشْتَفِي من العطش بالشرب.
11- غِيَرُها ـ بكسر الغين وفتح الراء ـ: تقلّباتها.
12- «ليس ذلك إلاّ نعيماً زَلّ»: من «زَلّ فلان زَليلاً وَزُلُولاً» إذا مرّ سريعاً. والمراد: انتقل.
13- أضْحى: برز للشمس. والفَيْء: الظلّ بعد الزوال، أومطلقاً.
14- «لا جاء يُرَدّ»: الجائي يريد به الموتَ.
15- دَخِلَ ـ كفرح ـ: خالطَه فسادُ الأوهام.
|
|