قائمة المحتويات
محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله أهو لقوم لا يحل إلا لهم ولا يقوم به إلا من كان منهم أم هو مباح لكل من وحد الله عزّ وجلّ وآمن برسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ومن كان كذا فله ان يدعو إلى الله عزّ وجلّ وإلى طاعته وأن يجاهد في سبيل الله؟ فقال: ذلك لقوم لا يحل إلا لهم، ولا يقوم به إلاّ من كان منهم فقلت: من أولئك؟ فقال: من قام بشرائط الله عزّ وجلّ في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عزّ وجلّ، ومن لم يكن قائما بشرائط الله عزّ وجلّ في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد والدعاء إلى الله حتى يحكم في نفسه بما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد، قلت: بين لي يرحمك الله، فقال: ان الله عزّ وجلّ أخبر في كتابه الدعاء اليه، ووصف الدعاة اليه فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضا ويستدل ببعضها على بعض، فأخبر انه تبارك وتعالى أول من دعا إلى نفسه ودعا إلى طاعته واتباع أمره، فبدأ بنفسه فقال: (والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) (1) ثم ثنى برسوله فقال: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) (2) ـ يعني: القرآن ـ ولم يكن داعيا إلى الله عزّ وجلّ من خالف أمر الله ويدعو اليه بغير ما أمر في كتابه (3) الذي أمر أن لا يدعى الا به، وقال في نبيه (صلى الله عليه وآله): (وانك لتهدي إلى صراط مستقيم) (4) يقول: تدعو، ثمّ ثلّث بالدعاء اليه بكتابه أيضا فقال تبارك وتعالى: (ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) ـ أي يدعو ـ (ويبشر المؤمنين) (5) ثم ذكر من أذن له في الدعاء اليه بعده وبعد رسوله في كتابه فقال: (ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) (6) ثم أخبر عن هذه الامة وممن هي وأنها من ذرية إبراهيم وذرية إسماعيل من سكان الحرم ممن لم يعبدوا غير الله قط الذين وجبت لهم الدعوة دعوة إبراهيم وإسماعيل من أهل المسجد الذين أخبر عنهم في كتابه أنه أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، الذين وصفناهم قبل هذه في صفة أمة إبراهيم (7) الذين عناهم الله تبارك وتعالى في قوله: (ادعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) (8) يعني: أول من اتبعه (9) على الايمان به والتصديق له بما جاء به من عند الله عزّ وجلّ من الامة التي بعث فيها ومنها واليها قبل الخلق ممن لم يشرك بالله قط، ولم يلبس ايمانه بظلم، وهو الشرك، ثم ذكر اتباع نبيه (صلى الله عليه وآله) واتباع هذه الامة التي وصفها في كتابه بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلها داعية اليه، وأذن له في الدعاء اليه، فقال: (يا ايها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) (10) ثم وصف اتباع نبيه (صلى الله عليه وآله) من المؤمنين فقال عزّ وجلّ: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا) (11) الآية، وقال: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم) (12) ـ يعني: أولئك المؤمنين ـ وقال (قد أفلح المؤمنون) (13) ثم حلاهم ووصفهم كيلا يطمع في اللحاق بهم الا من كان منهم، فقال فيما حلاهم به ووصفهم: (الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون ـ إلى قوله: ـ أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) (14) وقال في صفتهم وحليتهم أيضا (الذين لا يدعون مع الله الها آخر) (15) وذكر الآيتين ثم أخبر أنه اشترى من هؤلاء المؤمنين ومن كان على مثل صفتهم (أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن) (16)، ثم ذكر وفاءهم له بعهده ومبايعته فقال: (ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) (17) فلما نزلت هذه الاية: (ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) (18) قام رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: أرأيتك يا نبي الله الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلا أنه يقترف من هذه المحارم أشهيد هو؟ فأنزل الله عزّ وجلّ على رسوله (التائبون العابدون) (19) وذكر الآية فبشر الله المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنة وقال: التائبون من الذنوب العابدون الذين لا يعبدون إلا الله ولا يشركون به شيئاً الحامدون الذين يحمدون الله على كل حال في الشدة والرخاء السائحون وهم الصائمون الراكعون الساجدون وهم الذين يواظبون على الصلوات الخمس والحافظون لها والمحافظون عليها في ركوعها وسجودها وفي الخشوع فيها وفي أوقاتها الآمرون بالمعروف بعد ذلك، والعاملون به والناهون عن المنكر والمنتهون عنه، قال: فبشر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنة ثم أخبر تبارك وتعالى أنه لم يأمر بالقتال إلا أصحاب هذه الشروط فقال عزّ وجلّ: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير * الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) الحج 22: 39، 40.">(20) وذلك أن جميع ما بين السماء والارض لله عزّ وجلّ
ولرسوله (صلى الله عليه وآله) ولاتباعهما من المؤمنين من أهل هذه الصفة، فما كان من الدنيا في أيدي المشركين والكفار والظلمة والفجار من أهل الخلاف
لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والمولي عن طاعتهما مما كان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصفات وغلبوهم على ما أفاء الله على رسوله فهو حقهم أفاء الله عليهم ورده اليهم، وإنما كان معنى الفيء كل ما صار إلى المشركين ثم رجع مما كان
غلب عليه أو فيه فما رجع إلى مكانه من قول أو فعل فقد فاء مثل قول الله عزّ وجلّ: (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإنّ فاءوا فإنّ الله غفور رحيم ـ أي رجعوا، ثم قال: ـ وإن عزموا الطلاق فإنّ الله سميع عليم)
(21) وقال: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ـ أي ترجع ـ فإن فاءت ـ أي رجعت ـ فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين)
(22) يعني بقوله تفيء: ترجع فذلك
(23) الدليل على أن الفئ كل راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه، ويقال للشمس إذا زالت قد فائت الشمس حين يفيء الفيء عند رجوع الشمس إلى زوالها، وكذلك ما أفاء الله على المؤمنين من الكفار فإنما هي حقوق المؤمنين رجعت اليهم بعد ظلم الكفار إياهم، فذلك قوله: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا)
الحج 22: 39 وكذا في الموردين الاتيين.">(24) ما كان المؤمنون أحق به منهم، وإنما أذن للمؤمنين الذين قاموا بشرائط الايمان التي وصفناها، وذلك أنه لا يكون مأذونا له في
القتال حتى يكون
مظلوما، ولا يكون
مظلوما حتى يكون مؤمنا، ولا يكون مؤمنا حتى يكون قائما بشرائط الايمان التي اشترط الله عزّ وجلّ على المؤمنين والمجاهدين فاذا تكاملت فيه شرائط الله عزّ وجلّ كان مؤمنا، وإذا كان مؤمنا كان
مظلوما، وإذا كان
مظلوما كان مأذونا له في الجهاد لقول الله عز وجل: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير) وإن لم يكن مستكملا لشرائط الايمان فهو
ظالم ممن يبغي
(25) ويجب جهاده حتى يتوب وليس مثله مأذونا له في الجهاد والدعاء إلى الله عزّ وجلّ لانه ليس من المؤمنين
المظلومين الذين أذن لهم في
القرآن في
القتال، فلما نزلت هذه الاية (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) في المهاجرين الذين أخرجهم أهل
مكة من ديارهم وأموالهم أحل لهم جهادهم بظلمهم اياهم، وأذن لهم في
القتال، فقلت: فهذه نزلت في المهاجرين بظلم مشركي أهل
مكة لهم، فما بالهم في
قتالهم كسرى وقيصر ومن دونهم من مشركي قبائل العرب؟ فقال: لو كان إنما اذن في
قتال من ظلمهم من اهل
مكة فقط لم يكن لهم إلى
قتال جموع كسرى وقيصر وغير اهل
مكة من قبائل العرب سبيل، لان الذين ظلموهم غيرهم، وانما اذن لهم في
قتال من ظلمهم من اهل
مكة لاخراجهم اياهم من ديارهم واموالهم بغير حق، ولو كانت الاية انما عنت المهاجرين الذين ظلمهم اهل
مكة كانت الاية مرتفعة الفرض عمن بعدهم اذا لم يبق من
الظالمين والمظلومين احد وكان فرضها مرفوعا عن الناس بعدهم اذا لم يبق من
الظالمين والمظلومين احد وليس كما ظننت ولا كما ذكرت، لكن المهاجرين ظلموا من جهتين: ظلمهم أهل
مكة بإخراجهم من ديارهم وأموالهم فقاتلوهم بإذن الله لهم في ذلك، وظلمهم كسرى وقيصر ومن كان دونهم من قبائل العرب والعجم بما كان في أيديهم مما كان المؤمنون أحق به منهم، فقد قاتلوهم بإذن الله عزّ وجلّ لهم في ذلك، وبحجة هذه الآية
يقاتل مؤمنو كل زمان، وإنما أذن الله عزّ وجلّ للمؤمنين الذين قاموا بما وصف الله عزّ وجلّ من الشرائط التي شرطها الله عزّ وجلّ على المؤمنين في الايمان والجهاد ومن كان قائما بتلك الشرائط فهو مؤمن وهو مظلوم ومأذون له في الجهاد بذلك المعنى، ومن كان على خلاف ذلك فهو
ظالم وليس من
المظلومين، وليس بمأذون له في
القتال، ولا بالنهي عن المنكر
والامر بالمعروف، لانه ليس من أهل ذلك، ولا مأذون له في الدعاء إلى الله عز وجل لانه ليس يجاهد
(26) مثله، وامر بدعائه إلى الله. ولا يكون مجاهدا من قد امر المؤمنون بجهاده وحظر الجهاد عليه ومنعه منه، ولا يكون داعيا إلى الله عزّ وجلّ من امر بدعائه مثله إلى التوبة والحق
والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا
يأمر بالمعروف من قد امر أن يؤمر به، ولا ينهى عن المنكر من قد امر أن ينهى عنه، فمن كانت قد
تمت فيه شرائط الله عزّ وجلّ التي وصف بها أهلها من
أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وهو مظلوم فهو مأذون له في الجهاد كما اذن لهم في الجهاد، لان حكم الله عزّ وجلّ في الاولين والاخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث يكون، والاولون والاخرون أيضا في
منع الحوادث شركاء، والفرائض عليهم واحدة، يسأل الاخرون من أداء الفرائض عما يسأل عنه الاولون، ويحاسبون عما به يحاسبون، ومن لم يكن على صفة من أذن الله له في الجهاد من المؤمنين فليس من أهل الجهاد وليس بمأذون له فيه حتّى يفيء بما شرط الله عزّ وجلّ فاذا تكاملت فيه شرائط الله عزّ وجلّ على المؤمنين والمجاهدين فهو من المأذونين لهم في الجهاد، فليتق الله عزّ وجلّ عبد ولا يغتر بالاماني التي نهى الله عزّ وجلّ عنها من هذه الاحاديث الكاذبة على الله التي يكذبها
القرآن، ويتبرأ منها ومن حملتها ورواتها، ولا يقدم على الله عزّ وجلّ بشبهة لا يعذر بها، فإنّه ليس وراء المتعرض
(27) للقتل في سبيل الله منزلة يؤتى الله من قبلها، وهي غاية الاعمال في عظم قدرها، فليحكم امرؤ لنفسه وليرها كتاب الله عزّ وجلّ ويعرضها عليه فإنّه لا أحد أعلم بالمرء من نفسه، فإن وجدها قائمة بما شرط الله عليه في الجهاد فليقدم على الجهاد، وإن علم تقصيرا فليصلحها وليقمها على ما فرض الله تعالى عليها من الجهاد ثم ليقدم بها وهي طاهرة مطهرة من كل دنس يحول بينها وبين جهادها، ولسنا نقول لمن أراد الجهاد وهو على خلاف ما وصفنا من شرائط الله عزّ وجلّ على المؤمنين والمجاهدين: لا تجاهدوا، ولكن نقول: قد علمناكم ما شرط الله عزّ وجلّ على أهل الجهاد الذين بايعهم واشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنان فليصلح امرؤ ما علم من نفسه من تقصير عن ذلك، وليعرضها على شرائط الله عزّ وجلّ، فإن رأى أنه قد وفي بها وتكاملت فيه فإنّه ممن أذن الله عز وجل له في الجهاد، وإن أبى إلا أن يكون مجاهدا على ما فيه من الاصرار على المعاصي والمحارم والاقدام على الجهاد بالتخبيط والعمى والقدوم على الله عزّ وجلّ بالجهل والروايات الكاذبة فلقد لعمري جاء الاثر فيمن فعل هذا الفعل أن الله تعالى ينصر هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم، فليتق الله عزّ وجلّ امرؤ وليحذر أن يكون منهم، فقد بين لكم ولا عذر لكم بعد البيان في
الجهل ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله عليه توكلنا وإليه المصير.
ورواه الشيخ بإسناده عن
محمد بن يعقوب نحوه
(28).
المصادر
الكافي 5: 13 | 1.
الهوامش
3- في نسخة زيادة: والدين (هامش المخطوط).
7- في نسخة: محمد (هامش المخطوط).
9- في نسخة: اول التبعة (هامش المخطوط).
23- في التهذيب: فدل (هامش المخطوط).
24-
الحج 22: 39 وكذا في الموردين الاتيين.
25- في نسخة: سعى (هامش المخطوط).
26- في نسخة: بمجاهد (هامش المخطوط).
27- في نسخة: المعترض (هامش المخطوط).
28- التهذيب 6: 127 | 224.