قال الكشي (355): " وجدت بخط محمد بن الحسن بن بندار القمي في كتابه، حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن سالم، قال: لما حمل سيدي موسى بن جعفر عليهما السلام إلى هارون، جاء إليه هشام بن إبراهيم العباسي، فقال له: يا سيدي قد كتب لي صك إلى الفضل بن يونس فتسأله أن يروج أمري، قال: فركب إليه أبو الحسن عليه السلام، فدخل عليه حاجبه، فقال: يا سيدي أبو الحسن موسى عليه السلام، بالباب، فقال: فإن كنت صادقا فأنت حر ولك كذا وكذا، فخرج الفضل بن يونس حافيا يعدو حتى خرج إليه، فوقع على قدميه يقبلهما، ثم سأله أن يدخل فدخل، فقال له: اقض حاجة هشام بن إبراهيم، فقضاها، ثم قال: يا سيدي قد حضر الغداء فتكرمني أن تتغدى عندي، فقال: هات، فجاء المائدة وعليها البوارد، فأجال عليه السلام يده في البارد ثم قال: البارد تجال اليد فيه، فلما رفع البارد وجاءوا بالحار، فقال أبو الحسن عليه السلام: الحار حمى ". أقول: هذه وإن دلت على عناية الإمام عليه السلام بشأن هشام بن إبراهيم إلا أنها ضعيفة سندا، فإن محمد بن سالم الذي يروي عنه علي بن إبراهيم بن هشام مجهول. " محمد بن الحسن، قال: حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن الريان بن الصلت، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام، إن هشام بن إبراهيم العباسي زعم أنك أحللت له الغناء، فقال: كذب الزنديق، إنما سألني عنه فقلت له: سأل رجل أبا جعفر عليه السلام، فقال له أبو جعفر: إذا فرق الله بن الحق والباطل فأينما يكون الغناء؟ فقال الرجل: مع الباطل، فقال له أبو جعفر عليه السلام: قد قضيت ". أقول: هذه الرواية تدل على ذم هشام بن إبراهيم العباسي وهي صحيحة. " محمد بن مسعود قال: حدثني علي بن محمد، قال: حدثني محمد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن رجل من أصحابنا، عن صفوان بن يحيى، وابن سنان، أنهما سمعا أبا الحسن عليه السلام يقول: لعن الله العباسي فإنه زنديق وصاحبه يونس، فإنهما يقولان بالحسن والحسين ". أقول: هذه الرواية أيضا ذامة، ولكنها ضعيفة بعلي بن محمد (ابن فيروزان)، على أنها مرسلة، وما في ذيلها من تعليلي زندقته وصاحبه يونس بأنهما يقولان بالحسن والحسين فيه تحريف لا محاله، ومن المحتمل أن يكون الصحيح فإنهما يقولان في الحسن والحسين. " وعنه قال: حدثني علي، قال: حدثني أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي طالب، عن معمر بن خلاد، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: إن العباسي زنديق وكان أبوه زنديقا ". أقول: هذه الرواية أيضا ضعيفة بعلي (بن محمد). " وعنه، قال: حدثني علي، قال: حدثني أحمد، عن أبي طالب، قال: حدثني العباسي، أنه قال للرضا عليه السلام: لم لا تدخل فيما سألك أمير المؤمنين؟ قال: فقال: فأنت أيضا علي يا عباسي، فقال: نعم، ولتجبه إلى ما سألك أو لأعطينك القاضية، يعني السيف ". أقول: هذه الرواية كسابقتها في الضعف. " قال أبو النضر: سألنا الحسين بن أشكيب، عن العباسي هشام بن إبراهيم، وقلنا له: أكان من ولد العباس؟ قال: لا، أكان من الشيعة فطلبه (هارون) فكتب كتب الزيدية، وكتب إثبات إمامة العباس، ثم دس إلى من يغمر به واختفى، واطلع السلطان على كتبه، فقال: هذا عباسي فآمنه وخلى سبيله ". أقول: إن هشام بن إبراهيم العباسي يثبت تشيعه بقول الحسين بن أشكيب، بل يظهر من الروايات الآتية أن تشيعه كان في أول أمره وانقلب بعد ذلك إلى أسوأ الحال. ومما يدل على تشيعه أولا: ما رواه الصدوق - قدس سره - باسناده، عن محمد بن عيسى اليقطيني، قال: سمعت هشام العباسي يقول: دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام وأن أريد أن أسأله أن يعوذني لصداع أصابني، وأن يهب لي ثوبين من ثيابه أحرم فيهما، فلما دخلت سألت عن مسائلي فأجابني، ونسيت حوائجي، فلما قمت لأخرج وأردت أن أودعه، قال لي: اجلس، فجلست بين يديه، فوضع يده على رأسي وعوذني، ثم دعا لي بثوبين من ثيابه فدفعهما إلي، وقال لي: أحرم فيهما، قال العباسي: وطلبت بمكة ثوبين سعيدين، أحدهما لابني، فلم أصب بمكة منهما شيئا على نحو ما أردت، فمررت بالمدينة في منصرفي على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فلما ودعته وأردت الخروج، دعا بثوبين سعيدين على عمل الموشى الذي كنت طلبته، فدفعهما إلي. العيون: الجزء 2، الباب 17، في دلالات الرضا عليه السلام، الحديث 34. ويدل على انقلابه إلى الزندقة، ما رواه الصدوق عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني - رضي الله عنه -، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، قال: حدثنا الريان بن الصلت، قال: سألت الرضا عليه السلام يوما بخراسان فقلت: يا سيدي، إن هشام بن إبراهيم العباسي (إبراهيم بن الهاشم) حكى عنك أنك رخصت له في إسماع الغناء، فقال: كذب الزنديق... إلى آخر ما تقدم عن الكشي، العيون: الجزء 2، الباب 30، فيما جاء عن الرضا عليه السلام من الاخبار المنثورة، الحديث 32. ورواها عبد الله بن جعفر الحميري، عن الريان بن الصلت، مثله. قرب الاسناد: ص 148. وروى عبد الله بن جعفر، قال: حدثني الريان، قال: دخلت على العباسي يوما فطلب دواة وقرطاسا بالعجلة، فقلت: ما لك؟ فقال: سمعت من الرضا عليه السلام أشياء أحتاج إلى أن أكتبها ولا أنساها، فكتبها، فما كان بين هذا وبين أن جاءني بعد جمعة في وقت الحر، وذلك بمرو فقلت: من أين جئت؟ فقال: من عند هذا، قلت: من عند المأمون؟ قال: لا، قلت: من عند الفضل بن سهل؟ قال: لا، من عند هذا. فقلت: من تعني؟ قال: من عند علي بن موسى، فقلت: ويلك خذلت، أي شئ قصتك؟ قال دعني من هذا، متى كان آباؤه يجلسون على الكراسي حتى يبايع لهم بولاية العهد كما فعل هذا؟ فقلت: ويلك استغفر ربك، فقال: جاريتي فلانة اعلم منه... (إلى أن قال) فدخلت على الرضا عليه السلام، فقلت له: إن العباسي يسمعني فيك ويذكرك، وهو كثيرا ما ينام عندي ويقبل، فترى أن آخذ بحلقه، وأعصره حتى يموت، ثم أقول: مات ميتة فجأة؟ فقال: ونفض يديه ثلاث مرات، لا ريان، لا ريان، لا ريان. (الحديث). قرب الاسناد: ص 169. وهذه الرواية الدالة على خبث العباسي وانقلابه إلى الزندقة أيضا صحيحة. وروى الصدوق، عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن الريان بن الصلت، قال: أكثر الناس في بيعة الرضا عليه السلام من القواد والعامة ومن لم يحب ذلك (إلى أن قال): وكان هشام بن إبراهيم الراشدي الهمداني من أخص الناس عند الرضا عليه السلام من قبل أن يحمل، وكان عالما، أديبا، لبيبا، وكانت أمور تجري من عنده وعلى يده، وتصيره الأموال من النواحي كلها إليه قبل حمل أبي الحسن عليه السلام، فلما حمل أبو الحسن عليه السلام اتصل هشام بن إبراهيم بذي الرياستين، وقربه ذو الرياستين وأدناه، فكان ينقل أخبار الرضا عليه السلام إلى ذي الرياستين والمأمون، فحظى بذلك عندهما، وكان لا يخفي عليهما من أخباره شيئا، فولاه المأمون حجابة الرضا عليه السلام، فكان لا يصل إلى الرضا عليه السلام إلا من أحب، وضيق على الرضا عليه السلام، وكان من يقصده من مواليه لا يصل إليه، وكان لا يتكلم الرضا عليه في داره بشئ إلا أورده هشام على المأمون وذي الرياستين، وجعل المأمون العباس ابنه في حجر هشام، وقال له: أدبه، فسمي هشام العباسي لذلك. (الحديث). العيون: الجزء 2، الباب (40)، في السبب الذي من أجله قبل علي بن موسى الرضا عليه السلام ولاية العهد، الحديث 22. أقول: هذه الرواية أيضا صحيحة، ويؤيد ذلك بما رواه الصدوق من أنه قصد الفضل بن سهل مع هشام بن إبراهيم الرضا عليه السلام، فقال له: يا ابن رسول الله جئتك في سر، فأخل لي المجلس، فأخرج الفضل يمينا مكتوبة بالعتق والطلاق وما لا كفارة له، وقالا له: إنما جئناكم لنقول كلمة حق وصدق، وقد علمنا أن الامرة إمرتكم، والحق حقكم يا ابن رسول الله، والذي نقوله بألسنتنا عليه ضمائرنا، وإلا ينعتق ما نملك، والنساء طوالق، وعلي ثلاثون حجة راجلا، أنا علي أن نقتل المأمون ونخلص لك الامر حتى يرجع الحق إليك، فلم يسمع منهما وشتمهما ولعنهما، وقال لهما: كفرتما النعمة، فلا تكون لكما السلامة، ولا لي إن رضيت بما قلتما، فلما سمع الفضل ذلك منه مع هشام علما أنهما خطئا، فقصدا المأمون بعد أن قالا للرضا عليه السلام: أردنا بما فعلنا أن نجر بك، فقال لهما الرضا عليه السلام: كذبتما، فإن قلوبكما على ما أخبرتماني به إلا أنكما لم تجداني كما أردتما، فلما دخلا على المأمون قالا: يا أمير المؤمنين، إنا قصدنا الرضا وجربناه، وأردنا أن نقف ما يضمره لك، فقلنا وقال: فقال المأمون: وفقتما، فلما خرجا من عند المأمون قصده الرضا عليه السلام، وأخليا المجلس وأعلمه ما قالا، وأمره أن يحفظ نفسه منهما، فلما سمع ذلك من الرضا عليه السلام، علم أن الرضا هو الصادق. العيون: الجزء 2، الباب المتقدم، الحديث 30. والمتلخص مما ذكرنا أن هشام بن إبراهيم العباسي كان مؤمنا في أول أمره، وزنديقا في آخره، أعاذنا الله من سوء العاقبة. ثم إنك عرفت أن اسم الرجل هو هشام، ولكن النجاشي ذكر أن اسمه هاشم وقد تقدم، وهذا من غلط النسخة، أو سهو من قلمه الشريف.