البحث الرقم: 41 التاريخ: 16 ذو الحجّة 1429 هـ المشاهدات: 5867
العزاء
هو إقامة المأتم على سيّد الشهداء وخاصة في العشرة الأولى من محرّم. وكان الأئمة المعصومون عليهم السلام وعلماء الدين يشجّعون ويحثّون الناس على إقامة هذه الشعائر لمّا تنطوي عليه من ذكر الحسين وتخليداً لتلك الملحمة وإحياءً لثقافة عاشوراء، وكانوا هم يقيمون مثل هذه المجالس بأنفسهم. لأن العزاء بما فيه من البكاء والإبكاء وإقامة مجالس الذكر وقراءة القصائد والمراثي والإبكاء، يمثل في الحقيقة إحياءً لخط الأئمة وتبياناً لمظلوميتهم. قال الإمام الباقر عليه السلام بشأن إقامة مجالس العزاء في الدور على الإمام الحسين عليه السلام ما يلي: "ثم ليندب الحسين ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه ويقيم عليه في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً في البيوت وليعزِّ بعضهم بعضاً بمصاب الحسين"(1).
لقد تحولت سنّة العزاء بما تنطوي عليه من محبّة وولاء للإمام الحسين عليه السلام، إلى ممارسة شعبية واسعة ومقدسة لا زوال لها ولا وهن يعتريها، وبفضلها تتعرف فئات واسعة على سيّد الشهداء عليه السلام وعلى الدين وعلى ثقافة عاشوراء.
مرّت على قضية المأتم والعزاء ظروف متباينة، وكلما أصبح الشيعة على قدر من القوّة أو صار أمر الحكم بيدهم عملوا على إشاعة هذه الشعائر، "ففي زمن سلطة البويهيّين، صار الشيعة يقيمون المآتم على مصيبة سيّد الشهداء، وألزم معز الدولة أهل بغداديوم عاشوراء النوح وإقامة المأتم على الحسين عليه السلام وأمر بغلق الأبواب وعلّقت عليها المسوح ومنع الطباخين من طبخ الأطعمة واستمرت هذه الشعائر جارية حتى بداية سلطة الدولة السلوجقية، وبقيت هذه السنّه قائمة في جميع البلدان التي خضعت لسلطانهم إلى أن سقطت دولتهم"(2).
إقامة شعائر العزاء على مصيبة الحسين عليه السلام تمثل نوعاً من الاعتراض على الظالمين ونصرة المظلومين. والبكاء على الحسين يقوي في النفوس الدعوة إلى العدالة والانتقام من الظلمة والتمهيد لتكاتف القوى السائرة على نهج الحسين للدفاع عن الحقّ. إقامة المأتم على الشهيد تعني نقل ثقافة الشهادة للأجيال القادمة. وعبّر الشهيد المطهري عن هذا المعنى بالقول: "في عهد حكم يزيد الجائر كانت المشاركة في مظاهر البكاء على الشهداء نوعاً من إعلان الانتماء إلى فئة الحق، وإعلان للحرب على فريق الباطل، ويعكس في الحقيقة نوعاً من التفاني والإيثار. وهنا تتبلور مآتم الحسين على شكل حركة، وتيار، ومجابهة اجتماعية"(3).
في المآتم أن تتّخذ العاطفة والحماسة شكل المعرفة والشعور، ويبقى الإيمان حياً في قلوب الموالين لأهل البيت. وتحافظ مدرسة عاشوراء على دورها في كونها فكراً بناءً وحادثة تستلهم منها الدروس. المآتم إحياء لمنهج الدم والشهادة، وإيصال صوت مظلومية آل علي إلى أسماع التاريخ. والمشاركون في المآتم كأنهم فراشات متعطشة إلى النور وقد عثرت على الشمع الذي تزين به محافلها، وارتدت ثوب المحبّة من أشعة نور الشموع وغدت على استعداد للفداء والتضحية.
للمآتم دور مهم في الحفاظ على ثقافة عاشوراء. وهي تنقل أقوى الصلات عن طريق مزج العقل والمحبّة والبرهان والعاطفة الذي تجسد في كربلاء. وفيها البكاء على مظلومية الإمام ومن خلالها أيضاً يفهم هدف الإمام من ثورته. فالمآتم التي تقام في البيوت، ومواكب العزاء، وهيئات الضرب بالسلاسل، وارتداء السواد، ورفع الرايات وتوزيع الماء والشربت، والعمل على إقامة مجالس الرثاء والبكاء تمثل في حقيقتها نوعاً من تجنيد طاقات الأمة في خندق الجبهة الحسينية، يُغني ويعمّق هذه الصلة القلبية.
-------------------------------------------------------------------------------- 1- (تاريخ النياحة على الإمام الشهيد للسيّد صالح الشهرستاني) 2- (الكشكول للبحراني 269:1) 3- (الانتفاضات الإسلامية في القرن الأخير لمرتضى المطهري:80)