- أصل الفتن: إدخال الذهب النار لتظهر جودته من رداءته، واستعمل في إدخال الإنسان النار. قال تعالى:﴿ يوم هم على النار يفتنون ﴾[الذاريات/ 13]،﴿ ذوقوا فتنتكم ﴾[الذاريات/14]، أي: عذابكم، وذلك نحو قوله:﴿ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ﴾[النساء/56]، وقوله:﴿ النار يعرضون عليها... ﴾الآية [غافر/46]، وتارة يسمون ما يحصل عنه العذاب فيستعمل فيه. نحو قوله:﴿ ألا في الفتنة سقطوا ﴾[التوبة/49]، وتارة في الاختبار نحو:﴿ وفتناك فتونا ﴾[طه/40]، وجعلت الفتنة كالبلاء في أنهما يستعملان فيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وهما في الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا، وقد قال فيهما:﴿ ونبلوكم بالشر والخير فتنة ﴾[الأنبياء/ 35]. وقال في الشدة:﴿ إنما نحن فتنة ﴾[البقرة/102]،﴿ والفتنة أشد من القتل ﴾[البقرة/191]،﴿ وقالتوهم حتى لا تكونفتنة ﴾[البقرة/193]، وقال:﴿ ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا ﴾[التوبة/49]، أي: يقول لا تبلني ولا تعذبني، وهم بقولهم ذلك وقعوا في البلية والعذاب. وقال:﴿ فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم ﴾[يونس/ 83]، أي: يبتليهم ويعذبهم، وقال:﴿ واحذرهم أن يفتنوك ﴾[المائدة/49]،﴿ وإن كادوا ليفتنونك ﴾[الإسراء/73]، أي: يوقعونك في بلية وشدة في صرفهم إياك عما أوحي إليك، وقوله:﴿ فتنتم أنفسكم ﴾[الحديد/14]، أي: أوقعتموها في بلية وعذاب، وعلى هذا قوله:﴿ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ﴾[الأنفال/25]، وقوله:﴿ واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة ﴾[التغابن/15]، فقد سماهم ههنا فتنة اعتبارا بما ينال الإنسان من الاختبار بهم، وسماهم عدوا في قوله:﴿ إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم ﴾[التغابن/14]، اعتبارا بما يتولد منهم، وجعلهم زينة في قوله:﴿ زين للناسحبالشهوات من النساء والبنين... ﴾الآية [آل عمران/14]، اعتبار بأحوال الناس في تزينهم بهم وقوله:﴿ آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ﴾[العنكبوت/1 - 2]، أي: لا يختبرون فيميز خبيثهم من طيبهم، كما قال:﴿ ليميز الله الخبيث من الطيب ﴾[الأنفال/37]، وقوله:﴿ أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون ﴾[التوبة/ 126]، فإشارة إلى ما قال:﴿ ولنبلونكم بشيء من الخوف... ﴾الآية [البقرة/ 155]، وعلى هذا قوله:﴿ وحسبوا ألا تكونفتنة ﴾[المائدة/71]، والفتنة من الأفعال التي تكون من الله تعالى، ومن العبد كالبلية والمصيبة، والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة، ومتى كان من الله يكون على وجه الحكمة، ومتى كان من الإنسان بغير أمر الله يكون بضد ذلك، ولهذا يذم الله الإنسان بأنواع الفتنة في كل مكان نحو قوله:﴿ والفتنة أشد من القتل ﴾[البقرة/191]،﴿ إن الذين فتنوا المؤمنين ﴾[البروج/10]،﴿ ما أنتم عليه بفاتنين ﴾[الصافات/162]، أي: بمضلين، وقوله:﴿ بأيكم المفتون ﴾[القلم/6]. قال الأخفش. المفتون: الفتنة، كقولك: ليس له معقول (أي: إن المفعول ههنا بمعنى المصدر، ومثله كما ذكر المؤلف: المعقول بمعنى العقل، والميسور بمعنى اليسر والمعسور بمعنى العسر، وأيضا: المحلوف بمعنى الحلف، والمجهود بمعنى الجهد. وانظر في ذلك الصاحبي ص 395)، وخذ ميسوره ودع معسوره، فتقديره بأيكم الفتون، وقال غيره: أيكم المفتون (هذا الذي نسبه المصنف لغير الأخفش قد قاله الأخفش في معاني القرآن 2/505؛ والقول الأول الذي نسبه [استدراك] للأخفش هو قول الفراء، فقد قال الفراء: المفتون ههنا بمعنى الجنون، وهو في مذهب الفتون، كما قالوا: ليس له معقول رأي. انظر: معاني القرآن 3/173)، والباء زائدة كقوله:﴿ كفى بالله شهيدا ﴾[الفتح/28]، وقوله:﴿ واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ﴾[المائدة/49]، فقد عدي ذلك ب (عن) تعدية خدعوك لما أشار بمعناه إليه.