- يقال: طهرت المرأة طهرا وطهارة، وطهرت (الفعل مثلث العين، يقال: طهر، وطهر، وطهر. انظر: الأفعال 3/273)، والفتح أقيس؛ لأنها خلاف طمثت، ولأنه يقال: طاهرة، وطاهر، مثل: قائمة وقائم، وقاعدة وقاعد. والطهارة ضربان: طهارة جسم، وطهارة نفس، وحمل عليهما عامة الآيات. يقال: طهرته فطهر، وتطهر، واطهر فهو طاهر ومتطهر. قال تعالى:﴿ وإن كنتم جنبا فاطهروا ﴾[المائدة/6]، أي: استعملوا الماء، أو ما يقوم مقامه، قال:﴿ ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن ﴾[البقرة/222]، فدل باللفظين على أنه لا يجوز وطؤهن إلا بعد الطهارة والتطهير (وهذا مذهب الشافعي. انظر: أحكام القرآن لإلكيا الهراسي 1/137)، ويؤكد قراءة من قرأ:﴿ حتى يطهرن ﴾(وهي قراءة شعبة وحمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص 157) أي: يفعلن الطهارة التي هي الغسل. قال تعالى:﴿ ويحب المتطهرين ﴾[البقرة/222] أي: التاركين للذنب والعاملين للصلاح، وقال:﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا ﴾[التوبة/108]،﴿ أخرجوهم من قريتكم إنهم يتطهرون ﴾[الأعراف/82]،﴿ واللهيحب المطهرين ﴾[التوبة/108]، فإنه يعني تطهير النفس،﴿ ومطهرك من الذين كفروا ﴾[آل عمران/55]، أي: مخرجك من جملتهم ومنزهك أن تفعل فعلهم وعلى هذا:﴿ ويطهركم تطهيرا ﴾[الأحزاب/33]،﴿ وطهرك واصطفاك ﴾[آل عمران/42]،﴿ ذلكم أزكى لكم وأطهر ﴾[البقرة/232]،﴿ أطهر لقلوبكم ﴾[الأحزاب/53]،﴿ لا يمسه إلا المطهرون ﴾[الواقعة/79]، أي: إنه لا يبلغ حقائق معرفته إلا من طهر نفسه وتنقى من درن الفساد (راجع: روح المعاني 27/154). وقوله:﴿ إنهم أناس يتطهرون ﴾[الأعراف/82]، فإنهم قالوا ذلك على سبيل التهكم حيث قال لهم:﴿ هن أطهر لكم ﴾[هود/78]، وقوله تعالى:﴿ لهم فيها أزواج مطهرة ﴾[النساء/ 57، البقرة/25]، أي: مطهرات من درن الدنيا وأنجاسها (قال قتادة: طهرهن الله من كل بول وغائط، وقذر، ومآثم. الدر المنثور 1/98)، وقيل: من الأخلاق السيئة بدلالة قوله:﴿ عربا أترابا ﴾[الواقعة/37]، وقوله في صفة القرآن:﴿ مرفوعة مطهرة ﴾[عبس/14]، وقوله:﴿ وثيابك فطهر ﴾[المدثر/ 4]، قيل: معناه نفسك فنقها من المعايب، وقوله:﴿ وطهر بيتي ﴾[الحج/26]، وقوله:﴿ وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي ﴾[البقرة/125]، فحث على تطهير الكعبة من نجاسة الأوثان. وقال بعضهم: في ذلك حث على تطهير القلب لدخول السكينة فيه المذكورة في قوله:﴿ هو الذي أنزل السكينة في قلوبالمؤمنين ﴾[الفتح/4]، [والطهور قد يكون مصدرا فيما حكى سيبويه (الكتاب 4/42) في قولهم: تطهرت طهورا، وتوضأت وضوءا، فهذا مصدر على فعول، ومثله وقدت وقودا، ويكون اسما غير مصدر كالفطور في كونه اسما لما يفطر به، ونحو ذلك: الوجور والسعوط والذرور (السعوط: كل شيء صببته في الأنف، والوجور: في الفم ومثله النشوق، واللدود. راجع في ذلك المخصص 5/101 - 102؛ وتصحيح الفصيح 1/155 والحجة للفارسي 2/323، وما بين [] مأخوذ من الحجة للفارسي)، ويكون صفة كالرسول ونحو ذلك من الصفات، وعلى هذا:﴿ وسقاهم ربهم شرابا طهورا ﴾[الإنسان/21]، تنبيها أنه بخلاف ما ذكره في قوله:﴿ ويسقى من ماء صديد ﴾[إبراهيم/16]،﴿ وأنزلنا من السماءماء طهورا ﴾[الفرقان/48]. قال أصحاب الشافعي رضي الله عنه: الطهور بمعنى المطهر، وذلك لا يصح من حيث اللفظ لأن فعولا لا يبنى من أفعل وفعل، وإنما يبنى ذلك من فعل (قال أبو بكر ابن العربي: إني تأملته من طريق العربية فوجدت فيها مطلعا شريفا، وهو أن بناء (فعول) للمبالغة، إلا أن المبالغة قد تكون في الفعل المتعدي، كما قال الشاعر: ضروب بنصل السيف سوق سمائها. وقد تكون في الفعل القاصر، كما قال الشاعر: نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل فوصفه الأول بالمبالغة في الضرب، وهو فعل يتعدى، ووصفها الثاني بالمبالغة في النوم، وهو فعل لا يتعدى، وإنما تؤخذ طهورية الماء لغيره من الحسن نظافة، ومن الشرع طهارة. وقد يأتي بناء (فعول) لوجه آخر، وهو العبارة به عن آلة الفعل لا عن الفعل، كقولنا: وقود وسحور؛ فإنه عبارة عن الحطب، وعن الطعام المتسحر به، وكذلك وصف الماء بأنه طهور يكون بفتح الطاء خبرا عن الآلة التي يتطهر بها. فإذا ضممت الفاء في الوقود والسحور والطهور عاد إلى الفعل، وكان خبرا عنه فثبت بهذا أن اسم الفعول يكون بناء للمبالغة، ويكون خبرا عن الآلة، وبعد هذا يقف البيان به عن المبالغة، أو عن الآلة على الدليل، مثاله قوله تعالى:﴿ وأنزلنا من السماءماء طهورا ﴾وقوله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا). راجع: أحكام القرآن 3/1417). وقيل: إن ذلك اقتضى التطهير من حيث المعنى، وذلك أن الطاهر ضربان: ضرب لا يتعداه الطهارة كطهارة الثوب، فإنه طاهر غير مطهر به، وضرب يتعداه، فيجعل غيره طاهرا به، فوصف الله تعالى الماء بأنه طهور تنبيها على هذا المعنى.