بيان
تذييل لقصة موسى بآيات متضمنة للوعيد يذكر فيها من أهوال يوم القيامة لغرض الإنذار.
قوله تعالى: «كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق و قد آتيناك من لدنا ذكرا» الظاهر أن الإشارة إلى خصوصية قصة موسى و المراد بما قد سبق الأمور و الحوادث الماضية و الأمم الخالية أي على هذا النحو قصصنا قصة موسى و على شاكلته نقص عليك من أخبار ما قد مضى من الحوادث و الأمم.
و قوله: «و قد آتيناك من لدنا ذكرا» المراد به القرآن الكريم أو ما يشتمل عليه من المعارف المتنوعة التي يذكر بها الله سبحانه من حقائق و قصص و عبر و أخلاق و شرائع و غير ذلك.
قوله تعالى: «من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا» ضمير «عنه» للذكر و الوزر الثقل و الإثم و الظاهر بقرينة الحمل إرادة المعنى الأول و تنكيره للدلالة على عظم خطره، و المعنى: من أعرض عن الذكر فإنه يحمل يوم القيامة ثقلا عظيم الخطر و مر الأثر، شبه الإثم من حيث قيامه بالإنسان بالثقل الذي يحمله الإنسان و هو شاق عليه فاستعير له اسمه.
قوله تعالى: «خالدين فيه و ساء لهم يوم القيامة حملا» المراد من خلودهم في الوزر خلودهم في جزائه و هو العذاب بنحو الكناية و التعبير في «خالدين» بالجمع باعتبار معنى قوله: «من أعرض عنه» كما أن التعبير في «أعرض» و «فإنه يحمل» باعتبار لفظه، فالآية كقوله: «و من يعص الله و رسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا»: الجن: 23.
و مع الغض عن الجهات اللفظية فقوله: «من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه» من أوضح الآيات دلالة على أن الإنسان إنما يعذب بعمله و يخلد فيه و هو تجسم الأعمال.
و قوله: «و ساء لهم يوم القيامة حملا» ساء من أفعال الذم كبئس، و المعنى: و بئس الحمل حملهم يوم القيامة، و الحمل بكسر الحاء و فتحها واحد، غير أن ما بالكسر هو المحمول في الظاهر كالمحمول على الظهر و ما بالفتح هو المحمول في الباطن كالولد في البطن.
قوله تعالى: «يوم ينفخ في الصور و نحشر المجرمين يومئذ زرقا» «يوم ينفخ» إلخ، بدل من يوم القيامة في الآية السابقة، و نفخ في الصور كناية عن الإحضار و الدعوة و لذا أتبعه فيما سيأتي بقوله: «يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له»: الآية - 108 من السورة.
و الزرق جمع أزرق من الزرقة و هي اللون الخاص، و عن الفراء أن المراد بكونهم زرقا كونهم عميا لأن العين إذا ذهب نورها أزرق ناظرها و هو معنى حسن و يؤيده قوله تعالى: «و نحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا»: الإسراء: 97.
و قيل: المراد زرقة أبدانهم من التعب و العطش، و قيل: زرقة عيونهم لأن أسوأ ألوان العين و أبغضها عند العرب زرقتها، و قيل: المراد به كونهم عطاشا لأن العطش الشديد يغير سواد العين و يريها كالأزرق و هي وجوه غير مرضية.
قوله تعالى: «يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا - إلى قوله - إلا يوما» التخافت تكليم القوم بعضهم بعضا بخفض الصوت و ذلك من أهل المحشر لهول المطلع، و قوله: «إن لبثتم إلا عشرا» بيان لكلامهم الذي يتخافتون فيه، و معنى الجملة على ما يعطيه السياق: يقولون ما لبثتم في الدنيا قبل الحشر إلا عشرة أيام، يستقلون لبثهم فيها بقياسه إلى ما يلوح لهم من حكم الخلود و الأبدية.
و قوله: «نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما» أي لنا إحاطة علمية بجميع ما يقولون في تقرير لبثهم إذ يقول أمثلهم طريقة أي الأقرب منهم إلى الصدق إن لبثتم في الأرض إلا يوما و إنما كان قائل هذا القول أمثل القوم طريقة و أقربها إلى الصدق لأن اللبث المحدود الأرضي لا مقدار له إذا قيس من اللبث الأبدي الخالد، و عده يوما و هو أقل من العشرة أقرب إلى الواقع من عده عشرة، و القول مع ذلك نسبي غير حقيقي و حقيقة القول فيه ما حكاه سبحانه في قوله: «و قال الذين أوتوا العلم و الإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث و لكنكم كنتم لا تعلمون:» الروم: 56، و سيجيء استيفاء البحث في معنى هذا اللبث في تفسير الآية إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: «و يسألونك عن الجبال - إلى قوله - و لا أمتا» تدل الآية على أنهم سألوه (صلى الله عليه وآله وسلم) عن حال الجبال يوم القيامة فأجيب عنه بالآيات.
و قوله: «فقل ينسفها ربي نسفا» أي يذرؤها و يثيرها فلا يبقى منها في مستقرها شيء، و قوله: «فيذرها قاعا صفصفا» القاع الأرض المستوية و الصفصف الأرض المستوية الملساء، و المعنى فيتركها أرضا مستوية ملساء لا شيء عليها، و كأن الضمير للأرض باعتبار أنها كانت جبالا، و قوله: «لا ترى فيها عوجا و لا أمتا» قيل: العوج ما انخفض من الأرض و الأمت ما ارتفع منها، و الخطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المراد كل من له أن يرى و المعنى لا يرى راء فيها منخفضا كالأودية و لا مرتفعا كالروابي و التلال.
قوله تعالى: «يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له و خشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا» نفي العوج إن كان متعلقا بالاتباع - بأن يكون «لا عوج له» حالا عن ضمير الجمع و عامله يتبعون - فمعناه أن ليس لهم إذا دعوا إلا الاتباع محضا من غير أي توقف أو استنكاف أو تثبط أو مساهلة فيه لأن ذلك كله فرع القدرة و الاستطاعة أو توهم الإنسان ذلك لنفسه و هم يعاينون اليوم أن الملك و القدرة لله سبحانه لا شريك له قال تعالى: «لمن الملك اليوم لله الواحد القهار:» المؤمن: 16، و قال: «و لو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أن القوة لله جميعا:» البقرة: 165.
و إن كان متعلقا بالداعي كان معناه أن الداعي لا يدع أحدا إلا دعاه من غير أن يهمل أحدا بسهو أو نسيان أو مساهلة في الدعوة.
لكن تعقيب الجملة بقوله: «و خشعت الأصوات للرحمن» إلخ يناسب المعنى الأول فإن ارتفاع الأصوات عند الدعوة و الإحضار إنما يكون للتمرد و الاستكبار عن الطاعة و الاتباع.
و قوله: «و خشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا قال الراغب: الهمس الصوت الخفي و همس الأقدام أخفى ما يكون من صوتها قال تعالى: «فلا تسمع إلا همسا».
انتهى.
و الخطاب في قوله: «لا تسمع» للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و المراد كل سامع يسمع و المعنى و انخفضت الأصوات لاستغراقهم في المذلة و المسكنة لله فلا يسمع السامع إلا صوتا خفيا.
قوله تعالى: «يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن و رضي له قولا» نفي نفع الشفاعة كناية عن أن القضاء بالعدل و الحكم الفصل على حسب الوعد و الوعيد الإلهيين جار نافذ يومئذ من غير أن يسقط جرم مجرم أو يغمض عن معصية عاص لمانع يمنع منه فمعنى نفع الشفاعة تأثيرها.
و قوله: «إلا من أذن له الرحمن و رضي له قولا» الاستثناء يدل على أن العناية في الكلام متعلقة بنفي الشفعاء لا بتأثير الشفاعة في المشفوع لهم و المراد الإذن في الكلام للشفاعة كما يبينه قوله بعده: «و رضي له قولا» فإن التكلم يومئذ منوط بإذنه تعالى، قال: «يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه»: هود: 105 و قال: «لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن و قال صوابا»: النبأ: 38.
و قد مر القول في معنى الإذن في التكلم في تفسير سورة هود في الجزء العاشر من الكتاب.
و أما كون القول مرضيا فمعناه أن لا يخالطه ما يسخط الله من خطإ أو خطيئة قضاء لحق الإطلاق و لا يكون ذلك إلا ممن أخلص الله سريرته من الخطإ في الاعتقاد و الخطيئة في العمل و طهر نفسه من رجس الشرك و الجهل في الدنيا أو من ألحقه بهم فإن البلاء و الابتلاء اليوم مع السرائر قال تعالى: «يوم تبلى السرائر» و للبحث ذيل طويل سيمر بك بعضه إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: «يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم و لا يحيطون به علما» إن كان ضمائر الجمع في الآية راجعة إلى «من أذن له» باعتبار معناه كان المراد أن مرضي قولهم لا يخفى على الله فإن علمه محيط بهم و هم لا يحيطون به علما فليس في وسعهم أن يغروه بقول مزوق غير مرضي.
و إن كانت راجعة إلى المجرمين فالآية تصف علمه تعالى بهم في موقف الجزاء و هو ما بين أيديهم و قبل أن يحضروا الموقف في الدنيا حيا أو ميتا و هو ما خلفهم فهم محاطون لعلمه و لا يحيطون به علما فيجزيهم بما فعلوا و قد عنت وجوههم للحي القيوم فلا يستطيعون ردا لحكمه و عند ذلك خيبتهم.
و هذا الاحتمال أنسب لسياق الآيات.
قوله تعالى: «و عنت الوجوه للحي القيوم» العنوة هي الذلة قبال قهر القاهر و هي شأن كل شيء دون الله سبحانه يوم القيامة بظهور السلطنة الإلهية كما قال: «لمن الملك اليوم لله الواحد القهار:» المؤمن: 16، فلا يملك شيء شيئا بحقيقة معنى الكلمة و هو الذلة و المسكنة على الإطلاق و إنما نسبت العنوة إلى الوجوه لأنها أول ما تبدو و تظهر في الوجوه، و لازم هذه العنوة أن لا يمنع حكمه و لا نفوذه فيهم مانع و لا يحول بينه و بين ما أراد بهم حائل.
و اختير من أسمائه الحي القيوم لأن مورد الكلام الأموات أحيوا ثانيا و قد تقطعت عنهم الأسباب اليوم و المناسب لهذا الظرف من صفاته حياته المطلقة و قيامه بكل أمر.
قوله تعالى: «و قد خاب من حمل ظلما و من يعمل من الصالحات و هو مؤمن فلا يخاف ظلما و لا هضما» بيان لجزائهم أما قوله: «و قد خاب من حمل ظلما» فالمراد بهم المجرمون غير المؤمنين فلهم الخيبة بسوء الجزاء لا كل من حمل ظلما ما أي ظلم كان من مؤمن أو كافر فإن المؤمن لا يخيب يومئذ بالشفاعة.
و لو كان المراد العموم و أن كل من حمل ظلما ما فهو خائب فالمراد بالخيبة الخيبة من السعادة التي يضادها ذلك الظلم دون الخيبة من السعادة مطلقا.
و أما قوله: «و من يعمل من الصالحات و هو مؤمن» إلخ فهو بيان استطرادي لحال المؤمنين الصلحاء جيء به لاستيفاء الأقسام و تتميم القول في الفريقين الصلحاء و المجرمين، و قد قيد العمل الصالح بالإيمان لأن الكفر يحبط العمل الصالح بمقتضى آيات الحبط، و الهضم هو النقص، و معنى الآية ظاهر.
و قد تم باختتام هذه الآية بيان إجمال ما يجري عليهم يوم الجزاء من حين يبعثون إلى أن يجزوا بأعمالهم فقد ذكر إحضارهم بقوله: «يوم ينفخ في الصور» أولا ثم حشرهم و قرب ذلك منهم حتى أنه يرى أمثلهم طريقة أنهم لبثوا في الأرض يوما واحدا بقوله: «يتخافتون بينهم» إلخ ثانيا.
ثم تسطيح الأرض لاجتماعهم عليها بقوله: «و يسألونك عن الجبال» إلخ، ثالثا.
ثم طاعتهم و اتباعهم الداعي للحضور بقوله: «يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له» إلخ، رابعا.
ثم عدم تأثير الشفاعة لإسقاط الجزاء بقوله: «يومئذ لا تنفع الشفاعة» إلخ خامسا.
ثم إحاطة علمهم بحالهم من غير عكس و هي مقدمة للحساب و الجزاء بقوله: «يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم» إلخ سادسا.
ثم سلطانه عليهم و ذلتهم عنده و نفوذ حكمه فيهم بقوله: «و عنت الوجوه للحي القيوم» سابعا.
ثم الجزاء بقوله: «و قد خاب» إلخ ثامنا، و بهذا يظهر وجه ترتب الآيات و ذكر ما ذكر فيها.
قوله تعالى: «و كذلك أنزلناه قرآنا عربيا و صرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا» ظاهر سياقها أن الإشارة بكذلك إلى خصوصيات بيان الآيات، و «قرآنا عربيا» حال من الضمير في «أنزلناه» و التصريف، هو التحويل من حال إلى حال، و المعنى و على ذلك النحو من البيان المعجز أنزلنا الكتاب و الحال أنه قرآن مقرو عربي و أتينا فيه ببعض ما أوعدناهم في صورة بعد صورة.
و قوله: «لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا» قد أورد فيما تقدم من قوله: «لعله يتذكر أو يخشى» الذكر مقابلا للخشية و يستأنس منه أن المراد بالاتقاء هاهنا هو التحرز من المعاداة و اللجاج الذي هو لازم الخشية باحتمال الضرر دون الاتقاء المترتب على الإيمان بإتيان الطاعات و اجتناب المعاصي، و يكون المراد بإحداث الذكر لهم حصول التذكر فيهم و تتم المقابلة بين الذكر و التقوى من غير تكلف.
و المعنى - و الله أعلم - لعلهم يتحرزون المعاداة مع الحق لحصول الخشية في قلوبهم باحتمال الخطر لاحتمال كونه حقا أو يحدث لهم ذكرا للحق فيعتقدوا به.
قوله تعالى: «فتعالى الله الملك الحق» تسبيح و تنزيه له عن كل ما لا يليق بساحة قدسه، و هو يقبل التفرع على إنزال القرآن و تصريف الوعيد فيه لهداية الناس و التفرع عليه و على ما ذكر قبله من حديث الحشر و الجزاء و هذا هو الأنسب نظرا إلى انسلاك الجميع في سلك واحد و هو أنه تعالى ملك يتصرف في ملكه بهداية الناس إلى ما فيه صلاح أمرهم ثم إحضارهم و جزائهم على ما عملوا من خير أو شر.
فتعالى الله الذي يملك كل شيء ملكا مطلقا لا مانع من تصرفه و لا معقب لحكمه يرسل الرسل و ينزل الكتب لهداية الناس و هو من شئون ملكه ثم يبعثهم بعد موتهم و يحضرهم فيجزيهم على ما عملوا و قد عنوا للحي القيوم و هذا أيضا من شئون ملكه فهو الملك في الأولى و الآخرة و هو الحق الثابت على ما كان لا يزول عما هو عليه.
و يمكن أن يتفرع على جميع ما تقدم من قصة موسى و ما فرع عليها إلى هنا و يكون بمنزلة ختم ذلك بالتسبيح و الاستعظام.
قوله تعالى: «و لا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه و قل رب زدني علما» السياق يشهد بأن في الكلام تعرضا لتلقي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحي القرآن، فضمير «وحيه» للقرآن، و قوله: «و لا تعجل بالقرآن» نهي عن العجل بقراءته، و معنى قوله: «من قبل أن يقضى إليك وحيه» من قبل أن يتم وحيه من ملك الوحي.
فيفيد أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا جاءه الوحي بالقرآن يعجل بقراءة ما يوحى إليه قبل أن يتم الوحي فنهى عن أن يعجل في قراءته قبل انقضاء الوحي و تمامه فيكون الآية في معنى قوله تعالى في موضع آخر: «لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه و قرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه:» القيامة: 18.
و يؤيد هذا المعنى قوله بعد: «و قل رب زدني علما» فإن سياق قوله: لا تعجل به و قل رب زدني، يفيد أن المراد هو الاستبدال أي بدل الاستعجال في قراءة ما لم ينزل بعد، طلبك زيادة العلم و يئول المعنى إلى أنك تعجل بقراءة ما لم ينزل بعد لأن عندك علما به في الجملة لكن لا تكتف به و اطلب من الله علما جديدا بالصبر و استماع بقية الوحي.
و هذه الآية مما يؤيد ما ورد من الروايات أن للقرآن نزولا دفعة واحدة غير نزوله نجوما على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلو لا علم ما منه بالقرآن قبل ذلك لم يكن لعجله بقراءة ما لم ينزل منه بعد معنى.
و قيل: المراد بالآية و لا تعجل بقراءة القرآن لأصحابك و إملائه عليهم من قبل أن يتبين لك معانيه، و أنت خبير بأن لفظ الآية لا تعلق له بهذا المعنى.
و قيل: المراد و لا تسأل إنزال القرآن قبل أن يقضي الله وحيه إليك، و هو كسابقه غير منطبق على لفظ الآية.
بحث روائي
في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «إذ يقول أمثلهم طريقة» قال: أعلمهم و أصلحهم يقولون: «إن لبثتم إلا يوما». و في المجمع،: قيل إن رجلا من ثقيف سأل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): كيف تكون الجبال مع عظمها يوم القيامة؟ فقال: إن الله يسوقها بأن يجعلها كالرمال ثم يرسل عليها الرياح فتفرقها.
أقول: و روى هذا المعنى في الدر المنثور، عن ابن المنذر عن ابن جريح و لفظه: قالت قريش: يا محمد كيف يفعل ربك بهذه الجبال يوم القيامة؟ فنزلت: «و يسألونك عن الجبال» الآية و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «لا ترى فيها عوجا و لا أمتا» قال: الأمت: الارتفاع، و العوج: الحزون و الذكوات. و فيه،: في قوله تعالى: «يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له» قال: مناد من عند الله عز و جل. و فيه،: في قوله تعالى: «و خشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا»: حدثني أبي عن الحسن بن محبوب عن أبي محمد الوابشي عن أبي الورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد حفاة عراة فيوقفون في المحشر حتى يعرقوا عرقا شديدا و تشتد أنفاسهم فيمكثون في ذلك مقدار خمسين عاما و هو قول الله: «و خشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا» الحديث.
و في الكافي، أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى قال: سألني أبو قرة المحدث أن أدخله إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال و الحرام و الأحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد. فقال أبو قرة: إنا روينا أن الله قسم الرؤية و الكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسى و لمحمد الرؤية، فقال أبو الحسن (عليه السلام): فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن و الإنس «لا تدركه الأبصار» «و لا يحيطون به علما» «و ليس كمثله شيء»؟ أ ليس محمد؟ قال بلى. قال: كيف يجيء رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله و أنه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول: «لا تدركه الأبصار» «و لا يحيطون به علما» «و ليس كمثله شيء» ثم يقول: أنا رأيته بعيني و أحطت به علما و هو على صورة البشر؟ أ ما تستحيون، ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشيء ثم يأتي بخلافه من وجه آخر، إلى قوله: و قد قال الله: «و لا يحيطون به علما» فإذا رأته الأبصار فقد أحاط به العلم و وقعت المعرفة. فقال أبو قرة: فتكذب بالروايات؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام) إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها، و ما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما و لا تدركه الأبصار و ليس كمثله شيء.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و لا تعجل بالقرآن» الآية، قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا نزل عليه القرآن بادر بقراءته قبل تمام نزول الآية، و المعنى: فأنزل الله «و لا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه» - أي يفرغ من قراءته «و قل رب زدني علما».
أقول: و روى هذا المعنى في الدر المنثور، عن ابن أبي حاتم عن السدي: إلا أن فيه أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يفعل ذلك خوفا من النسيان و أنت تعلم أن نسيان الوحي لا يلائم عصمة النبوة.
و في الدر المنثور، أخرج الفاريابي و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن الحسن قال: لطم رجل امرأته فجاءت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تطلب قصاصا، فجعل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بينهما القصاص، فأنزل الله «و لا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه - و قل رب زدني علما»، فوقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى نزلت «الرجال قوامون على النساء» الآية.
أقول: و الحديث لا يخلو من شيء فلا الآية الأولى بمضمونها تنطبق على المورد و لا الثانية، و قد سبق البحث عن كليهما.
و في المجمع، روت عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علما يقربني إلى الله فلا بارك الله لي في طلوع شمسه.
أقول: و الحديث لا يخلو من شيء و كيف يظن بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يدعو على نفسه في أمر ليس إليه، و لعل في الرواية تحريفا من جهة النقل بالمعنى.
|