بيان
تتضمن الآيات الاستشهاد على حقية ما أنزله الله في السورة من المعارف الراجعة إلى المبدإ و المعاد و ما قصة من قصص الأنبياء و أممهم - و منهم نوح و موسى و من بينهما من الأنبياء (عليهم السلام) و أممهم - إجمالا بما قرأه أهل الكتب السماوية فيها قبل نزول القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
ثم تذكر ما هو كالفذلكة و المعنى المحصل من البيانات السابقة و هو أن الناس لن يملكوا من أنفسهم أن يؤمنوا بالله و آياته إلا بإذن الله، و إنما يأذن الله في إيمان من لم يطبع على قلبه و لم يجعل الرجس عليه و إلا فمن حقت عليه كلمة الله لن يؤمن بالله و آياته حتى يرى العذاب.
فالسنة الجارية أن الناس منذ خلقوا و اختلفوا بين مكذب بآيات الله و مصدق لها، و قد جرت سنة الله على أن يقضي فيهم بالحق بعد مجيء رسلهم إليهم فينجي الرسل و المؤمنين بهم، و يأخذ غيرهم بالهلاك.
قوله تعالى: «فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك» إلى آخر الآية الشك الريب، و المراد بقوله: «مما أنزلنا إليك» المعارف الراجعة إلى المبدإ و المعاد و السنة الإلهية في القضاء على الأمم مما تقدم في السورة، و قوله: «يقرءون الكتاب من قبلك» «يقرءون» فعل مضارع استعمل في الاستمرار و «من قبلك» حال من الكتاب عامله متعلقة المقدر، و التقدير منزلا من قبلك.
كل ذلك على ما يعطيه السياق.
و المعنى «فإن كنت» أيها النبي «في شك» و ريب «مما أنزلنا إليك» من المعارف الراجعة إلى المبدإ و المعاد و ما قصصنا عليك إجمالا من قصص الأنبياء الحاكية لسنة الله الجارية في خلقه من الدعوة أولا ثم القضاء بالحق «فاسأل» أهل الكتاب «الذين» لا يزالون «يقرءون» جنس «الكتاب» منزلا من السماء «من قبلك» أقسم «لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين» المترددين.
و هذا لا يستلزم وجود ريب في قلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و لا تحقق شك منه فإن هذا النوع من الخطاب كما يصح أن يخاطب من يجوز عليه الريب و الشك كذلك يصح أن يخاطب به من هو على يقين من القول و بينه من الأمر على نحو التكنية عن كون المعنى الذي أخبر به المخبر مما تعاضدت عليه الحجج و تجمعت عليه الآيات فإن فرض من المخاطب أو السامع شك في واحدة منها كان له أن يأخذ بالأخرى.
و هذه طريقة شائعة في عرف التخاطب و التفاهم يأخذ بها العقلاء فيما بينهم جريا على ما تدعوهم إليه قرائحهم ترى الواحد منهم يقيم الحجة على أمر من الأمور ثم يقول: فإن شككت في ذلك أو سلمنا أنها لا توجب المطلوب فهناك حجة أخرى على ذلك و هي أن كذا كذا و ذلك كناية عن أن الحجج متوفرة متعاضدة كالدعائم المضروبة على ما لا يحتاج إلى أزيد من واحد منها لكن الغرض من تكثيرها هو أن تكون العريشة قائمة عليها على تقدير قيام الكل و البعض.
فيئول معنى الكلام إلى أن هذه معارف بينها الله لك بحجج تضطر العقول إلى قبولها و قصص تحكي سنة الله في خلقه و الآثار تدل عليها، بينها في كتاب لا ريب فيه، فعلى ما بينه حجة و هناك حجة أخرى و هي أن أهل الكتب السماوية الموفين لها حق قراءتها يجدون ذلك فيما يقرءونه من الكتاب فهناك مبدأ و معاد، و هناك دين إلهي بعث به رسله يدعون إليه، و لم يدعوا أمة من الأمم إلا انقسموا قبيلين مؤمن و مكذب فأنزل الله آية فاصلة بين الحق و الباطل و قضى بينهم.
و هذا أمر لا يسع أهل الكتاب أن ينكروه، و إنما كانوا ينكرون بشارات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بعض ما يختص به الإسلام من المعارف و ما غيروه في الكتب من الجزئيات، و من لطيف الإشارة أن الله سبحانه لم يذكر في القصص المذكورة في هذه السورة قصة هود و صالح لعدم تعرض التوراة الموجودة عندهم لقصتهما و كذا قصة شعيب و قصة المسيح لعدم توافق أهل الكتاب عليها و ليس إلا لمكان أن يستشهد في هذه الآية بما لا يمتنعون من تصديقه.
فهذه الآية في إلقاء الحجة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وزانها وزان قوله تعالى: «أ و لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل:» الشعراء: - 197 في إلقاء الحجة إلى الناس.
على أن السورة من أوائل السور النازلة بمكة، و لم تشتد الخصومة يومئذ بين المسلمين و أهل الكتاب و خاصة اليهود اشتدادها بالمدينة، و لم يركبوا بعد من العناد و اللجاج ذاك المركب الصعب الذي ركبوه بعد هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، و نشوب الحروب بينهم و بين المسلمين حتى بلغوا المبلغ الذي قالوا: «ما أنزل الله على بشر من شيء:» الأنعام: - 91.
فهذا ما يعطيه سياق الآية من المعنى، و أظنك إن أمعنت في تدبر الآية و سائر الآيات التي تناسبها مما يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بحقية ما نزل إليه من ربه، و يتحدى على البشر بعجزهم عن إتيان مثله، و ما يصف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه على بصيرة من أمره، و أنه على بينه من ربه أقنعك ذلك فيما قدمناه من المعنى، و أغناك عن التمحلات التي ارتكبوها في تفسير الآية بما لا جدوى في نقلها و البحث عنها.
قوله تعالى: «و لا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله فتكون من الخاسرين» نهى عن الارتياب و الامتراء أولا ثم ترقى إلى النهي عن التكذيب بآيات الله و هو العناد مع الحق استكبارا على الله فإن الآية لا تكون آية إلا مع وضوح دلالتها و ظهور بيانها و تكذيب ما هذا شأنه لا يكون مبينا إلا على العناد و اللجاج.
و قوله: «فتكون من الخاسرين» تفريع على التكذيب بآيات الله فهو نتيجته و عاقبته فهو المنهي عنه بالحقيقة.
و المعنى: و لا تكن من الخاسرين، و الخسران زوال رأس المال بانتقاصه أو ذهاب جميعه، و هو الإيمان بالله و آياته الذي هو رأس مال الإنسان في سعادة حياته في الدنيا و الآخرة على ما يستفاد من الآية التالية حيث يعلل خسرانهم بأنهم لا يؤمنون.
قوله تعالى: «إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون و لو جاءتهم كل آية» إلخ، تعليل للنهي السابق ببيان ما للمنهي عنه من الشأن فإن أصل النظم بحسب المعنى المستفاد من السياق أن يقال: لا تكونن من المكذبين لأن المكذبين لا يؤمنون فيكونون خاسرين لأن رأس مال السعادة هو الإيمان فوضع قوله «الذين حقت عليهم كلمة ربك» موضع «المكذبين» للأدلة على سبب الحكم و أن المكذبين إنما يخسرون لأن كلمة الله سبحانه تحق عليهم فالأمر على كل حال إلى الله سبحانه.
و الكلمة الإلهية التي حقت على المكذبين بآيات الله هي قوله يوم شرع الشريعة العامة لآدم و زوجته فمن بعدهما من ذريتهما: «قلنا اهبطوا منها جميعا - إلى قوله - و الذين كفروا و كذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون:» البقرة: - 39.
و هذا هو الذي يريده بقوله في مقام بيان سبب خسران المكذبين: إن الذين حقت عليهم كلمة ربك» و هم المكذبون حقت عليهم كلمة العذاب فهم «لا يؤمنون» و لذلك كانوا خاسرين لأنهم ضيعوا رأس مال سعادتهم و هو الإيمان فحرموه و حرموا بركاته في الدنيا و الآخرة، و إذ حق عليهم أنهم لا يؤمنون فلا سبيل لهم إلى الإيمان و لو جاءتهم كل آية «حتى يروا العذاب الأليم» و لا فائدة في الإيمان الاضطراري.
و قد كرر الله سبحانه في كلامه هذا القول و استتباعه للخسران و عدم الإيمان كقوله: «لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون:» يس: - 7، و قوله: «لينذر من كان حيا و يحق القول على الكافرين:» يس: - 70 أي بتكذيبهم بالآيات المستتبع لعدم إيمانهم فخسرانهم، و قوله: «و حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن و الإنس أنهم كانوا خاسرين:» حم السجدة: - 25 إلى غير ذلك.
و قد ظهر من الآيات أولا أن العناد مع الحق و التكذيب بآيات الله يحق كلمة العذاب الخالد على الإنسان.
و ثانيا: أن رأس مال سعادة الحياة للإنسان هو الإيمان.
و ثالثا: أن كل إنسان فهو مؤمن لا محالة إما إيمانا اختياريا مقبولا يسوقه إلى سعادة الحياة الدنيا و الآخرة، و إما إيمانا اضطراريا غير مقبول حيثما يرى العذاب الأليم.
قوله تعالى: «فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي» إلخ، ظاهر السياق أن لو لا للتحضيض، و أن المراد بقوله: «آمنت» الإيمان الاختياري الصحيح كما يشعر به قوله بعده: «فنفعها إيمانها» و لوقوع التحضيض على أمر ماض لم يتحقق أفادت الجملة معنى اليأس المساوق للنفي فاستقام الاستثناء الذي في قوله: «إلا قوم يونس».
و المعنى: هلا كانت قرية - من هذه القرى التي جاءتهم رسلنا فكذبوهم - آمنت قبل نزول العذاب إيمانا اختياريا فنفعها إيمانها.
لا و لم يؤمن إلا قوم يونس لما آمنت كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا و متعناهم بالحياة إلى حين آجالهم العادية الطبيعية.
و منه يعلم أن الاستثناء متصل.
و ذكر بعضهم أن المعنى لم يكن فيما خلا أن يؤمن أهل قرية بأجمعهم حتى لا يشذ منهم أحد إلا قوم يونس فهلا كانت القرى كلها هكذا.
و فيه أنه في نفسه معنى لا بأس فيه إلا أن الآية بلفظها لا تنطبق عليه بما فيه من الخصوصيات و هو ظاهر.
و ذكر بعض آخر: أن المعنى لم يكن معهودا من حال قرية من القرى أن يكفر ثم يؤمن فينفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنت كشفنا عنهم العذاب و متعناهم.
و الإشكال عليه كالإشكال على سابقه.
قوله تعالى: «و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا» أي لكنه لم يشأ ذلك فلم يؤمن جميعهم و لا يؤمن فالمشيئة في ذلك إلى الله سبحانه و لم يشأ ذلك فلا ينبغي لك أن تطمع فيه و لا أن تجتهد لذلك لأنك لا تقدر على إكراههم و إجبارهم على الإيمان، و الإيمان الذي نريده منهم هو ما كان عن حسن الاختيار لا ما كان عن إكراه و إجبار.
و لذلك قال بعد ذلك في صورة الاستفهام الإنكاري: «أ فأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» أي بعد ما بينا أن أمر المشية إلى الله و هو لم يشأ إيمان جميع الناس فلا يؤمنون باختيارهم البتة لم يبق لك إلا أن تكره الناس و تجبرهم على الإيمان، و أنا أنكر ذلك عليك فلا أنت تقدر على ذلك و لا أنا أقبل الإيمان الذي هذا نعته.
قوله تعالى: «و ما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله و يجعل الرجس على الذين لا يعقلون» لما ذكر في الآية السابقة أن الأمر إلى الله سبحانه لو شاء أن يؤمن أهل الأرض جميعا لآمنوا لكنه لم يشأ فلا مطمع في إيمان الجميع زاد في هذه الآية في بيان ذلك ما محصله أن الملك - بالكسر - لله فله أصالة التصرف في كل أمر لا يشاركه في ذلك مشارك إلا أن يأذن لبعض ما خلقه في بعض التصرفات.
و الإيمان بالله عن اختيار و الاهتداء إليه أمر من الأمور يحتاج في تحققه إلى سبب يخصه، و لا يؤثر هذا السبب و لا يتصرف في الكون بإيجاد مسببه إلا عن إذن من الله سبحانه في ذلك لكن الله سبحانه بجعل الرجس و الضلال على أهل العناد و الجحود لم يأذن في إيمانهم، و لا رجاء في سعادتهم.
و لو أنه تعالى أذن في ذلك لأحد لأذن في إيمان غير أولئك المكذبين فقوله: «و ما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله» حكم عام حقيقي ينيط تملك النفوس للإيمان إلى إذن الله، و قوله: «و يجعل الرجس» إلخ، يسلب عن الذين لا يعقلون استعداد حصول الإذن فيبقى غيرهم.
و قد أريد في الآية بالرجس ما يقابل الإيمان من الشك و الريب بمعنى أنه هو المصداق المنطبق عليه الرجس في المقام لما قوبل بالإيمان، و قد عرف في قوله تعالى: «و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون:» الأنعام: - 125.
و قد أريد أيضا بقوله: «الذين لا يعقلون» أهل التكذيب بآيات الله من جهة أنهم ممن حقت عليه كلمة العذاب فإنهم الذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يعقلون قال: «و طبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون:» التوبة: - 93.
قوله تعالى: «قل انظروا ما ذا في السماوات و الأرض» أي من المخلوقات المختلفة المتشتتة التي كل واحد منها آية من آيات الله تعالى تدعو إلى الإيمان، و قوله: «و ما تغني الآيات و النذر عن قوم لا يؤمنون» ظاهره أن «ما» استفهامية و الجملة مسوقة بداعي الإنكار و إظهار الأسف كقول الطبيب: بما ذا أعالج الموت؟ أي أنا أمرناك أن تنذرهم بقولنا: «قل انظروا ما ذا في السموات» إلخ، لكن أي تأثير للنذر فيهم أو للآيات فيهم و هم لا يؤمنون أي عازمون مجمعون على أن لا يؤمنوا بالطبع الذي على قلوبهم و ربما قيل: إن ما نافية.
قوله تعالى: «فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم» تفريع على ما في الآية السابقة من قوله: «و ما تغني الآيات و النذر عن قوم لا يؤمنون» أي إذا لم تغن الآيات و النذر عنهم شيئا و هم لا يؤمنون البتة فهم لا ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم، و إنما يحبسون نفوسهم لآية العذاب الإلهي التي تفصل بينك و بينهم فتقضي عليهم لأنهم حقت عليهم كلمة العذاب.
و لذا أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبلغهم ذلك بقوله: «قل فانتظروا» أي مثل أيام الذين خلوا من قبلكم يعني يوم العذاب الذي يفصل بيني و بينكم فتؤمنون و لا ينفعكم إيمانكم «إني معكم من المنتظرين».
و قد تبين بما مر أن الاستفهام في الآية إنكاري.
قوله تعالى: «ثم ننجي رسلنا و الذين آمنوا» الجملة تتمة صدر الآية السابقة و قوله: «قل فانتظروا «إلخ، جملة معترضة و النظم الأصلي بحسب المعنى «فهل ينتظرون» أي قومك هؤلاء «إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم» من الأمم الذين كانت تحق عليهم كلمة العذاب فنرسل إليهم آية العذاب «ثم ننجي رسلنا و الذين آمنوا».
و إنما اعترض بقوله: «قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين» بين الكلام لأنه يتعلق بالجزء الذي يتقدمه من مجموع الكلام المستفهم عنه فإنه المناسب لأن يجعل جوابا لهم، و هو يتضمن انتظار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للقضاء بينه و بينهم، و أما تنجيته و تنجية المؤمنين به فإن المنتظر لها هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المؤمنون لا هو وحده و لا يتعلق هذا الانتظار بفصل القضاء بل بالنجاة من العذاب و هو مع ذلك لا يتعلق به غرض في المقام الذي سيق فيه الكلام لإنذار المشركين لا لتبشير النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المؤمنين فافهم ذلك.
و أما قوله: «كذلك حقا علينا ننج المؤمنين» فمعناه كما كنا ننجي الرسل و الذين آمنوا في الأمم السابقة عند نزول العذاب كذلك ننجي المؤمنين بك من هذه الأمة حق علينا ذلك حقا، فقوله: «حقا علينا» مفعول مطلق قام مقام فعله المحذوف، و اللام في «المؤمنين» للعهد و المراد به مؤمنوا هذه الأمة، و هذا هو الوعد الجميل للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المؤمنين من هذه الأمة بالإنجاء.
و ليس من البعيد أن يستفاد من قوله: «ننج المؤمنين» أن فيه تلويحا إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدرك هذا القضاء، و إنما يقع بعد ارتحاله حيث ذكر المؤمنون و لم يذكر معهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أنه تعالى ذكر في السابقين رسله مع المؤمنين بهم كما ربما يخطر بالبال من تكرر قوله تعالى في كلامه: «فإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون» أو ما في معناه.
بحث روائي
في تفسير العياشي، عن محمد بن سعيد الأسدي أن موسى بن محمد بن الرضا أخبره أن يحيى بن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل: أخبرني عن قول الله تبارك و تعالى: «فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك - فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك» من المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب فيها النبي فقد شك فيما أنزل الله، و إن كان المخاطب بها غيره فعلى غيره إذا نزل الكتاب. قال موسى: فسألت أخي عن ذلك. قال: فأما قوله: «فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك - فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك» فإن المخاطب بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم يكن في شك مما أنزل الله، و لكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث إلينا نبيا من الملائكة؟ أنه لم يفرق بينه و بين غيره في الاستغناء في المأكل و المشرب و المشي في الأسواق فأوحى الله إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك بمحضر الجهلة هل بعث الله رسولا من قبلك إلا و هو يأكل الطعام و يشرب و يمشي في الأسواق؟ و لك بهم أسوة. و إنما قال: فإن كنت في شك، و لم يكن و لكن ليتبعهم كما قال له: «قل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم - و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم - ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين»، و لو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيئون للمباهلة، و قد عرف أن نبيه مؤد عنه رسالته و ما هو من الكاذبين، كذلك عرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه صادق فيما يقول و لكن أحب أن ينصف من نفسه: أقول: و رواه الصدوق في المعاني، بإسناده عن موسى بن محمد بن علي، و هو يرجع إلى ما قدمناه، و قد ورد في بعض الروايات أن الآية نزلت ليلة المعراج فأمره الله أن يسأل أرواح الأنبياء عن ذلك، و هم الذين أرادهم بقوله: «الذين يقرءون الكتاب من قبلك» و روي الوجه أيضا عن الزهري لكن في انطباقه على لفظ الآية خفاء.
و في الدر المنثور، أخرج عبد الرزاق و ابن جرير عن قتادة في الآية قال: ذكر لنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا أشك و لا أسأل.
و في تفسير العياشي، عن معمر قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السلام): إن يونس أمره الله بما أمره فأعلم قومه فأظلهم العذاب ففرقوا بينهم و بين أولادهم و بين البهائم و أولادها ثم عجوا إلى الله و ضجوا فكف الله العذاب عنهم.
الحديث.
أقول: و سيأتي إن شاء الله قصة يونس و قومه في ذيل بعض الآيات المتعرضة لتفصيل قصته (عليه السلام).
و في الدر المنثور، أخرج ابن أبي حاتم و اللالكائي في السنة عن علي بن أبي طالب قال: إن الحذر لا يرد القدر، و إن الدعاء يرد القدر، و ذلك في كتاب الله: «إلا قوم يونس لما آمنوا - كشفنا عنهم عذاب الخزي» الآية:. أقول: و روي ما في معناه عن ابن النجار عن عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
و في الكافي، و البصائر، مسندا عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: الرجس هو الشك و لا نشك في ديننا أبدا.
|