Table Of Content
وسُئِلَ عليه السلام عَنِ الْإِيمَانِ،
فَقَالَ: الْإِيمَانُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ: عَلَى الصَّبْرِ، والْيَقِينِ، وَالْعَدْلِ، وَالْجَهَادِ:
فَالصَّبْرُ مِنْهَا عَلَى أَربَع شُعَبٍ عَلَى الشَّوْقِ، وَالشَّفَقِ الخوف.">(1)، وَالزُّهْدِ، وَالتَّرَقُّبِ:
فَمَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةِ سَلاَ عَنِ الشَّهَوَاتِ،
وَمَنْ أشْفَقَ مِنَ النَّارِ اجْتَنَبَ الْمُحَرَّمَاتِ،
وَمَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا اسْتَهَانَ بِالْمُصِيبَاتِ،
وَمَنِ ارْتَقَبَ الْمَوْتَ سَارَعَ فِي الْخَيْرَاتِ.
وَالْيَقِينُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى تَبْصِرَةِ الْفِطْنَةِ، وَتَأَوُّلِ الْحِكْمَةِ تأوّل الحكمة: الوصول إلى دقائقها.">(2)، وَمَوْعِظَةِ الْعِبْرَةِ
(3)، وَسُنَّةِ
(4) الْأَوَّلِينَ:
فَمَنْ تَبَصَّرَ فِي الْفِطْنَةِ تبَيَّنَتْ لَهُ الْحِكْمَةُ،
وَمَنْ تَبَيَّنَتْ لَهُ الْحِكْمَةُ عَرَفَ الْعِبْرَةَ،
وَمَنْ عَرَفَ الْعِبْرَةَ فَكَأَنَّمَا كَانَ فِي الْأَوَّلِينَ.
وَالْعَدْلُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى غائِصِ الْفَهْمِ، وَغَوْرِ الْعِلْمِ
(5)، وَزُهْرَةِ الْحُكْمِ
(6)، وَرَسَاخَةِ الْحِلْمِ:
فَمَنْ فَهِمَ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ،
وَمَنْ عَلِمَ غَوْرَ الْعِلْمِ صَدَرَ عَنْ شَرَائِعِ الْحُكْمِ
(7)،
وَمَنْ حَلُمَ لَمْ يُفَرِّطْ فِي أَمْرِهِ وَعَاشَ فِي النَّاسِ حَمِيداً.
وَالْجِهَادُ مِنْهَا عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى
الْأَمْرِ بالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنكَرِ،
وَالصِّدْقِ فِي الْمَوَاطِنِ
الصدق في المَوَاطِن: مواطن القتال في سبيل الحق.">(8)، وَشَنَآنِ
(9) الْفَاسِقيِنَ:
فَمَنْ
أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ شَدَّ ظُهُورَ الْمُؤمِنِينَ،
وَمَنْ نَهَىِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَرْغَمَ أُنُوفَ الْكَافِرِينَ،
ومَنْ
صَدَقَ فِي الْمَوَاطِنِ قَضَى مَا عَلَيْهِ،
وَمَنْ شَنِىءَ
الْفَاسِقِينَ وَغَضِبَ لِلَّهِ
غَضِبَ اللهُ لَهُ وَأَرْضَاهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَالْكُفْرُ عَلَى أَرْبَعِ دَعَائِمَ: عَلَى التَّعَمُّقِ
(10)، وَالتَّنَازُعِ، وَالزَّيْغِ
(11)، وَالشِّقَاقِ
(12):
فَمَنْ تَعَمَّقَ لَمْ يُنِبْ
(13) إِلَى الْحَقِّ،
وَمَنْ كَثُرَ نِزَاعُهُ
بِالْجَهْلِ دَامَ
عَمَاهُ عَنِ الْحَقِّ،
وَمَنْ زَاغَ سَاءَتْ عِنْدَهُ الْحَسَنَةُ وَحَسُنَتْ عِنْدَهُ السَّيِّئَةُ وَسَكِرَ سُكْرَ
الضَّلاَلَةِ،
وَمَنْ شَاقَّ وَعُرَتْ
كَكَرُمَ ووَعَدَ ووَلِعَ ـ: خَشُنَ ولم يسهل السير فيه.">(14) عَلَيْهِ طُرُقُهُ وَأَعْضَلَ
(15) عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَضَاق عَلَيْه مَخْرَجُهُ.
وَالشَّكُّ عَلَى أَرْبَعِ شُعَبٍ: عَلَى الَّتمارِي
التجادُل لاظهار قوة الجدل لا لاحقاق لحق.">(16)، وَالهَوْلِ
مخافتك من الأمر لا تدري ما هجم عليك منه فتدهش.">(17)، وَالتَّرَدُّدِ
(18) والْإِسْتِسْلاَمِ
(19):
فَمَنْ جَعَلَ
الْمِرَاءَ المِرَاء ـ بكسر الميم ـ: الجدال.">(20) دَيْدَناً
(21) لَمْ يُصْبِحْ لَيْلُهُ
(22)،
وَمَنْ هَالَهُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ
نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ
نَكَصَ على عَقِبَيْه: رجع متقهقراً.">(23)،
وَمَن تَرَدَّدَ فِي الرَّيْبِ
الظنّ، أي الذي يتردد في ظنه ولا يعقد العزيمة في أمره.">(24) وَطِئَتْهُ سَنَابِكُ الشَّيَاطِينِ
ووطئته: داسته، أي تستنزله شياطين الهوى فتطرحه في الهَلَكة.">(25)،
وَمَنِ اسْتَسْلَمَ
لِهَلَكَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
هَلَكَ فِيهِمَا.
قال الرضي: وبعد هذا كلام تركنا ذكره
خوف الْإِطالة والخروج عن الغرض المقصود في هذا الباب.
Footnotes
1- الشّفَق ـ بالتحريك ـ:
الخوف.
2-
تأوّل الحكمة: الوصول إلى دقائقها.
3- العِبْرَة: الاعتبار والاتعاظ.
4- سُنّة الأوّلين: طريقتهم وسيرتهم.
5- غَوْر العلم: سرّه وباطنه.
6- زُهْرَة الحكم ـ بضم الزاي ـ أي: حُسْنه.
7- الشرائع ـ جمع شريعة ـ: أصلها مورد الشاربة، والمراد ـ هنا ـ الظاهر المستقيم من المذاهب، وصدر عنها أي: رجع عنها بعد ما اغترف ليفيض على الناس مما اغترف فيحسن حكمه.
8-
الصدق في المَوَاطِن: مواطن
القتال في سبيل الحق.
9- الشَنَآن ـ بالتحريك ـ: البغض.
10- التَعَمّق: الذهاب خلف الأوهام على زعم طلب الأسرار.
11- الزَيْغ: الحَيَدَان عن مذاهب الحق والميل مع الهوى الحيواني.
13- لم يُنِبْ أي: لم يرجع، أناب يُنِيب: رجع.
14- وَعُرَ الطريقُ ـ
كَكَرُمَ ووَعَدَ ووَلِعَ ـ: خَشُنَ ولم يسهل السير فيه.
15- أعْضَلَ: اشتدّ وأعجزت صعوبته.
16- التَمَارِي:
التجادُل لاظهار قوة
الجدل لا لاحقاق لحق.
17- الهَوْل ـ بفتح فسكون ـ:
مخافتك من الأمر لا تدري ما هجم عليك منه فتدهش.
18- الترَدّد: انتقاض العزيمة وانفساخها ثم عودها ثم انفساخها.
19- الاسْتِسْلام: إلقاء النفس في تيار الحادثات.
20-
المِرَاء ـ بكسر الميم ـ:
الجدال.
22- لم يصبح ليله أي: لم يخرج من ظلام الشك إلى نهار اليقين.
23-
نَكَصَ على عَقِبَيْه: رجع متقهقراً.
24- الرَيْب:
الظنّ، أي الذي يتردد في
ظنه ولا
يعقد العزيمة في أمره.
25- سَنَابِكُ الشياطين: جمع سُنْبُك بالضم، وهو طَرَف الحافر؛
ووطئته: داسته، أي تستنزله شياطين الهوى فتطرحه في
الهَلَكة.