Table Of Content
ومن كتاب له عليه السلام إلى أهل مصر، مع مالك الأشتر لما ولاّه إمارَتَها. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّداً ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ سَلَّمَ ـ نَذِيراً لِلْعَالَمِينَ، وَمُهَيْمِناً شاهد برسالة المرسلين الأولين.">(1) عَلَى الْمُرْسَلِينَ. فلمَّا مَضى ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ تنَازَعَ الْمُسْلِمُونَ الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ. فَوَاللهِ مَا كَانَ يُلْقَى فِي رُوعِي (2)، وَلاَ يَخْطُرُ بِبَالِي، أَنَّ الْعَرَبَ تُزْعِجُ هذَا الْأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ ـصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ سَلَّمَ ـ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَلاَ أَنَّهُمْ مُنَحُّوهُ عَنِّي مِنْ بَعْدِهِ! فَمَا رَاعَنِي (3) إِلاَّ انْثِيَالُ (4) النَّاسِ عَلَى فُلاَنٍ يُبَايِعُونَهُ، فَأَمْسَكْتُ يَدِي (5) حَتَّى رَأيْتُ رَاجِعَةَ (6) النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلاَمِ، يَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دِينِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ سَلَّمَ ـ فَخَشِيتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلاَمَ أَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِيهِ ثَلْماً (7) أَوْ هَدْماً، تَكُونُ الْمُصِيبَةُ بِهِ عَلَيَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلاَيَتِكُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِيَ مَتَاعُ أَيَّامٍ قَلاَئِلَ، يَزُولُ مِنْهَا مَا كَانَ، كَمَا يَزُولُ السَّرَابُ، أَوْ كَمَا يَتَقَشَّعُ السَّحَابُ، فَنَهَضْتُ فِي تِلْكَ الْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ (8) الْبَاطِلُ وَزَهَقَ (9)، وَاطْمَأَنَّ الدِّينُ وَتَنَهْنَهَ (10).ومنه: إِنِّي وَاللهِ لَوْ لَقِيتُهُمْ وَاحِداً وَهُمْ طِلاَعُ (11) الْأَرْضِ كُلِّهَا مَا بَالَيْتُ وَلاَ اسْتَوْحَشْتُ، وَإِنِّي مِنْ ضَلاَلِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ وَالْهُدَى الَّذِي أَنَا عَلَيْهِ لَعَلى بَصِيرَةٍ مِنْ نَفْسِي وَيَقِينٍ مِنْ رَبِّي. وَإِنِّي إِلَى لِقَاءِ اللهِ لَمُشْتَاقٌ، وَحُسْنِ ثَوَابِهِ لَمُنْتَظِرٌ رَاجٍ، وَلكِنَّنِي آسَى (12) أَنْ يَلِيَ (13) أَمْرَ هذِهِ الْأُمَّةِ سُفَهَاؤُهَا وَفُجَّارُهَا، فَيَتَّخِذُوا مَالَ اللهِ دُوَلاً (14)، وَعِبَادَهُ خَوَلاً (15)، وَالصَّالِحِينَ حَرْباً (16)، وَالْفَاسِقِينَ حِزْباً، فَإِنَّ مِنْهُمُ الَّذِي قَدْ شَرِبَ فِيكُمُ الْحَرَامَ (17)، وَجُلِدَ حَدّاً فِي الْإِسْلاَمِ، وَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى رُضِخَتْ لَهُ عَلَى الْإِسْلاَمِ الرَّضَائِخُ (18)، فَلَوْلاَ ذلِكَ مَا أَكْثَرْتُ تَأْلِيبَكُمْ (19) وَتَأنِيبَكُمْ، وَجَمْعَكُمْ وَتَحْرِيضَك ُمْ، وَلَتَرَكْتُكُمْ إِذْ أَبَيْتُمْ وَوَنَيْتُمْ (20). أَلاَ تَرَوْنَ إِلَى أَطْرَافِكُمْ (21) قَدِ انْتَقَصَتْ (22)، وَإِلَى أَمْصَارِكُمْ قَدِ افْتُتِحَتْ، وَإِلَى مَمَالِكِكُمْ تُزْوَى للمجهول ـ: تُقْبَضُ، وهي من زوَاه إذا قبضه عنه.">(23)، وَإِلَى بِلاَدِكُمْ تُغْزَى! انْفِرُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ ـ إِلَى قِتَالِ عَدُوِّكُمْ، وَلاَ تَثَّاقلُوا إِلَى الْأَرْضِ فَتُقِرُّوا (24) بِالْخَسْفِ (25)، وَتَبُوؤُوا (26) بِالذُّلِّ، وَيَكُونَ نَصِيبُكُمُ الْأَخَسَّ، وَإِنَّ أَخَا الْحَرْبِ الْأَرِقُ (27)، وَمَنْ نَامَ لَمْ يُنَمْ عنْهُ، وَالسَّلاَمُ.
Footnotes
1- المُهَيْمِن: الشاهد، والنبي شاهد برسالة المرسلين الأولين.
2- الرُوع ـ بضم الراء ـ: القلب، أو موضع الرَوْع منه ـ بفتح الراء ـ أي الفَزَع.
4- انثِيال الناس: انصبابهم.
5- أمْسَكْت يدي: كففتها عن العمل وتركت الناس وشأنهم.
6- رَاجِعَة الناس: الراجعون منهم.
9- زَهَقَ: خرجت روحه ومات، مجاز عن الزوال التام.
11- الطِلاع ـ ككتاب ـ: مِلْء الشيء.
12- آسى ـ مضارع (أسِيْت عليه) كرَضِيت ـ أي: حزنت.
13- يلي أمْرَ الأمّة: يتولاها ويكون عنها مسؤولاً.
14- دُوَلاً ـ بضم ففتح جمع دُولَة بالضم ـ أي: شيئاً يتداولونه بينهم.
15- الخَوَل ـ محركة ـ: العبيد.
17- شرب الحرام: يريد الخمر.
18- الرَضَائخ: جمع رضيخة وهي شيء قليل يعطاه الإنسان يُصانِع به عن شيء يطلب منه كالأجر، ورضخت له: أَعطيت له.
19- تَأليبكم: تحريضكم وتحويل قلوبكم عنهم.
20- وَنَيْتم: أي ضَعُفْتم وفَتَرْتُمْ.
21- أطْرَاف البلاد: جوانبها.
22- انتقصت: حصل فيها النقص باستيلاء العدو عليها.
23- تُزْوَى ـ مبني للمجهول ـ: تُقْبَضُ، وهي من زوَاه إذا قبضه عنه.
26- تَبُوؤوا: أي تعودوا بالذل.
27- الأرِق ـ بفتح فكسر ـ أي: الساهر.
|