- القدرة إذا وصف بها الإنسان فاسم لهيئة له بها يتمكن من فعل شيء ما، وإذا وصف الله تعالى بها فهي نفي العجز عنه، ومحال أن يوصف غير الله بالقدرة المطلقة معنى وإن أطلق عليه لفظا، بل حقه أن يقال: قادر على كذا، ومتى قيل: هو قادر، فعلى سبيل معنى التقييد، ولهذا لا أحد غير الله يوصف بالقدرة من وجه إلا ويصح أن يوصف بالعجز من وجه، والله تعالى هو الذي ينتفي عنه العجز من كل وجه. والقدير: هو الفاعل لما يشاء على قدر ما تقتضي الحكمة، لا زائدا عليه ولا ناقصا عنه، ولذلك لا يصح أن يوصف به إلا الله تعالى، قال:﴿ إن الله على كل شيء قدير ﴾[البقرة/ 20]. والمقتدر يقاربه نحو:﴿ عند مليك مقتدر ﴾[القمر/55]، لكن قد يوصف به البشر، وإذا استعمل في الله فمعناه القدير، وإذا استعمل في البشر فمعناه: المتكلف والمكتسب للقدرة، يقال: قدرت على كذا. قال تعالى:﴿ لا يقدرون على شيء مما كسبوا ﴾[البقرة/264]. والقدر والتقدير: تبين كمية الشيء. يقال: قدرته وقدرته، وقدره بالتشديد: أعطاه القدرة. يقال: قدرني الله على كذا وقواني عليه، فتقدير الله الأشياء على وجهين: أحدهما: بإعطاء القدرة. والثاني: بأن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضت الحكمة، وذلك أن فعل الله تعالى ضربان: ضرب أوجده بالفعل، ومعنى إيجاده بالفعل أن أبدعه كاملا دفعة لا تعتريه الزيادة والنقصان إلى إن يشاء أن يفنيه، أو يبدله كالسموات وما فيها. ومنها ما جعل أصوله موجودة بالفعل وأجزاءه بالقوة، وقدره على وجه لا يتأتى منه غير ما قدره فيه، كتقديره في النواة أن ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون، وتقدير مني الإنسان أن يكون منه الإنسان دون سائر الحيوانات. فتقدير الله على وجهين: أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا أو لا يكون كذا؛ إما على سبيل الوجوب؛ وإما على سبيل الإمكان. وعلى ذلك قوله:﴿ قد جعلالله لكل شيء قدرا ﴾[الطلاق/3]. والثاني: بإعطاء القدرة عليه. وقوله:﴿ فقدرنا فنعم القادرون ﴾[المرسلات/ 23]، تنبيها أن كل ما يحكم به فهو محمود في حكمه، أو يكون من قوله:﴿ قد جعلالله لكل شيء قدرا ﴾[الطلاق/3]، وقرئ:﴿ فقدرنا ﴾(قرأ بالتشديد نافع والكسائي وأبو جعفر. انظر: الإتحاف ص 430) بالتشديد، وذلك منه، أو من إعطاء القدرة، وقوله:﴿ نحن قدرنا بينكم الموت ﴾[الواقعة/60]، فإنه تنبيه أن ذلك حكمة من حيث إنه هو المقدر، وتنبيه أن ذلك ليس كما زعم المجوس أن الله يخلق وإبليس يقتل، وقوله:﴿ إنا أنزلناه في ليلةالقدر ﴾[القدر/ 1]، إلى آخرها. أي: ليلة قيضها لأمور مخصوصة. وقوله:﴿ إنا كل شيء خلقناه بقدر ﴾[القمر/49]، وقوله:﴿ والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه ﴾[المزمل/20]، إشارة إلى ما أجري من تكوير الليل على النهار، وتكوير النهار على الليل، وأن ليس أحد يمكنه معرفة ساعاتهما وتوفية حق العبادة منهما في وقت معلوم، وقوله:﴿ من نطفة خلقه فقدره ﴾[عبس/19]، فإشارة إلى ما أوجده فيه بالقوة، فيظهر حالا فحالا إلى الوجود بالصورة، وقوله:﴿ وكانأمرالله قدرا مقدورا ﴾[الأحزاب/38]، فقدر إشارة إلى ما سبق به القضاء، والكتابة في اللوح المحفوظ والمشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام: (فرغ ربكم من الخلق والخلق والأجل والرزق) (الحديث تقدم في مادة (خزن)؛ وأخرجه ابن حبان في روضة العقلاء ص 149 من كلام ابن مسعود)، والمقدور إشارة إلى ما يحدث عنه حالا فحالا مما قدر، وهو المشار إليه بقوله:﴿ كل يوم هو في شأن ﴾[الرحمن/29]، وعلى ذلك قوله:﴿ وما ننزله إلا بقدر معلوم ﴾[الحجر/21]، قال أبو الحسن: خذه بقدر كذا وبقدر كذا، وفلان يخاصم بقدر وقدر، وقوله:﴿ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره ﴾[البقرة/236]، أي: ما يليق بحاله مقدرا عليه، وقوله:﴿ والذي قدر فهدى ﴾[الأعلى/3]، أي: أعطى كل شيء ما فيه مصلحته، وهداه لما فيه خلاصة؛ إما بالتسخير؛ وإما بالتعليم كما قال:﴿ أعطى كل شيءخلقه ثم هدى ﴾[طه/50]، والتقدير من الإنسان على وجهين: أحدهما: التفكر في الأمر بحسب نظر العقل، وبناء الأمر عليه، وذلك محمود، والثاني: أن يكون بحسب التمني والشهوة، وذلك مذموم كقوله:﴿ فكر وقدر * فقتل كيف قدر ﴾[المدثر/18 - 19]، وتستعار القدرة والمقدور للحال، والسعة في المال، والقدر: وقت الشيء المقدر له، والمكان المقدر له، قال:﴿ إلى قدر معلوم ﴾[المرسلات/22]، وقال:﴿ فسالت أودية بقدرها ﴾[الرعد/17]، أي: بقدر المكان المقدر لأن يسعها، وقرئ: (بقدرها) (وهي قراءة شاذة، قرأ بها الحسن والأشهب العقيلي. انظر: تفسير القرطبي 9/305) أي: تقديرها. وقوله:﴿ وغدوا على حرد قادرين ﴾[القلم/25]، قاصدين، أي: معينين لوقت قدروه، وكذلك قوله:﴿ فالتقى الماء على أمر قد قدر ﴾[القمر/12]، وقدرت عليه الشيء: ضيقته، كأنما جعلته بقدر بخلاف ما وصف بغير حساب. قال تعالى:﴿ ومن قدر عليه رزقه ﴾[الطلاق/7]، أي: ضيق عليه، وقال:﴿ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ﴾[الروم/37]، وقال:﴿ فظن أن لن نقدر عليه ﴾[الأنبياء /87]، أي: لن نضيق عليه، وقرئ: (لن نقدر عليه) (وهي قراءة شاذة، قرأ بها ابن عباس والزهري وعمر بن عبد العزيز. انظر: تفسير القرطبي 11/332)، ومن هذا المعنى اشتق الأقدر، أي: القصير العنق. وفرس أقدر: يضع حافر رجله موضع حافر يده، وقوله:﴿ وما قدروا اللهحققدره ﴾[الأنعام/91]، أي: ما عرفوا كنهه تنبيها أنه كيف يمكنهم أن يدركوا كنهه، وهذا وصفه، وهو قوله:﴿ والأرض جميعا قبضته يوم القيامة ﴾[الزمر/67]، وقوله:﴿ أن اعمل سابغات وقدر في السرد ﴾[سبأ/11]، أي: أحكمه، وقوله:﴿ فإنا عليهم مقتدرون ﴾[الزخرف/42]، ومقدار الشيء: للشيء المقدر له، وبه، وقتا كان أو زمانا أو غيرهما، قال:﴿ في يومكان مقداره خمسين ألف سنة ﴾[المعارج/4]، وقوله:﴿ لئلا يعلمأهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضلالله ﴾[الحديد/29]، فالكلام فيه مختص بالتأويل. والقدر: اسم لما يطبخ فيه اللحم، قال تعالى:﴿ وقدور راسيات ﴾[سبأ/13]، وقدرت اللحم: طبخته في القدر، والقدير: المطبوخ فيها، والقدار: الذي ينحر ويقدر، قال الشاعر: - 364 - ضرب القدار نقيعة القدام (هذا عجز بيت، وشطره: إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم وهو لمهلهل. والبيت في الجمهرة 2/253؛ والمجمل 3/745؛ واللسان (قدر)؛ وشرح الحماسة 3/36)