قال: ـ وفي حديث مالك بن أعين ـ قال: حرض أمير المؤمنين (عليه السلام) الناس بصفين فقال: إن الله عزّ وجلّ قد دلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، وتشفى بكم على الخير الايمان بالله، والجهاد في سبيل الله، وجعل ثوابه مغفرة للذنب، ومساكن طيبة في جنات عدن، وقال جل وعز: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) (1) فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص فقدموا الدارع، وأخروا الحاسر، وعضوا على النواجد، فإنّه أنبى للسيوف عن الهام، والتووا على أطراف الرماح، فإنّه أمور للاسنة، وغضوا الابصار فإنّه أربط للجأش، وأسكن للقلوب، وأميتوا الاصوات فإنّه أطرد للفشل، وأولى بالوقار، ولا تميلوا براياتكم ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلا مع شجعانكم فإنّ المانع للذمار والصابر عند نزول الحقائق هم أهل الحفاظ، ولا تمثلوا بقتيل، واذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا، ولا تدخلوا دارا، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلا ما وجدتم في عسكرهم ولا تهيجوا امرأة بأذى وإن شتمن أعراضكم وسببن أمراءكم وصلحاءكم فانهن ناقصات القوى والانفس والعقول، وقد كنا نؤمر بالكف عنهن وهن مشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة فيعير بها وعقبه من بعده، واعلموا أن أهل الحفاظ هم الذين يحتفون براياتهم ويكتنفونها، ويصيرون (2) حفافيها وورائها وأمامها، ولا يضيعونها لا يتأخرون عنها فيسلموها، ولا يتقدمون عليها فيفردوها، رحم الله امرءا واسى أخاه بنفسه ولم يكل قرنه إلى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه فيكتسب بذلك اللائمة، ويأتي بدناءة وكيف لا يكون كذلك وهو يقاتل الاثنين، وهذا ممسك يده قد خلى قرنه على أخيه هاربا منه ينظر اليه وهذا فمن يفعله يمقته الله، فلا تتعرضوا لمقت الله فإنّ ممركم إلى الله، وقد قال الله عزّ وجلّ: (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا) (3) وأيم الله لئن فررتم من سيوف العاجلة لا تسلمون من سيف الآجلة، فاستعينوا بالصبر والصدق، فانما ينزل النصر بعد الصبر فجاهدوا في الله حق جهاده، ولا قوة إلا بالله.