بيان
تذكر الآيات جماعة آخرين من الأنبياء و هم داود و سليمان و أيوب و إسماعيل و إدريس و ذو الكفل و ذو النون و زكريا و يحيى و عيسى (عليهما السلام)، و لم يراع في ذكرهم الترتيب بحسب الزمان و لا الانتقال من اللاحق إلى السابق كما في الآيات السابقة، و قد أشار سبحانه إلى شيء من نعمه العظام على بعضهم و اكتفى في بعضهم بمجرد ذكر الاسم.
قوله تعالى: «و داود و سليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم - إلى قوله - حكما و علما» الحرث الزرع و الحرث أيضا الكرم، و النفش رعي الماشية بالليل، و في المجمع،: النفش بفتح الفاء و سكونها أن تنتشر الإبل و الغنم بالليل فترعى بلا راع.
انتهى.
و قوله: «و داود و سليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه» السياق يعطي أنها واقعة واحدة بعينها رفع حكمها إلى داود لكونه هو الملك الحاكم في بني إسرائيل و قد جعله الله خليفة في الأرض كما قال: «يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق:» ص: 26 فإن كان سليمان يداخل في حكم الواقعة فعن إذن منه و لحكمة ما و لعلها إظهار أهليته للخلافة بعد داود.
و من المعلوم أن لا معنى لحكم حاكمين في واقعة واحدة شخصية مع استقلال كل واحد منهما في الحكم و نفوذه، و من هنا يظهر أن المراد بقوله: «إذ يحكمان» إذ يتناظران أو يتشاوران في الحكم لا إصدار الحكم النافذ، و يؤيده كمال التأييد التعبير بقوله: «إذ يحكمان» على نحو حكاية الحال الماضية كأنهما أخذا في الحكم أخذا تدريجيا لم يتم بعد و لن يتم إلا حكما واحدا نافذا و كان الظاهر أن يقال: إذ حكما.
و يؤيده أيضا قوله: «و كنا لحكمهم شاهدين» فإن الظاهر أن ضمير «لحكمهم» للأنبياء و قد تكرر في كلامه تعالى أنه آتاهم الحكم لا كما قيل: إن الضمير لداود و سليمان و المحكوم لهم إذ لا وجه يوجه به نسبة الحكم إلى المحكوم لهم أصلا فكان الحكم حكما واحدا هو حكم الأنبياء و الظاهر أنه ضمان صاحب الغنم للمال الذي أتلفته غنمه.
فكان الحكم حكما واحدا اختلفا في كيفية إجرائه عملا إذ لو كان الاختلاف في أصل الحكم لكان فرض صدور حكمين منهما بأحد وجهين إما بكون كلا الحكمين حكما واقعيا لله ناسخا أحدهما - و هو حكم سليمان - الآخر و هو حكم داود لقوله تعالى: «ففهمناها سليمان» و إما بكون الحكمين معا عن اجتهاد منهما بمعنى الرأي الظني مع الجهل بالحكم الواقعي و قد صدق تعالى اجتهاد سليمان فكان هو حكمه.
أما الأول و هو كون حكم سليمان ناسخا لحكم داود فلا ينبغي الارتياب في أن ظاهر جمل الآية لا يساعد عليه إذ الناسخ و المنسوخ متباينان و لو كان حكماهما من قبيل النسخ و متباينين لقيل: و كنا لحكمهما أو لحكميهما ليدل على التعدد و التباين و لم يقل: «و كنا لحكمهم شاهدين» المشعر بوحدة الحكم و كونه تعالى شاهدا له الظاهر في صونهم عن الخطإ، و لو كان داود حكم في الواقعة بحكم منسوخ لكان على الخطإ، و لا يناسبه أيضا قوله: «و كلا آتينا حكما و علما» و هو مشعر بالتأييد ظاهر في المدح.
و أما الثاني و هو كون الحكمين عن اجتهاد منهما مع الجهل بحكم الله الواقعي فهو أبعد من سابقه لأنه تعالى يقول: «ففهمناها سليمان» و هو العلم بحكم الله الواقعي و كيف ينطبق على الرأي الظني بما أنه رأي ظني.
ثم يقول: و كلا آتينا حكما و علما فيصدق بذلك أن الذي حكم به داود أيضا كان حكما علميا لا ظنيا و لو لم يشمل قوله: «و كلا آتينا حكما و علما» حكم داود في الواقعة لم يكن وجه لإيراد الجملة في المورد.
على أنك سمعت أن قوله: «و كنا لحكمهم شاهدين» لا يخلو من إشعار بل دلالة على أن الحكم كان واحدا و مصونا عن الخطإ.
فلا يبقى إلا أن يكون حكمهما واحدا في نفسه مختلفا من حيث كيفية الإجراء و كان حكم سليمان أوفق و أرفق.
و قد وردت في روايات الشيعة و أهل السنة ما إجماله أن داود حكم لصاحب الحرث برقاب الغنم و سليمان حكم له بمنافعها في تلك السنة من ضرع و صوف و نتاج.
و لعل الحكم كان هو ضمان ما أفسدته الغنم من الحرث على صاحبها و كان ذلك مساويا لقيمة رقاب الغنم فحكم داود لذلك برقابها لصاحب الحرث، و حكم سليمان بما هو أرفق منه و هو أن يستوفي ما أتلفت من ماله من منافعها في تلك السنة و المنافع المستوفاة من الغنم كل سنة تعدل قيمتها قيمة الرقبة عادة.
فقوله: «و داود و سليمان» أي و اذكر داود و سليمان «إذ» حين «يحكمان في الحرث «إذ» حين «نفشت فيه غنم القوم» أي تفرقت فيه ليلا و أفسدته «و كنا لحكمهم» أي لحكم الأنبياء، و قيل: الضمير راجع إلى داود و سليمان و المحكوم له، و قد عرفت ما فيه، و قيل: الضمير لداود و سليمان لأن الاثنين جمع و هو كما ترى «شاهدين» حاضرين نرى و نسمع و نوقفهم على وجه الصواب فيه «ففهمناها» أي الحكومة و القضية «سليمان و كلا» من داود و سليمان «آتينا حكما و علما» و ربما قيل: إن تقدير صدر الآية «و آتينا داود و سليمان حكما و علما» إذ يحكمان إلخ.
قوله تعالى: «و سخرنا مع داود الجبال يسبحن و الطير و كنا فاعلين» التسخير هو تذليل الشيء بحيث يكون عمله على ما هو عليه في سبيل مقاصد المسخر - بكسر الخاء - و هذا غير الإجبار و الإكراه و القسر فإن الفاعل فيها خارج عن مقتضى اختياره أو طبعه بخلاف الفاعل المسخر - بفتح الخاء - فإنه جار على مقتضى طبعه و اختياره كما أن إحراق الإنسان الحطب بالنار فعل تسخيري من النار و ليست بمقسورة و كذا فعل الأجير لمؤجره فعل تسخيري من الأجير و ليس بمجبر و لا مكره.
و من هنا يظهر أن معنى تسخير الجبال و الطير مع داود يسبحن معه أن لهما تسبيحا في نفسهما و تسخيرهما أن يسبحن مع داود بمواطاة تسبيحه فقوله: «يسبحن» بيان لقوله: «و سخرنا مع داود» و قوله: «و الطير» معطوف على الجبال.
و قوله: «و كنا فاعلين أي كانت أمثال هذه المواهب و العنايات من سنتنا و ليس ما أنعمنا به عليهما ببدع منا.
قوله تعالى: «و علمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون» قال في المجمع،: اللبوس اسم للسلاح كله عند العرب - إلى أن قال - و قيل: هو الدرع انتهى.
و في المفردات،: و قوله تعالى: «صنعة لبوس لكم» يعني به الدرع.
و البأس شدة القتال و كأن المراد به في الآية شدة وقع السلاح و ضمير «و علمناه» لداود كما قال في موضع آخر: «و ألنا له الحديد» و المعنى و علمنا داود صنعة درعكم - أي علمناه كيف يصنع لكم الدرع لتحرزكم و تمنعكم شدة وقع السلاح و قوله: «فهل أنتم شاكرون» تقرير على الشكر.
قوله تعالى: «و لسليمان الريح عاصفة تجري بأمره» إلخ.
عطف على قوله «مع داود» أي و سخرنا لسليمان الريح عاصفة أي شديدة الهبوب تجري الريح بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها و هي أرض الشام التي كان يأوي إليها سليمان و كنا عالمين بكل شيء.
و ذكر تسخير الريح عاصفة مع أن الريح كانت مسخرة له في حالتي شدتها و رخائها كما قال: «رخاء حيث أصاب:» (صلى الله عليه وآله وسلم) - 36 أن تسخير الريح عاصفة أعجب و أدل على القدرة.
قيل: و لشيوع كونه (عليه السلام) ساكنا في تلك الأرض لم يذكر جريانها بأمره منها و اقتصر على ذكر جريانها إليها و هو أظهر في الامتنان انتهى، و يمكن أن يكون المراد جريانها بأمره إليها لتحمله منها إلى حيث أراد لا جريانها إليها لترده إليها و تنزله فيها بعد ما حملته، و على هذا يشمل الكلام الخروج منها و الرجوع إليها جميعا.
قوله تعالى: «و من الشياطين من يغوصون له و يعملون عملا دون ذلك و كنا لهم حافظين» كان الغوص لاستخراج أمتعة البحر من اللئالي و غيرها، و المراد بالعمل الذي دون ذلك ما ذكره بقوله: «يعملون له ما يشاء من محاريب و تماثيل و جفان كالجواب و قدور راسيات:» سبأ: 13، و المراد بحفظ الشياطين حفظهم في خدمته و منعهم من أن يهربوا أو يمتنعوا أو يفسدوا عليه الأمر، و المعنى ظاهر و ستجيء قصتا داود و سليمان (عليهما السلام) في سورة سبإ إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: «و أيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر و أنت أرحم الراحمين» الضر بالضم خصوص ما يمس النفس من الضرر كالمرض و الهزال و نحوهما و بالفتح أعم.
و قد شملته (عليه السلام) البلية فذهب ماله و مات أولاده و ابتلي في بدنه بمرض شديد مدة مديدة ثم دعا الله و شكى إليه حاله فاستجاب الله له و نجاه من مرضه و أعاد عليه ماله و ولده و مثلهم معهم و هو قوله في الآية التالية: «فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر» أي نجيناه من مرضه و شفيناه «و آتيناه أهله» أي من مات من أولاده «و مثلهم معهم رحمة من عندنا و ذكرى للعابدين» ليتذكروا و يعلموا أن الله يبتلي أولياءه امتحانا منه لهم ثم يؤتيهم أجرهم و لا يضيع أجر المحسنين.
و ستجيء قصة أيوب (عليه السلام) في سورة ص إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: «و إسماعيل و إدريس و ذا الكفل» إلخ.
أما إدريس (عليه السلام) فقد تقدمت قصته في سورة مريم، و أما إسماعيل فستجيء قصته في سورة الصافات، و تأتي قصة ذي الكفل في سورة ص إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى: «و ذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه» إلخ.
النون الحوت و ذو النون هو يونس النبي ابن متى صاحب الحوت الذي بعث إلى أهل نينوى فدعاهم فلم يؤمنوا فسأل الله أن يعذبهم فلما أشرف عليهم العذاب تابوا و آمنوا فكشفه الله عنهم ففارقهم يونس فابتلاه الله أن ابتلعه حوت فناداه تعالى في بطنه فكشف عنه و أرسله ثانيا إلى قومه.
و قوله: «و ذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه» أي و اذكر ذا النون إذ ذهب مغاضبا أي لقومه حيث لم يؤمنوا به فظن أن لن نقدر عليه أي لن نضيق عليه من قدر عليه رزقه أي ضاق كما قيل.
و يمكن أن يكون قوله: «إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه» واردا مورد التمثيل أي كان ذهابه هذا و مفارقة قومه ذهاب من كان مغاضبا لمولاه و هو يظن أن مولاه لن يقدر عليه و هو يفوته بالابتعاد منه فلا يقوى على سياسته و أما كونه (عليه السلام) مغاضبا لربه حقيقة و ظنه أن الله لا يقدر عليه جدا فمما يجل ساحة الأنبياء الكرام عن ذلك قطعا و هم معصومون بعصمة الله.
و قوله: «فنادى في الظلمات» إلخ.
فيه إيجاز بالحذف و الكلام متفرع عليه و التقدير فابتلاه الله بالحوت فالتقمه فنادى في بطنه ربه، و الظاهر أن المراد بالظلمات كما قيل - ظلمة البحر و ظلمة بطن الحوت و ظلمة الليل.
و قوله: «أن لا إله إلا أنت سبحانك» تبر منه (عليه السلام) مما كان يمثله ذهابه لوجهه و مفارقته قومه من غير أن يؤمر فإن ذهابه ذلك كان يمثل - و إن لم يكن قاصدا ذلك متعمدا فيه - أن هناك مرجعا يمكن أن يرجع إليه غير ربه فتبرأ من ذلك بقوله لا إله إلا أنت، و كان يمثل أن من الجائز أن يعترض على فعله فيغاضب منه و أن من الممكن أن يفوته تعالى فائت فيخرج من حيطة قدرته فتبرأ من ذلك بتنزيهه بقوله: سبحانك.
و قوله: «إني كنت من الظالمين» اعتراف بالظلم من حيث إنه أتى بعمل كان يمثل الظلم و إن لم يكن ظلما في نفسه و لا هو (عليه السلام) قصد به الظلم و المعصية غير أن ذلك كان تأديبا منه تعالى و تربية لنبيه ليطأ بساط القرب بقدم مبرأة في مشيتها من تمثيل الظلم فضلا عن نفس الظلم.
قوله تعالى: «فاستجبنا له و نجيناه من الغم و كذلك ننجي المؤمنين» هو (عليه السلام) و إن لم يصرح بشيء من الطلب و الدعاء، و إنما أتى بالتوحيد و التنزيه و اعترف بالظلم لكنه أظهر بذلك حاله و أبدى موقفه من ربه و فيه سؤال النجاة و العافية فاستجاب الله له.
و نجاه من الغم و هو الكرب الذي نزل به.
و قوله: «و كذلك ننجي المؤمنين» وعد بالإنجاء لمن ابتلي من المؤمنين بغم ثم نادى ربه بمثل ما نادى به يونس (عليه السلام) و ستجيء قصته (عليه السلام) في سورة الصافات إن شاء الله.
قوله تعالى: و زكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا و أنت خير الوارثين» معطوف على ما عطف عليه ما قبله أي و اذكر زكريا حين نادى ربه يسأل ولدا و قوله: «رب لا تذرني فردا» بيان لندائه، و المراد بتركه فردا أن يترك و لا ولد له يرثه.
و قوله: «و أنت خير الوارثين» ثناء و تحميد له تعالى بحسب لفظه و نوع تنزيه له بحسب المقام إذ لما قال: «لا تذرني فردا» و هو كناية عن طلب الوارث و الله سبحانه هو الذي يرث كل شيء نزهه تعالى عن مشاركة غيره له في معنى الوراثة و رفعه عن مساواة غيره فقال: «و أنت خير الوارثين».
قوله تعالى: «فاستجبنا له و وهبنا له يحيى و أصلحنا له زوجه» إلخ.
ظاهر الكلام أن المراد بإصلاح زوجه أي زوج زكريا له جعلها شابة ولودا بعد ما كانت عاقرا كما يصرح به في دعائه «و كانت امرأتي عاقرا:» مريم: 8.
و قوله: «إنهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغبا و رهبا و كانوا لنا خاشعين» ظاهر السياق أن ضمير الجمع لبيت زكريا، و كأنه تعليل لمقدر معلوم من سابق الكلام و التقدير نحو من قولنا: أنعمنا عليهم لأنهم كانوا يسارعون في الخيرات.
و الرغب و الرهب مصدران كالرغبة و الرهبة بمعنى الطمع و الخوف و هما تمييزان إن كانا باقيين على معناهما المصدري و حالان إن كانا بمعنى الفاعل و الخشوع هو تأثر القلب من مشاهدة العظمة و الكبرياء.
و المعنى: أنعمنا عليهم لأنهم كانوا يسارعون في الخيرات من الأعمال و يدعوننا رغبة في رحمتنا أو ثوابنا رهبة من غضبنا أو عقابنا أو يدعوننا راغبين راهبين و كانوا لنا خاشعين بقلوبهم.
و قد تقدمت قصة زكريا و يحيى (عليهما السلام) في أوائل سورة مريم.
قوله تعالى: «و التي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا و جعلناها و ابنها آية للعالمين» المراد بالتي أحصنت فرجها مريم ابنة عمران و فيه مدح لها بالعفة و الصيانة و رد لما اتهمها به اليهود.
و قوله: «فنفخنا فيها من روحنا» الضمير لمريم و النفخ فيها من الروح كناية عن عدم استناد ولادة عيسى (عليه السلام) إلى العادة الجارية في كينونة الولد من تصور النطفة أولا ثم نفخ الروح فيها فإذا لم يكن هناك نطفة مصورة لم يبق إلا نفخ الروح فيها و هي الكلمة الإلهية كما قال: «إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون:» آل عمران: 59 أي مثلهما واحد في استغناء خلقهما عن النطفة.
و قوله: «و جعلناها و ابنها آية للعالمين» أفرد الآية فعدهما أعني مريم و عيسى (عليهما السلام) معا آية واحدة للعالمين لأن الآية هي الولادة كذلك و هي قائمة بهما معا و مريم أسبق قدما في إقامة هذه الآية و لذا قال تعالى: «و جعلناها و ابنها آية» و لم يقل: و جعلنا ابنها و إياها آية.
و كفى لها فخرا أن يدخل ذكرها في ذكر الأنبياء (عليهم السلام) في كلامه تعالى و ليست منهم.
بحث روائي
في الفقيه، روى جميل بن دراج عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «و داود و سليمان إذ يحكمان في الحرث - إذ نفشت فيه غنم القوم» قال: لم يحكما إنما كانا يتناظران ففهمها سليمان.
أقول: تقدم في بيان معنى الآية ما يتضح به معنى الحديث.
و في الكافي، بإسناده عن الحسين بن سعيد عن بعض أصحابنا عن المعلى أبي عثمان عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل: «و داود و سليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم» فقال: لا يكون النفش إلا بالليل إن على صاحب الحرث أن يحفظ الحرث بالنهار، و ليس على صاحب الماشية حفظها بالنهار إنما رعاها بالنهار و أرزاقها فما أفسدت فليس عليها، و على صاحب الماشية حفظ الماشية بالليل عن حرث الناس فما أفسدت بالليل فقد ضمنوا و هو النفش. و إن داود حكم للذي أصاب زرعه رقاب الغنم، و حكم سليمان الرسل و الثلاثة و هو اللبن و الصوف في ذلك العام.
أقول: و روى فيه، أيضا بإسناده عن أبي بصير عنه (عليه السلام) و في الحديث: فحكم داود بما حكمت به الأنبياء (عليهم السلام) من قبله، و أوحى الله إلى سليمان (عليه السلام): و أي غنم نفشت في زرع فليس لصاحب الزرع إلا ما خرج من بطونها. و كذلك جرت السنة بعد سليمان و هو قول الله عز و جل: «و كلا آتينا حكما و علما» فحكم كل واحد منهما بحكم الله عز و جل.
و في تفسير القمي، بإسناده عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) في حديث ذكر فيه: أن الحرث كان كرما نفشت فيه الغنم و ذكر حكم سليمان ثم قال: و كان هذا حكم داود و إنما أراد أن يعرف بني إسرائيل أن سليمان وصيه بعده، و لم يختلفا في الحكم و لو اختلف حكمهما لقال: و كنا لحكمهما شاهدين.
و في المجمع،: و اختلف في الحكم الذي حكما به فقيل: إنه كان كرما قد بدت عناقيده فحكم داود بالغنم لصاحب الكرم فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله ارفق. قال: و ما ذاك؟ قال: تدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان و تدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها حتى إذا عاد الكرم كما كان ثم دفع كل واحد منهما إلى صاحبه ماله:، و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليه السلام).
أقول: و روي: كون الحرث كرما من طرق أهل السنة عن عبد الله بن مسعود و هناك روايات أخر عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قريبة المضامين مما أوردناه، و ما مر في بيان معنى الآية يكفي في توضيح مضامين الروايات.
و في تفسير القمي،: و قوله عز و جل: «و لسليمان الريح عاصفة» قال: تجري من كل جانب «إلى الأرض التي باركنا فيها» قال: إلى بيت المقدس و الشام.
و فيه، أيضا بإسناده عن عبد الله بن بكير و غيره عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «و آتيناه أهله و مثلهم معهم» قال: أحيا الله عز و جل له أهله الذين كانوا قبل البلية و أحيا له الذين ماتوا و هو في البلية.
و فيه، أيضا و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام): في قوله: «و ذا النون إذ ذهب مغاضبا» يقول: من أعمال قومه «فظن أن لن نقدر عليه» يقول: ظن أن لن يعاقب بما صنع.
و في العيون، بإسناده عن أبي الصلت الهروي في حديث الرضا (عليه السلام) مع المأمون في عصمة الأنبياء قال (عليه السلام): و أما قوله: «و ذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه» إنما «ظن» بمعنى استيقن أن لن يضيق عليه رزقه أ لا تسمع قول الله عز و جل: «و أما إذا ما ابتلاه - فقدر عليه رزقه» أي ضيق عليه رزقه. و لو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر.
و في التهذيب، بإسناده عن الزيات عن رجل عن كرام عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: أربع لأربع إلى أن قال و الرابعة للغم و الهم «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» قال الله سبحانه: «فاستجبنا له و نجيناه من الغم - و كذلك ننجي المؤمنين».
أقول: و روى هذا المعنى في الخصال، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) مرسلا.
و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير عن سعد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: اسم الله الذي إذا دعي به أجاب و إذا سئل به أعطى دعوة يونس بن متى قلت: يا رسول الله هي ليونس خاصة أم لجماعة المسلمين؟ قال: هي ليونس خاصة و للمؤمنين إذا دعوا بها أ لم تسمع قول الله: «و كذلك ننجي المؤمنين» فهو شرط من الله لمن دعاه.
و في تفسير القمي،: في قوله تعالى: «و أصلحنا له زوجه» قال: كانت لا تحيض فحاضت.
و في المعاني، بإسناده إلى علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: الرغبة أن تستقبل براحتيك السماء و تستقبل بهما وجهك، و الرهبة أن تلقي كفيك و ترفعهما إلى الوجه.
أقول: و روى مثله في الكافي، بإسناده عن أبي إسحاق عن أبي عبد الله (عليه السلام) و لفظه قال: الرغبة أن تستقبل ببطن كفيك إلى السماء، و الرهبة أن تجعل ظهر كفيك إلى السماء.
و في تفسير القمي،: «يدعوننا رغبا و رهبا» قال: راغبين راهبين، و قوله: «التي أحصنت فرجها» قال: مريم لم ينظر إليها شيء، و قوله «فنفخنا فيها من روحنا» قال: روح مخلوقة يعني من أمرنا.
|