مرجع الطائفة آية الله العظمى السيد محمد هادي الحسيني الميلاني
المسار الصفحة الرئيسة » الأشخاص » مرجع الطائفة آية الله العظمى السيد محمد هادي الحسيني الميلاني

 البحث  الرقم: 79  التاريخ: 29 جمادى الأولى 1430 هـ  المشاهدات: 11273
العنوان: مرجع الطائفة آية الله العظمى السيد محمد هادي الحسيني الميلاني
الإسم: السيد محمد هادي
اللقب: الحسيني الميلاني
الأولاد: آية الله السيد نور الدين الحسيني الميلاني، آية الله السيد محمد علي الحسيني الميلاني، آية الله السيد عباس الحسيني الميلاني،
تاريخ الولادة: 1895/06/30
تاريخ الوفاة: 1975/08/07

قائمة المحتويات

ترجمة حياة فقيه أهل البيت عليهم السلام مرجع الطائفة سماحة آية الله العظمى السيّد محمّد هادي الحسيني الميلاني رضوان الله تعإلى عليه

بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة حياة فقيه أهل البيت عليهم السلام مرجع الطائفة سماحة آية الله العظمى
السيّد محمّد هادي الحسيني الميلاني رضوان الله تعإلى عليه
الفصل الأول: الولادة، النسب، الأسرة
بقلم حفيده الخطيب الحسيني العلّامة السيّد علي الحسيني ا لميلاني
ولادته ونشأته:
ولد سيّدنا آية الله العظمى الميلاني في اليوم الثامن من محرّم الحرام عام 1313 هجريّة في النجف الأشرف في أسرة هي من خير الأسر، فقهاً وشرفاً ونزاهة، يضرب بها المثل في التقى والورع والجلالة...
فهو سليل سادة شرفاء ينتمون إلى سيّد الشهداء الإمام الحسين بن علي عليهما السلام، ونشأ في حجر أبوين عريقين في الفضيلة والكرامة في بيت يرأسه جدّه الذي ترجم في سيرته وسلوكه طريقةَ أئمّة الهدى وأولياء الله سبحانه وتعإلى، ودرس المراحل الدراسيّة وبحث الخارج على أكابر العلم والتقى، ثم تربّى في الأخلاق والمعارف لدى أئمّة عصره...
نسبه:
إنّه فرع من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء، إنّه من ذريّة رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومن ولد الحسين السبط الشهيد عليه الصلاة والسلام، وإليكم الشجرة التي ينتمي إليها:
إنّه السيّد (عميد الدين) محمّد هادي بن السيّد جعفر بن السيّد أحمد بن السيّد مرتضى بن السيّد علي الأكبر بن السيّد أسد الله بن السيّد أبوالقاسم إبن الشريف حسين المدني. (للمزيد راجع شجرة نسب آل الحسيني الميلاني)
والسيّد حسين من شرفاء المدينة المنورة الذين ينتهى نسبهم إلى سيّدنا علي الأصغر (المدفون في "ينبع") إبن الإمام السجاد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، نزح من المدينة المنورّة إلى ايران في قضيّة نذكرها.
سبب الهجرة من المدينة المنورة:
إنّ أسباب هجرة آل الرسول صلى الله عليه وآله من مدينة جدّهم إلى مختلف البلاد كثيرة لا تخفى على من له إلمام بحوادث القرون الأولى من تاريخ الإسلام.
لكن نزوح «الشريف حسين» من مدينة الرسول صلى الله عليه وآله إلى ايران لم يكن على أثر الإضطهاد الذي طالما لاقاه أهل البيت، وحملهم على مغادرة وطنهم، ولا طلباً للمال واكتساب المعيشة... بل كان نزوحه نزولاً عند رغبة قوم من أهل الولاء لآل الرسول عليهم السلام، شعروا بخلوّ منطقتهم من ذريّة العترة الطاهرة فلم يصبروا على ذلك، وذاك مصداق قول الإمام السجاد عليه السلام في ما روي عنه: «إنّ الله أخذ ميثاق من يحبّنا وهم في أصلاب آبائهم، فلا يقدرون على ترك ولايتنا، لأنّ الله عزّ وجلّ جَبَلهم على ذلك».
حتّى اذا حضر موسم الحج وتوجّهت القوافل لأداء الفريضة إلى الديار المقدسة طلبوا من الحجّاج أن يوجّهوا الدعوة إلى نقيب شرفاء المدينة بزيارة بلاد آذربايجان ايران حتّى تتسنّى فرصة البلوغ إلى أمنيّتهم.
قصد الحجاج الديار المقدسة وبعد ما فرغوا من المناسك والزيارة توجهوا إلى بيت نقيب الشرفاء ودعوه لزيارة بلادهم، فقبل السيّد الدعوة، ولكن اعتذر من السفر بنفسه لشيخوخته، فطلبوا منه أن يبعث بالنّيابة عنه بعض الشرفاء الحسينيّين فأجابهم إلى ذلك وأرسل معهم السيّدين الشريفين «السيّد حسين والسيّد على الأكبر» فخرج السيّدان الأخوان بكلّ إعزاز واحترام مع الحجّاج إلى ايران.
وكانت عودة الحجّاج يوماً مشهوداً في منطقة «أُسكوچاي» القريبة من تبريز فقد استقبلتهم عامّة الناس، وتجمّع أهالي القرى من كلّ مكان لزيارة الشريفين، وألحّ أهإلى قرية إسمها «شنبه غازان» على السيّد علي الأكبر بالتوجّه اليهم فلم يسعه إلاّ القبول.
أعقاب الشريف حسين في ميلان:
واحتضنت «ميلان» ـ وهي الأخرى من قرى المنطقة، تبعد عن تبريز مسافة أربعة فراسخ ـ السيّد حسين بكلّ حفاوة وتكريم، ونالت بذلك الفخر والشرف على سائر أرجاء المنطقة، واستعدّت لاستقبال من يؤمّ إليها لتقديم التهنئة على هذا التوفيق، والسلام على نجل الرسول الكريم.
وتزوّج السيّد حسين بكريمة أحد شخصيات ميلان، وأصبح صاحبَ الكلمة النافذة، مبجّلاً مكرّماً في المنطقة، حتّى توفّي عن عمر طبيعي ودفن هناك، ولا يزال قبره مزاراً للمؤمنين.
الشريف أبوالقاسم:
وأنجبَ السيّد حسين عدّة أولاد، أكبرهم: السيّد أبوالقاسم الذي خلَفَ والده في القيام برعاية شؤون المؤمنين وإدارة أمورهم الدينيّة والإجتماعيّة بكلّ حكمةٍ وحَنَكة. وأنجب السيّد أبوالقاسم ولَده السيّد أسد الله وكان على غرار أبيه في الفضل والتقى والشرف.
وقد خلف السيّد أسدالله ولداً وهو السيّد على الأكبر وقد أرسله والده إلى الحوزة العلميّة في تبريز، لتحصيل العلوم الدينيّة، فدرس حتّى بلغ مرتبة ساميةً من العلم والفضل وعاد إلى ميلان بعد وفاة والده، فكان هادياً ومرشداً للنّاس في عقائدهم وأصول الدين وفي الأحكام، وكان يوم وفاته مشهداً حزيناً في تلك المنطقة، ودفن في جوار مرقد والده رضوان الله عليهما.
الشريف المرتضى:
وأعقبَ السيّد علي الأكبر أولاداً، منهم السيّد المرتضى الذي تلمّذ على يد والده في ميلان، وبعد ما فرغ من المقدّمات والمراحل الأخرى وبلغ مرتبة من العلم، أرسله والده إلى تبريز، وقد كان طيلة بقائه في الحوزة مثالاً للطّالب المجدّ والباحث المتعطّش إلى الحقّ، فكان عالماً عاملاً جامعاً بين العلم والتقى، ولما توفّي والدُه عاد إلى مسقط رأسه «ميلان» بطلب من أهاليها، ليقوم بوظائف الدعوة إلى سبيل الله وتوجيه المؤمنين وتعليم الأحكام الشرعيّة كآبائه الكرام، وقد ترك السيّد المرتضى في المنطقة آثاراً، منها: المسجد الجامع في ميلان الذي ما زال الناس يسمّونه بـ «مسجد السيّد المرتضى».
صلاة الإستسقاء:
وفي سنة من السنين، لم تمطر السماء وغارت الأنهار وأجدبت الأرض واشتدّ الأمر على الناس فهرعوا إلى السيّد المرتضى طالبين منه أن يخرج بهم إلى صلاة الإستسقاء، فأمر السيّد أن يصوموا ثلاثة أيام ويكون خروجهم في اليوم الثالث إلى الصحراء حفاة ًعلى سكينة ووقار، وأن يُخرجوا معهم الشيوخ والأطفال والعجائز وأهل الصلاح والورع، وأن يفرّقوا بين الأطفال وأمهاتهم.
ثم خرج السيّد إلى الصحراء وصلّى بهم صلاة الإستسقاء وخطب ودعا بدعاء جدّه علي بن الحسين عليهما السلام الوارد في الصحيفة السّجّادية:
«بسم الله الرحمن الرحيم
أللهمّ اسقنا الغيثَ وانشر علينا رحمتك بغيثك الـمُغدقِ من السحاب المنساق لنبات أرضك المونق في جميع الآفاق، وامنُن على عبادك بإيناع الثمرة وأحيِ بلادك ببلوغ الزهرة، واشهد ملائكتك الكرام السفَرة بسقي منك نافع، دائم غُزرُه، واسع دَرُّه، وابلٌ سريعٌ عاجل، تُحيي به ما قد مات، وتردُّ به ما قد فات، وتخرج به ما هو آتٍ، وتوسع به في الأقوات، سحاباً متراكماً هنيئاً مريئاً طبقاً مجلجلاً غير ملثٍّ ودقُه ولاخُلّبٍ بَرقُه.
اللهمّ اسقنا غيثاً مغيثاً مريعاً مُمرعاً عريضاً واسعاً غزيراً تردّ به النهيض وتجبر به المهيض.
اللهمّ اسقنا سقياً تسيل منه الظِراب وتملأ منه الجِباب وتفجّر به الأنهار وتنبت به الأشجار وترخص به الأسعار في جميع الأمصار، وتنعش به البهائم والخلق، وتكمل لنا به طيّبات الرزق، وتنبت لنا به الزرع، وتُدرّ به الضرع، وتزيدنا به قُوّة إلى قُوّتنا.
اللهمّ لا تجعل ظِلّه علينا سموماً ولا تجعل ماءه علينا أُجاجاً.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وارزقنا من بركات السماوات والأرض، إنّك على كلّ شيء قدير».
وكان ذلك اليوم صاحياً ليس في السماء شيء من السحب، فما عادوا إلّا وقد انتشر الغمام في السماء وأمطر الناس مطراً أحيى الزرع والضرع، وجرى الماء في الأنهار والقنوات.
وسافر سماحته إلى الحجّ ولزيارة المدينة المنورة والإجتماع بأبناء عمّه وعشيرته. وكان في صحبته ثلَّةٌ من المؤمنين، وبعدما فرغ من مناسكه قصد المدينة المنورّة ونزل بين أحضان أبناء عمّه حيث سرّوا بمقدمهم وقاموا بمراسم الترحيب بهم.
رجع السيّد المرتضى إلى ايران وكان في طيلة سفره يوجّه المؤمنين ويرشدهم وكانوا يأتمّون به في جميع أوقات الصلاة، وكان السيّد المرتضى على درجة كبيرة في التقوى، ونقلت عنه كرامات كثيرة.
وبعد سفره الميمون أصبحت الرياسة والمرجعيّة له حتّى توفّي، فلَبست آذربايجان كلُّها الحداد عليه مدّة أربعين يوماً، ونقل جثمانه الطاهر إلى النجف الأشرف ودفن في وادي السلام، وخلف أنجالاً كراماً منهم:
السيّد أحمد:
وهو جدّ السيّد الميلاني، ولقد كانت كافّة الوسائل والأسباب مهيّئةً للسيّد أحمد لبلوغ المراحل العالية من الدراسة والتخصّص في العلوم الدينيّة إذ تلمّذ على يد والده وفحول من أقطاب العلم في تبريز، ولمّا استوفى حظّه من الثقافة الإسلاميّة العالية، استأذن والده في السفر إلى باب مدينة علم النبيّ صلّى الله عليه وآله، وبعد وصوله إلى النجف الأشرف، حضر دروس فقيه عصره الشيخ محمّد حسن النجفي صاحب الجواهر المتوفّى سنة 1266 هجريّة.
وكان مجلس بحوث الشيخ، ملتقى النوابغ والمجتهدين من الطلّاب، فتخَّرج على يديه جماعة كبيرة من أعلام الفقه، انتشر أكثرهم في البلاد حتّى قيل أنه لم تبق بلدة شيعيّة ليس فيها مرجع للناس من تلاميذ الشّيخ صاحب الجواهر.
وبلغ السيّد أحمد مرتبة الإجتهاد ونال إجازة من الأستاذ، ولم يزل يَعُبُّ من ذلك المنهل الصافي، حتّى دعاه والده رحمه الله إلى العودة إلى البلاد، للحاجة الملحّة إلى وجوده لكونه مجتهداً جامعاً بين الفقاهة والتقوى، ليقوم بوظائفه في تبريز وحواليها، من التدريس وإصلاح المجتمع وإرشاد الناس، ولم يسع الولد إلّا الطاعة وامتثال الأمر، فعاد إلى تبريز والتزم شؤون الفتيا والقضاء ورجع المؤمنون اليه في التقليد، فكتب لهم رسالة عمليّة في الصلاة والصوم، وعندنا منها نسخة بخطّ أخيه السيّد إسماعيل بن السيّد مرتضى بتاريخ يوم السبت رابع جمادى الأولى سنة 1271 هجريّة.
وفوجئ السيّد بعد فترة من بقائه في تبريز بانتشار أصداء فرقة ضالّة فشمّرَ عن ساعده لاقتلاع جذور الفتنة وإطفاء نار البدعة، عملاً بالحديث الشريف «إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه وإلّا فعليه لعنة الله» وصمَّم جلاوزةُ هذه الفرقة الضالّة على القضاء عليه باغتياله، ولكن العناية الإلهيّةَ منعت من تحقيق تلك الخِطّة المشؤومة.
وتوفّي السيّد أحمد وأعقبَ خمسة أولاد، وهم: السيّد باقر والسيّد مهدي والسيّد علي والسيّد مرتضى (المعروف بالسيّد حاج آقا) والسيّد جعفر وقد كان كلّ واحد منهم مفخرة من المفاخر.
أمّا السيّد باقر والسيّد مهدي فقد انصرفا إلى الكسب والتجارة، وصارا من وجهاء تجّار تبريز ورجالها، يلوذ بهما الضعفاء والفقراء، ويراجعهما أهل الخير في مشاريعهم الخيريّة.
واعتزل السيّد علي أمور الزعامة ففوّضها إلى أخيه الحجّة السيّد مرتضى (السيّد حاج آقا) وتفرّغ للعبادة حتّى نال مرتبة سامية من التقوى والمَلَكات العالية، وقد كان متفانياً في الولاء لأهل البيت عليهم السلام، وله شعر كثير في حقّ أهل الببيت عليهم السلام مدحاً ورثاءً، ولكن ما يبعث على الأسف هو ضياع مجموعة شعره، غير أنه بقي بعضه في أذهان أهل الفضل والأدب. ينقل الشيخ إسماعيل التبريزي الملقّب بـ« التائب» أن السيّد علي قال مخاطباً أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام:
از شوق رُخَت رَخت زدنيا برديم
وز حسرت ديدار تو جان بسپرديم
ديدار تو را وعده به مردن دادند
مرديم در آرزوى مردن مرديم
أشار إلى ما قاله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام للحارث الهمداني، ونظم ذلك السيّد الحميري بقوله:
«يا حار همدان من يمت يرني».
وأما السيّد حاج آقا فقد جمع بين العلم والفضل من جانب والتصدي لأمور الناس وحلّ مشاكلهم من جانب آخر، وله مشاريع دينيّة، وأخلص له بعض التجّار وآزروه في مشاريعه الخيريّة حتّى توفّاه الله سنة 1352 هجريّة.
السيّد جعفر:
وأمّا السيّد جعفر والد المترجَم له، فقد عزم على الهجرة إلى النجف الأشرف بعد بلوغه المراتب السامية من العلم في تبريز لنيل درجة الإجتهاد، و وصل إلى الحوزة العلمية في النجف الأشرف للحضور على أساطين الفقه والأصول بها، ومن أشهرهم:
الشيخ محمّد حسن المامقاني، المتوفّى سنة 1320 هجريّة
والسيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي، المتوفّى سنة 1337 هجريّة
والشيخ محمّد كاظم الخراسانى، المتوفّى سنة 1329 هجريّة
والشيخ آقا رضا الهمداني، المتوفّى سنة 1322 هجريّة
والشيخ عبدالله المازندراني، المتوفّى سنة 1330 هجريّة
والشيخ ميرزا حبيب الله الرشتي، المتوفّى سنة 1312 هجريّة
والشيخ ميرزا حسين الميرزا خليل الطهراني، المتوفّى سنة 1326 هجريّة
والشيخ محمّد الشربياني، المتوفّى سنة 1322 هجريّة
فحضر السيّد جعفر في الفقه والأصول على آية الله العظمى الشيخ محمّد حسن المامقاني واختصّ به، وقد شمله الأستاذ بكلّ معاني الرعاية والتربية والإعداد، وشجّعه في سبيل التفّوق العلمي، وتوثّقت الصلة أكثر عندما خطب السيّد جعفر ابنة أستاذه فوافق على ذلك وتزوّج من كريمته التي انجبت له سيّدنا المترجَم له وسائر إخوانه.
وقد أهدى الشيخ المامقاني لصهره من مؤلّفاته دورة من «ذرائع الأحلام» وأخرى «بشرى الوصول» وهما دورتان خطّيتان في الفقه والأصول، لشدّة علاقته به، ولِما وجد فيه من كفاءة علميّة، وقد أقرّ بذلك نجله الشيخ عبد الله ووشّح بعض الأجزاء بخطّه، والدّورتان سُلّمتا إلى خالنا المعظم آية الله الشيخ محيي الدين المامقاني (قدّس سرّه).
وقبل أن تستفيد الأمّة من ثمرات وجود آية الله السيّد جعفر ـ الذي بلغ مرتبة الإجتهاد ـ أُصيب بالحصاة في المثانة فنقل إلى بغداد وأُجريت له عمليّة جراحيّة، توفّي على أثرها، ودُفن في الرواق الشمالي من روضة الإمامين موسى بن جعفر ومحمّد بن علي الجواد عليهم السلام، وكان ذلك في 11 رجب 1329 هجريّة.
لكنّه ـ مع ذلك ـ كان مشتهراً بالفضل والورع والتّقى، ومن هنا فقد وصفه العلّامة الشيخ المامقاني بـ «السيّد الفاضل التقيّ النّقي العدل الثقة الأمين على الدنيا والدين، السيّد ميرزا جعفر ابن السيّد الجليل العابد العالم السيّد أحمد الميلاني».
وأرّخ سيّدنا الميلاني وفاة والده الطاهر بقوله:
«وَمُذ إلى جوار ربّه سكن أتاه في التاريخ (تاريخٌ حسن) »
ومن آثاره كتاب أخلاقي ألفه في الوصية لولده سيّدنا المترجَم له على غرار كتاب (مرآة الرشاد) للعلّامة المامقاني، إلّا إنّا لم نوفّق للعثور على نسخته الكاملة.
والدته:
فذاك والده... وأمّا والدته، فقد عرفت في الأوساط العلميّة والأسر النّجفية بالتّقى والأدب والوقار، واشتهرت بالجلالة والحشمة والسؤدد، واتّصفت بالملكات النفسانية الكريمة التي قلّما تجمّعت في ربّات الخدور، وناهيك بها كريمة أولدها وربّاها وأدبّها فقيهٌ ورعٌ تقيّ، لم يلحقه مَن جاء بعده في صفاته وحالاته، ولذا قال أخوها الشيخ عبدالله: «هي من خير نساء عصرنا وأنجبهنّ وأعقلهنّ».
جدّه لأمّه:
وأمّا الشيخ المامقاني، جدّه العظيم، فقد ذكره المترجمون له بكلِّ إكبار وتعظيم وتجليل... مؤكّدين على مقامه في العلم والقدس والورع، نذكر في ما يلي بعض الكلمات في حقّه:
1- قال السيّد محسن الأمين: «هو أحد مشاهير علماء النجف في عصره، وأحد المدرّسين المقلَّدين عند الترك والعجم، وكان أصوليّاً فقيهاً زاهداً ورِعاً، حلو النادرة ظريف العشرة، على خلاف ما يظهر من بعض حالاته من الحدّة والغضب حتّى أنّه كان ينسب إلى حدّة الطبع، والحقيقة أنّه كان على جانب عظيم من سجاحة الطبع وكرم الأخلاق، وإنّما كان يستعمل ذلك في مقام الردع والزجر حيث تقتضيه المصلحة... وكان في أول أمره فقيراً، فلمّا درّت عليه الأموال الغزيرة كان يصرفها على الطلّاب والمحتاجين ويرضى بمعاش الزاهدين ويلبس ما تقلّ قيمته من الثياب على عادة الكثيرين من رؤساء العلماء في العراق.
اجتمعت به في النجف في عدّة مجالس، فكان لطيف العشرة جدّاً وكان ليّن العريكة سهل الجانب، زاهداً في حطام الدنيا وزخارفها، جامعاً بين رتبتي العلم والعمل، مشفقاً على الفقراء والضعفاء، خشناً في ذات الله، حتّى أنّه كان ينسب إلى حدّة الطبع وليس كذلك كما مرّ... » (أعيان الشيعة 22/161)
2- وقال الشيخ محمّد حرزالدين: «عالم ثقة جليل القدر ورفيع المنزلة، صار مرجعاً للتّقليد في بعض نواحي ايران، وكان مدرّساً قديراً له الباع الطويل في تدريس علم الأصول، وكانت أصوله خيراً من فقهه، يدرّس في مسجد صاحب الجواهر، يرقى المنبر للتّدريس وكنّا نحضر درس الفقه صباحاً وبحث الأصول عصراً، تحضره العلماء وجماهير أهل الفضل والعلم... » (معارف الرجال 1/243)
3- وقال الشيخ المدرّس التبريزي، وهو يصف قدس الشيخ المامقاني وورعه وتقواه: «إنّه كان مصداقاً للحديث الشريف: حافظاً لدينه، صائناً لنفسه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه» (ريحانة الأدب 5/159)
هذا، وتوجد كلمات الثناء وجمل المدح والإطراء على الشيخ المامقاني الكبير على غِرار ما تقدّم في غير ما ذكر من كتب التراجم والرجال كـ (أعلام الشيعة) و(الكنى والألقاب) و(ماضى النجف وحاضرها) و(مع علماء النجف الأشرف) و... (تنقيح المقال) لنجله آية الله العظمى الشيخ عبدالله، الذي أفرد أيضاً كتاباً بترجمته أسماه: «مخزن المعاني في ترجمة العلّامة المامقاني» لم نتعرّض لها اختصاراً...
وتوفّي رحمه الله في النجف الأشرف سنة 1320 وعمره 85 سنة.
خاله:
ومن أعلام الأسرة: آية الله العظمى الشيخ عبد الله المامقاني (م 1351) وهو خال السيّد الميلاني وأبو زوجته الأولى، الذي خلف والده في زعامة الأسرة والعناية الخاصة بسيّدنا الفقيد قدّس سرّه.
وكان فقيهاً ورعاً جامعاً بين العلوم العقليّة والنقليّة:
1- قال الشيخ آغا بزرگ في ترجمته له: «كان أحد العلماء الأجلّاء والفقهاء الأفاضل، ورجال الصلاح والتقوى، جمع إلى غزارة الفضل والمعرفة ورعاً موصوفاً وزهداً معروفاً، وإلى سموّ المكانة تواضعاً جمّاً وحسن أخلاق، فقد كان مترسّلاً في سيرته وسائر مرافق حياته كما كان حسن المعاشرة سليم الذات، حاز شهرة واسعة ومقاماً رفيعاً، وتصدّى للتّدريس فكان يحضر بحثه طلّاب العلم ولا سيّما فضلاء الأتراك، ورجع اليه في التقليد بعض أهالي آذربايجان والعراق وغيرها... » (نقباء البشر ج1/ق3/ص1196/الرقم1723)
2- وقال الشيخ المدرّس: «من أكابر فحول علماء الإماميّة في العصر الحاضر، كان عالماً فقيهاً كاملاً أصوليّاً رجاليّاً محدّثاً أديباً حاويا للفروع والأصول، صاحب الكمالات النفسانيّة والأخلاق الفاضلة، يرجع اليه في التقليد جمع وافر من الشيعة... » (ريحانة الأدب 5/156)
هذا، وللسيّد الميلاني خال آخر وهو آية الله الشيخ أبوالقاسم المامقاني، وقد كان أستاذ السيّد الميلاني في بعض دروس السطوح كما سيأتي.
الأخوة والأخوات:
أنجب المرحوم السيّد جعفر ثلاثة أولاد، وهم:
1- سيّدنا آية الله العظمى السيّد محمّد هادي الحسيني الميلاني
2- السيّد موسى، كان من تجّار النجف الأشرف، عرف بين الناس بالصلاح والتقوى.
3- السيّد كاظم، وكان أيضاً من كسبة النجف الأشرف، سيّد مبجّل في المجتمع، وهو صهر آية الله العظمى الشيخ محمّد حسين الإصفهاني.
كما أعقب رحمه الله ثلاث بنات:
إحداهنّ: تزوّج بها آية الله العظمى الحاج ميرزا علي الإيرواني، وهو من أساتيد السيّد قدّس سرّه في السطوح كما سيأتي، وتوفّيت في المخاض لا عقب لها.
والثانية: زوجة الورع التقيّ آية الله الميرزا محمّد علي الأردوبادي، وسنذكره في ما سيأتي.
وللميرزا الأردوبادي صهران، أحدهما: آية الله العظمى السيّد محمّد جواد الطباطبائي التبريزي، كان من الفقهاء الأعلام في النجف الأشرف، توفي سنة 1387 هجريّة.
والآخر، العلّامة الجليل السيّد ميرزا محمّد نجل حجة الإسلام والمسلمين السيّد جعفر نجل آية الله السيّد محمّد نجل آية الله العظمى الميرزا المجدّد الشيرازي.
والثالثة: تزوّج بها ابن عمّتها السيّد مصطفى ابن السيّد باقر الميلاني.
زوجتاه:
وتزوج سيّدنا المترجَم له قدّس سرّه من ابنة خاله آية الله العظمى الشيخ عبد الله المامقاني، وقد كانت لها علاقة كبيرة بوطنها النجف الأشرف، وبالحضرة العلوية، فبقيت في العتبات المقدسة، وتوفّيت سنة 1389 هجريّة ودفنت في مقبرة والدها في النجف الأشرف.
ثم تزوّج بكريمة آية الله السيّد حسن نجل آية الله السيّد مير محمّد علي الموسوي الجزائري التستري، من أحفاد المحدّث الشهير السيّد نعمة الله الجزائري، وقد كان ـ كوالده ـ من رجال الفضل وأعلام الفقه ومن علماء الدين المرموقين في طهران، وله إخوة علماء أجلّاء وقد ترجم الشيخ آغا بزرگ الطهراني للسيّد محمّد علي المذكور وأنجاله في طبقات أعلام الشيعة. (نقباء البشر ق 1/419 وق4/1472)
وتوفّيت زوجته هذه بمشهد الإمام الرضا عليه السلام في رجب سنة 1394 هجريّة.
أنجاله:
وترك رحمه الله أنجالاً ثلاثة، اثنين من زوجته الأولى، وهما:
1- آية الله المرحوم السيّد نورالدين المولود سنة 1335 هجريّة، وهو من أعلام كربلاء المقدّسة وبقي فيها بعد هجرة والده إلى مشهد، وكان يؤمّ المؤمنين في الروضة الحسينية المطهّرة، ويدرّس في الحوزة العلمية، وله آثار فيها، منها: تأسيس «مكتبة سيّد الشهداء عليه السلام العامّة» حتّى استولى عليها جلاوزة النظام البعثي ولم يُعرف مصيرها، وله مؤلّفات لا زالت مخطوطة، توفّي في 16 صفر 1425هجريّة. له أبناء: السيّد حسن والسيّد علي الأكبر والسيّد علي ـ وهو أحد أساتذة الحوزة العلمية في قم، له مؤلفات كثيرة قيّمة في الفقه والأصول والعقائد ـ والسيّد محمّد منير من علماء لبنان والسيّد محمّد أمين.
2- آية الله المرحوم السيّد عبّاس الحسيني الميلاني، من علماء النجف الأشرف وأساتذتها، وأئمّة الجماعة فيها، عانى في الآونة الأخيرة من حياته معاناة شديدة من النظام الغاشم في العراق حتّى توفّي إلى رحمة الله ورضوانه يوم 29 جمادى الثانية 1403هجريّة.
وأبناؤه: المفكّر الإسلامي الكبير آية الله الدكتور السيّد فاضل، له آثار قيّمة وطبعت بعض مؤلفاته مرّات، وهو الآن أستاذ الدراسات العليا على الصعيدين الحوزوي والجامعي، والسيّد محمّد أحد علماء مشهد الإمام الرضا عليه السلام، والسيّد علي (كاتب هذه السطور)، والعلّامة الجليل السيّد مكّي والتاجر الثقة السيّد أحمد وحجّة الإسلام والمسلمين السيّد محمود وهو من فضلاء النجف الأشرف وصهر سماحة آية الله العظمى السيّد أبوالقاسم الخوئي، الذي استشهد مع الأعلام والفقهاء الذين اعتقلهم النظام البعثي في العراق بعد دخول الجيش والقوّات إلى النجف الأشرف ولم يسلّموا جنائزهم إلى ذويهم ولم يعرف أين دفنوا ضمن المقابر الجماعيّة سنة 1411 هجريّة، وحجّة الإسلام السيّد محسن وحجّة الإسلام السيّد حسين، وكانا من فضلاء النجف الأشرف استشهدا على أيدي جلاوزة النظام البعثي في سنة 1407هجريّة وهما يناهزان العشرين من عمرهما وقد صمدا أمام تحدّيات النظام المقبور حتّى الشهادة.
3- وولداً من زوجته الثانية، وهو: آية الله السيّد محمّد علي المولود في النجف الأشرف سنة 1348هجريّة وكان الساعد الأيمن لوالده المرحوم، وله ابنان: السيّد مهدي والسيّد محمود وكلاهما من خيرة الشباب وهما خرّيجا كلّية الهندسة.
وللسيّد الميلاني بنت واحدة من زوجته الأولى.
-----------------------------------------------------------
(*) كان هذا في ما يخصّ ولادته، نسبه وأسرته، وسنضيف قريباً إن شاء الله الفصول الأخرى من ترجمته والتي تتكوّن من:
- الفصل الثاني: الدراسة، التبحّر في العلوم والآثار العلميّة
- الفصل الثالث: الملكات النفسانيّة والكرامات الباهرة
- الفصل الرابع: التدريس في الحوزات العلميّة
- الفصل الخامس: أسفاره
- الفصل السادس: المرجعيّة الدينيّة وزعامة الحوزات العلميّة في خراسان
- الفصل السابع: خطابات وتوجيهات
-الفصل الثامن: لقاءاته مع الشخصيّات الوافده
-الفصل التاسع: في إجازات رواية الحديث، المذكّرات، والنوادر والكلمات الحكميّة
تفصيل سيرة حياته قدّس سرّه، تجده في كتاب «علم و جهاد» مطبوع في مجّلدين، وسيتمّ إنزاله بالكامل على الموقع قريباً إن شاء الله.
السيّد علي ابن السيّد عبّاس الحسيني الميلاني
10 جمادى الأولى 1429هجريّة

الروابط
الأشخاص: آية الله السيد نور الدين الحسيني الميلاني *، آية الله السيد محمد علي الحسيني الميلاني *، آية الله السيد عباس الحسيني الميلاني *
الصور:
مفاتيح البحث: أسرة الحسيني الميلاني

الفهرسة