الحديث
المسار الصفحة الرئيسة » الحديث » علي بن الحسين المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه نقلا من تفسير النعماني بإسناده الاتي عن إسماعيل بن …

 الرقم: 33188  المشاهدات: 4501
قائمة المحتويات علي بن الحسين المرتضى في رسالة (المحكم والمتشابه) نقلا من (تفسير) النعماني بإسناده الاتي (1) عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبدالله (عليه السلام)، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ في حديث طويل ـ قال: وأما الرد على من قال بالرأي والقياس والاستحسان والاجتهاد، ومن يقول: إن الاختلاف رحمة، فاعلم أنا لما رأينا من قال: بالرأي والقياس قد استعملوا الشبهات في الأحكام لما عجزوا عن عرفان إصابة الحكم، وقالوا: ما من حادثة إلا ولله فيها حكم، ولا يخلو الحكم فيها من وجهين: إما أن يكون نصا، أو دليلا، وإذا رأينا الحادثة قد عدم نصها فزعنا، أي: رجعنا إلى الاستدال عليها بأشباهها ونظائرها، لأنا متى لم نفزع إلى ذلك أخليناها من أن يكون لها حكم، ولا يجوز أن يبطل حكم الله في حادثة من الحوادث، لأنه يقول سبحانه: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) (2) ولما رأينا الحكم لا يخلو والحادث (3) لا ينفك من الحكم التمسناه من النظائر لكيلا تخلوا الحادثة من الحكم بالنص أو بالاستدلال وهذا جائز عندنا.
قالوا: وقد رأينا (4) الله تعالى قاس في كتابه بالتشبيه والتمثيل فقال: (خلق الانسان من صلصال كالفخار * وخلق الجان من مارج من نار) (5) فشبه الشيء بأقرب الأشياء له شبها.
قالوا: وقد رأينا النبي (صلى الله عليه وآله) استعمل الرأي والقياس بقوله: للمرأة الخثعمية حين سألته عن حجها عن أبيها، فقال: أرأيت لو كان على أبيك دين لكنت تقضينه عنه؟ فقد أفتاها بشيء لم تسأل عنه، وقوله (صلى الله عليه وآله) لمعاذ بن جبل حين أرسله إلى اليمن: أرأيت يا معاذ إن نزلت بك حادثة، لم تجد لها في كتاب الله أثرا ولا في السنة، ما أنت صانع؟ قال: أستعمل رأيي فيها، فقال: الحمد لله الذي وفق رسول الله إلى ما يرضيه، قالوا: وقد استعمل الرأي والقياس كثير من الصحابة، ونحن على آثارهم مقتدون، ولهم احتجاج كثير في مثل هذا، فقد كذبوا على الله تعالى في قولهم: إنه احتاج إلى القياس، وكذبوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ قالوا عنه ما لم يقل من الجواب المستحيل.
فنقول لهم ردا عليهم: إن أصول أحكام العبادات (6) وما يحدث في الامة من الحوادث والنوازل، لما كانت موجودة عن السمع والنطق والنص في كتاب الله، وفروعها مثلها وإنما أردنا الاصول في جميع العبادات والمفترضات التي نص الله عزّ وجلّ، وأخبرنا عن وجوبها، وعن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن وصيه المنصوص عليه بعده في البيان عن أوقاتها وكيفياتها وأقدارها في مقاديرها عن الله عزّ وجلّ، مثل (فرض الصلاة) الصلاة
.">(7) والزكاة والصيام والحج والجهاد وحد الزنا وحد السرقة وأشباهها مما نزل في الكتاب مجملا بلا تفسير، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو المفسر والمعبر عن جملة الفرائض. فعرفنا أن فرض صلاة الظهر أربع، ووقتها بعد زوال الشمس بمقدار ما يقرأ الانسان ثلاثين آية، وهذا الفرق بين صلاة الزوال (وصلاة الظهر) صلاة العصر.">(8)، ووقت صلاة العصر آخر وقت الظهر إلى وقت مهبط الشمس، وأن المغرب ثلاث ركعات ووقتها حين وقت الغروب إلى إدبار الشفق والحمرة، وأن وقت صلاة العشاء الاخرة وهي أربع ركعات أوسع الأوقات، وأول وقتها حين اشتباك النجوم وغيبوبة الشفق وانبساط الظلام، وآخر وقتها ثلث الليل، وروي: نصفه، والصبح ركعتان، ووقتها طلوع الفجر إلى إسفار الصبح. وأن الزكاة تجب في مال، دون مال ومقدار دون مقدار، ووقت دون أوقات (9)، وكذلك جميع الفرائض التي أوجبها الله على عباده بمبلغ الطاعات وكنه الاستطاعات. فلولا ما ورد (10) النص به وتنزيل كتاب الله، وبيان ما أبانه رسوله (وفسره لنا) (11)، وأبانه الأثر وصحيح الخبر لقوم آخرين، لم يكن لأحد من الناس (المأمورين بأداء الفرائض أن يوجب) (12) ذلك بعقله، وإقامته (13) معاني فروضه وبيان مراد الله في جميع ما قدمنا ذكره على حقيقة شروطها، ولا يصح إقامة فروضها بالقياس والرأي، ولا أن تهتدي العقول على انفرادها إلى أنه (14) يجب فرض الظهر أربعا دون خمس أو ثلاث، (ولا تفصل) (15) أيضا بين قبل الزوال وبعده، ولا تقدم الركوع على السجود، (أو) (16) السجود على الركوع، أو حد زنا المحصن والبكر، ولا بين العقارات (والمال الناض) (17) في وجوب (18) الزكاة، فلو خلينا بين عقولنا وبين هذه الفرائض لم يصح فعل ذلك كله بالعقل على مجرده، ولم نفصل (19) بين القياس الذي فصلت الشريعة والنصوص، إذا كانت الشريعة موجودة عن السمع والنطق الذي ليس لنا أن نتجاوز حدودها، ولو جاز ذلك لاستغنينا عن إرسال الرسل إلينا بالامر والنهي منه تعالى. ولما كانت الاصول لا تجب على ما هي عليه من بيان فرضها إلا بالسمع والنطق، فكذلك الفروع والحوادث التي تنوب وتطرق منه تعالى لم يوجب الحكم فيها بالقياس دون النص بالسمع والنطق.
وأما احتجاجهم واعتلالهم (بأن القياس هوالتشبيه والتمثيل، فإن) (20) الحكم جائز به، ورد الحوادث أيضا إليه، فذلك محال بين. ومقال شنيع، لأنا نجد أشياء قد وفق الله بين أحكامها وإن كانت متفرقة، ونجد أشياء قد فرق الله بين أحكامها وإن كانت مجتمعة، فدلنا ذلك من فعل الله تعالى على أن اشتباه الشيئين غير موجب لاشتباه الحكمين، كما ادعاه منتحلوا القياس والرأي. وذلك أنهم لما عجزوا عن إقامة الأحكام على ما انزل في كتاب الله تعالى، وعدلوا عن أخذها ممن فرض الله سبحانه طاعتهم على عباده، ممن لا يزل ولا يخطى ولا ينسى، الذين أنزل الله كتابه عليهم، وأمر الامة برد ما اشتبه عليهم من الأحكام إليهم، وطلبوا الرياسة رغبة في حطام الدنيا، وركبوا طريق أسلافهم ممن ادعى منزلة أولياء الله، لزمهم العجز، فادعوا أن الرأي والقياس واجب، فبان لذوي العقول عجزهم وإلحادهم في دين الله، وذلك أن العقل على مجرده وانفراده لا يوجب، ولا يفصل بين أخذ الشيء بغصب ونهب، وبين أخذه بسرقة وإن كانا مشتبهين، فالواحد يوجب القطع، والاخر لا يوجبه.
ويدل أيضا على فساد ما احتجوا به من رد الشيء في الحكم إلى أشباهه ونظائره، أنا نجد الزنا من المحصن والبكر سواء، وأحدهما يوجب الرجم، والاخر يوجب الجلد، فعلمنا أن الأحكام مأخذها من السمع والنطق بالنص على حسب ما يرد به التوقيف (21) دون اعتبار النظائر (والأعيان) (22)، وهذه دلالة واضحة على فساد قولهم، ولو كان الحكم في الدين بالقياس لكان باطن القدمين أولى بالمسح من ظاهرهما، قال الله تعالى حكاية عن إبليس في قوله بالقياس: (خلقتني من نار وخلقته من طين) (23) فذمه الله لما لم يدر ما بينهما، وقد ذم رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) القياس، يرث ذلك بعضهم عن بعض، ويرويه عنهم أولياؤهم.
قال: وأما الرد على من قال بالاجتهاد، فانهم يزعمون أن كل مجتهد مصيب، على أنهم لا يقولون: إنهم مع اجتهادهم أصابوا معنى حقيقة الحق عند الله عزّ وجلّ، لأنهم في حال اجتهادهم ينتقلون عن (24) اجتهاد إلى اجتهاد، واحتجاجهم أن الحكم به قاطع قول باطل، منقطع، منتقض، فأي دليل أدل من هذا على ضعف اعتقاد من قال بالاجتهاد والرأي، إذا كان أمرهم يؤل إلى ما وصفناه؟! وزعموا أنه محال أن يجتهدوا، فيذهب الحق من جملتهم، وقولهم بذلك فاسد، لأنهم إن اجتهدوا فاختلفوا فالتقصير واقع بهم.
وأعجب من هذا، أنهم يقولون مع قولهم بالرأي والاجتهاد: إن الله تعالى بهذا المذهب لم يكلفهم إلا بما يطيقونه، وكذلك النبي (صلى الله عليه وآله)، واحتجوا بقول الله تعالى: (وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) (25) وهذا بزعمهم وجه الاجتهاد، وغلطوا في هذا التأويل غلطا بينا.
قالوا: ومن قول الرسول (صلى الله عليه وآله): ما قاله لمعاذ بن جبل، وادعوا أنه أجاز ذلك، والصحيح أن الله لم يكلفهم اجتهادا، لأنه قد نصب لهم أدلة، وأقام لهم أعلاما، وأثبت عليهم الحجة، فمحال أن يضطرهم إلى ما لا يطيقون بعد إرساله إليهم الرسل بتفصيل الحلال والحرام، ولم يتركهم سدى، مهما عجزوا عنه ردوه إلى الرسول والأئمة صلوات الله عليهم، كيف وهو يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) (26) ويقول: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) (27) ويقول: (فيه تبيان كل شيء) (28)؟!
ومن الدليل على فساد قولهم في الاجتهاد والرأي والقياس أنه لن يخلو الشيء، أن يكون بمثله (29) على أصل، أو يستخرج البحث عنه، فان كان يبحث عنه فانه لا يجوز في عدل الله تعالى أن يكلف العباد ذلك، وإن كان ممثلا على أصل فلن يخلو الاصل، أن يكون حرم لمصلحة الخلق، أو لمعنى في نفسه خاص، (فان كان حرم لمعنى في نفسه خاص) (30) فقد كان ذلك فيه حلالا، ثم حرم بعد ذلك لمعنى فيه، بل لو كان لعلة المعنى لم يكن التحريم له أولى من التحليل. ولما فسد هذا الوجه من دعواهم علمنا أن الله تعالى إنما حرم الأشياء لمصلحة الخلق، لا للخلق التي فيها، ونحن إنما ننفي القول بالاجتهاد لأن الحق عندنا فيما قدمنا ذكره من الامور التي نصبها الله تعالى، والدلائل التي أقامها لنا كالكتاب والسنة والإمام الحجة، ولن يخلو الخلق من هذه الوجوه التي ذكرناها، وما خالفها فهو باطل.
ثم ذكر (عليه السلام) كلاما طويلا في الرد على من قال بالاجتهاد في القبلة، وحاصله الرجوع فيها إلى العلامات الشرعية.

المصادر

المحكم والمتشابه: 120.

الهوامش

1- يأتي في الفائدة الثانية من الخاتمة برقم (52).
2- الانعام: 6: 38.
3- في المصدر: والحدث.
4- في المصدر زيادة: أن.
5- الرحمن 55: 14 ـ 15.
6- في المصدر: العباد.
7- في المصدر: ما فرض من الصلاة.
8- في المصدر: وبين صلاة العصر.
9- في المصدر: وقت.
10- في المصدر زيادة: من.
11- ليس في المصدر.
12- في المصدر: موجب.
13- في المصدر: واقامة.
14- في المصدر: أن.
15- في المصدر: ولا تفصيل.
16- في المصدر: ولا.
17- في المصدر: والملك الناض، والمال الناض: الدراهم والدنانير. (الصحاح ـ نضض ـ 3: 1107).
18- في المصدر: وجوه.
19- في المصدر: يفصل.
20- في المصدر: ان القياس والتشبيه والتمثيل وان.
21- في المصدر: التوفيق.
22- ليس في المصدر.
23- الاعراف 7: 12 وص 38: 76.
24- في المصدر: من.
25- البقرة 2: 144، 150.
26- الانعام 6: 38.
27- المائدة 5: 3.
28- النحل 16: 89 ونصها (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء).
29- في المصدر: تمثيلا.
30- ليس في المصدر.



الفهرسة