بيان
احتجاجات يلقنها الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ليرد بها ما قالوه في كتاب الله أو في آلهتهم أو اقترحوه في نزول الآية.
قوله تعالى: «و إذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله» هؤلاء المذكورون في الآية كانوا قوما وثنيين يقدسون الأصنام و يعبدونها، و من سننهم التوغل في المظالم و الآثام و اقتراف المعاصي، و القرآن ينهى عن ذلك كله، و يدعو إلى توحيد الله تعالى و رفض الشركاء، و عبادة الله مع التنزه عن الظلم و الفسق و اتباع الشهوات.
و من المعلوم أن كتابا هذا شأنه إذا تليت آياته على قوم ذلك شأنهم لم يكن ليوافق ما تهواه أنفسهم بما يشتمل عليه من الدعوة المخالفة فلو قالوا: ائت بقرآن غير هذا دل على أنهم يقترحون قرآنا لا يشتمل على ما يشتمل عليه هذا القرآن من الدعوة إلى رفض الشركاء و اتقاء الفحشاء و المنكر، و إن قالوا: بدل القرآن كان مرادهم تبديل ما يخالف آراءهم من آياته إلى ما يوافقها حتى يقع منهم موقع القبول، و ذلك كالشاعر ينشد من شعره أو القاص يقص القصة فلا تستحسنه طباع السامعين فيقولون: ائت بغيره أو بدله، و في ذلك تنزيل القرآن أنزل مراتب الكلام و هو لهو الحديث الذي إنما يلقى لتلهو به نفس سامعه و تنشط به عواطفه ثم لا يستطيبه السامع فيقول: ائت بغير هذا أو بدله.
فبذلك يظهر أن قولهم إذا تليت عليهم آيات القرآن: «ائت بقرآن غير هذا» يريدون به قرآنا لا يشتمل من المعارف على ما يتضمنه هذا القرآن بأن يترك هذا و يؤتى بذاك، و قولهم: «أو بدله» أن يغير ما فيه من المعارف المخالفة لأهوائهم إلى معان يوافقها مع حفظ أصله فهذا هو الفرق بين الإتيان بغيره و بين تبديله.
فما قيل: إن الفرق بينهما أن الإتيان بغيره قد يكون معه و تبديله لا يكون إلا برفعه، غير سديد فإنهم ما كانوا يريدون أن يأتيهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذا القرآن و غيره معا قطعا.
و كذا ما ذكره بعضهم أن قولهم: «ائت بقرآن غير هذا أو بدله» إنما أرادوا به أن يمتحنوه بذلك فيغروه حتى إذا أجابهم إلى ذلك كان ذلك نقضا منه لدعوى نفسه أنه كلام الله، و ذلك أنهم لما سمعوا ما بلغهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من آيات القرآن و تلاه عليهم و تحداهم بالإتيان بمثله و عجزوا عن الإتيان بمثله، و كانوا في ريب من كونه كلام الله، و في ريب من كونه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه و لم يكن يفوقهم في الفصاحة و البلاغة و العلم، بل كانوا يرونه دون كبار فصحائهم و مصاقع خطبائهم أرادوا أن يمتحنوه بهذا القول حتى إذا أتاهم بما سألوه كان ذلك ناقضا لأصل دعواه أنه كلام الله.
و كان قصارى أمره أنه امتاز عليهم بهذا النوع من البيان لقوة نفسية فيه كانت خفية عليهم كأسباب السحر لا بوحي.
هذا.
و فيه مضافا إلى مناقضة آخره أوله أنه مدفوع بما يلقنه الله سبحانه من الحجة فإن السؤال الذي لم يصدر إلا بداعي الامتحان و الاختبار من غير داع جدي لا معنى للجواب عنه بالإثبات الجدي بحجة جدية و هو ظاهر.
و في قوله: «و إذا تتلى عليهم آياتنا» التفات من الخطاب إلى الغيبة، و الظاهر أن النكتة فيه أن يكون توطئة إلى إلقاء الأمر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «قل ما يكون لي أن أبدله» إلخ، فإن ذلك لا يتم إلا بصرف الخطاب عنهم و توجيهه إليه (صلى الله عليه وآله وسلم).
قوله تعالى: «قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي» إلى آخر الآية التلقاء بكسر التاء مصدر كاللقاء نظير التبيان و البيان و يستعمل ظرفا.
و الله سبحانه على ما أجاب عن مقترحهم بقولهم: «ائت بقرآن غير هذا أو بدله» في أثناء كلامه بقوله «بينات» فإن الآيات إذا كانت بينات ظاهرة الاستناد إلى الله سبحانه كشفت كشفا قطعيا عما يريده الله سبحانه منهم من رفض الأصنام و الاجتناب من كل ما لا يرتضيه بما أوحى إلى رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من تفصيل دينه رد سؤالهم إليهم تفصيلا بتلقين نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) الحجة في ذلك بقوله: «قل ما يكون لي» إلى آخر الآيات الثلاث.
فقوله: «قل ما يكون لي أن أبدله» إلخ، جواب عن قولهم: «أو بدله» و معناه: قل لا أملك - و ليس لي بحق - أن أبدله من عند نفسي لأنه ليس بكلامي و إنما هو وحي إلهي أمرني ربي أن أتبعه و لا أتبع غيره، و إنما لا أخالف أمر ربي لأني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم و هو يوم لقائه.
فقوله: «ما يكون لي أن أبدله» نفي الحق و سلب الخيرة، و قوله: «إن أتبع إلا ما يوحى إلي» في مقام التعليل بالنسبة إلى قوله: «ما يكون لي» و قوله: «إني أخاف إن عصيت ربي» إلخ، في مقام التعليل بالنسبة إلى قوله: «إن أتبع» إلخ، بما يلوح منه أنه مما تعلق به الأمر الإلهي.
و في قوله: «إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم» نوع محاذاة لما في صدر الكلام من قوله: «قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن» إلخ فإن الإتيان بالوصف للإشعار بأن الباعث لهم أن يقولوا ما قالوا إنما هو إنكارهم للمعاد و عدم رجائهم لقاء الله فقابلهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمر من ربه بقوله: «إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم» فيئول المعنى إلى أنكم تسألون ما تسألون لأنكم لا ترجون لقاء الله لكنني لا أشك فيه فلا يمكنني إجابتكم إليه لأني أخاف عذاب يوم اللقاء، و هو يوم عظيم.
و في تبديل يوم اللقاء بيوم عظيم فائدة الإنذار مضافا إلى أن العذاب لا يناسب اللقاء تلك المناسبة.
قوله تعالى: «قل لو شاء الله ما تلوته عليكم و لا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أ فلا تعقلون» أدراكم به أي أعلمكم الله به، و العمر بضمتين أو بالفتح فالسكون هو البقاء، و إذا استعمل في القسم كقولهم: لعمري و لعمرك تعين الفتح.
و هذه الآية تتضمن رد الشق الأول من سؤالهم و هو قولهم: «ائت بقرآن غير هذا» و معناها على ما يساعد عليه السياق: أن الأمر فيه إلى مشية الله لا إلى مشيتي فإنما أنا رسول و لو شاء الله أن ينزل قرآنا غير هذا و لم يشأ هذا القرآن ما تلوته عليكم و لا أدراكم به فإني مكثت فيكم عمرا من قبل نزول القرآن و عشت بينكم و عاشرتكم و عاشرتموني و خالطتكم و خالطتموني فوجدتموني لا خبر عندي من وحي القرآن، و لو كان ذلك إلي و بيدي لبادرت إليه قبل ذلك، و بدت من ذلك آثار و لاحت لوائحه، فليس إلي من الأمر شيء، و إنما الأمر في ذلك إلى مشية الله و قد تعلقت مشيته بهذا القرآن لا غيره أ فلا تعقلون؟.
قوله تعالى: «فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون» استفهام إنكاري أي لا أحد أظلم و أشد إجراما من هذين الفريقين: المفتري على الله كذبا، و المكذب بآياته فإن الظلم يعظم بعظمة من يتعلق به و إذا اختص بجنب الله كان أشد الظلم.
و ظاهر سياق الاحتجاج في الآيتين أن هذه الآية من تمامها و المعنى: لا أجيبكم إلى ما اقترحتم علي من الإتيان بقرآن غير هذا أو تبديله فإن ذلك ليس إلي و لا لي حق فيه، و لو أجبتكم إليه لكنت أظلم الناس و أشدهم إجراما و لا يفلح المجرمون فإني لو بدلت القرآن و غيرت بعض مواضعه مما لا ترتضونه لكنت مفتريا على الله كذبا و لا أظلم منه، و لو تركت هذا القرآن و جئتكم بغيره مما ترتضونه لكنت مكذبا لآيات الله، و لا أظلم منه.
و ربما احتمل كون الاستفهام الإنكاري بشقيه تعريضا للمشركين أي أنتم أظلم الناس بإثباتكم لله شركاء و هو افتراء الكذب على الله و بتكذيبكم بنبوتي و الآيات النازلة علي و هو تكذيب بآيات الله و لا يفلح المجرمون.
و ذكر بعضهم أن الأول من شقي الترديد للنبي على تقدير إجابتهم و الثاني للمشركين، أي لا أحد أظلم عند الله من هذين الفريقين: المفترين على الله و المكذبين بآياته، و أنا أنعى عليكم الثاني منهما فكيف أرضى لنفسي بالأول و هو شر منه؟ و أي فائدة لي من هذا الإجرام العظيم و أنا أريد الإصلاح؟.
و الذي ذكره من المعنى لا بأس به في نفسه لكن الشأن في استفادته من الآية و دلالة لفظها عليه، و كذا الوجه السابق عليه بالنظر إلى السياق.
قوله تعالى: «و يعبدون من دون الله ما لا يضرهم و لا ينفعهم و يقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله» إلى آخر الآية الكلام: موجه نحو عبدة الأصنام من المشركين و إن كان ربما شمل غيرهم كأهل الكتاب بحسب سعة معناه، و ذلك لمكان «ما» و كون السورة مكية من أوائل ما نزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من القرآن.
و قد كانت عبدة الأصنام يعبدون الأصنام ليتقربوا بعبادتها إلى أربابها و بأربابها إلى رب الأرباب و هو الله سبحانه، و يقولون: «إننا على ما بنا من ألواث البشرية المادية و قذارات الذنوب و الآثام لا سبيل لنا إلى رب الأرباب لطهارة ساحته و قدسها و لا نسبة بيننا و بينه.
فمن الواجب أن نتقرب إليه بأحب خلائقه إليه و هم أرباب الأصنام الذين فوض الله إليهم أمر تدبير خلقه، و نتقرب إليهم بأصنامهم و تماثيلهم و إنما نعبد الأصنام لتكون شفعاء لنا عند الله لتجلب إلينا الخير و تدفع عنا الشر فتقع العبادة للأصنام حقيقة، و الشفاعة لأربابها و ربما نسبت إليها.
و قد وضع في الكلام قوله: «ما لا يضرهم و لا ينفعهم» موضع الأصنام للتلويح إلى موضع خطئهم في مزعمتهم، و هو أن هذا السعي إنما كان ينجح منهم لو كانت هذه الأصنام ضارة نافعة في الأمور و كانت ذوات شعور بالعبادة و التقرب حتى ترضى عن عبادها بعبادتهم لها فتشفع أو يشفع أربابها لهم عند الله إن كان الله يرتضي شفاعتهم و هؤلاء أجسام ميتة لا تشعر بشيء و لا تضر و لا تنفع شيئا.
و قد أمر الله سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحتج على بطلان دعواهم الشفاعة - مضافا إلى ما يلوح إليه قوله: «لا يضرهم و لا ينفعهم» - بقوله: «قل أ تنبئون الله بما لا يعلم في السموات و لا في الأرض» و محصله أن الله سبحانه لا علم له بهذه الشفعاء في شيء من السماوات و الأرض فدعواكم هذه إخبار منكم إياه بما لا يعلم، و هو من أقبح الافتراء و أشنع المكابرة، و كيف يكون في الوجود شيء لا يعلم به الله و هو يعلم ما في السماوات و الأرض؟.
فالاستفهام إنكاري، و نفي العلم بوجود الشفعاء كناية عن نفي وجودها، و لعل اختيار هذا التعبير لكون الشفاعة مما يتقوم بالعلم لذاته فإن الشفاعة إنما تتحقق إذا كان المشفوع عنده عالما بوجود الشافع و شفاعته فإذا فرض أنه لا يعلم بالشفعاء فكيف تتحقق الشفاعة عنده و هو لا يعلم.
و قوله: «سبحانه و تعالى عما يشركون» كلمة تنزيه، و هي من كلام الله و ليست مقولة قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن ظرف المشركين بالنسبة إليه هو الخطاب دون الغيبة فلو كان من كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لقيل: عما تشركون بالخطاب.
قوله تعالى: «و ما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا» قد تقدم في تفسير قوله تعالى: «كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين و منذرين و أنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه و ما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم:» البقرة: - 213 أن الآية تكشف عن نوعين من الاختلاف بين الناس.
أحدهما: الاختلاف من حيث المعاش و هو الذي يرجع إلى الدعاوي و ينقسم به الناس إلى مدع و مدعى عليه و ظالم و مظلوم و متعد و متعدى عليه و آخذ بحقه و ضائع حقه، و هذا هو الذي رفعه الله سبحانه بوضع الدين و بعث النبيين و إنزال الكتاب معهم ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، و يعلمهم معارف الدين و يواجههم بالإنذار و التبشير.
و ثانيهما: الاختلاف في نفس الدين و ما تضمنه الكتاب الإلهي من المعارف الحقة من الأصول و الفروع، و قد صرح القرآن في مواضع من آياته أن هذا النوع من الاختلاف ينتهي إلى علماء الكتاب بغيا بينهم، و ليس مما يقتضيه طباع الإنسان كالقسم الأول، و بذلك ينقسم الطريق إلى طريقي الهداية و الضلال فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق، و قد ذكر سبحانه في مواضع من كلامه بعد ذكر هذا القسم من الاختلاف أنه لو لا قضاء من الله سبق لحكم بينهم فيما اختلفوا فيه و لكن يؤخرهم إلى أجل، قال تعالى: «و ما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم و لو لا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم:» الشورى: - 14 إلى غير ذلك من الآيات.
و سياق الآية السابقة أعني قوله تعالى: «و يعبدون من دون الله ما لا يضرهم و لا ينفعهم» إلخ، لا يناسب من الاختلافين المذكورين إلا الاختلاف الثاني و هو الاختلاف في نفس الدين لأنها تذكر ركوب الناس طريق الضلال بعبادتهم ما لا يضرهم و لا ينفعهم و اتخاذهم شفعاء عند الله و مقتضى ذلك أن يكون المراد من كون الناس سابقا أمة واحدة كونهم على دين واحد و هو دين التوحيد ثم اختلفوا فتفرقوا فريقين موحد و مشرك.
فذكر الله فيها أن اختلافهم كان يقضي أن يحكم الله بينهم بإظهار الحق على الباطل و فيه هلاك المبطلين و إنجاء المحقين لكن السابق من الكلمة الإلهية منعت من القضاء بينهم، و الكلمة هي قوله تعالى لما أهبط الإنسان إلى الدنيا: «و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين:» البقرة: - 36.
و للمفسرين في الآية أقوال عجيبة منها: أن المراد بالناس هم العرب كانوا على دين واحد حق و هو دين إبراهيم (عليه السلام) إلى زمن عمرو بن لحي الذي زوج بينهم الوثنية فانقسموا إلى حنفاء مسلمين، و عبدة أصنام مشركين و أنت خبير أنه لا دليل عليه من جهة اللفظ البتة.
و منها: أن المراد بالناس جميعهم، و المراد من كونهم أمة واحدة كونهم على فطرة الإسلام و إن كانوا مختلفين دائما، فلفظة «كان» منسلخ الزمان، و الآية تحكي عما عليه الناس بحسب الطبع و هو التوحيد، و ما هم عليه بحسب الفعلية و هو الاختلاف فليس الناس بحسب الطبع الفطري إلا أمة واحدة موحدين لكنهم اختلفوا على خلاف فطرتهم.
و فيه أنه خلاف ظاهر الآية و الآية التي في سورة البقرة، و كذا ظاهر سائر الآيات كقوله: «و ما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم:» الشورى: - 14 و قوله: «و ما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم:» آل عمران: - 19.
على أن القول بوجود الاختلاف الدائم بين الناس مع عدم رجوعه إلى الفطرة مما لا يجتمعان.
و منها: أن المراد أن الناس جميعا كانوا على ملة واحدة هي الكفر و الشرك ثم اختلفوا فكان مسلم و كافر.
و هذا أسخف الأقوال في الآية فإنه مضافا إلى كونه قولا بغير دليل يأباه ظاهر الآيات فإن ظاهرها أن ظهور الاختلاف لانتهائه إلى بغي الناس من بعد ما جاءهم العلم أي ظهور الكفر و الشرك عن بغي كان هو المقتضي للحكم بينهم و القضاء عليهم بنزول العذاب و الهلاك فإذا كانوا جميعا على الكفر و الشرك من غير سابقة هدى و إيمان فما معنى استناد الاقتضاء إلى البغي عن علم؟ و ما معنى خلق الجميع و وجود المقتضي لإهلاكهم جميعا إلا انتقاض الغرض الإلهي؟.
و هذا القول أشبه بما قالته النصارى في مسألة التفدية إن الله خلق الإنسان ليطعمه فيسكنه الجنة دائما لكنه عصاه و نقض بذلك غرض الخلقة فتداركه الله بتفدية المسيح.
و منها: قول بعضهم: إن المراد بالكلمة في قوله: «و لو لا كلمة سبقت من ربك» إلخ قوله تعالى فهذه السورة: «إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون:» الآية - 93.
و فيه: أن المراد بالسبق إن كان هو السبق بحسب البيان فالآية متأخرة عن هذه الآية لوقوعها في أواخر السورة، و الآيات متصلة جارية.
على أن الآية في بني إسرائيل خاصة و الضمير في قوله: «بينهم» راجع إليهم و هي قوله: «و لقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق و رزقناهم من الطيبات فما اختلفوا حتى جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون:» يونس - 93.
على أن قوله في بعض الآيات: «و لو لا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم:» الشورى: - 14 لا يلائم هذا المعنى من السبق.
و إن كان المراد بالسبق السبق بحسب القضاء فينبغي أن يتبع في ذلك أول كلمة قالها الله تعالى في ضلال الناس و شركهم و معصيتهم، و ليست إلا ما قاله عند أول ما أسكن الإنسان الأرض و هو ما قدمناه من الآية.
قوله تعالى: «و يقولون لو لا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين» الآية كقوله قبلها: «و يعبدون من دون الله» و قوله قبله: «و إذا تتلى عليهم آياتنا» تعد أمورا من مظالم المشركين في أقوالهم و أعمالهم ثم ترد عليها بحجج تلقنها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليقيمها عليهم كما مر في أول الآيات فقوله: «و يقولون لو لا أنزل» إلخ، عطف على قوله في أول الآيات: «و إذا تتلى عليهم آياتنا».
و فيها مع ذلك عود بعد عود إلى إنكارهم أمر القرآن فإن مرادهم بقولهم: «لو لا أنزل عليه آية من ربه» و إن كان طلب آية أخرى غير القرآن لكنهم إنما قالوه إزراء و تحقيرا لأمر القرآن و استخفافا به لعدم عده آية إلهية و الدليل عليه قوله تعالى: «فقل إنما الغيب لله» و لم يقل: «قل» كما قال في سائر الآيات كأنه يقول: و يطلبون منك آية أخرى غير مكتفين بالقرآن و لا راضين به فإذا لم يكتفوا به آية فقل: إنما الآيات من الغيب المختص بالله و ليست بيدي فانتظروا إني معكم من المنتظرين.
فهذا هو المستفاد من الآية و فيها دلالة على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ينتظر آية فاصلة بين الحق و الباطل غير القرآن قاضية بينه و بين أمته، و سيجيء الوعد الصريح منه بهذه الآية - التي يأمر بانتظارها هاهنا - في قوله: «و إما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم:» يونس: - 46 إلى تمام عدة آيات.
قوله تعالى: «و إذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا» إلى آخر الآية مضمون الآية و إن كان من المعاني العامة الجارية في أغلب الناس في أكثر الأوقات فإن الفرد من الإنسان لا يخلو عن أن يمسه سراء بعد ضراء بل قلما يتفق أن لا يتكرر في حقه ذلك لكن الآية من جهة السياق المتقدم كأنها مسوقة للتعريض للمشركين و مكرهم في آيات الله، و الدليل عليه قوله: «قل الله أسرع مكرا» فقد كان النظر معطوفا على مكر طائفة خاصة و هم المخاطبون بهذه الآيات حيث كانوا يمكرون بآيات السراء و الضراء بعد ظهورها، و من مكرهم مكرهم في القرآن الذي هو آية إلهية و رحمة أذاقهم الله إياها بعد ضراء الجهالة العالقة بهم و شمول ضنك العيش و الذلة و التفرقة و تباعد القلوب و بغضائها لهم و هم يمكرون به فتارة يقولون «ائت بقرآن غير هذا أو بدله» و تارة يقولون: «لو لا أنزل عليه آية من ربه».
فالآية تبين لهم أن هذا كله مكر يمكرونه في آيات الله، و تبين لهم أن المكر بآيات الله لا يعقب إلا السوء من غير أن ينفعهم شيئا فإن الله أسرع مكرا يأخذهم مكره قبل أن يأخذ مكرهم آياته فإن مكرهم بآيات الله عين مكر الله بهم.
فمعنى الآية: «و إذا أذقنا الناس» عبر عن الإصابة بالإذاقة للإيماء إلى التذاذهم بالرحمة و عناية بالقلة فإن الذوق يستعمل في القليل من التغذي «رحمة من بعد ضراء مستهم» و التعبير بالرحمة في موضع السراء للإشارة إلى أنها من الرحمة الإلهية من غير أن يستوجبوا ذلك فكان من الواجب عليهم أن يقوموا بحقه، و يخضعوا لما تدعو إليه الآية و هو توحيد ربهم و شكر نعمته لكنهم يفاجئون بغير ذلك «إذا لهم مكر في آياتنا» كتوجيه الحوادث بما تبطل به دلالة الآيات كقولهم قد مس آباءنا السراء و الضراء، و الاعتذار بما لا يرتضيه الله كقولهم: «لو لا أنزل عليه آية» و قولهم: «إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا».
فأمر الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجيبهم بقوله: «قل الله أسرع مكرا» ثم علله بقوله: «إن رسلنا يكتبون ما تمكرون» فلنا عليكم شهداء رقباء أرسلناهم إليكم يكتبون أعمالكم و يحفظونها و بمجرد، ما عملتم عملا حفظ عليكم و تعين جزاؤه لكم قبل أن يؤثر مكركم أثره أو لا يؤثر كما فسروه.
و هنا شيء و هو أن الظاهر من قوله تعالى: «هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون:» الجاثية: - 29 على ما سيجيء من البيان في تفسير الآية إن شاء الله تعالى أن معنى كتابة الملائكة أعمال العباد هو إخراجهم الأعمال من كمون الاستعدادات إلى مرحلة الفعلية الخارجية و رسم نفس الأعمال في صحيفة الكون و بذلك تنجلي علية كتابة الرسل لأعمالهم لكونه تعالى أسرع مكرا تمام الانجلاء فإن حقيقة المعنى على هذا: أنا نحن نخرج أعمالكم التي تمكرون بها من داخل ذواتكم و نضعها في الخارج فكيف يخفى علينا كونكم تريدون بنا المكر بذلك؟ و هل المكر إلا صرف الغير عما يقصده بحيلة و ستر عليه بل ذاك الذي تزعمونه مكرا بنا مكر منا بكم حيث نجعلكم تزعمونه مكرا و تقدمون على المكر بنا، و هذه المزعمة و الإقدام ضلال منكم و إضلال منا لكم جزاء بما كسبته أيديكم، و سيأتي نظير هذا المعنى في قوله: «يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم»: الآية - 23 من السورة.
و في الآية التفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله: «إن رسلنا يكتبون ما تمكرون» على قراءة تمكرون بتاء الخطاب و هي القراءة المشهورة و هو من عجيب الالتفات الواقع في القرآن و لعل النكتة فيه تمثيل معنى قوله: «قل الله أسرع مكرا» في العين كأنه تعالى لما قال لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): «قل الله أسرع مكرا» أراد أن يوضحه لهم عيانا ففاجأهم بتجليه لهم دفعة فكلمهم و أوضح لهم السبب في كونه أسرع مكرا ثم حجبهم عن نفسه فعادوا إلى غيبتهم و عاد الكلام إلى حاله، و خوطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ببقية الخطاب: «هو الذي يسيركم» إلخ، و هذا من لطيف الالتفات.
قوله تعالى: «هو الذي يسيركم في البر و البحر حتى إذا كنتم في الفلك و جرين بهم» إلى آخر الآية، الفلك السفينة و تستعمل مفردا و جمعا، و المراد بها هاهنا الجمع بدليل قوله: «و جرين بهم» و الريح العاصف: الشديدة الهبوب، و قوله: «أحيط بهم» كناية عن الإشراف على الهلاك و تقديره أحاط بهم البلاء أو الأمواج، و الإشارة بقوله: «من هذه» إلى الشدة.
و معنى الآية ظاهر.
و فيها من عجيب الالتفات الالتفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله: «و جرين بهم بريح طيبة - إلى قوله - بغير الحق» و لعل النكتة فيه إرجاعهم إلى الغيبة و توجيه الخطاب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و وصف أعجب جزء من هذه القصة الموصوفة له ليسمعه و يتعجب منه، و يكون فيه مع ذلك إعراض عن الأمر بمخاطبتهم لأنهم لا يفقهون القول.
قوله تعالى: «فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق» أصل البغي هو الطلب و يكثر استعماله في مورد الظلم لكونه طلبا لحق الغير بالتعدي عليه و يقيد حينئذ بغير الحق، و لو كان بمعنى الظلم محضا لكان القيد زائدا.
و الجملة من تتمة الآية السابقة، و المجموع أعني قوله: «هو الذي يسيركم في البر و البحر - إلى قوله - بغير الحق» بمنزلة الشاهد و المثال بالنسبة إلى عموم قوله قبله: «و إذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم» إلى آخر الآية، أو لخصوص قوله: «قل الله أسرع مكرا» و على أي حال فقوله: «يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم» إلخ، مما يتوقف عليه تمام الغرض من الكلام في الآية السابقة و إن لم يكن من كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فافهم ذلك.
قوله تعالى: «يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحيوة الدنيا ثم إلينا مرجعكم» إلى آخر الآية، في الكلام التفات من الغيبة إلى الخطاب فقوله: «يا أيها الناس» إلخ، خطاب منه تعالى للناس بلا واسطة، و ليس من كلام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مما أمره الله سبحانه أن يخاطب به الناس.
و الدليل على ذلك قوله تعالى «ثم إلينا مرجعكم» إلى آخر الآية، فإنه لا يصلح أن يكون من خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
و النكتة في هذا الالتفات هي نظير النكتة التي قدمنا ذكرها في قوله تعالى في أول الكلام: «إن رسلنا يكتبون ما تمكرون» فكأنه سبحانه يفاجئهم بالاطلاع عليهم أثناء ما يخاطبهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هم يحسبون أن ربهم غائب عنهم غافل عن نياتهم و مقاصدهم في أعمالهم فيشرف عليهم و يمثل بذلك كونه معهم في جميع أحوالهم و إحاطته بهم و يقول لهم: أنا أقرب إليكم و إلى أعمالكم منكم فما تعملونه من عمل تريدون به أن تبتغوا علينا و تمكروا بنا إنما توجد بتقديرنا و تجري بأيدينا فكيف يمكنكم أن تبغوا بها علينا؟ بل هي بغي منكم على أنفسكم فإنها تبعدكم منا و تكتب آثامها في صحائف أعمالكم فبغيكم على أنفسكم و هو متاع الحياة الدنيا تتمتعون به أياما قلائل ثم إلينا مرجعكم فنخبركم و نوضح لكم هناك حقائق أعمالكم.
و قوله: «متاع الحيوة الدنيا» بالنصب في قراءة حفص عن عاصم و التقدير: تتمتعون متاع الحياة الدنيا، و بالرفع في قراءة غيره و هو خبر لمبتدإ محذوف، و التقدير هو أي بغيكم و عملكم متاع الحياة الدنيا.
و على كلتا القراءتين فقوله: «متاع الحيوة الدنيا» إلى آخر الآية، تفصيل لإجمال قوله: «إنما بغيكم على أنفسكم» فقوله «متاع» إلخ، في مقام التعليل بالنسبة إلى كون بغيهم على أنفسهم من قبيل تعليل الإجمال بالتفصيل و بيانه به.
قوله تعالى: «إنما مثل الحيوة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض» إلى آخر الآية، لما ذكر سبحانه في الآية السابقة متاع الحياة الدنيا مثل له بهذا المثل يصف فيه من حقيقة أمره ما يعتبر به المعتبرون، و هو من الاستعارة التمثيلية و ليس من تشبيه المفرد بالمفرد من شيء و إن أوهم ذلك قوله: «كماء أنزلناه» ابتداء، و نظائره شائعة في أمثال القرآن، و الزخرف الزينة و البهجة، و قوله: «لم تغن» من غني في المكان إذا أقام فيه فأطال المقام، و الباقي ظاهر.
قوله تعالى: «و الله يدعوا إلى دار السلام و يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم» الدعاء و الدعوة عطف نظر المدعو إلى ما يدعى إليه و جلب توجهه و هو أعم من النداء فإن النداء يختص بباب اللفظ و الصوت، و الدعاء يكون باللفظ و الإشارة و غيرهما، و النداء إنما يكون بالجهر و لا يقيد به الدعاء.
و الدعاء في الله سبحانه تكويني و هو إيجاد ما يريده لشيء كأنه يدعوه إلى ما يريده، قال تعالى: «يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده»: إسراء: - 52 أي يدعوكم إلى الحياة الأخروية فتستجيبون إلى قبولها، و تشريعي و هو تكليف الناس بما يريده من دين بلسان آياته، و الدعاء من العبد لربه عطف رحمته و عنايته إلى نفسه بنصب نفسه في مقام العبودية و المملوكية، و لذا كانت العبادة في الحقيقة دعاء لأن العبد ينصب فيها نفسه في مقام المملوكية و الاتصال بمولاه بالتبعية و الذلة ليعطفه بمولويته و ربوبيته إلى نفسه و هو الدعاء.
و إلى ذلك يشير قوله تعالى: «و قال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين: «المؤمن - 60 حيث عبر أولا بالدعاء ثم بدله ثانيا العبادة.
و قد التبس الأمر على صاحب المنار فقال في تفسيره: إن قول بعض المفسرين و غيرهم: إن من معاني الدعاء العبادة لا يصح على إطلاقه في العبادة الشرعية التكليفية فإن الصيام لا يسمى دعاء لغة و لا شرعا و إنما الدعاء هو مخ العبادة الفطرية و أعظم أركان التكليفية منها كما ورد في الحديث فكل دعاء شرعي عبادة و ما كل عبادة شرعية دعاء.
انتهى و منشأ خطئه زعمه أن معنى الدعاء هو النداء للطلب و غفلته عما تقدم من تحليل معناه.
و الأصل في معنى السلام على ما ذكره الراغب في المفردات، هو التعري عن الآفات الظاهرة و الباطنة، و إليه يرجع معناه في جميع مشتقاته، و السلام و السلامة واحد كالرضاع و الرضاعة، و الظاهر أن السلام و الأمن متقاربان معنى، و إنما الفارق أن السلام هو الأمن مأخوذا في نفسه، و الأمن هو السلام مضافا إلى ما يسلم منه يقال: هو في سلام، و هو في أمن من كذا و كذا.
و السلام من أسمائه تعالى لأن ذاته المتعالية نفس الخير الذي لا شر فيه، و تسمى الجنة دار السلام حيث لا شر فيها و لا ضر على ساكنها، و قيل: إنما سميت دار السلام لأنها دار الله الذي هو السلام، و المال واحد في الحقيقة لأنه تعالى إنما سمي سلاما لبراءته من كل شر و سوء، و في سياق الآية ما يشعر بكون معنى السلام الوصفي مقصودا في الكلام.
و قد أطلق سبحانه السلام و لم يقيده بشيء و لا ورد في كلامه ما يقيده ببعض الحيثيات فهو دار السلام على الإطلاق و ليست إلا الجنة فإن ما يوجد عندنا في الدنيا من السلام إنما هو الإضافي دون المطلق فما من شيء إلا و هو مزاحم ممنوع من بعض ما يحبه و يهواه، و ما من حال إلا و فيه مقارنات من الأضداد و الأنداد.
فإذا أخذت معنى السلام مطلقا غير نسبي تحصل عندك ما عليه الجنة من الوصف، و انكشف أن توصيفها بهذه الصفة نظير توصيفها في قوله: «لهم ما يشاءون فيها:» ق - 35، فإن سلامة الإنسان من كل ما يكرهه و لا يحبه تلازم سلطانه على كل ما يشاؤه و يحبه.
و في تقييد دار السلام بكونها عند ربهم دلالة على قرب الحضور و عدم غفلتهم عنه سبحانه هناك أصلا، و قد تقدم الكلام في معنى الهداية و معنى الصراط المستقيم في مواضع من الأبحاث السابقة كتفسير سورة الحمد و غيره.
بحث روائي
في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «قال الذين لا يرجون لقاءنا - ائت بقرآن غير هذا الآية، قال فإن قريشا قالت: يا رسول الله ائتنا بقرآن غير هذا فإن هذا شيء تعلمته من اليهود و النصارى، قال الله: قل لهم: لو شاء الله ما تلوته عليكم و لا أدراكم به فقد لبثت فيكم أربعين سنة قبل أن يوحى إلي، و لم أتكلم بشيء منه حتى أوحي إلي.
أقول: و في انطباق مضمونه على الآية خفاء، على ما فيه من مخاطبتهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة.
و في تفسير العياشي، عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم حتى نزلت سورة الفتح فلم يعد إلى ذلك الكلام.
أقول: و الرواية لا تخلو عن شيء.
و في الدر المنثور، أخرج البيهقي في الدلائل عن عروة قال: فر عكرمة بن أبي جهل يوم الفتح فركب البحر فأخذته الريح فنادى باللات و العزى، فقال أصحاب السفينة: لا يجوز هاهنا أحد يدعو شيئا إلا الله وحده مخلصا، فقال عكرمة: و الله لئن كان في البحر وحده إنه لفي البر وحده، فأسلم.
أقول: و الرواية مروية بطرق كثيرة مختلفة.
و في تفسير العياشي، عن منصور بن يونس عن أبي عبد الله (عليه السلام): ثلاث يرجعن على صاحبهن: النكث و البغي و المكر، قال الله: يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم.
أقول: و هو مروي عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ثلاث هن رواجع على أهلها: النكث و المكر و البغي. ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم» «و لا يحيق المكر السيىء إلا بأهله» «و من نكث فإنما ينكث على نفسه»: أورده في الدر المنثور،. و في الدر المنثور، أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي جعفر محمد بن علي قال: ما من عبادة أفضل من أن تسأل، و ما يدفع القضاء إلا الدعاء، و إن أسرع الخير ثوابا البر، و أسرع الشر عقوبة البغي و كفى بالمرء عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، و أن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه، و أن يؤذي جليسه بما لا يعنيه. و فيه، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لو بغى جبل على جبل لدك الباغي منهما. و في تفسير البرهان، عن ابن بابويه بإسناده عن العلاء بن عبد الكريم قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: في قول الله عز و جل: «و الله يدعوا إلى دار السلام» فقال إن السلام هو الله عز و جل و داره التي خلقها لأوليائه الجنة. و فيه، عن ابن شهرآشوب عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه و زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام): في قوله تعالى: «و الله يدعوا إلى دار السلام» يعني به الجنة «و يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم» يعني ولاية علي بن أبي طالب.
أقول: إن كانت الرواية موقوفة فهي من الجري أو من الباطن من معنى القرآن، و في معناها روايات أخر.
|