|
الرسالة ٦٩: إلى الحارث الهَمْدَاني |
Table Of Content
ومن كتاب له عليه السلام إلى الحارث الهَمْدَاني وَتَمَسَّكْ بِحَبْلِ الْقُرآنِ، وَاسْتَنْصِحْهُ، وَأَحِلَّ حَلاَلَهُ، وَحَرِّمْ حَرَامَهُ، وَصَدِّقْ بِمَا سَلَفَ مِنَ الْحَقِّ، وَاعْتَبِرْ (1) بِمَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا لِمَا بَقِي مِنْهَا، فَإِنَّ بَعْضَهَا يُشْبِهُ بَعْضاً، وَآخِرَهَا لاَحِقٌ بِأَوَّلِهَا! وَكُلُّهَا حَائِلٌ (2) مُفَارِقٌ. وَعَظِّمِ اسْمَ اللهِ أَنْ تَذْكُرَهُ إِلاَّ عَلَى حَقّ. وَأَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَ الْمَوتِ، وَلاَ تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِلاَّ بِشَرْط وَثِيق (3). وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يَرْضَاهُ صَاحِبُهُ لِنَفْسِهِ، وَيُكْرَهُ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَاحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ يُعْمَلُ بِهِ فِي السِّرِّ، وَيُسْتَحَى مِنْهُ فِي الْعَلاَنِيَةِ، واحْذَرْ كُلَّ عَمَلٍ إِذَا سُئِلَ عَنْهُ صَاحِبُهُ أَنْكَرَهُ أَوِ اعتَذَرَ مِنْهُ. وَلاَ تَجْعَلْ عِرْضَكَ غَرَضاً لِنِبَالِ الْقَوْلِ، وَلاَ تُحَدِّثِ النَّاسَ بِكُلِّ مَا سَمِعْتَ بِهِ، فَكَفَى بِذلِكَ كَذِباً، وَلاَ تَرُدَّ عَلَى النَّاسِ كُلَّ مَا حَدَّثُوكَ بِهِ، فَكَفَى بِذلِكَ جَهْلاً. وَاكْظِمِ الْغَيْظَ، وَتَجاوَزْ عِنْدَ المَقْدِرَةِ، وَاحْلُمْ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَاصْفَحْ مَعَ الدَّوْلَةِ (4)، تَكُنْ لَكَ الْعَاقِبَةُ. وَاسْتَصْلِحْ كُلَّ نِعْمَة أَنْعَمَهَا اللهُ عَلَيْكَ، وَلاَ تُضَيِّعَنَّ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ اللهِ عِنْدَكَ، وَلْيُرَ عَلَيْكَ أَثَرُ مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْكَ. وَاعْلَمْ أَنَّ أَفْضَلَ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُهُمْ تَقْدِمَةً (5) مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَإِنَّكَ مَا تُقَدِّمْ مِنْ خَيْرٍ يَبْقَ لَكَ ذُخْرُهُ، وَمَا تُؤخِّرْهُ يَكُنْ لِغَيْرِكَ خَيْرُهُ. وَاحْذَرْ صَحَابَةَ مَنْ يَفِيلُ (6) رَأْيهُ، وَيُنْكَرُ عَمَلُهُ، فَإِنَّ الصَّاحِبَ مَعْتَبَرٌ بِصَاحِبِهِ. وَاسْكُنِ الْأَمْصَارَ الْعِظَامَ فَإِنَّهَا جِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، وَاحْذَرْ مَنَازِلَ الْغَفْلَةِ وَالْجَفَاءِ وَقِلَّةَ الْأَعْوَانِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَاقْصُرْ رَأْيَكَ عَلَى مَا يَعْنِيكَ، وَإِيَّاكَ وَمَقَاعِدَ الْأَسْوَاقِ، فَإِنَّهَا مَحَاضِرُ الشَّيْطَانِ وَمَعَارِيضُ (7) الْفِتَنِ. وَأَكْثِرْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَنْ فُضِّلْتَ عَلَيْهِ (8)، فإِنَّ ذلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الشُّكْرِ. وَلاَ تُسَافِرْ فِي يَوْمِ جُمُعَة حَتّى تَشْهَدَ الصَّلاَةَ إِلاَّ فَاصِلاً سبيل الله: أي خارجاً ذاهباً.">(9) فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوْ فِي أَمْرٍ تُعْذَرُ بِهِ. وَأَطِعِ اللهَ فِي جُمَلِ أُمُورِكَ، فَإِنَّ طَاعَةَ اللهِ فَاضِلَةٌ عَلَى مَا سِوَاهَا. وَخَادِعْ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ، وَارْفُقْ بِهَا وَلاَ تَقْهَرْهَا، وَخُذْ عَفْوَهَا (10) وَنَشَاطَهَا، إِلاَّ مَا كَانَ مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وتَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّها. وَإِيَّاكَ أَنْ يَنْزِلَ بِكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ آبِقٌ (11) مِنْ رَبِّكَ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا، وَإِيَّاكَ وَمُصَاحَبَةَ الْفُسَّاقِ، فَإِنَّ الشَّرَّ بِالشَّرِّ مُلْحَقٌ. وَوَقِّرِ اللهَ، وَأَحْبِبْ أَحِبَّاءَهُ، وَاحْذَرِ الْغَضَبَ، فَإِنَّهُ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ، وَالسَّلاَمُ.
Footnotes
4- اصْفَحْ مع الدَوْلَة: أي عندما تكون لك السلطة.
5- تَقْدِمَة ـ كتَجْرِبة ـ: مصدر قدّم بالتشديد أي بذلاً وإنفاقاً.
6- فَال الرَأي يَفِيلُ: أي ضَعُفَ.
7- المَعَارِيض: جمع مِعْرَاض كمِحْرَاب، وهو سهم بلا ريش رقيق الطرفين، غليظ الوسط. يصيب بعرضه دون حدّه.
8- من فُضِّلْت عليه: أي مَن دونك ممن فضلك الله عليه.
9- فاصلاً في سبيل الله: أي خارجاً ذاهباً.
10- خُذْ عَفْوَها: أي وقت فراغها وارتياحها إلى الطاعة وأصله العفو، بمعنى ما لا أثر فيه لأحد بملك، عبر به عن الوقت الذي لا شاغْل للنفس فيه.
11- آبق: أي هارب منه متحوّل عنه.
|
|