بيان
الآيات تنبىء عن سنة إلهية جارية، و هي أن الله سبحانه قضى قضاء حق لا يرد و لا يبدل أن يرسل إلى كل أمة رسولا يبلغهم رسالته ثم يحكم بينه و بينهم حكما فصلا بإنزال العذاب عليهم و إنجاء المؤمنين و إهلاك المكذبين.
ثم تأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يخبرهم أن هذه الأمة يجري فيهم ما جرى في الأمم الماضية من السنة الإلهية من غير أن يستثنوا من كليتها غير أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يذكر لهم فيما لقنه الله من جواب سؤالهم عن وقت العذاب إلا أن القضاء حتم و للأمة عمرا و أجلا كالفرد ينتهي إليه أمد حياتها، و أما وقت النزول فقد أبهم إبهاما.
و قد قدمنا في قوله تعالى: «و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم و هم يستغفرون:» الأنفال: - 33 أن الآية لا تخلو عن إشعار بأن الأمة ستنتزع منهم نعمة الاستغفار بعد زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فينزل عليهم العذاب، و قد تقدم أن الشواهد قائمة على كون الآية مدنية فهي بعد هذه الآيات المكية من قبيل الإيضاح في الجملة بعد الإبهام و من ملاحم القرآن.
و قد حمل بعض المفسرين ما وقع من حديث العذاب في هذه الآيات على عذاب الآخرة، و سياق الآيات يأبى ذلك.
قوله تعالى: «و إما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون» إما نرينك أصله: إن نرك، زيد عليه ما و النون الثقيلة للتأكيد، و الترديد بين الإرادة و التوفي للتسوية و استيعاب التقادير، و المعنى إلينا مرجعهم على أي تقدير، و لفظة ثم للتراخي بحسب ترتيب الكلام دون الزمان و الآية مسوقة لتطييب نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و لتكون كالتوطئة لحديث قضاء العذاب الذي ستفصله الآيات التالية لهذه الآية.
و المعنى طب نفسا فإنا موقعون بهم ما نعدهم سواء أريناك بعض ذاك أو توفيناك قبل أن نريك ذاك فإن أمرهم إلينا و نحن شاهدون لأفعالهم المستوجبة للعذاب لا تغيب عنا و لا ننساها.
و الالتفات من قوله: «نرينك إلى قوله: «ثم الله شهيد» للدلالة على علة الحكم فإن الله سبحانه شهيد على كل فعل بمقتضى ألوهيته.
قوله تعالى: «و لكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط و هم لا يظلمون» قضاء إلهي منحل إلى قضاءين أحدهما: أن لكل أمة من الأمم رسولا يحمل رسالة الله إليهم و يبلغها إياهم، و ثانيهما: أنه إذا جاءهم و بلغهم رسالته فاختلفوا من مصدق له و مكذب فإن الله يقضي و يحكم بينهم بالقسط و العدل من غير أن يظلمهم.
هذا ما يعطيه سياق الكلام من المعنى.
و منه يظهر أن قوله: «فإذا جاء رسولهم» فيه إيجاز بالحذف و الإضمار و التقدير: فإذا جاء رسولهم إليهم و بلغ الرسالة فاختلف قومه بالتكذيب و التصديق، و يدل على ذلك قوله: «قضي بينهم بالقسط و هم لا يظلمون» فإن القضاء إنما يكون فيما اختلف فيه، و لذا كان السؤال عن القسط و عدم الظلم في القضاء في مورد العذاب و الضرار أسبق إلى الذهن.
و قد تقدم الفرق بين الرسول و النبي في مباحث النبوة في الجزء الثاني من الكتاب، و هذا القضاء المذكور في الآية من خواص الرسالة دون النبوة.
قوله تعالى: «و يقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين» سؤال منهم عن وقت هذا القضاء الموعود، و هو القضاء بينهم في الدنيا، و السائلون هم بعض المشركين من معاصري النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و الدليل عليه أمره أن يجيبهم بقوله: «قل لا أملك لنفسي ضرا و لا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل» إلخ، فقول بعضهم: إن السؤال عن عذاب يوم القيامة أو إن السائلين بعض المشركين من الأمم السابقة لا يلتفت إليه.
قوله تعالى: «قل لا أملك لنفسي ضرا و لا نفعا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل» إلى آخر الآية، لما كان قولهم: «متى هذا الوعد إن كنتم صادقين» في معنى قولنا: أي وقت يفي ربك بما وعدك أو يأتي بما أوعدنا به أنه يقضي بيننا و بينك فيهلكنا و ينجيك و المؤمنين بك فيصفو لكم الجو و يكون لكم الأرض و تخلصون من شرنا؟ فهلا عجل لكم ذلك و ذلك - أن كلامهم مسوق سوق الاستعجال تعجيزا و استهزاء كما تدل على استعجالهم الآيات التالية و هذا نظير قولهم: «لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين:» الحجر: - 7.
لقن سبحانه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبدأهم في الجواب ببيان أنه لا يملك لنفسه ضرا حتى يدفعه عنها و لا نفعا حتى يجلبه إليها و يستعجل ذلك إلا ما شاء الله أن يملكه من ضر و نفع فالأمر إلى الله سبحانه جميعا، و اقتراحهم عليه بأن يعجل لهم القضاء و العذاب من الجهل.
ثم يجيب عن سؤالهم عن أصل تعيين الوقت جوابا إجماليا بالإعراض عن تعيين الوقت و الإقبال على ذكر ضرورة الوقوع، أما الأول فإنه من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، و أمره الذي لا يتسلط عليه إلا هو، و قد تقدم قوله في آيات السورة: «و يقولون لو لا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين:» الآية - 20 من السورة.
و أما الثاني أعني ذكر ضرورة الوقوع فقد بين ذلك بالإشارة إلى حقيقة هي من النواميس العامة الجارية في الكون تنحل بها العقدة و تندفع بها الشبهة، و هي أن لكل أمة أجلا لا يتخطاهم و لا يتخطونه فهو آتيهم لا محالة، و إذا أتاهم لم يخبط في وقوعه موقعه و لا ساعة، و هو قوله تعالى: «لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون» أي و أنتم أمة من الأمم فلا محالة لكم أيضا أجل كمثلهم إذا جاءكم لا تستأخرون ساعة و لا تستقدمون.
فإذا فقهوا هذا الكلام و تدبروه بأن لهم أن لكل أمة حياة اجتماعية وراء الحياة الفردية التي لكل واحد من أفرادها و لحياتها من البقاء و العمر ما قضى به الله سبحانه لها و لها، من السعادة و الشقاوة و التكليف و الرشد و الغي و الثواب و العقاب نصيبها، و هي مما اعتنى بها التدبير الإلهي نظير الفرد من الإنسان حذو النعل بالنعل.
و يدلهم على ذلك ما يحدثهم به التاريخ و يفصح عنه الآثار من ديارهم الخربة و مساكنهم الخالية، و قد قص عليهم القرآن أخبار بعضهم كقوم نوح، و عاد قوم هود، و ثمود قوم صالح، و كلدة قوم إبراهيم و أهل سدوم و سائر المؤتفكات قوم لوط و القبط قوم فرعون و غيرهم.
فهؤلاء أمم منقرضة سكنت أجراسهم و خمدت أنفاسهم و لم ينقرضوا إلا بعذاب و هلاك، و لم يعذبوا إلا بعد ما جاءتهم رسلهم بالبينات و لم يأت قوما منهم رسوله إلا و اختلفوا في الحق الذي جاءهم فمنهم من آمن به و منهم من كذب به و هم الأكثرون.
فهذا يدلهم على أن هذه الأمة - و قد اختلفوا في الحق لما جاءهم - سيقضي الله بين رسوله و بينهم فيأخذهم بما أخذ به من خلت من قبلهم من الأمم و إن الله لبالمرصاد.
و على الباحث المتدبر أن يتنبه لأن الله سبحانه و إن بدأ في وعيده بالمشركين غير أنه هدد في أثناء كلامه المجرمين فتعلق الوعيد بهم، و من أهل القبلة مجرمون كغيرهم فلينتظروا عذابا واصبا يفصل به الله بينهم و بين نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، و لينسوا ما يلقيه الشيطان في روعهم أن أمتهم هذه أمة مرحومة رفع الله عنهم عذاب الدنيا إكراما منه لنبيهم نبي الرحمة فهم في أمن من عذاب الله و إن انهمكوا في كل إثم و خطيئة و هتكوا كل حجاب مع أنه لا كرامة عند الله إلا بالتقوى و قد خاطب المؤمنين من هذه الأمة بمثل قوله: «ليس بأمانيكم و لا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به:» النساء: - 123.
و ربما تعدى المتعدي فعطف عذاب الآخرة على عذاب الدنيا فذكر أن الأمة مغفور لهم محسنهم و مسيئهم فلا يبقى لهم في الدنيا إلا كرامة أن لهم أن يفعلوا ما شاءوا فقد أسدل الله عليهم حجاب الأمن و لا في الآخرة إلا المغفرة و الجنة.
و لا يبقى على هذا للملة و الشريعة إلا أنها تكاليف و أحكام جزافية لعب بها رب العالمين و لا يسأل عما يفعل و هم يسألون تعالى عما يقولون علوا كبيرا.
فهذا كله من الإعراض عن ذكر الله و هجر كتابه، و قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا.
قوله تعالى: «قل أ رأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ما ذا يستعجل منه المجرمون» إلى آخر الآيتين، البيات و التبييت الإتيان ليلا و يغلب في الشر كقصد العدو عدوه ليلا.
و لما كان قولهم: «متى هذا الوعد إن كنتم صادقين» في معنى استعجال آية العذاب التي يلجئهم إلى الإيمان رجع بعد بيان تحقق الوقوع إلى توبيخهم و ذمهم من الجهتين فوبخهم أولا على استعجالهم بالعذاب، و هو عذاب فجائي من الحزم أن يكون الإنسان منه على حذر لا أن يستعجل فيه فقال تعالى ملقنا لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): «قل أ رأيتم» و أخبروني «إن أتاكم عذابه بياتا» ليلا «أو نهارا» فإنه عذاب لا يأتيكم إلا بغتة إذ لستم تعلمون وقت نزوله «ما ذا يستعجل منه» من العذاب «المجرمون» أي ما ذا تستعجلون منه و أنتم مجرمون لا يتخطاكم إذا أتاكم.
ففي قوله: «ما ذا يستعجل منه المجرمون» التفات من الخطاب إلى الغيبة و كان النكتة فيه رعاية حالهم أن لا يشافهوا بصريح الشر و ليكون تعرضا لملاك نزول العذاب عليهم و هو إجرامهم.
و وبخهم ثانيا على تأخير إيمانهم إلى حين لا ينفعهم الإيمان فيه و هو حين نزول العذاب فإن آية العذاب يلجئهم إلى الإيمان قطعا على ما هو المجرب من إيمان الإنسان عند إشراف الهلكة، و من جهة أخرى الإيمان توبة و التوبة غير مقبولة عند ظهور آية العذاب و الإشراف على الموت.
فقال تعالى: «أ ثم إذا ما وقع» العذاب «آمنتم به» أي بالقرآن أو بالدين أو بالله «الآن» أي أ تؤمنون به في هذا الآن و الوقت «و قد كنتم به تستعجلون» و كان معنى استعجالهم عدم الاعتناء بشأن هذا العذاب و تحقيره بالاستهزاء به.
قوله تعالى: «ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون» الأشبه أن تكون الآية متصلة بقوله تعالى: «لكل أمة أجل» إلخ، فتكون الآية الأولى تبين تحقق وقوع العذاب عليهم و إهلاكه إياهم، و الآية الثانية تبين أنه يقال لهم بعد الوقوع و الهلاك: ذوقوا عذاب الخلد و هو عذاب الآخرة و لا تجزون إلا أعمالكم التي كنتم تكسبونها و ذنوبكم التي تحملونها و الخطاب تكويني كني به عن شمول العذاب لهم و نيله إياهم، و على هذا المعنى فالآيتان: «قل أ رأيتم - إلى قوله - تستعجلون» واردتان مورد الاعتراض.
قوله تعالى: «و يستنبؤنك أ حق هو قل إي و ربي إنه لحق و ما أنتم بمعجزين» إلى آخر الآية - يستنبؤنك - أي يستخبرونك و قوله: «أ حق هو» بيان له، و الضمير على ما يفيده السياق راجع إلى القضاء أو العذاب، و المآل واحد، و قد أمر سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يؤكد القول في إثباته من جميع جهاته، و بعبارة أخرى أن يجيبهم بوجود المقتضي و عدم المانع.
فقوله: «قل إي و ربي إنه لحق» إثبات لتحققه و قد أكد الكلام بالقسم و الجملة الاسمية و إن و اللام، و قوله: «و ما أنتم بمعجزين» بيان أنه لا مانع هناك يمنع من حلول العذاب بكم.
قوله تعالى: «و لو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به» إلى آخر الآية، إشارة إلى شدة العذاب و أهمية التخلص منه عندهم، و إسرار الندامة إخفاؤها و كتمانها خشية الشماتة و نحوها، و الظاهر أن المراد بالقضاء و العذاب في الآية هو القضاء و العذاب الدنيويان لا غير.
قوله تعالى: «ألا إن لله ما في السموات و الأرض ألا إن وعد الله حق و لكن أكثرهم لا يعلمون» الآية و ما بعدها بيان برهاني على حقية ما ذكره من كونه حقا واقعا لا يمنع عنه مانع فإن كل شيء مما في السماوات و الأرض إذا كان مملوكا لله وحده لا شريك له كان كل تصرف مفروض فيها إليه تعالى، و لم يكن لغيره شيء من التصرف إلا بإذنه فإذا تصرف في شيء كان مستندا إلى إرادته فقط من غير أن يستند إلى مقتض آخر خارج يتصرف في ذاته المقدسة فيحمله على الفعل، أو يتقيد بعدم مانع خارجي إذا وجد تصرف فيه سبحانه بمنعه عن الفعل، فهو تعالى يفعل ما يفعل عن نفسه من غير أن يرتبط إلى مقتض من خارج أو مانع من خارج فإذا أراد سبحانه شيئا فعله من غير ممد أو عائق، و إذا وعد وعدا كان حقا لا مرد له من غير أن يتغير عن وعده بصارف.
فإمعان النظر في ملكه تعالى المطلق الحقيقي يهدي إلى العلم بأن وعده حق لا يمازجه باطل و لكن أكثرهم و هم العامة من الناس لا يعلمون لعجزهم عن الإمعان في هذه الأبحاث الحقيقية أو إعجابهم بسذاجة الفهم و انسلاكهم في سلك العامة.
فهم على ذلك يقيسون ملكه تعالى إلى ملك العظماء المستعلين من الإنسان فإنهم يجدون الواحد من عظمائهم و قد أوتي ملكا و سلطانا و من كل ما يتنافس فيه فيرون له القدرة المطلقة يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد ثم يجدونه ربما يهم و يسعى و لا يقع ما اهتم به أو وعد وعدا ثم لم يف به رعاية لمصلحة شخصه أو غيره أو لمانع عائق فيقيسون أمره تعالى إلى أمره، و وعده إلى وعده.
على أن الوعد عندهم قول من شأنه جواز أن ينطبق على الخارج و أن لا ينطبق.
مع أن حقيقة معنى ملكه و سلطانه و سعة قدرته و نفوذ إرادته أن الناس يعتقدون له ذلك و يتصورونه عظيما فيهم و لو طحنته نازلات الدهر يوما فأهلكته أو تغيرت عليه عقائد الناس بسبب من الأسباب سلبته ما عنده من ملك و قدرة، و معنى وقوع ما أراده أو أحبه أن الأسباب الكونية ساعدته على ذلك و وافقته على ما أحبه، و لو لم تساعده و لم توافقه كلية الأسباب لم يكن له أن يضطرها إلى الخضوع لما يتوهم لنفسه من القدرة كما لا توافقه على مثل الموت و الحياة و الشباب و الشيب و الصحة و المرض و أمور أخرى كثيرة فليس له من الأمر شيء.
لكنه سبحانه مالك لخلقه بمعنى أن وجود كل شيء قائم به متكون متحول بأمره منوط بإذنه، و ما تصرف فيه من شيء فإنما يتصرف عن نفسه لا عن اقتضاء من مقتض خارج مؤثر فيه أو عدم مانع يعوقه عن فعله فلا ينتسب شيء إلا إليه تعالى نفسه أو إلى غيره بإذنه بمقدار ما أذن فكيف يمكن أن يتخلف عن مشيته شيء فيرجع إلى غيره و لا غير هناك يرجع نحوه و ينتسب إليه؟.
و قوله تعالى فعله بما يدل بنفسه على مراده فكيف يتسرب إليه الكذب و هو متن الخارج، و العين الخارجي لا كذب فيه؟ و إنما الكذب و الخطأ شأن المفاهيم الذهنية من حيث انطباقها على الخارج، و كيف يكون وعده باطلا و وعده لنا هو فعله الغائب عن نظرنا المستقبل لنا، و قد وجه كلية الأسباب إليه و لا مرد له؟.
فإمعان النظر في هذه الحقائق ينور للباحث المتدبر معنى ملكه تعالى لما في السماوات و الأرض، و أن لازم ذلك أن وعد الله حق، و أن الارتياب فيه إنما هو من الجهل بمقامه تعالى.
و لذلك قال تعالى أولا: «ألا إن لله ما في السماوات و الأرض» ثم عقبه بقوله كالاستنتاج منه: «ألا إن وعد الله حق» ثم استدرك فقال: «و لكن أكثرهم لا يعلمون» ثم بين ملكه بقوله: «هو يحيي و يميت» إلخ في الآية التالية.
قوله تعالى: «هو يحيي و يميت و إليه ترجعون» احتجاج على ما تقدم في الآية السابقة من ملكه تعالى بالنسبة إلى نوع الإنسان كأنه تعالى يقول: إن أمركم جميعا من حياة و موت و رجوع إليه تعالى فكيف لا تكونون ملكا له.
بحث روائي
في تفسير القمي، و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله: «قل أ رأيتم إن أتاكم عذابه بياتا» يعني ليلا» أو نهارا ما ذا يستعجل منه المجرمون» فهذا عذاب ينزل في آخر الزمان على فسقة أهل القبلة و هم يجحدون نزول العذاب عليهم.
أقول: و الرواية تتأيد بالآيات و تؤيد ما أسلفناه من البيان.
و فيه، بإسناده عن الحسن بن موسى الخشاب، عن رجل، عن حماد بن عيسى عمن رواه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن قوله تبارك و تعالى: «و أسروا الندامة - لما رأوا العذاب» قال: قيل له ما ينفعهم أسرار الندامة و هم في العذاب؟ قال: كرهوا شماتة الأعداء.
|