روى الشهيد الثاني الشيخ زين الدين في (رسالة الغيبة) بإسناده عن الشيخ الطوسي، عن المفيد، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه محمد بن عيسى الاشعري، عن عبدالله بن سليمان النوفلي قال: كنت عند جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) فإذا بمولى لعبدالله النجاشي قد ورد عليه فسلم وأوصل إليه كتابه، ففضه وقرأه وإذا أول سطر فيه بسم الله الرحمن ـ إلى أن قال: ـ إني بليت بولاية الاهواز فإن رأى سيدي ومولاى أن يحد لى حدا أو يمثل لي مثالا لاستدل به على ما يقربني إلى الله عزّوجلّ وإلى رسوله، ويلخص لى في كتابه ما يرى لي العمل به وفيما ابتذله وأين أضع زكاتي وفيمن أصرفها، وبمن آنس وإلى من أستريح، وبمن أثق وآمن وألجا إليه في سري؟ فعسى أن يخلصني الله بهدايتك فإنك حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده، لا زالت نعمته عليك. قال عبدالله بن سليمان: فأجابه أبو عبدالله (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم حاطك الله بصنعه ولطف بك بمنه، وكلأك برعايته فإنه ولي ذلك أما بعد فقد جاءني رسولك بكتابك فقرأته، وفهمت جميع ما ذكرت وسألته (1) عنه، وزعمت أنك بليت بولاية الاهواز فسرني ذلك وساءني، وسأخبرك بما ساءني من ذلك، وما سرني إن شاء الله، فأما سروري بولايتك، فقلت: عسى أن يغيث الله بك ملهوفا خائفا من آل محمد (عليهم السلام)، ويعز بك ذليلهم، ويكسو بك عاريهم، ويقوى بك ضعيفهم، ويطفئ بك نار المخالفين عنهم، وأما الذي ساءني من ذلك فإن أدنى ما أخاف عليك أن تعثر بولي لنا فلا تشم حظيرة القدس، فإني ملخص لك جميع ما سألت عنه إن أنت عملت به ولم تجاوزه، رجوت أن تسلم إن شاء الله، أخبرني يا عبدالله، أبي، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: من استشاره اخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه الله لبه. واعلم أني سأشير عليك برأي إن أنت عملت به تخلصت مما أنت متخوفه، واعلم أن خلاصك مما بك من حقن الدماء، وكف الاذى عن أولياء الله، والرفق بالرعية، والتأني وحسن المعاشرة مع لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف، ومداراة صاحبك، ومن يرد عليك من رسله، وارتق فتق رعيتك بان توقفهم على ما وافق الحق والعدل إن شاء الله، وإياك والسعاة وأهل النمائم فلا يلتزقن بك أحد منهم، ولا يراك الله يوما وليلة وأنت تقبل منهم صرفا ولا عدلا، فيسخط الله عليك، ويهتك سترك، واحذر مكر خوز الاهواز فإن أبي أخبرني، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) أنه قال: إن الايمان لا يثبت في قلب يهودي ولا خوزي أبدا. فأما من تأنس به وتستريح إليه وتلجئ أمورك اليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الامين الموافق لك على دينك، وميز عوامك وجرب الفريقين، فإن رأيت هناك رشدا فشأنك وإياه، وإياك ان تعطى درهما او تخلع ثوبا او تحمل على دابة في غير ذات الله لشاعر او مضحك او ممتزح إلا أعطيت مثله في ذات الله، ولتكن جوائزك وعطاياك وخلعك للقواد والرسل والاجناد واصحاب الرسائل واصحاب الشرط والاخماس، وما اردت ان تصرفه في وجوه البر والنجاح والفتوة والصدقة والحج والمشرب والكسوة التي تصلي فيها وتصل بها والهدية التي تهديها إلى الله عزّوجلّ وإلى رسوله (صلى الله عليه وآله) من أطيب كسبك. يا عبدالله، اجهد ان لا تكنز ذهبا ولا فضة فتكون من أهل هذه الآية: (الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) (2) ولا تستصغرن من حلو ولا من فضل طعام تصرفه في بطون خالية تسكن بها غضب الرب تبارك وتعالى. واعلم أني سمعت أبي يحدث، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام أنه سمع عن النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول لاصحابه يوما: ما آمن بالله واليوم الاخر من بات شبعانا وجاره جائع، فقلنا: هلكنا يا رسول الله، فقال: من فضل طعامكم، ومن فضل تمركم ورزقكم وخلقكم وخرقكم تطفؤون بها غضب الرب. وسأنبئك بهوان الدنيا وهوان شرفها على من مضى من السلف والتابعين. ثم ذكر حديث زهدأمير المؤمنين (عليه السلام) في الدنيا وطلاقه لها ـ إلى أن قال: ـ وقد وجهت إليك بمكارم الدنيا والآخرة عن الصادق المصدق رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فإن أنت عملت بما نصحت لك في كتابي هذا، ثم كانت عليك من الذنوب والخطايا كمثل أوزان الجبال وأمواج البحار رجوت الله أن يتجافى عنك جل وعز بقدرته. يا عبدالله، إياك أن تخيف مؤمنا فإن أبي محمد بن علي حدثني عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه كان يقول: من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه بها أخافه الله يوم لا ظل إلا ظله، وحشره في صورة الذر لحمه وجسده وجميع اعضائه، حتى يورده مورده. وحدثني أبي عن آبائه عن علي (عليه السلام)، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: من أغاث لهفانا من المؤمنين أغاثه الله يوم لا ظل إلا ظله وآمنه يوم الفزع الاكبر وآمنه من سوء المنقلب، ومن قضى لاخيه المؤمن حاجة قضى الله له حوائج كثيرة من إحداها الجنة، ومن كسى أخاه المؤمن من عري كساه الله من سندس الجنة واستبرقها وحريرها، ولم يزل يخوض في رضوان الله ما دام على المكسو منه سلك، ومن أطعم أخاه من جوع اطعمه الله من طيبات الجنة، ومن سقاه من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم ريه، ومن أخدم أخاه أخدمه الله من الولدان المخلدين، وأسكنه مع أوليائه الطاهرين، ومن حمل أخاه المؤمن من رجلة حمله الله على ناقة من نوق الجنة، وباهى به الملائكة المقربين يوم القيامة، ومن زوج اخاه المؤمن إمرأة يأنس بها وتشد عضده ويستريح إليها زوجه الله من الحور العين، وآنسه بمن أحبه من الصديقين من أهل بيت نبيه وإخوانه وآنسهم به، ومن أعان أخاه المؤمن على سلطان جائر أعانه الله على إجازة الصراط عند زلة الاقدام، ومن زار أخاه إلى منزله لا لحاجة منه إليه كتب من زوار الله، وكان حقيقا على الله ان يكرم زائره. يا عبدالله، وحدثني أبي، عن آبائه، عن علي (عليه السلام) أنه سمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول لاصحابه يوما: معاشر الناس إنه ليس بمؤمن من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، فلا تتبعوا عثرات المؤمنين، فإنه من تتبع عثرة مؤمن اتبع الله عثراته يوم القيامة وفضحه في جوف بيته. وحدثني أبي، عن آبائه، عن عليّ (عليهم السلام) أنه قال: أخذ الله ميثاق المؤمن أن لا يصدق في مقالته، ولا ينتصف من عدوه، وعلى أن لا يشفي غيظه إلا بفضيحة نفسه، لان كل مؤمن ملجم، وذلك لغاية قصيرة، وراحة طويلة، وأخذ الله ميثاق المؤمن على أشياء أيسرها عليه مؤمن مثله يقول بمقالته يبغيه ويحسده، والشيطان يغويه ويضله، والسلطان يقفو أثره، ويتبع عثراته، وكافر بالله الذي هو مؤمن به يرى سفك دمه دينا، واباحة حريمه غنما، فما بقاء المؤمن بعد هذا. يا عبدالله، وحدثني أبي عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال: نزل عليّ جبرئيل فقا??: يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام ويقول: اشتققت للمؤمن اسما من أسمائي، سميته مؤمنا، فالمؤمن مني وأنا منه، من استهان مؤمنا فقد استقبلني بالمحاربة. يا عبدالله، وحدثني أبي، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال يوما: يا علي، لا تناظر رجلا حتى تنظر في سريرته فإن كانت سريرته حسنة فإن الله عزّوجلّ لم يكن ليخذل وليه، فإن تكن سريرته ردية فقد يكفيه مساويه، فلو جهدت أن تعمل به اكثر مما عمل من معاصي الله عزّوجلّ ما قدرت عليه. يا عبدالله وحدثني أبي، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام)، عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: أدنى الكفر أن يسمع الرجل من أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها (اولئك لا خلاق لهم) (3). يا عبدالله، وحدثني أبي، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) انه قال: من قال في مؤمن ما رأت عيناه، وسمعت أذناه ما يشينه ويهدم مروءته فهو من الذين قال الله عزّوجلّ: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) (4). يا عبدالله، وحدثني أبي، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: من روى عن أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروءته وثلبه أو بقه الله بخطيئته حتى يأتي بمخرج مما قال، ولن يأتي بالمخرج منه أبدا، ومن أدخل على أخيه المؤمن سرورا فقد أدخل على اهل البيت سرورا، ومن أدخل على أهل البيت سرورا فقد أدخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سرورا، ومن أدخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سرورا فقد سر الله، ومن سر الله فحقيق على الله عزّوجلّ أن يدخله جنته. ثم إني أوصيك بتقوى الله، وإيثار طاعته، والاعتصام بحبله، فإنه من اعتصم بحبل الله فقد هدي إلى صراط مستقيم، فاتق الله ولا تؤثر أحدا على رضاه وهواه، فإنه وصية الله عزّوجلّ إلى خلقه لا يقبل منهم غيرها، ولا يعظم سواها، واعلم أن الخلائق لم يوكلوا بشيء اعظم من التقوى، فإنه وصيتنا أهل البيت، فان استطعت أن لا تنال من الدنيا شيئا تسأل عنه غدا فافعل، قال عبدالله بن سليمان: فلما وصل كتاب الصادق (عليه السلام) إلى النجاشي نظر فيه، وقال: صدق والله الذي لا إله إلا هو مولاي فما عمل أحد بما في هذا الكتاب إلا نجا، فلم يزل عبدالله يعمل به أيام حياته.
المصادر
كشف الريبة: 122 | 10. وتقدم وجوب العدل في الباب 38 من أبواب جهاد النفس وتحريم طلب الرئاسة في الباب 50 منها.