بيان
الآيات خاتمة السورة يذكر فيها أن الإيمان الكامل و هو التوحيد الخالص عزيز المنال لا يناله إلا أقل قليل من الناس و أما الأكثرون فليسوا بمؤمنين و لو حرصت بإيمانهم و اجتهدت في ذلك جهدك، و الأقلون و هم المؤمنون ما لهم إلا إيمان مشوب بالشرك فلا يبقى للإيمان المحض و التوحيد الخالص إلا أقل قليل.
و هذا التوحيد الخالص هو سبيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي يدعو إليه على بصيرة هو و من اتبعه، و أن الله ناصره و منجي من اتبعه من المؤمنين من المهالك التي تهدد توحيدهم و إيمانهم و عذاب الاستئصال الذي سيصيب المشركين كما كان ذلك عادة الله في أنبيائه الماضين كما يظهر من قصصهم.
و في قصصهم عبرة و بيان للحقائق و هدى و رحمة للمؤمنين.
قوله تعالى: «و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين» أي ليس من شأن أكثر الناس لانكبابهم على الدنيا و انجذاب نفوسهم إلى زينتها و سهوهم عما أودع في فطرهم من العلم بالله و آياته أن يؤمنوا به، و لو حرصت و أحببت إيمانهم، و الدليل على هذا المعنى الآيات التالية.
قوله تعالى: «و ما تسئلهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين» الواو حالية أي ما هم بمؤمنين و الحال أنك ما تسألهم على إيمانهم أو على هذا القرآن الذي ننزله عليك و تتلوه عليهم من أجر حتى يصدهم الغرامة المالية و إنفاق ما يحبونه من المال عن قبول دعوته و الإيمان به.
و قوله: «إن هو إلا ذكر للعالمين» بيان لشأن القرآن الواقعي و هو أنه ممحض في أنه ذكر للعالمين يذكرون به ما أودع الله في قلوب جماعات البشر من العلم به و بآياته فما هو إلا ذكر يذكرون به ما أنستهم الغفلة و الإعراض و ليس من الأمتعة التي يكتسب بها الأموال أو ينال بها عزة أو جاه أو غير ذلك.
قوله تعالى: «و كأين من آية في السموات و الأرض يمرون عليها و هم عنها معرضون» الواو حالية و يحتمل الاستئناف و المرور على الشيء هو موافاته ثم تركه بموافاة ما وراءه فالمرور على الآيات السماوية و الأرضية مشاهدتها واحدة بعد أخرى.
و المعنى أن هناك آيات كثيرة سماوية و أرضية تدل بوجودها و النظام البديع الجاري فيها على توحيد ربهم و هم يشاهدونها واحدة بعد أخرى فتتكرر عليهم و الحال أنهم معرضون عنها لا يتنبهون.
و لو حمل قوله: «يمرون عليها» على التصريح دون الكناية كان من الدليل على ما يبتني عليه الهيأة الحديثة من حركة الأرض وضعا و انتقالا فإنا نحن المارون على الأجرام السماوية بحركة الأرض الانتقالية و الوضعية لا بالعكس على ما يخيل إلينا في ظاهر الحس.
قوله تعالى: «و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون» الضمير في «أكثرهم» راجع إلى الناس باعتبار إيمانهم أي أكثر الناس ليسوا بمؤمنين و إن لم تسألهم عليه أجرا و إن كانوا يمرون على الآيات السماوية و الأرضية على كثرتها و الذين آمنوا منهم - و هم الأقلون - ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم متلبسون بالشرك.
و تلبس الإنسان بالإيمان و الشرك معا مع كونهما معنيين متقابلين لا يجتمعان في محل واحد نظير تلبسه بسائر الاعتقادات المتناقضة و الأخلاق المتضادة إنما يكون من جهة كونها من المعاني التي تقبل في نفسها القوة و الضعف فتختلف بالنسبة و الإضافة كالقرب و البعد فإن القرب و البعد المطلقين لا يجتمعان إلا أنهما إذا كانا نسبيين لا يمتنعان الاجتماع و التصادق كمكة فإنها قريبة بالنسبة إلى المدينة بعيدة بالنسبة إلى الشام، و كذا هي بعيدة من الشام إذا قيست إلى المدينة قريبة منه إذا قيست إلى بغداد.
و الإيمان بالله و الشرك به و حقيقتهما تعلق القلب بالله بالخضوع للحقيقة الواجبية و تعلق القلب بغيره تعالى مما لا يملك شيئا إلا بإذنه تعالى يختلفان بحسب النسبة و الإضافة فإن من الجائز أن يتعلق الإنسان مثلا بالحياة الدنيا الفانية و زينتها الباطلة و ينسى مع ذلك كل حق و حقيقة، و من الجائز أن ينقطع عن كل ما يصد النفس و يشغلها عن الله سبحانه و يتوجه بكله إليه و يذكره و لا يغفل عنه فلا يركن في ذاته و صفاته إلا إليه و لا يريد إلا ما يريده كالمخلصين من أوليائه تعالى.
و بين المنزلتين مراتب مختلفة بالقرب من أحد الجانبين و البعد منه و هي التي يجتمع فيها الطرفان بنحو من الاجتماع، و من الدليل على ذلك الأخلاق و الصفات المتمكنة في النفوس التي تخالف مقتضى ما تعتقده من حق أو باطل، و الأعمال الصادرة منها كذلك ترى من يدعي الإيمان بالله يخاف و ترتعد فرائصه من أي نائبة أو مصيبة تهدده و هو يذكر أن لا قوة إلا بالله، و يلتمس العزة و الجاه من غيره و هو يتلو قوله تعالى: «إن العزة لله جميعا» و يقرع كل باب يبتغي الرزق و قد ضمنه الله، و يعصي الله و لا يستحيي و هو يرى أن ربه عليم بما في نفسه سميع لما يقول بصير بما يعمل و لا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السماء، و على هذا القياس.
و المراد بالشرك في الآية بعض مراتبه الذي يجامع بعض مراتب الإيمان و هو المسمى باصطلاح فن الأخلاق بالشرك الخفي.
فما قيل: إن المراد بالمشركين في الآية مشركوا مكة في غير محله، و كذا ما قيل: إنهم المنافقون، و هو تقييد لإطلاق الآية من غير مقيد.
قوله تعالى: «أ فأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة و هم لا يشعرون» الغاشية صفة سادة مسد الموصوف المحذوف لدلالة كلمة العذاب عليه، و التقدير عقوبة غاشية تغشاهم و تحيط بهم.
و البغتة الفجأة.
و قوله: «و هم لا يشعرون» حال من ضمير الجمع أي تفاجئهم الساعة في إتيانها و الحال أنهم لا يشعرون بإتيانها لعدم مسبوقيتها بعلامات تعين وقتها و تشخص قيامها و الاستفهام للتعجيب، و المعنى أن أمرهم في إعراضهم عن آيات السماء و الأرض و عدم إخلاصهم الإيمان لله و تماديهم في الغفلة عجيب أ فأمنوا عذابا من الله يغشاهم أو ساعة تفاجئهم و تبهتهم؟.
قوله تعالى: «قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني و سبحان الله و ما أنا من المشركين» لما ذكر سبحانه أن محض الإيمان به و الإخلاص التوحيد له عزيز المنال و هو الحق الصريح الذي تدل عليه آيات السماوات و الأرض أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يبين لهم أن سبيله هو الدعاء إلى هذا التوحيد على بصيرة.
فقوله: «هذه سبيلي» إعلان لسبيله، و قوله: «أدعوا إلى الله على بصيرة» بيان للسبيل، و قوله: «و سبحان الله» اعتراض للتنزيه، و قوله: «و ما أنا من المشركين» تأكيد لمعنى الدعوة إلى الله و بيان أن هذه الدعوة ليست دعوة إليه تعالى كيف كان بل دعوة على أساس التوحيد الخالص لا معدل عنه إلى شرك أصلا.
و أما قوله: «أنا و من اتبعني» فتوسعة و تعميم لحمل الدعوة و أن السبيل و إن كانت سبيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مختصة به لكن حمل الدعوة و القيام به لا يختص به بل من اتبعه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوم بها لنفسه.
لكن السياق يدل على أن الإشراك ليس بذاك العموم الذي يتراءى من لفظ «من اتبعني» فإن السبيل التي تعرفها الآية هي الدعوة عن بصيرة و يقين إلى إيمان محض و توحيد خالص و إنما يشاركه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها من كان مخلصا لله في دينه عالما بمقام ربه ذا بصيرة و يقين و ليس كل من صدق عليه أنه اتبعه على هذا النعت، و لا أن الاستواء على هذا المستوي مبذول لكل مؤمن حتى الذين عدهم الله سبحانه في الآية السابقة من المشركين و ذمهم بأنهم غافلون عن ربهم آمنون من مكره معرضون عن آياته، و كيف يدعو إلى الله من كان غافلا عنه آمنا من مكره معرضا عن آياته و ذكره؟ و قد وصف الله في آيات كثيرة أصحاب هذه النعوت بالضلال و العمى و الخسران و لا تجتمع هذه الخصال بالهداية و الإرشاد البتة.
قوله تعالى: «و ما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى» إلى آخر الآية، لما ذكر سبحانه حال الناس في الإيمان به ثم حال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في دعوته إياهم عن رسالة إلهية من غير أن يسألهم فيها أجرا أو يجر لنفسه نفعا بين أن ذلك ليس ببدع من الأمر بل مما جرت عليه السنة الإلهية في الدعوة الدينية فلم يكن الرسل الماضون ملائكة و إنما بعثوا من بين هؤلاء الناس و كانوا رجالا من أهل القرى يخالطون الناس و يعرفون عندهم أوحى الله إليهم و أرسلهم نحوهم يدعونهم إليه كما أن النبي كذلك، و من الممكن أن يسير هؤلاء المدعوون في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم فبلادهم الخربة و مساكنهم الخالية تفصح عما آل إليه أمرهم، و تنبىء عن عاقبة كفرهم و جحودهم و تكذيبهم لآيات الله.
فالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدعوهم إلا كما كان يدعوهم الأنبياء من قبله، و ليس يدعوهم إلا إلى ما فيه خيرهم و صلاح حالهم و هو أن يتقوا الله فيفلحوا و يفوزوا بسعادة خالدة و نعيم مقيم في دار باقية و لدار الآخرة خير للذين اتقوا أ فلا تعقلون.
فقوله: «و ما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى» تطبيق لدعوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على دعوة من قبله من الرسل.
و لعل توصيفهم بأنهم كانوا من أهل القرى للدلالة على أنهم كانوا من أنفسهم يعيشون بينهم و معروفين عندهم بالمعاشرة و المخالطة و لم يكونوا ملائكة و لا من غير أنفسهم، و يؤيد ذلك توصيفهم بأنهم كانوا رجالا فإن الرجال كانوا أقرب إلى المعرفة من النساء ذوات الخدر.
و قوله: «أ فلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم» إنذار لأمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمثل ما أنذر به الأمم الخالية فلم يسمعوا فذاقوا وبال أمرهم.
و قوله: «و لدار الآخرة خير للذين اتقوا أ فلا تعقلون» بيان النصح و أن ما يدعون إليه و هو التقوى ليس وراءه إلا ما فيه كل خيرهم و جماع سعادتهم.
قوله تعالى: «حتى إذا استيئس الرسل و ظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا» إلى آخر الآية ذكروا أن يأس و استيئس بمعنى، و لا يبعد أن يقال: إن الاستيئاس هو الاقتراب من اليأس بظهور آثاره لمكان هيئة الاستفعال و هو مما يعد يأسا عرفا و ليس باليأس القاطع حقيقة.
و قوله: «حتى إذا استيئس» إلخ متعلق الغاية بما يتحصل من الآية السابقة و المعنى تلك الرسل الذين كانوا رجالا أمثالك من أهل القرى و تلك قراهم البائدة دعوهم فلم يستجيبوا و أنذروهم بعذاب الله فلم ينتهوا حتى إذا استيئس الرسل من إيمان أولئك الناس، و ظن الناس أن الرسل قد كذبوا أي أخبروا بالعذاب كذبا جاء نصرنا فنجيء بذلك من نشاء و هم المؤمنون و لا يرد بأسنا أي شدتنا عن القوم المجرمين.
أما استيئس الرسل من إيمان قومهم فكما أخبر في قصة نوح: «و أوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن»: هود: 36 «و قال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا إلا فاجرا كفارا»: نوح: 27 و يوجد نظيره في قصص هود و صالح و شعيب و موسى و عيسى (عليهما السلام).
و أما ظن أممهم أنهم قد كذبوا فكما أخبر عنه في قصة نوح من قولهم: «بل نظنكم كاذبين»: هود: 27، و كذا في قصة هود و صالح و قوله: «فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا»: أسرى 101.
و أما تنجية المؤمنين بالنصر فكقوله تعالى: «و كان حقا علينا نصر المؤمنين:» الروم: 47 و قد أخبر به في هلاك بعض الأمم أيضا كقوله: «نجينا هودا و الذين آمنوا معه»: هود: 58 «نجينا صالحا و الذين آمنوا معه»: هود: 66 «نجينا شعيبا و الذين آمنوا معه»: هود: 4، إلى غير ذلك.
و أما إن بأس الله لا يرد عن المجرمين فمذكور في آيات كثيرة عموما و خصوصا كقوله: «و لكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط و هم لا يظلمون:» يونس: 47، و قوله: «و إذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له و ما لهم من دونه من وال»: الرعد: 11 إلى غير ذلك من الآيات.
هذا أحسن ما أوردوه في الآية من المعاني، و الدليل عليه كون الآية بمضمونها غاية لما تتضمنه سابقتها كما قدمناه، و قد أوردوا لها معاني أخرى لا يخلو شيء منها من السقم و الإضراب عنها أوجه.
قوله تعالى: «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب» إلى آخر الآية قال الراغب أصل العبر تجاوز من حال إلى حال فأما العبور فيختص بتجاوز الماء - إلى أن قال - و الاعتبار و العبرة بالحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد قال تعالى: إن في ذلك لعبرة.
انتهى.
و الضمير في قصصهم للأنبياء و منهم يوسف صاحب القصة في السورة، و احتمل رجوعه إلى يوسف و إخوته و المعنى أقسم لقد كان في قصص الأنبياء أو يوسف و إخوته عبرة لأصحاب العقول، ما كان القصص المذكور في السورة حديثا يفترى و لكن تصديق الذي بين يدي القرآن، و هو التوراة المذكور فيها القصة يعني توراة موسى (عليه السلام).
و قوله: «و تفصيل كل شيء» إلخ أي بيانا و تمييزا لكل شيء مما يحتاج إليه الناس في دينهم الذي عليه بناء سعادتهم في الدنيا و الآخرة، و هدى إلى السعادة و الفلاح و رحمة خاصة من الله سبحانه لقوم يؤمنون به فإنه رحمة من الله لهم يهتدون بهدايته إلى صراط مستقيم.
بحث روائي
في تفسير القمي، بإسناده عن الفضيل عن أبي جعفر (عليه السلام): في قول الله تعالى: «و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون» قال شرك طاعة و ليس شرك عبادة، و المعاصي التي يرتكبون فهي شرك طاعة أطاعوا فيها الشيطان فأشركوا بالله الطاعة لغيره و ليس بإشراك عبادة أن يعبدوا غير الله.
و في تفسير العياشي، عن محمد بن الفضيل عن الرضا (عليه السلام) قال: شرك لا يبلغ به الكفر.
و فيه، عن مالك بن عطية عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الآية قال: هو الرجل يقول: لو لا فلان لهلكت و لو لا فلان لأصبت كذا و كذا و لضاع عيالي أ لا ترى أنه جعل لله شريكا في ملكه يرزقه و يدفع عنه؟ قال: قلت: فيقول: لو لا أن من الله علي بفلان لهلكت قال: نعم لا بأس بهذا.
و فيه، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله «و ما يؤمن أكثرهم بالله - إلا و هم مشركون» قال: من ذلك قول الرجل: لا و حياتك.
أقول: يعني القسم بغير الله لما فيه من تعظيمه بما لا يستحقه بذاته و الأخبار في هذه المعاني كثيرة.
و في الكافي، بإسناده عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله: «قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني» قال: ذاك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمير المؤمنين و الأوصياء من بعدهما.
و فيه، بإسناده عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الآية قال: يعني على أول من اتبعه على الإيمان و التصديق له و بما جاء به من عند الله عز و جل من الأمة التي بعث فيها و منها و إليها قبل الخلق ممن لم يشرك بالله قط و لم يلبس إيمانه بظلم و هو الشرك.
أقول: و الروايتان تؤيدان ما قدمناه في بيان الآية و في معناهما روايات، و لعل ذكر المصداق من باب التطبيق.
و فيه، بإسناده عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله «سبحان الله» ما يعني به؟ قال: أنفة لله.
و فيه، بإسناده عن هشام الجواليقي قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله عز و جل: «سبحان الله» قال: تنزيه.
و في المعاني، بإسناده عن السيار عن الحسن بن علي عن آبائه عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال فيه مخاطبا: أ و لست تعلم أن الله تعالى لم يخل الدنيا قط من نبي أو إمام من البشر؟ أ و ليس الله تعالى يقول: «و ما أرسلنا من قبلك» يعني إلى الخلق «إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى» فأخبر أنه لم يبعث الملائكة إلى الأرض فيكونوا أئمة و حكاما و إنما أرسلوا إلى الأنبياء.
و في العيون، بإسناده عن علي بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون و عنده الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) فقال له المأمون: يا بن رسول الله أ ليس من قولك إن الأنبياء معصومون؟ قال: بلى و ذكر الحديث إلى أن قال فيه قال المأمون لأبي الحسن: فأخبرني عن قول الله تعالى: «حتى إذا استيئس الرسل - و ظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا» قال الرضا: يقول الله: حتى إذا استيئس الرسل من قومهم فظن قومهم أن الرسل قد كذبوا جاء الرسل نصرنا.
أقول: و هو يؤيد ما قدمناه في بيان الآية، و ما في بعض الروايات أن الرسل ظنوا أن الشيطان تمثل لهم في صورة الملائكة لا يعتمد عليه.
و في تفسير العياشي، عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كيف لم يخف رسول الله فيما يأتيه من قبل الله أن يكون ذلك مما ينزغ به الشيطان؟ قال: فقال: إن الله إذا اتخذ عبدا رسولا أنزل عليه السكينة و الوقار و كان الذي يأتيه من الله مثل الذي يراه بعينه.
و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير و ابن المنذر عن إبراهيم عن أبي حمزة الجزري قال: صنعت طعاما فدعوت ناسا من أصحابنا منهم سعيد بن جبير و الضحاك بن مزاحم فسأل فتى من قريش سعيد بن جبير فقال: يا أبا عبد الله كيف تقرأ هذا الحرف؟ فإني إذا أتيت عليه تمنيت أني لا أقرأ هذه السورة: «حتى إذا استيئس الرسل و ظنوا أنهم قد كذبوا» قال: نعم حتى إذا استيئس الرسل من قومهم أن يصدقوهم و ظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا فقال الضحاك: لو رحلت في هذه إلى اليمن لكان قليلا.
|