بيان
الآيات تلخص للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القول في غرض السورة المسرودة له آياتها، و تنبئه أن السورة تبين له حق القول في المبدأ و المعاد و سنة الله الجارية في عباده فهي بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تعليم للحق، و بالنسبة إلى المؤمنين موعظة و ذكرى، و بالنسبة إلى الكافرين المستنكفين عن الإيمان قطع خصام، فقل لهم آخر ما تحاجهم: اعملوا بما ترون و نحن عاملون بما نراه، و ننتظر جميعا صدق ما قص الله علينا من سنته الجارية في خلقه من إسعاد المصلحين و إشقاء المفسدين، و تختم بأمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بعبادته و التوكل عليه لأن الأمر كله إليه.
قوله تعالى: «و كلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك» إلى آخر الآية أي و كل القصص نقص عليك تفصيلا أو إجمالا، و قوله: «من أنباء الرسل» بيان لما أضيف إليه كل، و قوله: «ما نثبت به فؤادك» عطف بيان للأنباء أشير به إلى فائدة القصص بالنسبة إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو تثبيت فؤاده و حسم مادة القلق و الاضطراب منه.
و المعنى نقص عليك أنباء الرسل لنثبت به فؤادك و نربط جأشك في ما أنت عليه من سلوك سبيل الدعوة إلى الحق، و النهضة على قطع منابت الفساد، و المحنة من أذى قومك.
ثم ذكر تعالى من فائدة السورة ما يعمه (صلى الله عليه وآله وسلم) و قومه مؤمنين و كافرين فقال فيما يرجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من فائدة نزول السورة: «و جاءك في هذه الحق» و الإشارة إلى السورة أو إلى الآيات النازلة فيها أو الإنباء على وجه، و مجيء الحق فيها هو ما بين الله تعالى في ضمن القصص و قبلها و بعدها من حقائق المعارف في المبدأ و المعاد و سنته تعالى الجارية في خلقه بإرسال الرسل و نشر الدعوة ثم إسعاد المؤمنين في الدنيا بالنجاة، و في الآخرة بالجنة، و إشقاء الظالمين بالأخذ في الدنيا و العذاب الخالد في الآخرة.
و قال فيما يرجع إلى المؤمنين: «و موعظة و ذكرى للمؤمنين» فإن فيما ذكر فيها من حقائق المعارف تذكرة للمؤمنين يذكرون بها ما نسبوه من علوم الفطرة في المبدأ و المعاد و ما يرتبط بهما، و فيما ذكر فيها من القصص و العبر موعظة يتعظون بها.
قوله تعالى: «و قل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون و انتظروا إنا منتظرون و هذا فيما يرجع إلى غير المؤمنين يأمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يختم الحجاج معهم و يقطع خصامهم بعد ما تلا القصص عليهم بهذه الجمل فيقول لهم: أما إذا لم تؤمنوا و لم تنقطعوا عن الشرك و الفساد بما ألقيت إليكم من التذكرة و العبر و لم تصدقوا بما قصه الله من أنباء الأمم و أخبر به من سنته الجارية فيهم فاعملوا على ما أنتم عليه من المكانة و المنزلة، و بما تحسبونه خيرا لكم إنا عاملون، و انتظروا ما سيستقبلكم من عاقبة عملكم إنا منتظرون فسوف تعرفون صدق النبإ الإلهي و كذبه.
و هذا قطع للخصام و نوع تهديد أورده الله في القصص الماضية قصة نوح و هود و صالح (عليهما السلام)، و في قصة شعيب (عليه السلام) حاكيا عنه: «و يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و من هو كاذب و ارتقبوا إني معكم رقيب»: آية 93 من السورة.
قوله تعالى: «و لله غيب السماوات و الأرض و إليه يرجع الأمر كله» لما كان أمره تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأمرهم بالعمل بما تهوى أنفسهم و الانتظار، و إخبارهم بأنه و من آمن معه عاملون و منتظرون، في معنى أمره و من تبعه بالعمل و الانتظار عقبه بهاتين الجملتين ليكون على طيب من النفس و ثبات من القلب من أن الدائرة ستكون له عليهم.
و المعنى فاعمل و انتظر أنت و من تبعك فغيب السماوات و الأرض الذي يتضمن عاقبة أمرك و أمرهم إنما يملكه ربك الذي هو الله سبحانه دون آلهتهم التي يشركون بها و دون الأسباب التي يتوكلون عليها حتى يديروا الدائرة لأنفسهم و يحولوا العاقبة إلى ما ينفعهم، و إلى ربك الذي هو الله يرجع الأمر كله فيظهر من غيبه عاقبة الأمر على ما شاءه و أخبر به، فالدائرة لك عليهم، و هذا من عجيب البيان.
و من هنا يظهر وجه تبديل قوله: «ربك» المكرر في هذه الآيات بلفظ الجلالة «الله» لأن فيه من الإشعار بالإحاطة بكل ما دق و جل ما ليس في غيره، و المقام يقتضي الاعتماد و الالتجاء إلى ملجإ لا يقهره قاهر و لا يغلب عليه غالب، و هو الله سبحانه و لذلك ترى أنه يعود بعد انقضاء هذه الجمل إلى ما كان يكرره من صفة الرب، و هو قوله: «و ما ربك بغافل عما تعملون».
قوله تعالى: «فاعبده و توكل عليه» الظاهر أنه تفريع لقوله: «و إليه يرجع الأمر كله» أي إذا كان الأمر كله مرجوعا إليه تعالى فلا يملك غيره شيئا و لا يستقل بشيء فاعبده سبحانه و اتخذه وكيلا في جميع الأمور و لا تتوكل على شيء من الأسباب دونه لأنها أسباب بتسبيبه غير مستقلة دونه، فمن الجهل الاعتماد على شيء منها.
و ما ربك بغافل عما تعملون فلا يجوز التساهل في عبادته و التوكل عليه.
|