بيان
بعد ما تكلم سبحانه حول استهزائهم بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و ما أنزل إليه من الكتاب و اقتراحهم عليه أن يأتيهم بالملائكة و هم ليسوا بمؤمنين و إن سمح لهم بأوضح الآيات أتى سبحانه في هذه الآيات ببيان جامع في التبشير و الإنذار و هو ما في قوله: «نبىء عبادي» إلى آخر الآيتين ثم أوضحه و أيده بقصة جامعة للجهتين متضمنة للأمرين معا و هي قصة ضيف إبراهيم و فيها بشرى إبراهيم بما لا مطمع فيه عادة و عذاب قوم لوط بأشد أنواع العذاب.
ثم أيده تعالى بإشارة إجمالية إلى تعذيب أصحاب الأيكة و هم قوم شعيب و أصحاب الحجر و هم ثمود قوم صالح (عليه السلام).
قوله تعالى: «نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم و أن عذابي هو العذاب الأليم» المراد بقوله: «عبادي» على ما يفيده سياق الآيات مطلق العباد و لا يعبأ بما ذكره بعضهم: أن المراد بهم المتقون السابق ذكرهم أو المخلصون.
و تأكيد الجملتين بالاسمية و إن و ضمير الفصل و اللام في الخبر يدل على أن الصفات المذكورة فيها أعني المغفرة و الرحمة و ألم العذاب بالغة في معناها النهاية بحيث لا تقدر بقدر و لا يقاس بها غيرها، فما من مغفرة أو رحمة إلا و يمكن أن يفرض لها مانع يمنع من إرسالها أو مقدر يقدرها و يحدها، لكنه سبحانه يحكم لا معقب لحكمه و لا مانع يقاومه فلا يمنع عن إنجاز مغفرته و رحمته شيء و لا يحدهما أمر إلا أن يشاء ذلك هو جل و عز، فليس لأحد أن ييأس من مغفرته أو يقنط من روحه و رحمته استنادا إلى مانع يمنع أو رادع يردع إلا أن يخافه تعالى نفسه كما قال: «لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم و أنيبوا إلى ربكم»: الزمر: 54.
و ليس لأحد أن يحقر عذابه أو يؤمل عجزه أو يأمن مكره و الله غالب على أمره و لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.
قوله تعالى: «و نبئهم عن ضيف إبراهيم» الضيف معروف و يطلق على المفرد و الجمع و ربما يجمع على أضياف و ضيوف و ضيفان لكن الأفصح - كما قيل - أن لا يثنى و لا يجمع لكونه مصدرا في الأصل.
و المراد بالضيف الملائكة المكرمون الذين أرسلوا لبشارة إبراهيم بالولد و لهلاك قوم لوط سماهم ضيفا لأنهم دخلوا عليه في صورة الضيف.
قوله تعالى: «إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم» ضمير الجمع في «دخلوا» و «قالوا» في الموضعين للملائكة فقولهم: «سلاما» تحية و تقديره نسلم عليك سلاما و قول إبراهيم (عليه السلام): «إنا منكم وجلون» أي خائفون و الوجل: الخوف.
و إنما قال لهم إبراهيم ذلك بعد ما استقر بهم المجلس و قدم إليهم عجلا حنيذا فلم يأكلوا منه فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم و أوجس منهم خيفة كما في سورة هود فالقصة مذكورة على نحو التلخيص.
و قولهم: «لا توجل» تسكين لوجله و تأمين له و تطييب لنفسه بأنهم رسل ربه و قد دخلوا عليه ليبشروه بغلام عليم أي بولد يكون غلاما و عليما، و لعل المراد كونه عليما بتعليم الله و وحيه فيقرب من قوله في موضع آخر: «فبشرناه بإسحاق نبيا»: الصافات: 112.
قوله تعالى: «قال أ بشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون» تلقى إبراهيم (عليه السلام) البشرى و هو شيخ كبير هرم لا عقب له من زوجه و قد أيئسته العادة الجارية عن الولد و إن كان يجل أن يقنط من رحمة الله و نفوذ قدرته، و لذا تعجب من قولهم و استفهمهم كيف يبشرونه بالولد و حاله هذه الحال؟ و زوجه عجوز عقيم كما وقع في موضع آخر من كلامه تعالى.
فقوله: «أ بشرتموني على أن مسني الكبر» الكبر كناية عن الشيخوخة و مسه هو نيله منه ما نال بإفناء شبابه و إذهاب قواه، و المعنى إني لأتعجب من بشارتكم إياي و الحال أني شيخ هرم فني شبابي و فقدت قوى بدني، و العادة تستدعي أن لا يولد لمن هذا شأنه ولد.
و قوله: «فبم تبشرون» تفريع على قوله: «مسني الكبر» و هو استفهام عما بشروه به كأنه يشك في كون بشارتهم بشرى بالولد مع تصريحهم بذلك لا استبعاد ذلك فيسأل ما هو الذي تبشرون به؟ فإن الذي يدل عليه ظاهر كلامكم أمر عجيب، و هذا شائع في الكلام يقول الرجل إذا أخبر بما يستبعده أو لا يصدقه: ما تقول؟ و ما تريد؟ و ما ذا تصنع؟.
قوله تعالى: «قالوا بشرناك بالحق - إلى قوله - إلا الضالون» الباء في «بالحق» للمصاحبة أي إن بشارتنا ملازمة للحق غير منفكة منه فلا تدفعها بالاستبعاد فتكون من القانطين من رحمة الله و هذا، جواب للملائكة و قد قابلهم إبراهيم (عليه السلام) على نحو التكنية فقال: «و من يقنط من رحمة ربه إلا الضالون» و الاستفهام إنكاري أي إن القنوط من رحمة الله مما يختص بالضالين و لست أنا بضال فليس سؤالي سؤال قانط مستبعد.
قوله تعالى: «قال فما خطبكم أيها المرسلون» الخطب الأمر الجليل و الشأن العظيم، و في خطابهم بالمرسلين دلالة على أنهم ذكروا له ذلك قبلا، و معنى الآية ظاهر.
قوله تعالى: «قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين - إلى قوله - لمن الغابرين» قال في المفردات: الغابر الماكث بعد مضي من هو معه قال تعالى: «إلا عجوزا في الغابرين» يعني فيمن طال أعمارهم، و قيل: فيمن بقي و لم يسر مع لوط، و قيل: فيمن بقي بعد في العذاب، و في آخر: «إلا امرأتك كانت من الغابرين» و في آخر: «قدرنا إنها لمن الغابرين» - إلى أن قال - و الغبار ما يبقى من التراب المثار و جعل على بناء الدخان و العثار و نحوهما من البقايا.
انتهى و لعله من هنا ما ربما يسمى الماضي و المستقبل معا غابرا أما الماضي فبعناية أنه بقي فيما مضى و لم يتعد إلى الزمان الحاضر و أما المستقبل فبعناية أنه باق لم يفن بعد كالماضي.
و الآيات جواب الملائكة لسؤال إبراهيم «قالوا إنا أرسلنا» من عند الله سبحانه «إلى قوم مجرمين» نكروهم و لم يسموهم صونا للسان عن التصريح باسمهم تنفرا منه و مستقبل الكلام يعينهم ثم استثنوا و قالوا: «إلا آل لوط» و هم لوط و خاصته و ظهر به أن القوم قومه «إنا لمنجوهم» أي مخلصوهم من العذاب «أجمعين» و ظاهر السياق كون الاستثناء منقطعا.
ثم استثنوا امرأة لوط من آله للدلالة على أن النجاة لا تشملها و أن العذاب سيأخذها و يهلكها فقالوا «إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين» أي الباقين من القوم بعد خروج آل لوط من قريتهم.
و قد تقدم تفصيل قول في ضيف إبراهيم (عليه السلام) في سورة هود في الجزء العاشر من الكتاب و عقدنا هناك بحثا مستقلا فيه.
قوله تعالى: «فلما جاء آل لوط المرسلون قال إنكم قوم منكرون» إنما قال لهم لوط (عليه السلام) ذلك لكونهم ظاهرين بصور غلمان مرد حسان و كان يشقه ما يراه منهم و شأن قومه شأنهم من الفحشاء كما تقدم في سورة هود و المعنى ظاهر.
قوله تعالى: «قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون و أتيناك بالحق و إنا لصادقون» الامتراء من المرية و هو الشك، و المراد بما كانوا فيه يمترون العذاب الذي كان ينذرهم به لوط و هم يشكون فيه، و المراد بإتيانهم بالحق إتيانهم بقضاء حق في أمر القوم لا معدل عنه كما وقع في موضع آخر من قولهم: «و إنهم آتيهم عذاب غير مردود»: هود: 76، و قيل: المراد «و أتيناك بالعذاب الذي لا شك فيه» و ما ذكرناه هو الوجه.
و في آيات القصة تقديم و تأخير لا بمعنى اختلال ترتيبها بحسب النزول عند التأليف بوضع ما هو مؤخر في موضع المقدم و بالعكس بل بمعنى ذكره تعالى بعض أجزاء القصة في غير محله الذي يقتضيه الترتيب الطبعي و تعينه له سنة الاقتصاص لنكتة توجب ذلك.
و ترتيب القصة بحسب أجزائها على ما ذكرها الله سبحانه في سورة هود و غيرها و الاعتبار يساعد ذلك مقتضاه أن يكون قوله: «فلما جاء آل لوط» إلى تمام آيتين قبل سائر الآيات.
ثم قوله: «و جاء أهل المدينة» إلى تمام ست آيات.
ثم قوله: «قالوا بل جئناك» إلى تمام أربع آيات.
ثم قوله: «فأخذتهم الصيحة مشرقين» إلى آخر الآيات.
و حقيقة هذا التقديم و التأخير أن للقصة فصولا أربعة و قد أخذ الفصل الثالث منها فوضع بين الأول و الثاني أعني أن قوله: «و جاء أهل المدينة» إلى آخره أخر في الذكر ليتصل آخره و هو قوله: «لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون» بأول الفصل الأخير: «فأخذتهم الصيحة مشرقين» و ذلك ليتمثل به الغرض في الاستشهاد بالقصة و ينجلي أوضح الانجلاء و هو نزول عذاب هائل كعذابهم في حال سكرة منهم و أمن منه لا يخطر ببالهم شيء من ذلك و ذلك أبلغ في الدهشة و أوقع في الحسرة يزيد في العذاب ألما على ألم.
و نظير هذا في التلويح بهذه النكتة ما في آخر قصة أصحاب الحجر الآتية من اتصال قوله: «و كانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين» بقوله: «فأخذتهم الصيحة مصبحين» كل ذلك ليجلي معنى قوله تعالى في صدر المقال: «و أن عذابي هو العذاب الأليم» فافهم ذلك.
قوله تعالى: «فأسر بأهلك بقطع من الليل» إلى آخر الآية، الإسراء هو السير بالليل، فقوله: «بقطع من الليل» يؤكده و قطع الليل شطر مقطوع منه، و المراد باتباعه أدبارهم هو أن يسير وراءهم فلا يترك أحدا يتخلف عن السير و يحملهم على السير الحثيث كما يشعر به قوله: «و لا يلتفت منكم أحد».
و المعنى: و إذ جئناك بعذاب غير مردود و أمر من الله ماض يجب عليك أن تسير بأهلك ليلا و تأخذ أنت وراءهم لئلا يتخلفوا عن السير و لا يساهلوا فيه و لا يلتفت أحد منكم إلى ورائه و امضوا حيث تؤمرون، و فيه دلالة على أنه كانت أمامهم هداية إلهية تهديهم و قائد يقودهم.
قوله تعالى: «و قضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين» القضاء مضمن معنى الوحي و لذا عدي بإلى - كما قيل - و المراد بالأمر أمر العذاب كما يفسره قوله: «أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين» و الإشارة إليه بلفظة «ذلك» للدلالة على عظم خطره و هول أمره.
و المعنى: و قضينا أمرنا العظيم في عذابهم موحيا ذلك إلى لوط و هو أن دابر هؤلاء و أثرهم الذي من شأنه أن يبقى بعدهم من نسل و بناء و عمل مقطوع حال كونهم مصبحين أو التقدير أوحينا إليه قاضيا، إلخ.
قوله تعالى: «و جاء أهل المدينة يستبشرون - إلى قوله - إن كنتم فاعلين» يدل نسبة المجيء إلى أهل المدينة على كونهم جماعة عظيمة يصح عدهم أهل المدينة لكثرتهم.
فالمعنى «و جاء» إلى لوط «أهل المدينة» جمع كثير منهم يريدون أضيافه و هم «يستبشرون» لولعهم بالفحشاء و خاصة بالداخلين في بلادهم من خارج فاستقبلهم لوط مدافعا عن أضيافه «قال إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون» بالعمل الشنيع بهم «و اتقوا الله و لا تخزون قالوا» المهاجمون من أهل المدينة: أ لم نقطع عذرك في إيوائهم «أ و لم ننهك عن العالمين» أن تؤويهم و تشفع فيهم و تدافع عنهم فلما يئس لوط (عليه السلام) منهم عرض عليهم بناته أن ينصرفوا عن أضيافه بنكاحهن - كما تقدم بيانه في سورة هود - «قال إن هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين».
قوله تعالى: «لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون - إلى قوله - من سجيل» قال في المفردات: العمارة ضد الخراب.
قال: و العمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة فهو دون البقاء فإذا قيل: طال عمره فمعناه عمارة بدنه بروحه، و إذا قيل: بقاؤه فليس يقتضي ذلك فإن البقاء ضد الفناء، و لفضل البقاء على العمر وصف الله به و قلما وصف بالعمر قال: و العمر - بالضم - و العمر - بالفتح - واحد لكن خص القسم بالعمر - بالفتح - دون العمر - بالضم - نحو «لعمرك إنهم لفي سكرتهم»، انتهى.
و الخطاب في «لعمرك» للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو قسم ببقائه و قول بعضهم: إنه خطاب من الملائكة للوط (عليه السلام) و قسم بعمره لا دليل عليه من سياق الآيات.
و العمه هو التردد على حيرة و السجيل حجارة العذاب و قد تقدم تفصيل القول في معناه في تفسير سورة هود.
و المعنى أقسم بحياتك و بقائك يا محمد إنهم لفي سكرتهم و هي غفلتهم بانغمارهم في الفحشاء و المنكر يترددون متحيرين «فأخذتهم الصيحة» و هي الصوت الهائل «مشرقين» أي حال كونهم داخلين في إشراق الصبح فجعلنا عالي بلادهم سافلها و فوقها تحتها و أمطرنا و أنزلنا من السماء عليهم حجارة من سجيل.
قوله تعالى: «إن في ذلك لآيات للمتوسمين - إلى قوله - للمؤمنين» الآية العلامة و المراد بالآيات أولا العلامات الدالة على وقوع الحادثة من بقايا الآثار و بالآية ثانيا العلامة الدالة للمؤمنين على حقية الإنذار و الدعوة الإلهية و التوسم التفرس و الانتقال من سيماء الأشياء على حقيقة حالها.
و المعنى: أن في ذلك أي فيما جرى من الأمر على قوم لوط و في بلادهم لعلامات من بقايا الآثار للمتفرسين و إن تلك العلامات لبسبيل للعابرين مقيم لم تعف و لم تنمح بالكلية بعد، إن في ذلك لآية للمؤمنين تدل على حقية الإنذار و الدعوة و قد تبين بذلك وجه إيراد الآيات جمعا و مفردا في الموضعين.
قوله تعالى: «و إن كان أصحاب الأيكة لظالمين - إلى - فانتقمنا منهم و إنهما لبإمام مبين» الأيكة واحدة الأيك و هو الشجر الملتف بعضه ببعض فقد كانوا - كما قيل - في غيضة أي بقعة كثيفة الأشجار.
و هؤلاء - كما ذكروا - هم قوم شعيب (عليه السلام) أو طائفة من قومه كانوا يسكنون الغيضة، و يؤيده قوله تعالى ذيلا: «و إنهما لبإمام مبين» أي مكانا قوم لوط و أصحاب الأيكة لفي طريق واضح فإن الذي على طريق المدينة إلى الشام هي بلاد قوم لوط و قوم شعيب الخربة أهلكهم الله بكفرهم و تكذيبهم لدعوة شعيب (عليه السلام) و قد تقدمت قصتهم في سورة هود و قوله: «فانتقمنا منهم» الضمير لأصحاب الأيكة و قيل: لهم و لقوم لوط.
و معنى الآيتين ظاهر.
قوله تعالى: «و لقد كذب أصحاب الحجر المرسلين - إلى قوله - ما كانوا يكسبون» أصحاب الحجر هم ثمود قوم صالح و الحجر اسم بلدة كانوا يسكنونها و عدهم مكذبين لجميع المرسلين و هم إنما كذبوا صالحا المرسل إليهم إنما هو لكون دعوة الرسل دعوة واحدة و المكذب لواحد منهم مكذب للجميع.
و قوله: «و آتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين» إن كان المراد بالآيات المعجزات و الخوارق - كما هو الظاهر - فالمراد بها الناقة و شربها و ما ظهر لهم بعد عقرها إلى أن أهلكوا، و قد تقدمت القصة في سورة هود، و إن كان المراد بها المعارف الإلهية التي بلغها صالح (عليه السلام) و نشرها فيهم أو المجموع من المعارف الحقة و الآية المعجزة فالأمر واضح.
و قوله: «و كانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين» أي كانوا يسكنون الغيران و الكهوف المنحوتة من الحجارة آمنين من الحوادث الأرضية و السماوية بزعمهم.
و قوله: «فأخذتهم الصيحة مصبحين» أي صيحة العذاب التي كان فيها هلاكهم، و قد تقدمت الإشارة إلى مناسبة اجتماع الأمن مع الصيحة في الآيتين لقوله في صدر الآيات: «و أن عذابي هو العذاب الأليم».
و قوله: «فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون» أي من الأعمال لتأمين سعادتهم في الحياة.
بحث روائي
في الدر المنثور، أخرج ابن المنذر و ابن أبي حاتم عن مصعب بن ثابت قال: مر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على ناس من أصحابه يضحكون قال: اذكروا الجنة و اذكروا النار فنزلت: «نبىء عبادي أني أنا الغفور الرحيم».
أقول: و في معناه روايات أخر لكن في انطباق معنى الآية على ما ذكر فيها من السبب خفاء.
و فيه أخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد في قوله: «إن في ذلك لآيات للمتوسمين» قال: هم المتفرسون.
و فيه، أخرج البخاري في تاريخه و الترمذي و ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن السني و أبو نعيم معا في الطب و ابن مردويه و الخطيب عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ: «إن في ذلك لآيات للمتوسمين» قال المتفرسين.
و في اختصاص المفيد، بإسناده عن أبي بكر بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال: ما من مخلوق إلا و بين عينيه مكتوب مؤمن أو كافر و ذلك محجوب عنكم و ليس بمحجوب عن الأئمة من آل محمد ثم ليس يدخل عليهم أحد إلا عرفوه مؤمنا أو كافرا ثم تلا هذه الآية: «إن في ذلك لآيات للمتوسمين» فهم المتوسمون.
أقول: و الروايات في هذا المعنى متظافرة متكاثرة، و ليس معناها نزول الآية فيهم (عليهم السلام).
و في الدر المنثور، أخرج ابن مردويه و ابن عساكر عن ابن عمر قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن مدين و أصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيبا.
أقول: و قد أوردنا ما يجب إيراده من الروايات في قصة بشرى إبراهيم و قصص لوط و شعيب و صالح (عليهما السلام) في تفسير سورة هود في الجزء العاشر من الكتاب و اكتفينا بذلك عن إيرادها هاهنا فليرجع إلى هناك.
|