- أصل الجرم: قطع الثمرة عن الشجر، ورجل جارم، وقوم جرام، وثمر جريم. والجرامة: رديء التمر المجروم، وجعل بناؤه بناء النفاية، وأجرم: صار ذا جرم، نحو: أثمر وألبن، واستعير ذلك لكل اكتساب مكروه، ولا يكاد يقال في عامة كلامهم للكيس المحمود، ومصدره: جرم، وقول الشاعر في صفة عقاب: - 91 - جريمة ناهض في رأس نيق *** (الشطر لأبي خراش الهذلي، وعجزه: ترى العظام ما جمعت صليبا وهو في ديوان الهذليين 2/133؛ واللسان (جرم)؛ والمجمل 1/184؛ وشمس العلوم 1/310؛ وديوان الأدب 1/399) فإنه سمى اكتسابها لأولادها جرما من حيث إنها تقتل الطيور، أو لأنه تصورها بصورة مرتكب الجرائم لأجل أولادها، كما قال بعضهم: ما ذو ولد - وإن كان بهيمة - إلا ويذنب لأجل أولاده. - فمن الإجرام قوله عز وجل:﴿ إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ﴾[المطففين/29]، وقال تعالى:﴿ فعلي إجرامي ﴾[هود/35]، وقال تعالى:﴿ كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ﴾[المرسلات/46]، وقال تعالى:﴿ إن المجرمين في ضلال وسعر ﴾[القمر/47]، وقال عز وجل:﴿ إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون ﴾[الزخرف/74]. - ومن جرم، قال تعالى:﴿ لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم ﴾[هود/89]، فمن قرأ بالفتح (أي: فتح الياء وهو قراءة الجميع) فنحو: بغيته مالا، ومن ضم (وهو الأعمش وقراءته شاذة) فنحو: أبغيته مالا، أي أغثته. وقوله عز وجل:﴿ ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا ﴾[المائدة/8]، قوله عز وجل:﴿ فعلي إجرامي ﴾[هود/35]، فمن كسر (اتفق جميع القراء على كسر الهمزة من﴿ إجرامي ﴾) فمصدر، ومن فتح (وهي قراءة شاذة) فجمع جرم. واستعير من الجرم - أي: القطع - جرمت صوف الشاة، وتجرم الليل (أي: ذهب). والجرم في الأصل: المجروم، نحو نقض ونفض للمنقوض والمنفوض، وجعل اسما للجسم المجروم، وقولهم: فلان حسن الجرم، أي: اللون، فحقيقته كقولك: حسن السخاء. وأما قولهم: حسن الجرم، أي: الصوت (قال ابن مالك: كسب وأرض ذات حر جرم *** وعرب والقطع، أما الجرم فالجسم والصوت، وأما الجرم *** فالذنب لا عوملت بالإذناب). فالجرم في الحقيقة إشارة إلى موضع الصوت لا إلى ذات الصوت، ولكن لما كان المقصود بوصفه بالحسن هو الصوت فسر به، كقولك: فلان طيب الحلق، وإنما ذلك إشارة إلى الصوت لا إلى الحلق نفسه. وقوله عز وجل:﴿ لا جرم ﴾(الآية:﴿ لا جرم أن لهم النار ﴾من سورة النحل: رقم (62)) قيل: إن (لا) يتناول محذوفا، نحو (لا) في قوله تعالى:﴿ لا أقسم ﴾[القيامة/1]، وفي قول الشاعر: - 92 - لا وأبيك ابنة العامري *** (الشطر لامرئ القيس، وعجزه: لا يدعي القوم أني أفر وهو في ديوانه ص 68) ومعنى جرم: كسبن أو جنى. و:﴿ أن لهم النار ﴾[النحل/62]، في موضع المفعول، كأنه قال: كسب لنفسه النار. وقيل: جرم وجرم بمعنى، لكن خص بهذا الموضع (جرم) كما خص عمر بالقسم، وإن كان عمر وعمر (قال الزمخشري: العمر: الحياة والبقاء، وفيه لغات ثلاث: عمر، وعمر، وعمر، ولا يستعمل في القسم من اللغات الثلاث إلا المفتوحة؛ لأنها أخف اللغات، ووزنها أخف الأوزان الثلاثية كلها، والقسم كثير الاستعمال عندهم فاختاروا له أخفها، انظر: أعجب العجب ص 38 - 39) بمعنى، ومعناه: ليس بجرم أن لهم النار، تنبيها أنهم اكتسبوها بما ارتكبوه إشارة إلى قوله تعالى:﴿ ومن أساء فعليها ﴾[الجاثية/15]. وقد قيل في ذلك أقوال، أكثرها ليس بمرتضى عند التحقيق (انظر: معاني القرآن للفراء 2/8 - 9). وعلى ذلك قوله عز وجل:﴿ فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون ﴾[النحل/22]،﴿ لا جرم أن اللهيعلم ما يسرون وما يعلنون ﴾[النحل/23]، وقال تعالى:﴿ لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون ﴾[النحل/109].