- أصل الأمن: طمأنينة النفس وزوال الخوف، والأمن والأمانة والأمان في الأصل مصادر، ويجعل الأمان تارة اسما للحالة التي يكون عليها الإنسان في الأمن، وتارة اسما لما يؤمن عليه الإنسان، نحو قوله تعالى:﴿ وتخونوا أماناتكم ﴾[الأنفال/27]، أي: ما ائتمنتم عليه، وقوله:﴿ إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض ﴾[الأحزاب/27] قيل: هي كلمة التوحيد، وقيل: العدالة (راجع الأقوال في هذه الآية في الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 6/669)، وقيل: حروف التهجي، وقيل: العقل، وهو صحيح فإن العقل هو الذي بحصوله يتحصل معرفة التوحيد، وتجري العدالة وتعلم حروف التهجي، بل بحصوله تعلم كل ما في طوق البشر تعلمه، وفعل ما في طوقهم من الجميل فعله، وبه فضل على كثير ممن خلقه. وقوله:﴿ ومن دخله كان آمنا ﴾[آل عمران/97] أي: آمنا من النار، وقيل: من بلايا الدنيا التي تصيب من قال فيهم:﴿ إنما يريدالله ليعذبهم بها في الحياةالدنيا ﴾[التوبة/55]. ومنهم من قال: لفظه خبر ومعناه أمر، وقيل: يأمن الاصطلام (الاصطلام: الاستئصال، واصطلم القوم: ابيدوا)، وقيل: آمن في حكم الله، وذلك كقولك: هذا حلال وهذا حرام، أي: في حكم الله. والمعنى: لا يجب أن يقتص منه ولا يقتل فيه إلا أن يخرج، وعلى هذه الوجوه:﴿ أو لم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ﴾[العنكبوت/67]. وقال تعالى:﴿ وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ﴾[البقرة/125]. وقوله:﴿ أمنة نعاسا ﴾[آل عمران/154] أي: أمنا، وقيل: هي جمع كالكتبة وفي حديث نزول المسيح: (وتقع الأمنة في الأرض) (هذا جزء من حديث طويل وفيه: (ثم تقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، وتلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم). والحديث أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود برقم (4324) وابن جرير وابن حبان عن أبي هريرة، وقال ابن كثير بعد ذكر إسناده: وهذا إسناد جيد قوي. انظر: الدر المنثور 2/736؛ والفتن الملاحم لابن كثير 1/105). وقوله تعالى:﴿ ثم أبلغه مأمنه ﴾[التوبة/6] أي: منزله الذي فيه أمنه. وآمن: إنما يقال على وجهين: - أحدهما متعديا بنفسه، يقال: آمنته، أي: جعلت له الأمن، ومنه قيل لله: مؤمن. - والثاني: غير متعد، ومعناه: صار ذا أمن. والإيمان يستعمل تارة اسما للشريعة التي جاء بها محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى ذلك:﴿ الذين آمنوا والذين هادوا والصائبون ﴾[المائدة/69]، ويوصف به كل من دخل في شريعته مقرا بالله وبنبوته. قيل: وعلى هذا قال تعالى:﴿ وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ﴾[يوسف/106]. وتارة يستعمل على سبيل المدح، ويراد به إذعان النفس للحق على سبيل التصديق، وذلك باجتماع ثلاثة أشياء: تحقيق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بحسب ذلك بالجوارح، وعلى هذا قوله تعالى:﴿ والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون ﴾[الحديد/19]. ويقال لكل واحد من الاعتقاد والقول الصدق والعمل الصالح: إيمان. قال تعالى:﴿ وما كانالله ليضيع إيمانكم ﴾[البقرة/143] أي: صلاتكم، وجعل الحياء وإماطة الأذى من الإيمان (كما قال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه مسلم وغيره: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، وأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)). قال تعالى:﴿ وما أنت بؤمن لنا ولو كنا صادقين ﴾[يوسف/17] قيل: معناه: بمصدق لنا، إلا أن الإيمان هو التصديق الذي معه أمن، وقوله تعالى:﴿ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ﴾[النساء/51] فذلك مذكور على سبيل الذم لهم، وأنه قد حصل لهم الأمن بما لا يقع به الأمن، إذ ليس من شأن القلب - مالم يكن مطبوعا عليه - أن يطمئن إلى الباطل، وإنما ذلك كقوله:﴿ من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ﴾[النحل/106]، وهذا كما يقال: إيمانه الكفر، وتحيته الضرب، ونحو ذلك. وجعل النبي صلى الله عليه وسلم أصل الإيمان ستة أشياء في خبر جبريل حيث سأله فقال: ما الإيمان؟ والخبر معروف (وقد أخرجه البخاري ومسلم قال: (أن تؤمن بالله وحده وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت والجنة والنار، وبالقدر خيره وشره)، راجع البخاري 1/106؛ ومسلم (9) في الإيمان؛ وشرح السنة 1/9). ويقال: رجل أمنة وأمنة: يثق بكل أحد، وأمين وأمان يؤمن به. والأمون: الناقة يؤمن فتورها وعثورها.