بيان
تذكر الآيات بعض مكر المشركين بالقرآن و بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - بعد ما ذمتهم على تماديهم في إنكار التوحيد و المعاد و احتجت عليهم في ذلك - حيث أرادوا أن يفتنوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن بعض ما أوحي إليه ليداهنهم فيه بعض المداهنة، و أرادوا أن يخرجوه من مكة.
و قد أوعد الله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أشد الوعيد إن مال إلى الركون إليهم بعض الميل، و أوعدهم أن أخرجوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالهلاك.
و في الآيات إيصاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصلوات و الالتجاء بربه في مدخله و مخرجه و إعلام ظهور الحق.
قوله تعالى: «و إن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره و إذا لاتخذوك خليلا» إن مخففة بدليل اللام في «ليفتنونك» و الفتنة الإزلال و الصرف، و الخليل من الخلة بمعنى الصداقة و ربما قيل: هو من الخلة بمعنى الحاجة و هو بعيد.
و ظاهر السياق أن المراد بالذي أوحينا إليك القرآن بما يشتمل عليه من التوحيد و نفي الشريك و السيرة الصالحة و هذا يؤيد ما ورد في بعض أسباب النزول أن المشركين سألوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكف عن ذكر آلهتهم بسوء و يبعد عن نفسه عبيدهم المؤمنين به و السقاط حتى يجالسوه و يسمعوا منه فنزلت الآيات.
و المعنى: و إن المشركين اقتربوا أن يزلوك و يصرفوك عما أوحينا إليك لتتخذ من السيرة و العمل ما يخالفه فيكون في ذلك افتراء علينا لانتسابه بعملك إلينا و إذا لاتخذوك صديقا.
قوله تعالى: «و لو لا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا» التثبيت - كما يفيده السياق - هو العصمة الإلهية و جعل جواب لو لا قوله: «لقد كدت تركن» دون نفس الركون و الركون هو الميل أو أدنى الميل كما قيل دليل على أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يركن و لم يكد، و يؤكده إضافة الركون إليهم دون إجابتهم إلى ما سألوه.
و المعنى: و لو لا أن ثبتناك بعصمتنا دنوت من أن تميل إليهم قليلا لكنا ثبتناك فلم تدن من أدنى الميل إليهم فضلا من أن تجيبهم إلى ما سألوا فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجبهم إلى ما سألوا و لا مال إليهم شيئا قليلا و لا كاد أن يميل.
قوله تعالى: «إذا لأذقناك ضعف الحياة و ضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا» سياق الآية سياق توعد فالمراد بضعف الحياة و الممات المضاعف من عذاب الحياة و الممات، و المعنى لو قارنت أن تميل إليهم بعض الميل لأذقناك الضعف من العذاب الذي نعذب به المجرمين في حياتهم و الضعف مما نعذبهم به في مماتهم أي ضعف عذاب الدنيا و الآخرة.
و نقل في المجمع، عن أبان بن تغلب أن المراد بالضعف العذاب المضاعف ألمه و المعنى لأذقناك عذاب الدنيا و عذاب الآخرة، و أنشد قول الشاعر: لمقتل مالك إذ بان.
مني.
أبيت الليل في ضعف أليم.
أي في عذاب أليم.
و ما في ذيل الآية من قوله: «ثم لا تجد لك علينا نصيرا» تشديد في الإيعاد أي إن العذاب واقع حينئذ لا مخلص منه.
قوله تعالى: «و إن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها و إذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا» الاستفزاز الإزعاج و التحريك بخفة و سهولة، و اللام في «الأرض» للعهد و المراد بها مكة، و الخلاف بمعنى بعد، و المراد بالقليل اليسير من الزمان.
و المعنى و إن المشركين قاربوا أن يزعجوك من أرض مكة لإخراجك منها و لو كان منهم و خرجت منها لم يمكثوا بعدك فيها إلا قليلا فهم هالكون لا محالة.
و قيل: هؤلاء الذين كادوا يستفزونه هم اليهود أرادوا أن يخرجوه من المدينة و قيل: المراد المشركون و اليهود أرادوا جميعا أن يخرجوه من أرض العرب.
و يبعد ذلك أن السورة مكية و الآيات ذات سياق واحد و ابتلاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) باليهود إنما كان بالمدينة بعد الهجرة.
قوله تعالى: «سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا و لا تجد لسنتنا تحويلا» التحويل نقل الشيء من حال، إلى حال، و قوله: «سنة» أي كسنة من قد أرسلنا و هو متعلق بقوله: «لا يلبثون» أي لا يلبثون بعدك إلا قليلا كسنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا.
و هذه السنة و هي إهلاك المشركين الذين أخرجوا رسولهم من بلادهم و طردوه من بينهم سنة لله سبحانه، و إنما نسبها إلى رسله لأنها مسنونة لأجلهم بدليل قوله بعد: «و لا تجد لسنتنا تحويلا» و قد قال تعالى: «و قال الذين كفروا لرسلهم ليخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين»: إبراهيم: 13.
و المعنى: و إذا نهلكهم لسنتنا التي سنناها لأجل من قد أرسلنا قبلك من رسلنا و أجريناها و لست تجد لسنتنا تحويلا و تبديلا.
قوله تعالى: «أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل و قرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا» قال في مجمع البيان،: الدلوك الزوال، و قال المبرد: دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها، و قيل: هو الغروب و أصله من الدلك فسمي الزوال دلوكا لأن الناظر إليها يدلك عينيه لشدة شعاعها، و سمي الغروب دلوكا لأن الناظر يدلك عينيه ليثبتها.
انتهى.
و قال فيه: غسق الليل ظهور ظلامه يقال: غسقت القرحة إذا انفجرت فظهر ما فيها.
انتهى، و في المفردات،: غسق الليل شدة ظلمته.
انتهى.
و قد اختلف المفسرون في تفسير صدر الآية و المروي عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من طرق الشيعة تفسير دلوك الشمس بزوالها و غسق الليل بمنتصفه، و سيجيء الإشارة إلى الروايات في البحث الروائي الآتي إن شاء الله.
و عليه فالآية تشمل من الوقت ما بين زوال الشمس و منتصف الليل، و الواقع في هذا المقدار من الوقت من الفرائض اليومية أربع صلاة الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة.
و بانضمام صلاة الصبح المدلول عليها بقوله: «و قرآن الفجر» إلخ إليها تتم الصلوات الخمس اليومية.
و قوله: «و قرآن الفجر» معطوف على الصلاة أي و أقم قرآن الفجر و المراد به صلاة الصبح لما تشتمل عليه من القرائة و قد اتفقت الروايات على أن صلاة الصبح هي المراد بقرآن الفجر.
و كذا اتفقت الروايات من طرق الفريقين على تفسير قوله ذيلا: «إن قرآن الفجر كان مشهودا» بأنه يشهده ملائكة الليل و ملائكة النهار، و سنشير إلى بعض هذه الروايات عن قريب إن شاء الله.
قوله تعالى: «و من الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا» التهجد من الهجود و هو النوم في الأصل و معنى التهجد التيقظ و السهر بعد النوم على ما ذكره غير واحد منهم، و الضمير في «به» للقرآن أو للبعض المفهوم من قوله: «و من الليل» و النافلة من النفل و هو الزيادة، و ربما قيل: إن قوله: «و من الليل» من قبيل الإغراء نظير قولنا: عليك بالليل، و الفاء في قوله: «فتهجد به» نظير قوله: «فإياي فارهبون»: النحل: 51.
و المعنى: و أسهر بعض الليل بعد نومتك بالقرآن - و هو الصلاة - حال كونها صلاة زائدة لك على الفريضة.
و قوله: «عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا» من الممكن أن يكون المقام مصدرا ميميا و هو البعث فيكون مفعولا مطلقا ليبعثك من غير لفظه، و المعنى عسى أن يبعثك ربك بعثا محمودا، و من الممكن أن يكون اسم مكان و البعث بمعنى الإقامة أو مضمنا معنى الإعطاء و نحوه، و المعنى عسى أن يقيمك ربك في مقام محمود أو يبعثك معطيا لك مقاما محمودا أو يعطيك باعثا مقاما محمودا.
و قد وصف سبحانه مقامه بأنه محمود و أطلق القول من غير تقييد و هو يفيد أنه مقام يحمده الكل و لا يثني عليه الكل إلا إذا استحسنه الكل و انتفع به الجميع و لذا فسروا المقام المحمود بأنه المقام الذي يحمده عليه جميع الخلائق و هو مقام الشفاعة الكبرى له (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة و قد اتفقت على هذا التفسير الروايات من طرق الفريقين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
قوله تعالى: «و قل رب أدخلني مدخل صدق و أخرجني مخرج صدق و اجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا» المدخل بضم الميم و فتح الخاء مصدر ميمي بمعنى الإدخال و نظيره المخرج بمعنى الإخراج، و العناية في إضافة الإدخال و الإخراج إلى الصدق أن يكون الدخول و الخروج في كل أمر منعوتا بالصدق جاريا على الحقيقة من غير أن يخالف ظاهره باطنه أو يضاد بعض أجزائه بعضا كأن يدعو الإنسان بلسانه إلى الله و هو يريد بقلبه أن يسود الناس أو يخلص في بعض دعوته لله و يشرك في بعضها غيره.
و بالجملة هو أن يرى الصدق في كل مدخل منه و مخرج و يستوعب وجوده فيقول ما يفعل و يفعل ما يقول و لا يقول و لا يفعل إلا ما يراه و يعتقد به، و هذا مقام الصديقين.
و يرجع المعنى إلى نحو قولنا: اللهم تول أمري كما تتولى أمر الصديقين.
و قوله: «و اجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا» أي سلطنة بنصرتي على ما أهم به من الأمور و أشتغل به من الأعمال فلا أغلب في دعوتي بحجة باطلة، و لا أفتتن بفتنة أو مكر يمكرني به أعداؤك و لا أضل بنزغ شيطان و وسوسته.
و الآية - كما ترى - مطلقة تأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يسأل ربه أن يتولى أمره في كل مدخل و مخرج بالصدق و يجعل له سلطانا من عنده ينصره فلا يزيغ في حق و لا يظهر بباطل فلا وجه لما ذكره بعض المفسرين أن المراد بالدخول و الخروج دخول المدينة بالهجرة و الخروج منها إلى مكة للفتح أو أن المراد بهما دخول القبر بالموت و الخروج منه بالبعث.
نعم لما كانت الآية بعد قوله: «و إن كادوا ليفتنونك» «و إن كادوا ليستفزونك» و في سياقهما، لوحت إلى أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يلتجىء إلى ربه في كل أمر يهم به أو يشتغل به من أمور الدعوة، و في الدخول و الخروج في كل مكان يسكنه أو يدخله أو يخرج منه و هو ظاهر.
قوله تعالى: «و قل جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا» قال في المجمع،: الزهوق هو الهلاك و البطلان يقال: زهقت نفسه إذا خرجت فكأنها قد خرجت إلى الهلاك.
انتهى و المعنى ظاهر.
و في الآية أمره (صلى الله عليه وآله وسلم) بإعلام ظهور الحق و هو لوقوع الآية في سياق ما مر من قوله: «و إن كادوا ليفتنونك» إلى آخر الآيات أمر بإياس المشركين من نفسه و تنبيههم أن يوقنوا أن لا مطمع لهم فيه (صلى الله عليه وآله وسلم).
و في الآية دلالة على أن الباطل لا دوام له كما قال تعالى في موضع آخر: «و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار»: إبراهيم: 26.
بحث روائي
في المجمع،: في سبب نزول قوله تعالى: «و إن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك» الآيات أنهم قالوا له: كف عن شتم آلهتنا و تسفيه أحلامنا و اطرد هؤلاء العبيد و السقاط الذين رائحتهم رائحة الصنان حتى نجالسك و نسمع منك فطمع في إسلامهم فنزلت الآية: أقول: و روي في الدر المنثور، عن ابن أبي حاتم عن سعيد بن نفير ما يقرب منه:.
و أما ما روي عن ابن عباس: أن أمية بن خلف و أبا جهل بن هشام و رجالا من قريش أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: تعال فاستلم آلهتنا و ندخل معك في دينك و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشتد عليه فراق قومه و يحب إسلامهم فرق لهم فأنزل الله: «و إن كادوا ليفتنونك إلى قوله نصيرا» فلا يلائم ظاهر الآيات حيث تنفي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقارب الركون فضلا عن الركون.
و كذا ما رواه الطبري و ابن مردويه عن ابن عباس: أن ثقيفا قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أجلنا سنة حتى يهدي لآلهتنا فإذا قبضنا الذي يهدي للآلهة أحرزناه ثم أسلمنا و كسرنا الآلهة فهم أن يؤجلهم فنزلت: «و إن كادوا ليفتنونك» الآية.
و كذا ما في تفسير العياشي، عن أبي يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام): في الآية قال: لما كان يوم الفتح أخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصناما من المسجد و كان منها صنم على المروة فطلبت إليه قريش أن يتركه و كان مستحيا ثم أمر بكسره فنزلت هذه الآية.
و نظيرهما أخبار أخر تقرب منها معنى فهذه روايات لا تلائم ظاهر الكتاب و حاشا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يهم بمثل هذه البدع و الله سبحانه ينفي عنه المقارنة من الركون و الميل اليسير فضلا أن يهم بالعمل.
على أن هذه القضايا من الحوادث الواقعة بعد الهجرة و السورة مكية.
و في العيون، بإسناده عن علي بن محمد بن الجهم عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام): مما سأله المأمون فقال له: أخبرني عن قول الله: «عفا الله عنك لم أذنت لهم» قال الرضا (عليه السلام) هذا مما نزل بإياك أعني و اسمعي يا جارة خاطب الله بذلك نبيه و أراد به أمته، و كذلك قوله: «لئن أشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين» و قوله تعالى: «و لو لا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا» قال: صدقت يا بن رسول الله.
و في المجمع، عن ابن عباس: في قوله تعالى: «إذا لأذقناك» الآية قال: إنه لما نزلت هذه الآية قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا.
و في تفسير العياشي، عن سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: قلت له: متى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم اليوم عليه؟ قال: بالمدينة حين ظهرت الدعوة و قوي الإسلام فكتب الله على المسلمين الجهاد، و زاد في الصلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبع ركعات في الظهر ركعتين، و في العصر ركعتين، و في المغرب ركعة، و في العشاء ركعتين، و أقر الفجر على ما فرضت عليه بمكة لتعجيل نزول ملائكة النهار إلى الأرض و تعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء فكان ملائكة الليل و ملائكة النهار يشهدون مع رسول الله الفجر فلذلك قال الله: «و قرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا» يشهد المسلمون و يشهد ملائكة الليل و النهار و في المجمع،: في قوله تعالى: «أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل و قرآن الفجر» قال: ففي الآية بيان وجوب الصلوات الخمس و بيان أوقاتها: و يؤيد ذلك ما رواه العياشي بالإسناد عن عبيدة بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في هذه الآية.
قال: إن الله افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروبها إلا أن هذه قبل هذه، و منها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه.
و في الدر المنثور، أخرج ابن جرير عن ابن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر.
و فيه، أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول و ابن جرير و الطبراني و ابن مردويه عن أبي الدرداء قال: قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «إن قرآن الفجر كان مشهودا» قال: يشهده الله و ملائكة الليل و ملائكة النهار.
أقول: تفسير كون قرآن الفجر مشهودا في روايات الفريقين بشهادة ملائكة الليل و ملائكة النهار يكاد يبلغ حد التواتر، و قد أضيف إلى ذلك في بعضها شهادة الله كما في هذه الرواية، و في بعضها شهادة المسلمين كما فيما تقدم.
و في تفسير العياشي، عن عبيد بن زرارة قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن المؤمن هل له شفاعة؟ قال: نعم فقال له رجل من القوم: هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: نعم للمؤمنين خطايا و ذنوب و ما من أحد إلا و يحتاج إلى شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يومئذ قال: و سأله رجل عن قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا سيد ولد آدم و لا فخر قال: نعم يأخذ حلقة من باب الجنة فيفتحها فيخر ساجدا فيقول: الله: ارفع رأسك اشفع تشفع اطلب تعط فيرفع رأسه ثم يخر ساجدا فيقول الله: ارفع رأسك اشفع تشفع و اطلب تعط ثم يرفع رأسه فيشفع يشفع فيشفع و يطلب فيعطى.
و فيه، عن سماعة بن مهران عن أبي إبراهيم (عليه السلام): في قول الله «عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا» قال: يقوم الناس يوم القيامة مقدار أربعين يوما و تؤمر الشمس فنزلت على رءوس العباد و يلجم العرق و تؤمر الأرض لا تقبل من عرقهم شيئا فيأتون آدم فيشفعون له فيدلهم على نوح و يدلهم نوح على إبراهيم، و يدلهم إبراهيم على موسى و يدلهم موسى على عيسى، و يدلهم عيسى على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيقول: عليكم بمحمد خاتم النبيين، فيقول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم): أنا لها فينطلق حتى يأتي باب الجنة فيدق فيقال له: من هذا؟ و الله أعلم فيقول محمد: افتحوا فإذا فتح الباب استقبل ربه فخر ساجدا فلا يرفع رأسه حتى يقال له تكلم و سل تعط و اشفع تشفع فيرفع رأسه فيستقبل ربه فيخر ساجدا فيقال له مثلها فيرفع رأسه حتى أنه ليشفع من قد أحرق بالنار فما أحد من الناس يوم القيامة في جميع الأمم أوجه من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو قول الله تعالى: «عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا».
أقول: و قوله: «حتى أنه ليشفع من قد أحرق بالنار» أي بعض من أدخل النار، و في معنى هذه الرواية عدة روايات من طرق أهل السنة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
و في الدر المنثور، أخرج البخاري و ابن جرير و ابن مردويه عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: إن الشمس لتدنو حتى يبلغ العرق نصف الإذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم (عليه السلام) فيقول: لست بصاحب ذلك ثم موسى (عليه السلام) فيقول مثل ذلك ثم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فيشفع فيقضي الله بين الخلائق فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة فيومئذ يبعثه الله مقاما.
و فيه، أخرج ابن جرير و البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: المقام المحمود الشفاعة.
و فيه، أخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي الوقاص قال: سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن المقام المحمود فقال: هو الشفاعة.
أقول: و الروايات في المضامين السابقة كثيرة.
|