بيان
رجوع بعد رجوع إلى عد النعم و الآلاء الإلهية و استنتاج التوحيد و البعث منها و الإشارة إلى مسألة التشريع و هي النبوة.
قوله تعالى: «و الله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها» إلخ، يريد إنبات الأرض بعد ما انقطعت عنه بحلول الشتاء بماء السماء الذي هو المطر فتأخذ أصول النباتات و بذورها في النمو بعد سكونها، و هي حياة من سنخ الحياة الحيوانية و إن كانت أضعف منها، و قد اتضح بالأبحاث الحديثة أن للنبات من جراثيم الحياة ما للحيوان و إن اختلفتا صورة و أثرا.
و قوله: «إن في ذلك لآية لقوم يسمعون» المراد بالسمع قبول ما من شأنه أن يقبل من القول فإن العاقل الطالب للحق إذا سمع ما يتوقع فيه الحق أصغى و استمع إليه ليعيه و يحفظه، قال تعالى: «الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولوا الألباب»: الزمر: 18.
فإذا ذكر من فيه قريحة قبول الحق حديث إنزال الله المطر و إحيائه الأرض بعد موتها كان له في ذلك آية للبعث و أن الذي أحياها لمحيي الموتى.
قوله تعالى: «و إن لكم في الأنعام لعبرة» إلخ» الفرث هو الثفل الذي ينزل إلى الكرش و الأمعاء فإذا دفع فهو سرجين و ليس فرثا، و السائغ اسم فاعل من السوغ يقال: ساغ الطعام و الشراب إذا جرى في الحلق بسهولة.
و قوله: «و إن لكم في الأنعام لعبرة» أي لكم في الإبل و البقر و الغنم لأمرا أمكنكم أن تعتبروا به و تتعظوا ثم بين ذلك الأمر بقوله: «نسقيكم مما في بطونه» إلخ، أي بطون ما ذكر من الأنعام أخذ الكثير شيئا واحدا.
و قوله: «من بين فرث و دم» الفرث في الكرش و ألبان الأنعام مكانها مؤخر البطن بين الرجلين، و الدم مجراه الشرايين و الأوردة و هي محيطة بهما جميعا فأخذ اللبن شيئا هو بين الفرث و الدم كأنه باعتبار مجاورته لكل منهما و اجتماع الجميع في داخل الحيوان و هذا كما يقال، اخترت زيدا من بين القوم و دعوته و أخرجته من بينهم إذا اجتمع معهم في مكان واحد و جاورهم فيه و إن كان جالسا في حاشية القوم لا وسطهم، و المراد بذلك أني ميزته من بينهم و قد كان غير متميز.
و المعنى: نسقيكم مما في بطونه لبنا خارجا من بين فرث و دم خالصا غير مختلط و لا مشوب بهما و لا مستصحب لشيء من طعمهما و رائحتهما سائغا للشاربين فذلك عبرة لمن اعتبر و ذريعة إلى العلم بكمال القدرة و نفوذ الإرادة، و أن الذي خلص اللبن من بين فرث و دم لقادر على أن يبعث الإنسان و يحييه بعد ما صار عظاما رميما و ضلت في الأرض أجزاؤه.
قوله تعالى: «و من ثمرات النخيل و الأعناب تتخذون منه سكرا و رزقا حسنا» إلى آخر الآية، قال في المفردات: السكر - بضم السين - حالة تعرض بين المرء و عقله - إلى أن قال - و السكر - بفتحتين - ما يكون منه السكر، قال تعالى: «تتخذون منه سكرا و رزقا حسنا» انتهى.
و قال في المجمع السكر في اللغة على أربعة أوجه: الأول ما أسكر من الشراب، و الثاني ما طعم من الطعام، قال الشاعر: «جعلت عيب الأكرمين سكرا» أي جعلت ذمهم طعما لك، و الثالث السكون و منه ليلة ساكرة أي ساكنة، قال الشاعر: «و ليست بطلق و لا ساكرة» و يقال: سكرت الريح سكنت، قال: «و جعلت عين الحرور تسكر»، و الرابع المصدر من قولك: سكر سكرا و منه التسكير التحيير في قوله: «سكرت أبصارنا» انتهى.
و الظاهر أن الأصل في معناه هو زوال العقل باستعمال ما يوجب ذلك، و سائر ما ذكره من المعاني مأخوذة منه بنوع من الاستعارة و التوسع.
و قوله: «و من ثمرات النخيل و الأعناب» إما جملة اسمية معطوفة على قوله: «و الله أنزل من السماء ماء» كقوله في الآية السابقة: «و إن لكم في الأنعام لعبرة»، و التقدير: و من ثمرات النخيل و الأعناب ما - أو شيء - تتخذون منه إلخ، قالوا: و العرب ربما يضمر ما الموصولة كثيرا، و منه قوله تعالى: «و إذا رأيت ثم رأيت نعيما و ملكا كبيرا»: الدهر: 20، و التقدير رأيت ما ثم، أو التقدير و من ثمرات النخيل و الأعناب شيء تتخذون منه، بناء على عدم جواز حذف الموصول و إبقاء الصلة على ما ذهب إليه البصريون من النحاة.
و إما جملة فعلية معطوفة على قوله: «أنزل من السماء»، كما في الآية التالية: «و أوحى ربك» و التقدير خلق لكم أو آتاكم من ثمرات النخيل و الأعناب، و قوله: «تتخذون منه» إلخ، بدل منه أو استئناف كأن قائلا يقول: ما ذا نستفيد منه فقيل: تتخذون منه سكرا و رزقا حسنا، و إفراد ضمير «منه» بتأويل المذكور كقوله: «مما في بطونه» في الآية السابقة.
و قوله: «تتخذون منه سكرا و رزقا حسنا» أي تتخذون مما ذكر من ثمرات النخيل و الأعناب ما هو مسكر كالخمر بأنواعها و رزقا حسنا كالتمر و الزبيب و الدبس و غير ذلك مما يقتات به.
و لا دلالة في الآية على إباحة استعمال السكر و لا على تحسين استعماله إن لم تدل على نوع من تقبيحه من جهة مقابلته بالرزق الحسن و إنما الآية تعد ما ينتفعون به من ثمرات النخيل و الأعناب و هي مكية تخاطب المشركين و تدعوهم إلى التوحيد.
و على هذا فالآية لا تتضمن حكما تكليفيا حتى تكون منسوخة أو غير منسوخة و به يظهر فساد القول بكونها منسوخة بآية المائدة كما نسب إلى قتادة.
و قد أغرب صاحب روح المعاني إذ قال: و تفسير السكر بالخمر هو المروي عن ابن مسعود و ابن عمر، و أبي رزين و الحسن و مجاهد و الشعبي و النخعي و ابن أبي ليلى و أبي ثور و الكلبي و ابن جبير مع خلق آخرين، و الآية نزلت في مكة و الخمر إذ ذاك كانت حلالا يشربها البر و الفاجر، و تحريمها إنما كان بالمدينة اتفاقا، و اختلفوا في أنه قبل أحد أو بعدها و الآية المحرمة لها: «يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه»، على ما ذهب إليه جمع فما هنا منسوخ بها و روى ذلك غير واحد ممن تقدم كالنخعي و أبي ثور و ابن جبير.
و قيل: نزلت قبل و لا نسخ بناء على ما روي عن ابن عباس أن السكر هو الخل بلغة الحبشة أو على ما نقل عن أبي عبيدة أن السكر المطعوم المتفكه به كالنقل و أنشد: «جعلت أعراض الكرام سكرا» - إلى أن قال - و إلى عدم النسخ ذهب الحنفيون و قالوا: المراد بالسكر ما لا يسكر من الأنبذة و استدلوا عليه بأن الله تعالى امتن على عباده بما خلق لهم من ذلك، و لا يقع الامتنان إلا بمحلل فيكون ذلك دليلا على جواز شرب ما دون المسكر من النبيذ فإذا انتهى إلى السكر لم يجز انتهى موضع الحاجة.
أما ما ذكره في الخمر فقد فصلنا القول في ذلك في ذيل آيات التحريم من سورة المائدة، و أقمنا الشواهد هناك على أن الخمر كانت محرمة قبل الهجرة و كان الإسلام معروفا بتحريمها و تحريم الزنا عند المشركين عامتهم، و أن تحريمها نزل في سورة الأعراف و قد نزلت قبل سورة النحل قطعا، و في سورتي البقرة و النساء و قد نزلتا قبل سورة المائدة.
و أن التي نزلت في المائدة إنما نزلت لتشديد الحرمة و زجر بعض المسلمين حيث كانوا يتخلفون عن حكم التحريم كما وقع في الروايات و هو الذي يشير إليه بقوله: يشربها البر و الفاجر و في لفظ الآيات دلالة على ذلك إذ يقول: «فهل أنتم منتهون».
و أما ما نقله عن ابن عباس أن السكر في لغة الحبشة بمعنى الخل فلا معول عليه، و استعمال اللفظ غير العربي و إن كان غير عزيز في القرآن كما قيل في إستبرق و جهنم و زقوم و غيرها لكنه إنما يجوز فيما لم يكن هناك مانع من لبس أو إبهام، و أما في مثل السكر و هو في اللغة العربية الخمر و في الحبشية الخل فلا و كيف يجوز أن ينسب إلى أبلغ الكلام أنه ترك الخل و هو عربي جيد و استعمل مكانه لفظة حبشية تفيد في العربية ضد معناها؟ و أما ما نسبه إلى أبي عبيدة فقد تقدم ما عليه في أول الكلام فراجع.
و أما ما نسبه إلى الحنفية من أن المراد بالسكر النبيذ و أن الآية تدل على جواز شرب القليل منه ما لم يصل إلى حد الإسكار لمكان الامتنان ففيه أن الآية لا تدل على أكثر من أنهم يتخذون منه سكرا، و أما الامتنان عليهم بذلك فبمعزل من دلالة الآية و إنما عد من النعم ثمرات النخيل و الأعناب لا كل ما عملوا منها من حلال و حرام و لو كان في ذلك امتنان لم يقابله بالرزق الحسن الدال بمقابلته على نوع من العتاب على اتخاذهم منه سكرا كما اعترف به البيضاوي و غيره.
على أن ما في الآية من لفظ السكر غير مقيد بكونه نبيذا أو خمرا و لا قليلا لا يبلغ حد الإسكار و لا غيره فلو كان اتخاذ السكر متعلقا للامتنان الدال على الجواز لكانت الآية صريحة في حلية الجميع ثم لم يقبل النسخ أصلا فإن لسان الامتنان لا يقبل أمدا يرتفع بعده، كيف يجوز أن يعد الله شيئا من نعمه و يمتن على الناس به ثم يعده بعد برهة رجسا و من عمل الشيطان كما في آية المائدة إلا بالبداء بمعناه المستحيل عليه تعالى.
ثم ختم سبحانه الآية بقوله: «إن في ذلك لآية لقوم يعقلون» حثا على التعقل و الإمعان في أمر النبات و ثمراته.
قوله تعالى: «و أوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا» إلى آخر الآيتين، الوحي - كما قال الراغب - الإشارة السريعة و ذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز أو بصوت مجرد عن التركيب أو بإشارة و نحوها، و المحصل من موارد استعماله أنه إلقاء المعنى بنحو يخفى على غير من قصد إفهامه فالإلهام بإلقاء المعنى في فهم الحيوان من طريق الغريزة من الوحي و كذا ورود المعنى في النفس من طريق الرؤيا أو من طريق الوسوسة أو بالإشارة كل ذلك من الوحي، و قد استعمل في كلامه تعالى في كل من هذه المعاني كقوله: «و أوحى ربك إلى النحل» الآية، و قوله: «و أوحينا إلى أم موسى»: القصص: 7، و قوله: «إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم»: الأنعام: 121، و قوله: «فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة و عشيا»: مريم: 11، و من الوحي التكليم الإلهي لأنبيائه و رسله، قال تعالى: «و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا»: الشورى: 51، و قد قرر الأدب الديني في الإسلام أن لا يطلق الوحي على غير ما عند الأنبياء و الرسل من التكليم الإلهي.
قال في المجمع: و الذلل جمع الذلول، يقال: دابة ذلول بين الذل و رجل ذلول بين الذل و الذلة.
انتهى.
و قوله: «و أوحى ربك إلى النحل» أي ألهمه من طريق غريزته التي أودعها في بنيته، و أمر النحل و هو زنبور العسل في حياته الاجتماعية و سيرته و صنعته لعجيب، و لعل بداعة أمره هو الموجب لصرف الخطاب عنهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ قال: «و أوحى ربك».
و قوله: «أن اتخذي من الجبال بيوتا و من الشجر و مما يعرشون» هذا من مضمون الوحي الذي أوحي إليه، و الظاهر أن المراد بما يعرشون هو ما يبنون لبيوت العسل.
و قوله: «ثم كلي من كل الثمرات» الأمر بأن تأكل من كل الثمرات مع أنها تنزل غالبا على الأزهار إنما هو لأنها إنما تأكل من مواد الثمرات أول ما تتكون في بطون الأزهار و لما تكبر و تنضج.
و قوله: «فاسلكي سبل ربك ذللا» تفريعه على الأمر بالأكل يؤيد أن المراد به رجوعها إلى بيوتها لتودع فيها ما هيأته من العسل المأخوذ من الثمرات و إضافة السبل إلى الرب للدلالة على أن الجميع بإلهام إلهي.
و قوله: «يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه» إلخ، استئناف بعد ذكر جملة ما أمرت به يبين فيه ما يترتب على مجاهدتها في امتثال أمر الله سبحانه ذللا و هو أنه يخرج من بطونها أي بطون النحل «شراب» و هو العسل «مختلف ألوانه» بالبياض و الصفرة و الحمرة الناصعة و ما يميل إلى السواد «فيه شفاء للناس» من غالب الأمراض.
و تفصيل القول في حياة النحلة هذه الحشرة الفطنة التي بنت حياتها على مدنية عجيبة فاضلة لا تكاد تحصى غرائبها و لا يحاط بدقائقها ثم الذي تهيئه ببالغ مجاهدتها و ما يشتمل عليه من الخواص خارج عن وسع هذا الكتاب فليراجع في ذلك مظان تحقيقه.
ثم ختم الآية بقوله: «إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون» و قد اختلف التعبير بذلك في هذه الآيات فخص الآية في إحياء الأرض بعد موتها بقوم يسمعون، و في ثمرات النخيل و الأعناب بقوم يعقلون، و في أمر النحل بقوم يتفكرون.
و لعل الوجه في ذلك أن النظر في أمر الموت و الحياة بحسب طبعه من العبرة و الموعظة، و هي بالسمع أنسب، و النظر في الثمرات من حيث ما ينفع الإنسان في وجوده من السير البرهاني من مسلك اتصال التدبير و ارتباط الأنظمة الجزئية و رجوعها إلى نظام عام واحد لا يقوم إلا بمدبر واحد و هو للعقل أنسب، و أمر النحل في حياتها يتضمن دقائق عجيبة لا تنكشف للإنسان إلا بالإمعان في التفكر فهو آية للمتفكرين.
و قد أشرنا سابقا إلى ما في آيات السورة من مختلف الالتفاتات، و عمدتها في هذه الآيات ترجع إلى خطاب المشركين رحمة لهم و إشفاقا بحالهم و هم لا يعلمون، و الإعراض عن مخاطبتهم لكفرهم و جحودهم إلى خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هذا ظاهر مشهود في آيات السورة فلا يزال الخطاب فيها يتقلب بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بين المشركين فيتحول منه إليهم و منهم إليه.
قوله تعالى: «و الله خلقكم ثم يتوفاكم و منكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا» إلخ، الأرذل اسم تفضيل من الرذالة و هي الرداءة و الرذل الدون و الرديء، و المراد بأرذل العمر بقرينة قوله: «لكي لا يعلم» إلخ، سن الشيخوخة و الهرم التي فيها انحطاط قوى الشعور و الإدراك، و هي تختلف باختلاف الأمزجة و تبتدىء على الأغلب من الخمس و السبعين.
و المعنى: و الله خلقكم معشر الناس ثم يتوفاكم في عمر متوسط و منكم من يرد إلى سن الهرم فينتهي إلى أن لا يعلم بعد علم شيئا لضعف القوى، و هذا آية أن حياتكم و موتكم و كذا شعوركم و علمكم ليست بأيديكم و إلا اخترتم البقاء على الوفاة و العلم على عدمه بل ذلك على ما له من عجيب النظام منته إلى علمه و قدرته تعالى، و لهذا علله بقوله: «إن الله عليم قدير».
قوله تعالى: «و الله فضل بعضكم على بعض في الرزق» إلى آخر الآية، فضل بعض الناس على بعض في الرزق و هو ما تبقى به الحياة ربما كان من جهة الكمية كالغني المفضل بالمال الكثير على الفقير، و ربما كان من جهة الكيفية كأن يستقل بالتصرف فيه بعضهم و يتولى أمر الآخرين مثل ما يستقل المولى الحر بملك ما في يده و التصرف فيه بخلاف عبده الذي ليس له أن يتصرف في شيء إلا بإذنه و كذا الأولاد الصغار بالنسبة إلى وليهم و الأنعام و المواشي بالنسبة إلى مالكها.
و قوله: «فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم» قرينة على أن المراد هو القسم الثاني من التفضيل و هو أن بعضهم فضل بالحرية و الاستقلال بملك ما رزق و ليس يختار أن يرد ما رزق باستقلاله و حريته إلى من يملكه و يملك رزقه، و لا أن يبذل له ما أوتيه من نعمة حتى يتساويا و يتشاركا فيبطل ملكه و يذهب سودده.
فهذه نعمة ليسوا بمغمضين عنها و لا برادين لها على غيرهم، و ليست إلا من الله سبحانه فإن أمر المولوية و الرقية و إن كان من الشئون الاجتماعية التي ظهرت عن آراء الناس و السنن الاجتماعية الجارية في مجتمعاتهم لكن له أصول طبيعية تكوينية هي التي بعثت آراءهم على اعتباره كسائر الأمور الاجتماعية العامة.
و من الشاهد على ذلك أن الأمم الراقية منذ عهد طويل أعلنوا بإلغاء سنة الاسترقاق ثم اتبعتهم سائر الأمم من الشرقيين و غيرهم و هم لا يزالون يحترمون معناها إلى هذه الغاية و إن ألغوا صورتها، و يجرون مسماها و إن هجروا اسمها و لن يزالوا كذلك فليس في وسع الإنسان أن يسد باب المغالبة، و قد قدمنا كلاما في هذا المعنى في آخر الجزء السادس من هذا الكتاب فليراجعه من شاء.
و كون هذا المعنى نعمة من الله إنما هو لأن من صلاح المجتمع الإنساني أن يتسلط بعضهم على بعض فيصلح القوي الضعيف بصالح التدبير و يكمله.
و على هذا فقوله: «فهم فيه سواء» متفرع على المنفي في قوله: «فما الذين فضلوا برادي رزقهم» دون النفي، و المعنى: ليسوا برادي رزقهم على عبيدهم فيكونوا متساوين فيه متشاركين و في ذلك ذهاب مولويتهم، و يحتمل أن يكون جملة استفهامية حذفت منها أداة الاستفهام و فيها إنكار أن يكون المفضلون و المفضل عليهم في ذلك متساويين، و لو كانوا سواء لم يمتنع المفضل من أن يرد رزقه على من فضل عليه فإن في ذلك دلالة على أنها نعمة خصه الله بها.
و لذلك عقبه ثانيا بقوله: «أ فبنعمة الله يجحدون» و هو استفهام توبيخي كالمتفرع لما تقدمه من الاستفهام الإنكاري، و المراد بنعمة الله هذا التفضيل المذكور بعينه.
و المعنى - و الله أعلم - و الله فرق بينكم بأن فضل بعضكم على بعض في الرزق فبعضكم حر مستقل في التصرف فيه، و بعضكم عبد تبع له لا يتصرف إلا عن إذن فليس الذين فضلوا برادي رزقهم الذي رزقوه على سبيل الحرية و الاستقلال على ما ملكت أيمانهم حتى يكون هؤلاء المفضلون و المفضل عليهم في الرزق سواء فليسوا سواء بل هي نعمة تختص بالمفضلين أ فبنعمة الله يجحدون؟.
هذا ما يفيده ظاهر الآية بما احتفت به من القرائن، و السياق سياق تعداد النعم، و ربما قرر معنى الآية على وجه آخر فقيل: المعنى أنهم لا يشركون عبيدهم في أموالهم و أزواجهم حتى يكونوا في ذلك سواء و يرون ذلك نقصا لأنفسهم فكيف يشركون عبيدي في ملكي و سلطاني و يعبدونهم و يتقربون إليهم كما يعبدونني و يتقربون إلي، كما فعلوا في عيسى بن مريم (عليهما السلام)؟.
قالوا: و الآية على شاكلة قوله تعالى: «ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء»: الروم: 28 قالوا: و الآية نزلت في نصارى نجران.
و فيه أن سياق الآية هو سياق تعداد النعم لاستنتاج التوحيد لا المناقضة و التوبيخ فلا أثر فيها منه.
على أن الآية مما نزلت بمكة و أين ذاك من وفود نصارى نجران على المدينة سنة ست من الهجرة أو بعدها؟ و قياس هذه الآية من آية سورة الروم مع الفارق لاختلاف السياقين، فسياق هذه الآية سياق الاحتجاج بذكر النعمة و سياق آية الروم هو سياق التوبيخ على الشرك.
و قيل: إن المعنى فهؤلاء الذين فضلهم الله في الرزق من الأحرار لا يرزقون مماليكهم و عبيدهم بل الله تعالى هو رازق الملاك و المماليك فإن الذي ينفقه المولى على مملوكه إنما ينفقه مما رزقهم الله فالله رازقهم جميعا فهم فيه سواء.
و محصله أن قوله: «فهم فيه سواء» حال محل إضراب مقدر و التقدير أن الموالي ليسوا برادي رزق أنفسهم على عبيدهم فيما ينفقون عليهم بل الله يرزق العبيد بأيدي مواليهم و هم سواء في الرزق من الله.
و فيه أن ما قرر من المعنى مقتضاه أن يبطل التسوية أخيرا حكم التفضيل أولا، و لا يستقيم عليه مدلول قوله: «أ فبنعمة الله يجحدون».
و قيل: المراد أن الموالي ليسوا برادي ما بأيديهم من الرزق على مواليهم حتى يستووا في التمتع منه.
و فيه أنه يعود حينئذ إلى أن الإنسان يمنع غيره من أن يتسلط على ما ملكه من الرزق، و حينئذ يكون تخصيص ذلك بالعبيد مستدركا زائدا، و لو وجه بأنه إنما لا يرده عليه لمكان تسلطه على عبيده رجع إلى ما قدمناه من المعنى، و لكانت النعمة المعدودة هي الفضل من جهة مالكية المولى لعبده و لما عنده من الرزق.
قوله تعالى: «و الله جعل لكم من أنفسكم أزواجا و جعل لكم من أزواجكم بنين و حفدة» إلى آخر الآية.
قال في المفردات: «قال الله تعالى و جعل لكم من أزواجكم بنين و حفدة» جمع حافد و هو المتحرك المسرع بالخدمة أقارب كانوا أو أجانب.
قال المفسرون: هم الأسباط و نحوهم و ذلك أن خدمتهم أصدق - إلى أن قال - قال الأصمعي: أصل الحفد مداركة الخطو.
انتهى.
و في المجمع: و أصل الحفد الإسراع في العمل - إلى أن قال - و منه قيل للأعوان حفدة لإسراعهم في الطاعة.
انتهى.
و المراد بالحفدة في الآية الأعوان الخدم من البنين لمكان قوله: «و جعل لكم من أزواجكم» و لذا فسر بعضهم قوله: «بنين و حفدة بصغار الأولاد و كبارهم، و بعضهم بالبنين و الأسباط و هم بنو البنين.
و المعنى: و الله جعل لكم من أنفسكم أزواجا تألفونها و تأنسون بها، و جعل لكم من أزواجكم بالإيلاد بنين و حفدة و أعوانا تستعينون بخدمتهم على حوائجكم و تدفعون بهم عن أنفسكم المكاره و رزقكم من الطيبات و هي ما تستطيبونه من أمتعة الحياة و تنالونه بلا علاج و عمل كالماء و الثمرات أو بعلاج و عمل كالأطعمة و الملابس و نحوها، و «من» في «من الطيبات» للتبعيض و هو ظاهر.
ثم وبخهم بقوله: «أ فبالباطل» و هي الأصنام و الأوثان و من ذلك القول بالبنات لله، و الأحكام التي يشرعها لهم أئمتهم أئمة الضلال «يؤمنون و بنعمة الله هم يكفرون» و النعمة هي جعل الأزواج من أنفسهم و جعل البنين و الحفدة من أزواجهم فإن ذلك من أعظم النعم و أجلاها لكونه أساسا تكوينيا يبتني عليه المجتمع البشري، و يظهر به فيهم حكم التعاون و التعاضد بين الأفراد، و ينتظم به لهم أمر تشريك الأعمال و المساعي فيتيسر لهم الظفر بسعادتهم في الدنيا و الآخرة.
و لو أن الإنسان قطع هذا الرابط التكويني الذي أنعم الله به عليه و هجر هذا السبب الجميل، و إن توسل بأي وسيلة غيره لتلاشى جمعه و تشتت شمله و في ذلك هلاك الإنسانية.
قوله تعالى: «و يعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقا من السماوات و الأرض شيئا و لا يستطيعون» عطف على موضع الجملة السابقة و المعنى يكفرون بنعمة الله و يعبدون من دون الله ما لا يملك إلخ.
و قد ذكروا أن «رزقا» مصدر و «شيئا» مفعوله و المعنى لا يملك لهم أن يرزق شيئا و قيل: الرزق بمعنى المرزوق و «شيئا» بدل منه، و قيل: إن «شيئا» مفعول مطلق و التقدير: لا يملك شيئا من الملك.
و خير الوجوه أوسطها.
و يمكن أن يقال: «من السماوات و الأرض شيئا» بدل من «رزقا» و هو من بدل الكل من البعض يفيد معنى الإضراب و الترقي، و المعنى و يعبدون ما لا يملك لهم رزقا بل لا يملك لهم في السماوات و الأرض شيئا.
و قوله: «و لا يستطيعون» أي و لا يستطيعون أن يملكوا رزقا و شيئا و يمكن أن يكون منسي المتعلق جاريا مجرى اللازم أي و لا استطاعة لهم أصلا.
و قد اجتمع في الآية رعاية الاعتبارين في الأصنام فإنها من جهة أنها معمولة من حجر أو خشب أو ذهب أو فضة غير عاقلة و بهذا الاعتبار قيل: «ما لا يملك» إلخ، و من جهة أنهم يعدونها آلهة دون الله و يعبدونها و العبادة لا تكون إلا لعاقل منسلكة - على زعمهم - في سلك العقلاء، و بهذا الاعتبار قيل: «و لا يستطيعون».
و في الآية رجوع إلى التخلص لبيان الغرض من تعداد النعم و هو التوحيد و إثبات النبوة بمعنى التشريع و المعاد يجري ذلك إلى تمام أربع آيات ينهى في أولاها عن ضربهم الأمثال لله سبحانه، و يضرب في الثانية مثلا تبين به وحدانيته تعالى في ربوبيته، و في الثالثة مثلا يتبين به أمر النبوة و التشريع، و يتعرض في الرابعة لأمر المعاد.
قوله تعالى: «فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم و أنتم لا تعلمون» الظاهر السابق إلى الذهن أن المراد بضرب الأمثال التوصيف المصطلح عليه بالاستعارة التمثيلية و هي إجراء الأوصاف عليه تعالى بضرب من التشبيه كقولهم: إن له بنات كالإنسان، و إن الملائكة بناته، و إن بينه و بين الجنة نسبا و صهرا، و إنه كيف يحيي العظام و هي رميم إلى غير ذلك، و هذا هو المعنى المعهود من هذه الكلمة في كلامه تعالى، و قد تقدم في خلال الآيات السابقة قوله: «للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء و لله المثل الأعلى».
فالمعنى: إذا كان الأمر على ما ذكر فلا تصفوه سبحانه بما تشبهونه بغيره و تقيسونه إلى خلقه لأن الله يعلم و أنتم لا تعلمون حقائق الأمور و كنهه تعالى.
و قيل: المراد بالضرب الجعل، و بالأمثال ما هو جمع المثل بمعنى الند، فقوله: فلا تضربوا لله الأمثال في معنى قوله في موضع آخر: «فلا تجعلوا لله أندادا»: البقرة: 22، و هو معنى بعيد.
قوله تعالى: «ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء» إلى آخر الآية، ما في الآية من المثل المضروب يفرض عبدا مملوكا لا يقدر على شيء، و آخر رزق من الله رزقا حسنا ينفق منه سرا و جهرا ثم يسأل هل يستويان و اعتبار التقابل بين المفروضين يعطي أن كلا من الطرفين مقيد بخلاف ما في الآخر من الوصف مع تبيين الأوصاف بعضها لبعض.
فالعبد المفروض مملوك غير مالك لا لنفسه و لا لشيء من متاع الحياة و هو غير قادر على التصرف في شيء من المال، و الذي فرض قباله حر يملك نفسه و قد رزقه الله رزقا حسنا و هو ينفق منه سرا و جهرا على قدرة منه على التصرف بجميع أقسامه.
و قوله: «هل يستوون» سؤال عن تساويهما، و من البديهي أن الجواب هو نفي التساوي و يثبت به أن الله سبحانه و هو المالك لكل شيء المنعم بجميع النعم لا يساوي شيئا من خلقه و هم لا يملكون لا أنفسهم و لا غيرهم و لا يقدرون على شيء من التصرف فمن الباطل قولهم: إن مع الله آلهة غيره و هم من خلقه.
و التعبير بقوله: «يستوون» دون أن يقال: يستويان للدلالة على أن المراد من ذلك الجنس من غير أن يختص بمولى و عبد معينين كما قيل.
و قوله: «الحمد لله» أي له عز اسمه جنس الحمد و حقيقته و هو الثناء على الجميل الاختياري لأن جميل النعمة من عنده و لا يحمد إلا الجميل فله تعالى كل الحمد كما أن له جنسه فافهم ذلك.
و الجملة من تمام الحجة و محصلها أنه لا يستوي المملوك الذي لا يقدر أن يتصرف في شيء و ينعم بشيء، و المالك الذي يملك الرزق و يقدر على التصرف فيه فيتصرف و ينعم كيف شاء، و الله سبحانه هو المحمود بكل حمد إذ ما من نعمة إلا و هي من خلقه فله كل صفة يحمد عليها كالخلق و الرزق و الرحمة و المغفرة و الإحسان و الإنعام و غيرها، فله كل ثناء جميل، و ما يعبدون من دونه مملوك لا يقدر على شيء فهو سبحانه الرب وحده دون غيره.
و قد قيل: إن الحمد في الآية شكر على نعمه تعالى، و قيل: حمد على تمام الحجة و قوتها، و قيل: تلقين للعباد و معناه قالوا: الحمد لله الذي دلنا على توحيده و هدانا إلى شكر نعمه، و هي وجوه لا يعبأ بها.
و قوله: «بل أكثرهم لا يعلمون أي أكثر المشركين لا يعلمون أن النعمة كلها لله لا يملك غيره شيئا و لا يقدر على شيء بل يثبتون لأوليائهم شيئا من الملك و القدرة على سبيل التفويض فيعبدونهم طمعا و خوفا، هذا حال أكثرهم و أما أقلهم من الخواص فإنهم على علم من الحق لكنهم يحيدون عنه بغيا و عنادا.
و قد تبين مما تقدم أن الآية مثل مضروب في الله سبحانه و فيمن يزعمونه شريكا له في الربوبية، و قيل: إنها مثل تمثل به حال الكافر المخذول و المؤمن الموفق فإن الكافر لإحباط عمله و عدم الاعتداد بأعماله كالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء فلا يعد له إحسان و إن أنفق و بالغ بخلاف المؤمن الذي يوفقه الله لمرضاته و يشكر مساعيه فهو ينفق مما عنده من الخير سرا و جهرا.
و فيه أنه لا يلائم سياق الاحتجاج الذي للآيات، و قد تقدم أن الآية إحدى الآيات الثلاث المتوالية التي تتعرض لغرض تعداد النعم الإلهية، و هي تذكر بالتوحيد بمثل يقيس حال من ينعم بجميع النعم من حال من لا يملك شيئا و لا يقدر على شيء فيستنتج أن الرب هو المنعم لا غير.
قوله تعالى: «و ضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم» إلى آخر الآية.
قال في المجمع:، الأبكم الذي يولد أخرس لا يفهم و لا يفهم، و قيل: الأبكم الذي لا يقدر أن يتكلم و الكل الثقل يقال: كل عن الأمر يكل كلا إذا ثقل عليه فلم ينبعث فيه.
و كلت السكين كلولا إذا غلظت شفرتها، و كل لسانه إذا لم ينبعث في القول لغلظه و ذهاب حده فالأصل فيه الغلظ المانع من النفوذ، و التوجيه: الإرسال في وجه من الطريق، يقال: وجهته إلى موضع كذا فتوجه إليه.
انتهى.
فقوله: «و ضرب الله مثلا رجلين» مقايسة أخرى بين رجلين مفروضين متقابلين في أوصافهما المذكورة.
و قوله: «أحدهما أبكم لا يقدر على شيء» أي محروم من أن يفهم الكلام و يفهم غيره بالكلام لكونه أبكم لا يسمع و لا ينطق فهو فاقد لجميع الفعليات و المزايا التي يكتسبها الإنسان من طريق السمع الذي هو أوسع الحواس نطاقا، به يتمكن الإنسان من العلم بأخبار من مضى و ما غاب عن البصر من الحوادث و ما في ضمائر الناس و يعلم العلوم و الصناعات، و به يتمكن من إلقاء ما يدركه من المعاني الجليلة و الدقيقة إلى غيره، و لا يقوى الأبكم على درك شيء منها إلا النزر اليسير مما يساعد عليه البصر بإعانة من الإشارة.
فقوله: «لا يقدر على شيء» مخصص عمومه بالأبكم أي لا يقدر على شيء مما يقدر عليه غير الأبكم و هو جملة ما يحرمه الأبكم من تلقي المعلومات و إلقائها.
و قوله: «و هو كل على مولاه» أي ثقل و عيال على من يلي و يدبر أمره فهو لا يستطيع أن يدبر أمر نفسه، و قوله: «أينما يوجهه لا يأت بخير» أي إلى أي جهة أرسله مولاه لحاجة من حوائج نفسه أو حوائج مولاه لم يقدر على رفعها فهو لا يستطيع أن ينفع غيره كما لا ينفع نفسه، فهذا أعني قوله: «أحدهما أبكم لا يقدر على شيء» إلخ، مثل أحد الرجلين، و لم يذكر سبحانه مثل الآخر لحصول العلم به من قوله: «هل يستوي هو و من يأمر بالعدل» إلخ، و فيه إيجاز لطيف.
و قوله: «هل يستوي هو و من يأمر بالعدل و هو على صراط مستقيم» فيه إشارة إلى وصف الرجل المفروض و سؤال عن استوائهما إذا قويس بينهما و عدمه.
أما الوصف فقد ذكر له منه آخر ما يمكن أن يتلبس به غير الأبكم من الخير و الكمال الذي يحلي نفسه و يعدو إلى غيره و هو العدل الذي هو التزام الحد الوسط في الأعمال و اجتناب الإفراط و التفريط فإن الأمر بالعدل إذا جرى على حقيقته كان لازمه أن يتمكن الصلاح من نفس الإنسان ثم ينبسط على أعماله فيلتزم الاعتدال في الأمور ثم يحب انبساطه على أعمال غيره من الناس فيأمرهم بالعدل و هو - كما عرفت - مطلق التجنب عن الإفراط و التفريط أي العمل الصالح أعم من العدل في الرعية.
ثم وصفه بقوله: «و هو على صراط مستقيم» و هو السبيل الواضح الذي يهدي سالكيه إلى غايتهم من غير عوج، و الإنسان الذي هو في مسير حياته على صراط مستقيم يجري في أعماله على الفطرة الإنسانية من غير أن يناقض بعض أعماله بعضا أو يتخلف عن شيء مما يراه حقا و بالجملة لا تخلف و لا اختلاف في أعماله.
و توصيف هذا الرجل المفروض الذي يأمر بالعدل بكونه على صراط مستقيم يفيد أولا أن أمره بالعدل ليس من أمر الناس بالبر و نسيان نفسه بل هو مستقيم في أحواله و أعماله يأتي بالعدل كما يأمر به.
و ثانيا: أن أمره بالعدل ليس ببدع منه من غير أصل فيه يبتني عليه بل هو في نفسه على مستقيم الصراط و لازمه أن يحب لغيره ذلك فيأمرهم أن يلتزموا وسط الطريق و يجتنبوا حاشيتي الإفراط و التفريط.
و أما السؤال أعني ما في قوله: «هل يستوي هو و من يأمر بالعدل» إلخ، فهو سؤال لا جواب له إلا النفي لا شك فيه و به يثبت أن ما يعبدونه من دون الله من الأصنام و الأوثان و هو مسلوب القدرة لا يستطيع أن يهتدي من نفسه و لا أن يهدي غيره لا يساوي الله تعالى و هو على صراط مستقيم في نفسه هاد لغيره بإرسال الرسل و تشريع الشرائع.
و منه يظهر أن هذا المثل المضروب في الآية في معنى قوله تعالى: «أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون»: يونس: 35 فالله سبحانه على صراط مستقيم في صفاته و أفعاله، و من استقامة صراطه أن يجعل لما خلقه من الأشياء غايات تتوجه إليها فلا يكون الخلق باطلا، كما قال: «و ما خلقنا السماوات و الأرض و ما بينهما باطلا» و أن يهدي كلا إلى غايته التي تخصه كما خلقها و جعل لها غاية كما قال: «الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى»: طه: 50 فيهدي الإنسان إلى سبيل قاصد كما قال: «و على الله قصد السبيل»: النحل: 9، و قال «إنا هديناه السبيل»: الدهر: 3.
و هذا أصل الحجة على النبوة و التشريع، و قد مر تمامه في أبحاث النبوة في الجزء الثاني و في قصص نوح في الجزء العاشر من الكتاب.
فقد تحصل أن الغرض من المثل المضروب في الآية إقامة حجة على التوحيد مع إشارة إلى النبوة و التشريع.
و قيل: إنه مثل مضروب فيمن يؤمل منه الخير و من لا يؤمل منه، و أصل الخير كله من الله تعالى فكيف يستوي بينه و بين شيء سواه في العبادة؟.
و فيه أن المورد أخص من ذلك فهو مثل مضروب فيمن هو على خير في نفسه و هو يأمر بالعدل و هو شأنه تعالى دون غيره على أنهم لا يساوون بينه و بين غيره في العبادة بل يتركونه و يعبدون غيره.
و قيل: إنه مثل مضروب في المؤمن و الكافر فالأبكم هو الكافر، و الذي يأمر بالعدل هو المؤمن، و فيه أن صحة انطباق الآية على المؤمن و الكافر بل على كل من يأمر بالعدل و من يسكت عنه و جريها فيهما أمر، و مدلولها من جهة وقوعها في سياق تعداد النعم و الاحتجاج على التوحيد و ما يلحق به من الأصول أمر آخر، و الذي تفيده بالنظر إلى هذه الجهة أن مورد المثل هو الله سبحانه و ما يعبدون من دونه لا غير.
قوله تعالى: «و لله غيب السماوات و الأرض و ما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير» الغيب يقابل الشهادة في إطلاقات القرآن الكريم و قد تكرر فيه: «عالم الغيب و الشهادة» و قد تقدم مرارا أنهما أمران إضافيان فالأمر الواحد غيب و غائب بالنسبة إلى شيء و شهادة و مشهود بالنسبة إلى آخر.
و إذ كان من الأشياء ما هو ذو وجوه يظهر ببعض منها لغيره و يخفى ببعض أعني أنه متضمن غيبا و شهادة كانت إضافة الغيب و الشهادة إلى الشيء تارة بمعنى اللام فيكون مثلا غيب السماوات و الأرض ما هو غائب عنهما خارج من حدودهما، و يلحق بهذا الباب الإضافة لنوع من الاختصاص، كما في قوله: «فلا يظهر على غيبه أحدا»: الجن: 26.
و تارة بمعنى «من» أو ما يقرب منه فيكون المراد بغيب السماوات و الأرض الغيب الذي يشتملان عليه نوعا من الاشتمال قبال ما يشتملان عليه من الشهادة و بعبارة أخرى ما يغيب عن الأفهام من أمرهما قبال ما يظهر منهما.
و الساعة هي من غيب السماوات و الأرض بهذا المعنى الثاني: أما أولا: فلأنه سبحانه يعدها في كلامه من الغيب، و ليست بخارج من أمر السماوات و الأرض فهو من الغيب بهذا المعنى.
و أما ثانيا: فلأن ما يصفها به من الأوصاف إنما يلائم هذا المعنى الثاني ككونها يوما ينبئهم الله بما كانوا فيه يختلفون و يوم تبلى السرائر و يوما يخاطب فيه الإنسان بمثل قوله: «لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد»، و يوما يخاطبون ربهم بقولهم: «ربنا أبصرنا و سمعنا فارجعنا» و بالجملة هي يوم يظهر فيه ما استتر من الحقائق في هذه النشأة ظهور عيان، و من المعلوم أن هذه الحقائق غير خارجة من السماوات و الأرض بل هي معهما ثابتة.
كيف؟ و هو تعالى يقول: «و لله غيب السماوات و الأرض» فيثبته ملكا لنفسه و ليس ملكه من الملك الاعتباري يتعلق بكل أمر موهوم أو جزافي بل ملك حقيقي يتعلق بأمر ثابت فلها نوع من الثبوت و إن فرض جهلنا بحقيقة ثبوتها.
و الشواهد القرآنية على هذا الذي ذكرناه كثيرة.
و قد عد سبحانه حياة هذه النشأة متاع الغرور و لعبا و لهوا، و كرر أن أكثر الناس لا يعلمون ما هو يوم القيامة، و ذكر أن الدار الآخرة هي الحيوان، و أنهم سيعلمون أن الله هو الحق المبين و سيبدو لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، إلى غير ذلك مما يشتمل عليه الآيات على اختلاف ألسنتها.
و بالجملة الساعة من غيب السماوات و الأرض، و الآية أعني قوله: «و لله غيب السماوات و الأرض» تقرر ملكه تعالى لنفس هذا الغيب لا لعلمه فلم يقل: و لله علم غيب السماوات و الأرض، و سياق الآية يعطي أن الجملة أعني قوله: «و لله غيب» إلخ، توطئة و تمهيد لقوله: «ما أمر الساعة إلا كلمح البصر» إلخ، فالجملة مسوقة للاحتجاج.
و على هذا يعود معنى الآية إلى أن الله سبحانه يملك غيب السماوات و الأرض ملكا له أن يتصرف فيه كيف يشاء كما يملك شهادتهما و كيف لا؟ و غيب الشيء لا يفارق شهادته و هو موجود ثابت معه و له الخلق و الأمر، و الساعة الموعودة ليست بأمر محال حتى لا يتعلق بها قدرة بل هي من غيب السماوات و الأرض و حقيقتها المستورة عن الأفهام اليوم فهي مما استقر عليه ملكه تعالى، و له أن يتصرف فيه بالإخفاء يوما و بالإظهار آخر.
و ليست بصعبة عليه تعالى فإنما أمرها كلمح البصر أو أقرب من ذلك لأن الله على كل شيء قدير.
و من هنا يظهر أن قوله: «و ما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير» مسوق لا لإثبات أصل الساعة أو إمكانها بل لنفي صعوبتها و المشقة في إقامتها و هوان أمرها عنده سبحانه.
فقوله: «و ما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب» أي بالنسبة إليه و إلا فقد استعظم سبحانه أمرها بما يهون عنده كل أمر خطير و وصفها بأوصاف لا يعادلها فيها غيرها، قال تعالى: «ثقلت في السماوات و الأرض»: الأعراف: 187.
و تشبيه أمرها بلمح البصر إنما هو من جهة أن اللمحة و هي مد البصر و إرساله للرؤية أخف الأعمال عند الإنسان و أقصرها زمانا فهو تشبيه بحسب فهم السامع و لذلك عقبه بقوله: «أو هو أقرب» فإن مثل هذا السياق يفهم منه الإضراب فكأنه تعالى يقول: «إن أمرها في خفة المؤنة و الهوان و السهولة بالنسبة إلينا يشبه لمح أحدكم ببصره، و إنما أشبهه به رعاية لحالكم و تقريبا إلى فهمكم و إلا فالأمر أقرب من ذلك، كما قال فيها: «و يقول كن فيكون»: الأنعام: 73، فأمر الساعة بالنسبة إلى قدرته و مشيته تعالى كأمر أيسر الخلق و أهونه.
و علل تعالى ذلك بقوله: «إن الله على كل شيء قدير» فقدرته على كل شيء توجب أن تكون الأشياء بالنسبة إليه سواء.
و إياك أن تتوهم أن عموم القدرة لا يستوجب ارتفاع الاختلاف من بين الأشياء من حيث النسبة، فقلة الأسباب المتوسطة بين الفاعل و فعله و الشرائط و الموانع و كثرتها لهما تأثير في ذلك لا محالة، فالإنسان مثلا قادر على التنفس و حمل ما يطيقه من الأثقال و ليسا سواء بالنسبة إليه و على هذا القياس.
فإن في ذلك غفلة عن معنى عموم القدرة، و توضيحه أن القدرة التي فينا قدرة مقيدة، فإن قدرة الإنسان مثلا على أكل الغذاء و هي أن له نسبة الفاعلية إليه و هي في تأثيرها مشروطة بتحقق غذاء في الخارج و كونه بين يديه و ممكن التناول و عدم ما يمنع من ذلك من إنسان أو غيره، و كون أدوات الفعل كاليد و الفم و غيرهما غير مصابة بآفة إلى غير ذلك، و الذي يملكه الإنسان هو الإرادة و الزائد على ذلك وسائط و شرائط و موانع خارجة عن قدرته بالحقيقة و قيد يقيدها، و إذا أراد الإنسان أن يعمل قدرته فيأكل كان عليه أن يهيىء تلك الأمور التي تتقيد بها قدرته في التأثير كتحصيل الغذاء و وضعه قريبا منه و رفع الموانع و إعمال الأدوات البدنية مثلا.
و من المعلوم أن قلة هذه الأمور و كثرتها و قربها و بعدها و ما أشبه ذلك من صفاتها توجب اختلاف الفعل في السهولة و عدمها و ضعف القدرة و قوتها فتقيد القدرة هو الموجب للاختلاف.
و أما قدرته تعالى فإنها عين ذاته التي يجب وجودها و يمتنع عدمها، و إذا كان كذلك فلو تقيدت بقيد من وجود سبب أو شرط أو عدم مانع لانعدمت بانعدام قيدها و هو محال فقدرته تعالى مطلقة غير محدودة بحد و لا مقيدة بقيد، عامة تتعلق بكل شيء على حد سواء من غير أن يكون شيء بالنسبة إليه أصعب من شيء أو أسهل، و أقرب إليه من شيء أو أبعد، و إنما الاختلاف بين الأشياء أنفسها بقياس بعضها إلى بعض.
و بتقريب آخر ما من شيء إلا و هو يفتقر إليه سبحانه في وجوده، فإذا فرضنا كل أمر موجود بحيث لا يشذ عنها شاذ في جانب و نسبناها إليه تعالى كان الجميع متعلقا لقدرته، و ليس هناك أمر ثالث يكون قيدا لقدرته من سبب أو شرط أو عدم مانع و إلا لكان شريكا في التأثير تعالى عن ذلك.
و أما الذي بين الأشياء أنفسها من الأسباب المتوسطة و الشرائط و الموانع فإنها توجب تقيد بعضها ببعض لا تقيد القدرة العامة الإلهية التي تتعلق بها ثم تتعلق القدرة بالمقيد منها دون المطلق بمعنى أن متعلق القدرة هو زيد الذي أبوه فلان و أمه فلانة و هو في زمان كذا و مكان كذا و هكذا فوجود زيد بجميع روابطه وجود جميع العالم و القدرة المتعلقة به متعلقة بالجميع بعينه، و ليست هناك إلا قدرة واحدة متعلقة بالجميع يوجد بها كل شيء في موطنه الخاص به، و هي مطلقة غير مقيدة لا اختلاف للأشياء بالنسبة إليها و إنما الاختلاف بينها أنفسها.
فقد تبين مما تقدم أن عموم القدرة يوجب ارتفاع الاختلاف من بين الأشياء بالنسبة إليها بالسهولة و الصعوبة و غير ذلك و الآية الكريمة من غرر الآيات القرآنية يتبين بها: أولا: أن حقيقة المعاد ظهور حقيقة الأشياء بعد خفائها.
و ثانيا: أن القدرة الإلهية تتعلق بجميع الأشياء على نعت سواء من غير اختلاف بالسهولة و الصعوبة و القرب و البعد و غير ذلك.
و ثالثا: أن الأشياء بحسب الحقيقة مرتبطة وجودا بحيث إن إيجاد الواحد منها إيجاد الجميع و الجميع متعلق قدرة واحدة لا مؤثر فيها غيرها.
نعم هناك نظر آخر أبسط من ذلك و هو النظر فيها من جهة نظام الأسباب و المسببات، و قد صدقه الله في كلامه كما تقدم بيانه في البحث عن الإعجاز في الجزء الأول من الكتاب، و بهذه النظرة ينفصل الأشياء بعضها عن بعض و يتوقف وجود بعضها على وجود بعض أو عدمه فتتقدم و تتأخر و تسهل و تصعب، و تكون الأسباب وسائط بينها و بينه تعالى و يكون تعالى فاعلا بوساطة الأسباب، و هو نظر بسيط.
و قد ذكر كثير من المفسرين في قوله: «و لله غيب السماوات و الأرض» أنه بحذف مضاف و التقدير و لله علم غيب إلخ، و فيه أنه يستلزم ارتفاع الاتصال بين هذه الجملة و بين ما يليها إذ لا رابطة بين علم الغيب و بين هوان أمر الساعة، فتعود الجملة مستدركة مستغنى عنها في الكلام.
و قول بعضهم في رفع الاستدراك إن صدر الآية و ذيلها يثبتان العلم و القدرة و بهما معا يتم خلق الساعة غير مفيد فإنهم إنما استشكلوا في الساعة من جهة القدرة لعدهم إياها ممتنعة فلا حاجة إلى التشبث لإثباتها بمسألة العلم، و يشهد لذلك ما في سائر الآيات المثبتة لإمكان المعاد بعموم القدرة.
و ذكر بعضهم: أن المراد به علم غيبهما لا بتقدير العلم في الكلام حتى يقال: إن الأصل عدمه بل لأن إضافة الغيب و هو ما يغيب عن الحس و العقل إلى السماوات و الأرض تفيد أن المراد الأمور المجهولة التي فيهما مما يقع فيهما حالا أو بعد حين و ملكه تعالى له ملكه للعلم به.
و فيه أن المقدمة الأخيرة ممنوعة و قد تقدم بيانه على أن إشكال ارتفاع الاتصال بين الجملتين في محله بعد.
و أيضا ذكر بعضهم في توجيه التعليل المستفاد من قوله: «إن الله على كل شيء قدير» أن من جملة الأشياء إقامة الساعة في أسرع ما يكون فهو قادر على ذلك.
و فيه أنه لا يفي بتعليل ما يستفاد من الحصر بالنفي و الإثبات و إنما يفي بتعليل ما لو قيل: إن الله سيجعل أمر الساعة كلمح البصر مع إمكان كونه لا كذلك فافهم ذلك.
بحث روائي
في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «في بطونه من بين فرث و دم» قال: قال (عليه السلام): الفرث ما في الكرش و في الكافي، عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): ليس أحد يغص بشرب اللبن لأن الله عز و جل يقول: «لبنا خالصا سائغا للشاربين». و في تفسير القمي، بإسناده عن رجل عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قوله: «و أوحى ربك إلى النحل» قال: نحن النحل الذي أوحى الله إليه أن اتخذي من الجبال بيوتا أمرنا أن نتخذ من العرب شيعة «و من الشجر» يقول: من العجم «و مما يعرشون» من الموالي، و الذي خرج من بطونها شراب مختلف ألوانه، العلم الذي يخرج منا إليكم.
أقول: و في هذا المعنى روايات أخر، و هي من باب الجري و يشهد به ما في بعض هذه الروايات من تطبيق النحل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الجبال على قريش، و الشجر على العرب، و مما يعرشون على الموالي، و ما يخرج من بطونها على العلم.
و في تفسير القمي، بإسناده عن علي بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا بلغ العبد مائة سنة فذلك أرذل العمر. و في المجمع، روي عن علي (عليه السلام): أن أرذل العمر خمس و سبعون سنة، و روي عن النبي مثل ذلك. أقول: روى ذلك في الدر المنثور، عن الطبري عن علي (عليه السلام)، و روى عن ابن مردويه عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): حديثا مفصلا يدل على أن أرذل العمر مائة سنة. و في تفسير العياشي، عن عبد الرحمن الأشل عن الصادق (عليه السلام): في قول الله: «و جعل لكم من أزواجكم بنين و حفدة» قال: الحفدة بنو البنت، و نحن حفدة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). و فيه، عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الحفدة قال: و هم العون منهم يعني البنين. و في المجمع،: في معنى الحفدة: هي أختان الرجل على بناته قال: و هو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام).
أقول: و لا تنافي بين الروايات كما تقدم في البيان.
و في التهذيب، بإسناده عن شعيب العقرقوفي عن أبي عبد الله (عليه السلام): في طلاق العبد و نكاحه قال: ليس له طلاق و لا نكاح أ ما تسمع الله تعالى يقول: «عبدا مملوكا لا يقدر على شيء» قال: لا يقدر على طلاق و لا على نكاح إلا بإذن مولاه.
أقول: و في هذا المعنى عدة روايات من طرق الشيعة.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «هل يستوي هو و من يأمر بالعدل»: قال: قال (عليه السلام): كيف يستوي هذا؟ و من يأمر بالعدل أمير المؤمنين و الأئمة (عليهم السلام) و في تفسير البرهان، عن ابن شهر آشوب عن حمزة بن عطاء عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله تعالى: «هل يستوي هو و من يأمر بالعدل» الآية قال: هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو على صراط مستقيم.
أقول: و الروايتان من الجري و ليستا من أسباب النزول في شيء لما تقدم في البيان السابق.
و كذا ما روي من طرق أهل السنة: أن قوله: «ضرب الله مثلا عبدا مملوكا»، الآية نزل في هشام بن عمرو و هو الذي ينفق ماله سرا و جهرا في عبده أبي الجوزاء الذي كان ينهاه، و كذا ما روي أن الآية نزلت في عثمان بن عفان و عبد له.
و كذا ما روي: في قوله: «و ضرب الله مثلا رجلين» الآية، أن الأبكم أبي بن خلف و من يأمر بالعدل حمزة و عثمان بن مظعون، و كذا ما روي: أن الأبكم هاشم بن عمر بن الحارث القرشي و كان قليل الخير يعادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، و ما روي: أن الأبكم أبو جهل و الآمر بالعدل عمار، و ما روي: أن الآمر بالعدل عثمان بن عفان، و الأبكم مولى له كافر و هو أسيد بن أبي العيص، إلى غير ذلك.
|