بيان
إنذار و تبشير بالقيامة يغلب فيه جانب الإنذار، و السورة مكية.
قوله تعالى: «القارعة ما القارعة» مبتدأ و خبر، و القارعة من القرع و هو الضرب باعتماد شديد، و هي من أسماء القيامة في القرآن.
قيل: سميت بها لأنها تقرع القلوب بالفزع و تقرع أعداء الله بالعذاب.
و السؤال عن حقيقة القارعة في قوله: «ما القارعة» مع كونها معلومة إشارة إلى تعظيم أمرها و تفخيمه و أنها لا تكتنه علما، و قد أكد هذا التعظيم و التفخيم بقوله بعد: «و ما أدراك ما القارعة».
قوله تعالى: «يوم يكون الناس كالفراش المبثوت» ظرف متعلق بفعل مقدر نحو اذكر و تقرع و تأتي، و الفراش على ما نقل عن الفراء الجراد الذي ينفرش و يركب بعضه بعضا و هو غوغاء الجراد.
قيل: شبه الناس عند البعث بالفراش لأن الفراش إذا ثار لم يتجه إلى جهة واحدة كسائر الطير و كذلك الناس إذا خرجوا من قبورهم أحاط بهم الفزع فتوجهوا جهات شتى أو توجهوا إلى منازلهم المختلفة سعادة و شقاء.
و المبعوث من البث و هو التفريق.
قوله تعالى: «و تكون الجبال كالعهن المنفوش» العهن الصوف ذو ألوان مختلفة، و المنفوش من النفش و هو نشر الصوف بندف و نحوه فالعهن المنفوش الصوف المنتشر ذو ألوان مختلفة إشارة إلى تلاشي الجبال على اختلاف ألوانها بزلزلة الساعة.
قوله تعالى: «فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية» إشارة إلى وزن الأعمال و أن الأعمال منها ما هو ثقيل في الميزان و هو ما له قدر و منزلة عند الله و هو الإيمان و أنواع الطاعات، و منها ما ليس كذلك و هو الكفر و أنواع المعاصي و يختلف القسمان أثرا فيستتبع الثقيل السعادة و يستتبع الخفيف الشقاء، و قد تقدم البحث عن معنى الميزان في تفسير السور السابقة.
و قوله: «في عيشة راضية» العيشة بكسر العين كالجلسة بناء نوع، و توصيفها براضية - و الراضي صاحبها - من المجاز العقلي أو المعنى في عيشة ذات رضى.
قوله تعالى: «و أما من خفت موازينه فأمه هاوية» الظاهر أن المراد بهاوية جهنم و تسميتها بهاوية لهوي من ألقي فيها أي سقوطه إلى أسفل سافلين قال تعالى: «ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا»: التين: 6.
فتوصيف النار بالهاوية مجاز عقلي كتوصيف العيشة بالراضية و عد هاوية إما للداخل فيها لكونها مأواه و مرجعه الذي يرجع إليه كما يرجع الولد إلى أمه.
و قيل: المراد بأمه أم رأسه و المعنى فأم رأسه هاوية أي ساقطة فيها لأنهم يلقون في النار على أم رأسهم، و يبعده بقاء الضمير في قوله: «ما هيه» بلا مرجع ظاهر.
قوله تعالى: «و ما أدراك ما هيه» ضمير هي لهاوية، و الهاء في «هيه» للوقف و الجملة تفسير تفيد تعظيم أمر النار و تفخيمه.
قوله تعالى: «نار حامية» أي حارة شديدة الحرارة و هو جواب الاستفهام في «ما هيه» و تفسير لهاوية.
بحث روائي
في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «كالعهن المنفوش» قال: العهن الصوف، و في قوله: «و أما من خفت موازينه» قال: من الحسنات، و في قوله: «فأمه هاوية» قال: أم رأسه، يقذف في النار على رأسه.
و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن نفس المؤمن إذا قبضت يلقاها أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير من أهل الدنيا فيقولون: انظروا صاحبكم يستريح فإنه كان في كرب شديد ثم يسألونه ما فعل فلان و فلانة؟ هل تزوجت؟ فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبله فيقول: هيهات قد مات ذاك قبلي فيقولون: إنا لله و إنا إليه راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم و بئست المربية:. أقول: و روي هذا المعنى عن أنس بن مالك و عن الحسن و الأشعث بن عبد الله الأعمى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم).
|