ومن كتاب له عليه السلام إلى أبي موسى الاشعري وهو عامله على الكوفة، وقد بلغه عنه تثبيطُه (1) الناسَ عن الخروج إليه لمّا ندبهم لحرب أصحاب الجمل. مِنْ عَبْدِاللهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عَبْدِاللهِ بْنِ قَيْس. أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ قَوْلٌ هُوَ لَكَ وَعَلَيْكَ، فإِذَا قَدِمَ عَلَيْكَ رَسُولِي عَلَيْكَ فارْفَعْ ذَيْلَكَ، واشْدُدْ مِئْزَرَكَ (2)، واخْرُجْ مِنْ جُحْرِكَ (3)، وَانْدُبْ (4) مَنْ مَعَكَ، فَإِنْ حَقَّقْتَ فَانْفُذْ (5)، وَإِنْ تَفَشَّلْتَ (6) فَابْعُدْ! وَايْمُ اللهِ لَتُؤْتَيَنَّ حَيْثُ أَنْتَ، وَلاَ تُتْرَكُ حَتَّى يُخْلَطَ زُبْدُكَ بِخَاثِرِكَ (7)، وَذَائِبُكَ بِجَامِدِكَ، وَحَتَّى تُعْجَلَ عَنْ قِعْدَتِكَ (8)، وَتَحْذَرَ مِنْ أَمَامِكَ كَحَذَرِكَ مِنْ خَلْفِكَ، وَمَا هِيَ بِالْهُوَيْنَى (9) الَّتِي تَرْجُو، وَلكِنَّهَا الدَّاهِيةُ الْكُبْرَى، يُرْكَبُ جَمَلُهَا، وَيُذلَّلُّ صَعْبُهَا، وَيُسَهَّلُ جَبَلُهَا. فَاعْقِلْ عَقْلَكَ الخوف.">(10)، وَامْلِكْ أَمْرَكَ، وَخُذْ نَصِيبَكَ وَحَظَّكَ، فَإِنْ كَرِهْتَ فَتَنَحَّ إِلَى غَيْرِ رَحْبٍ وَلاَ فِي نَجَاةٍ، فَبِالْحَرِيِّ (11) لَتُكْفَيَنَّ القتال ونظفر فيه.">(12) وَأَنْتَ نَائِمُ، حَتَّى لاَ يُقَالَ: أَيْنَ فُلاَنٌ؟ وَاللهِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مَعَ مُحِقٍّ، وَمَا أُبَالِي مَا صَنَعَ الْمُلْحِدُونَ، وَالسَّلاَمُ.
پاورقي ها
1- التثبيط: الترغيب في القعود والتخلف.
2- رفع الذيل وشدّ المِئْزر: كناية عن التشمير للجهاد.
3- اخْرُج من جُحْرِك: كنى بجحره عن مقرّه.
4- انْدُب: أي ادْعُ من معك.
5- إن حقّقْت: أي أخذت بالحق والعزيمة. فانْفُذ: أي امْضِ الينا.
6- تفشّلت: أي جبنت.
7- الخاثِر: الغليظ، والكلام تمثيل لاختلاط الأمر عليه من الحيرة، وأصل المثل (لايدري أيخثر أم يذيب). قالوا: إن المرأة تملأ السمن فيختلط خاثره برقيقه فتقع في حيرة، إن أوقدت النار حتى يصفو احترق، وإن تركته بقي كَدِراً.
8- تُعْجَل عن قِعْدَتِك: القِعْدة ـ بالكسر ـ: هيئة القعود، وأعجله عن الأمر: حال دون إدراكه، أي يحال بينك وبين جلستك في الولاية.
9- الهُوَيْني: تصغير الهُوني ـ بالضم ـ مؤنث أهون.
10- اعْقِل عقلك: قيّدْه بالعزيمة، ولا تدعه يذهب مذاهب التردد من الخوف.
11- بالحرىّ: أي بالوجه الجدير بك.
12- لَتُكْفَيَنّ ـ بلام التأكيد ونونه ـ أي: إنا لنكفيك القتال ونظفر فيه.